مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إغلاق المفاعل النووي لا يعني بالضرورة توقف العمل فيه”

مفاعل "بيزناو 1" لإنتاج الطاقة النووية في سويسرا. وقد بوشر العمل ببناء هذا المُـفاعل، الأقدم في سويسرا، في خريف عام 1965 وبدأ تشغيله في 24 ديسمبر 1969 RDB

من الناحية النظرية، فإن عملية هَدْم محطّـات الطاقة النووية التي تمّ إيقاف العمل فيها وإغلاقها، هو أمرٌ تم تنظيمه بالفعل في سويسرا. ولكن الإغلاق السابق لأوانه لهذه المنشآت، سوف يَحمل معه عواقِـب مالية جسيمة.

وتُظهِر التجربة في ألمانيا، ضرورة احتساب ما قد يظهر من مفاجآت خلال عملية تفكيك مصانع توليد الطاقة هذه.

مُنذ تشغيل محطّـات الطاقة النووية في سويسرا، لم يحدُث لليوم أن اتّـصف وجودها في الطبيعة بمثل هذه “الهَشاشة السياسية”. ومنذ كارثة المفاعلات النووية في مدينة فوكوشيما، جَراء الزلزال العنيف والتسونامي اللذان ضربا اليابان يوم 11 مارس، لم تتوقّـف المطالب الداعية إلى إغلاق مُسبَـق وفي أقرب وقت مُمكن لأقدم المفاعلات النووية العاملة في سويسرا (بيزناو1 وبيزناو 2 وموهليبيرغ) من جانب الخُضر الاشتراكيين. ولا تقف هذه الأحزاب المُـناهضة للطاقة النووية لوحدها اليوم، إذ بدأَ جزءٌ من مُـعسكر اليمين الوسط بالتفكير بصوتٍ عالٍ حول هذه الخطوة أيضا.

وتقع أقدم محطّـتين لتوليد الطاقة النووية في بيزناو Beznau  في بلدية  دوتينغين Döttingen / ، كانتون آرغاو على جزيرة اصطناعية على نهر الآر)، وهي تشمل كلّ من محطة بيزناو 1، التي دخلت الخِـدمة في نهاية عام 1969 وبيزناو 2، التي تمّ تشغيلها في شهر مارس 1972.

وبالتوازي مع عملية التخطيط لبناء المُـفاعل النووي “بيزناو 1″، تم اتخاذ قرار لإنشاء محطة لإنتاج الطاقة النووية في بلدية موهلينبيرغ  Muhlenberg، والتي دخلت إلى الخدمة في مطلع شهر نوفمبر من عام 1972.

ولكن الجماعات المؤيِّـدة للطاقة النووية، تُـقاوم من ناحيتها مَطالب من هذا النوع، وهي تبرِّر موقِـفها بالقول بأن “أي إغلاقٍ سابق لأوانه، لن تكون له عواقب مالية على المدى القصير فحسب، بل سيؤثر كذلك على إطار الإجراءات التنظيمية لتمويل عملية تفكيك المحطات وهدمها النهائي، مما يؤدّي بالتالي إلى ذهاب الأموال المخصَّـصة لهذه العملية أدراج الرياح”.

وبشكلٍ رسمي، تقدِّر السلطات السويسرية وقطاع صناعة الطاقة في الكنفدرالية العمر الإفتراضي لتشغيل محطةٍ لإنتاج الطاقة النووية بــ 50 عاماً. وخلال هذه الأعوام، يقوم مُستهلِـكو الطاقة الكهربائية بِدفع رسوم إضافية بمقدار 0،8 سنتيم للكيلو واط / ساعة، ويساهم هذا المبلغ بتمويل صندوقيْـن مالييْـن، يختصّ الأول بعملية وقف تشغيل وغَلْق المحطات النووية، في حين يهتَـم الصندوق الثاني بإجراءات التخلُّـص من النفايات النووية والوقود النووي المحروق.

ويَخضَع كِـلا الصندوقيْـن لإشراف الحكومة الفدرالية. وتُستَـثمَـر الأموال المُـودعة فيهما – كما هو الحال مع صناديق التقاعد – في الأسواق المالية، بِهَدَف الحصول على عائد استثمار سنوي على رأس المال بنسبة 5%. وتبلغ قيمة الثروة الحالية المُـودعة في الصندوقيْـن معاً حوالي 4,15 مليار فرنك سويسري.

ووِفْـق الحسابات الرسمية، تُقَـدَّر تكلفة التخلّـص من الوقود المحروق والنفايات النووية أثناء فترة تشغيل المفاعلات (بما فيها نقل النفايات النووية والتخلّص منها) وما يتلوها من مراحل وقْـف التشغيل، بما مجموعه 15,5 مليار فرنك. ويتحمَّـل مشغِّـلو محطات الطاقة النووية مسؤولية دفْـع ما قيمته 7 مليارات فرنك بصورة مُباشِـرة من جانبهم، في حين يأخذ الصندوقان الماليان مبلغ 8,5 مليار فرنك على عاتقيْـهما.

وجدير بالذِّكر أن سويسرا تشتَـرك مع ألمانيا في تطوير تِـقنيةٍ للتخلُّـص من النِّـفايات النووية في الطبقات الأرضية العميقة تحت سطح الكرة الأرضية، بعيداً عن السكان. وقد اختارت سويسرا طبقات الغرانيت الصخرية المتوفِّـرة لديها تحت جبال الألب، للتخلّـص من هذه النفايات.

نقص في التمويل؟

ولكن، وحتى لو استمرت محطات الطاقة النووية بالعمل حتى نهاية الفترة الزمنية المُفتَـرضة لها، فمِـن الواضح بأنَّ الأموال اللاّزمة لعملية تفكيك هذه المنشآت والتخلّـص من النفايات النووية، غير مضمونة مائة بالمائة.

كما أنَّ إمكانية توفير الأسواق المالية لعائدٍ سنوي بقيمة 5%، هو أمرٌ مشكوك فيه. ومن وجهة نَظَـر الخُبراء المُختصِّـين، يوصف هذا الهدف بكونِه “طَـموح للغاية على أقل تقدير”.

ويُضاف إلى ما سبق، إمكانية ظهور مفاجآت غيْـر سارّة أثناء سَير عمليات وقْـف تشغيل وتفكيك هذا النوع من المنشآت، والتي تُـمثل بذاتها إجراءات معقَّـدة وطويلة وباهظة الثمن.

وكمثال على ذلك، كشَـف التلفزيون السويسري النِّـقاب في عام 2006 عن عثور العاملِـين على تفكيك مفاعل ديوريت  Diorit للبحوث النووية (وهو نوع من المُـفاعلات النووية التي تُستخدَم في المَـقام الأول كَمَصْدر للنيترونات والبحوث النووية وإنتاج النويدات المشعّـة في الطب والتكنولوجيا)، الواقع في بلدية فورينلينغن،  Würenlingen كانتون آرغاو) وبشكلٍ غير مُتوقّـع، استخدام مادة الأسبستوس في البناء، وهو ما تسبَّـب في تعريضهم إلى المزيد من المخاطر. كما أنَّ الإغلاق المُسبَـق لهذه المحطّـات، سيتسبَّـب من ناحية أخرى بإسقاط عملية إمداد الصندوقيْـن المالييْـن بالأموال.

وحسب القانون الحالي للطاقة النووية، يتحتَّـم على مُشغِّـلي محطات الطاقة النووية، تغطية النَّـقص في الاحتياجات المالية، الذي يَبْرز خلال عملية تفكيك هذه المحطات، عند عدم كفاية الأموال في الصندوقيْـن. ولكن الخبراء يشكِّـكون في كفاية نِـسبة رؤوس الأموال، لتغطية مثل هذا العجْـز.

من جهته، ذكَّـر كاسبار مولر، خبير الأسواق المالية في دراسته المُعَـنْـوَنة “مخاطر وعوائد محطات الطاقة النووية” والتي نُـشرت في عام 2008، بأنَّ هذه المُـنشآت “تفتقِـر إلى رأس المال المطلوب إلى حدٍّ كبير، كما أنَّ الاستقرار المالي أمرٌ مشكوك فيه”.

تفكيك المفاعلات – مشروع قائم بِذاته

وقد أظهَـرت التّـجارب الألمانية في تفكيك محطات الطاقة النووية، بأن عملية كهذه قد لا تتطلّـب أكثر من 20 عاماً فقط، ولكنها قد تُخْـفي من جانب آخر مفاجآت غيْـر سارّة على هيئة مواقع مُـلوّثة بالإشعاعات النووية. وتؤدّي أحداثٌ مثل هذه، بالنتيجة إلى زيادة في النَّـفقات والتكاليف المطلوبة لهذه العملية.

وفي هذا السياق، يقول فيليب هينغي من المنظمة السويسرية للطاقة النووية swissnuclear في لقاء مع  swissinfo.ch : “لقد اكتسبت الشركات المُختصّـة بتفكيك المنشآت النووية، الكثير من الخِـبرة خلال السنوات الأخيرة، وأصبح بالإمكان تحسين الأساليب المُستخدَمة والعمل بما هو الأمثل. لذا، لا يمكن تطبيق الكُلفة والوقت المُستَغرَق لتفكيك أول دزينة من هذه المنشآت، التي تم الاستغناء، على مشاريع التفكيك الجديدة”. ويضيف قائِلاً: “يُـمكن توحيد الخطوات المُفردة، ولكن تفكيك مُـفاعل بأكمله، سيبقى مشروعاً فردياً على الدوام”.

ويعتقد هينغي بأنَّ 15 عاماً هي فترة واقعية للتفكيك الكامل لمحطةٍ نووية. وحول سؤاله فيما إذا كان بالإمكان بناء ملْـعب للأطفال في ما كان سبَـق أن كان موقِـعاً لمُـفاعلٍ نووي، يجيب هينغي بـ “نعم”.

إزالة قضبان الوقود عملية “روتينية”

قبل البدْء بتفكيك محطّـة للطاقة النووية، يتحتَّـم إزالة قُـضبان الوقود ومبنى المُـفاعل النووي. وفي هذا الصدد، يصف مايكل شورير، مدير الاتصالات في المنتدى السويسري للطاقة النووية أمام swissinfo.ch هذه الخُـطوة بالقول: “لا تتّـصف هذه العملية بكونِـها استثنائِية، حيث يتم استبدال هذه القُضبان بانتظام خلال فترة تشغيل هذه المحطّات، ومن ثَـمَّ، نقلها إلى مخازن انتقالية مؤقتة”.

من ناحية أخرى، تخترِق الجُـزيئات المُشِـعّة الخَـرسانة المُستخدَمة لبناء محطّات الطاقة النووية، مما يعني عدم إمكانية كسْـر هذه المادة ببساطة، إذ قد يؤدّي ذلك إلى إطلاق الغُـبار المُـشِع إلى الهواء، كما ستُـصبح الأدوات المستخدَمة في عملية التفكيك، ملوّثة هي الأخرى.

وأشار برنامج بُثَّ على التلفزيون السويسري مؤخّـراً، إلى أنه، وعلى الرغم من إغلاق المُـفاعل النووي في بلدية فورينلينغن Würenlingen منذ عام 1977، إلا أن عملية التفكيك لم تبدأ إلا في عام 1994 ولَمْ تَنتَه حتى اليوم. ولكن اللوبي المؤيِّـد للطاقة النووية يقول بأن الأمور قد تغيّـرت اليوم.

وتتوقع السلطات السويسرية بأن تبلُـغ كلفة تفكيك جميع محطات الطاقة النووية والمخزن المؤقت للنفايات النووية في فورينلينغن 2,2 مليار فرنك. أمّا تكاليف التخلُّـص التي تنشأ خلال فترة تشغيل هذه المحطات (والتي تشمل مُعالجة قضبان الوقود والتخزين المؤقت في مستودَعات انتقالية والتخلص الجيولوجي النهائي)، فَتَصِل إلى 13,3 مليار فرنك سويسري.

وقد تم استعراض وإعادة تقييم هذه التكاليف كل 5 سنوات، كما أنه من المتوقع أن تـُنـشـر الدراسة القادمة في عام 2012.

 تلقت المحطتان النوويتان “موهلبيرغ” (كانتون برن) و”بيزناو” (كانتون أرغاون)، أمرا من المفتشية الفدرالية للأمن النووي يقضي بتنفيذ تدابير لتحسين السلامة بالمنشأتين بحلول شهر أغسطس القادم.

وقالت المفتشية يوم الأربعاء 5 مايو الجاري إن أنظمة تبريد المياه في حالات الطوارئ في المحطتين “لا تحظى بالحماية الكافية ضد الزلازل والفيضانات“.

وأبلغت المفتشية محطتي موهلبيرغ وبيزناو بتقديم التدابير لتصحيح الوضع قبل 31 أغسطس 2011.
 
ويجب على كلا المحطتين أيضا أن تظهران بأنهما قادرتين على مواجهة وقوع زلزال وزلزال مصحوب بانكسار جدران سد قريب.
 
 ولم تُفلت محطتا “ليبستادت” (كانتون آرغاو) و”غوسغن” (كانتون سولوتورن) من تنبيهات المفتشية الفدرالية للأمن النووي بسبب عدم ظهور مؤشرات درجة حرارة نظام التبريد في محطة المراقبة في حالات الطوارئ.

توجد في سويسرا 5 مفاعلات نووية تنتج ما نسبَـته 39,9% من الطاقة الكهربائية في البلاد.

أما مصادر الطاقة الأخرى، فتشمل كلا من:

 الطاقة المائية: 55,8%

الطاقة النووية: 39,9%

مصادر أخرى: 9,2%

أنواع الطاقة المتجدّدة (بضِـمنها النفايات والكتلة الحيوية والغاز الحيوي والطاقة الشمسية والرياح والحرارة الجوفية وحرارة سطح الأرض): نحو 2%.

(المصدر: المكتب الفدرالي للطاقة)

توجد في سويسرا 5 مفاعلات نووية هي:

بيزناو 1: دخلت الخدمة في عام 1969

بيزناو 2: دخلت الخدمة في عام 1972

موهليبيرغ: دخلت الخدمة في عام 1972

غوسغين: دخلت الخدمة في عام 1978

لايبشتات: دخلت الخدمة في عام 1984

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية