مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الرسم سلاحٌ يـجب استخدامه بحذر”

Keystone

تتصاعد الاحتجاجات في العالم الإسلامي على إعادة نشر عدد من الصحف الأوروبية والأمريكية لرسوم الكاريكاتور المسيئة للنبي محمد. وكانت صحيفة دنمركية أول من نشر الرسوم الإثني عشر في سبتمبر الماضي.

سويس انفو اتصلت برسام الكاريكاتور السويسري “شابات” الذي يحظى بشهرة عالمية لمعرفة موقفه من القضية.

نزل يوم الإثنين 6 فبراير الجاري إلى شوارع الجنوب العراقي آلاف المتظاهرين للمطالبة بوقف العلاقات الدبلوماسية مع البلدان التي نشرت صحفها رسوم الكاريكاتور المسيئة للنبي محمد.

وقام المحتجون في المظاهرة التي نظمت على بعد 160 كلمترا جنوب شرقي العاصمة بغداد، بحرق الأعلام الدنمركية والألمانية والإسرائيلية ومجسم لرئيس الوزراء الدنمركي أنديرز فوغ راسموسن.

وفي بروكسيل، دعت المفوضية الأوروبية يوم الإثنين أيضا إلى الهدوء. ويجتمع وزراء خارجية الاتحاد الخمسة والعشرين بعد ظهر الإثنين لمناقشة أعمال العنف المتواصلة في العالم الإسلامي احتجاجا على نشر وإعادة نشر رسوم الكاريكاتور.

وفي سويسرا، تناولت معظم الصحف خلال الأيام الأخيرة تلك الرسوم مستعرضة مواقف الجاليات المسلمة والمسيحية واليهودية وآراء الإعلاميين ورسامي الكاريكاتور منها.

سويس انفو اتصلت برسام الكاريكاتور المشهور باتريك شابات Patrick Chapatte، من سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية الذي يحظى بشهرة عالمية، لمعرفة موقفه من أزمة الكاريكاتور.

وفيما يلي نص الحوار:

سويس انفو: ما هو رد فعلكم على تصاعد التوتر واتساع رقعته في قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد التي نشرتها الصحافة الدنمركية؟

شابات: أنا مذعور وحزين لأننا ربما نواجه موقفا قد يسقط فيه قتلى إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو. فقد تجاوزنا بعد مرحلة إجراء نقاش حول حرية التعبير.

نحن في حاجة ملحة للتحلي بالهدوء، وتعليق النقاش (ولئن كان من المؤلم قول ذلك)، ومحاولة الدخول في حوار…

سويس انفو: ما هو موقفكم من إعادة نشر عدد من الصحف الأوروبية، من بينها وسائل إعلام سويسرية، لتلك الرسوم الكاريكاتورية؟

شابات: إن رد فعلي مُبهم. فمن ناحية، يجب أن نرى موضوع النقاش. يجب أن نعرف عما نتحدث، وبالتالي من المهم الإطلاع على تلك الرسوم لتكوين رأي عنها. هذا هو المبرر العقلاني.

لكن في الواقع، تؤدي كل إعادة نشر للرسوم إلى تأجيج مسألة أصبحت خارج السيطرة. إن الموقف متفجر ولا يتعلق الأمر هنا بالإقدام على عمليات تشبه المزاد العلني.

سويس انفو: إذن تعتقدون أن الأمر تجاوز النقاش حول حرية التعبير؟

شابات: سنـُجري ذلك النقاش. لكن لا يجب علينا أن نظل في مستوى مواقف المبدأ المطلقة. فهنالك انعدام فهم هائل.

إن حرية التعبير أساسية بالنسبة لي، كرسام كاريكاتور. لكن الإسلام يحظر حظرا مطلقا تمثيل محمد، وهذا أيضا أمر أساسي.

سويس انفو: هل تسمح لنا حرية التعبير بتجاوز ذلك الحظر؟ هل يمكن أن تقوم أنت بذلك؟

شابات: لا يجب طرح المسألة بهذه الطريقة. أنا لست مسلما. ومبدئيا، لا يمكن لاحد أن يمنعني من تمثيل محمد في رسم كاريكاتور صحفي، رسمٌ أقوم به للتعبير عن أشياء أحرص عليها. هذا هو موقفي.

في المقابل، تظل المبررات التي تقف خلف طـلبية تلك الرسوم الدنمركية محل شكوك. فلم تتم إثارة محمد كشخصية لتجسيد رسم كاريكاتوري صحفي. بل إن الهدف من العملية برمتها كان رسم محمد لأنه في واقع الأمر شخصية يُحظر رسمها (في الإسلام).

كما لو كنا قلنا للمسلمين: “انظروا، هذا من محرماتكم! لكنني أنا، أتمتع بحرية فعل ما أريد به”. لا يجب التظاهر بالسذاجة: إنه استفزاز.

شخصيا، لا يهمني الاستفزاز لمجرد الاستفزاز. إن الرسم سلاح. لكنه سلاح يجب استخدامه بحذر: مبدئيا، نرسم لقول شيء ما. وفي هذه الحالة، أرى أنها وسيلة رخيصة لاختبار حرية التعبير على حساب إيمان الغير.

سويس انفو: بصفة عامة، هل هنالك قابلية رد فعل، وبالتالي تدخل في شؤون الغير، متزايدة من قبل القوى الدينية – مسلمة ويهودية ومسيحية- في مجال الصحافة؟

شابات: في أوروبا، دفعنا ثمنا غاليا لكسب حرية التعبير التامة إزاء الدين: فالرسوم المضادة للمؤسسات الدينية تعتبر تقليدا عريقا. وهذا أفضل، لأن حرية التعبير تُكتسب أولا ضد الذات. وهنا، بأمانة، لا أرى أي تراجع.

فعندما نقوم برسوم عن البابا المريض، نتوصل بسلسلة من ردود فعل، وحتى بطلب إلغاء عدد من الاشتراكات في الصحيفة، وهذا شيء أصبح معتادا. وأنا مندهش من أن المتطرفين الكاثوليك لم يرموا بعد بأنفسهم بقوة في النقاش الحالي قائلين: “قد تكون الفرصة سانحة كي تتوقفوا عن شتمنا أيضا!”.

وفيما يخص الديانة اليهودية، تم أيضا استخدام غير شريف للمبرر المعادي للسامية في رسوم استهدفت إسرائيل، لكن ذلك يعتبر استخداما سياسيا من طرف بعض الأوساط اليهودية.

سويس انفو: هنالك استخدام سياسي أيضا في القضية المسلمة (رسوم الكاريكاتور للنبي محمد)…

شابات: هذا أكيد. في الحالة المسلمة، قضية عدم تمثل محمد لم تثر مثل هذا الجدل من قبل: نُشرت بعض الرسوم التي صورت النبي محمد في بعض الصحف دون أن تؤدي إلى ردود الفعل التي نشهدها اليوم.

لكن هذه المرة، تم بسرعة فائقة استخدام الرسوم بطريقة مقيتة من طرف دول مختلفة. فأنا مستاء من رؤية بعض النخب المسلمة تتظاهر بأنها لا تلمس الفرق بين رسام دنمركي وكافة البلاد، أو حتى الاتحاد الأوروبي بأسره. إنهم يقومون بتشبيه غير شريف.

سويس انفو – بيرنار ليشو

(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)

ينشر باتريك شابات رسومه الكاريكاتورية في صحيفة “لوتون” التي تصدر بالفرنسية في جنيف، وفي نسخة الأحد من صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” التي تصدر بالألمانية في زيورخ وفي صحيفة “هيرالد تريبون الدولية”.
وسبق له العمل كرسام في الملحق الأدبي لصحيفة “نيويورك تايمز”.
كما نشر عدة دواوين رسم في الصحف وروبورطاجات مرسومة.

يوم 30 سبتمبر 2005، نشرت يومية “جيلاند-بوستن” الدنمركية 12 رسم كاريكاتور قدحي بعنوان: “وجوه محمد”.
أخذت القضية مؤخرا أبعادا دولية، وسارع مجلس وزراء الداخلية العرب إلى “إدانة الإهانات التي نُشرت عن الإٍسلام والنبي في الصحافة الدنمركية”.
أعادت صحف أوروبية كثيرة، من بينها جرائد سويسرية، (ومؤخرا صحيفة أمريكية) نشر الرسوم المثيرة للجدل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية