مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العدالة المنقوصة”..

صورة غلاف الكتاب الجديد لستيوارت إيزنستات حول سجل العلاقات التي كانت قائمة بين سويسرا وألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية Keystone

دفع اقتران العلم السويسري بالصليب النازي المعقوف على غلاف كتاب أمريكي جديد حول حول سجل علاقة سويسرا بالنظام النازي وزير الخارجية جوزيف دايس إلى محاولة منع نشره.

لكن “الغضب الديبلوماسي” والشكاوى المستعجلة لن تكون كافية لاستصدار قرار قضائي من هذا القبيل في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

أثار غلاف كتاب جديد أعده ستيوارت إيزنستات المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون حول حصيلة المعركة القضائية والديبلوماسية والقانونية التي دارت رحاها في النصف الثاني من التسعينيات حول ما عرف بقضية الودائع اليهودية في المصارف السويسرية في حقبة الحرب العالمية الثانية، مشاعر متباينة في سويسرا تتراوح ما بين الغضب والإستنكار الشديدين وما بين عدم اللامبالاة.

وعلى الرغم من أن الموضوع حُـسـم بعد من الناحية القانونية وسوي من الناحية المالية إلا أن غلاف الكتاب الذي سيوزع في الأسواق الأمريكية والدولية ابتداء من 7 يناير المقبل أثار الجدل مجددا في سويسرا حول الموضوع.

فقد جاء الغلاف في شكل علم سويسري يتوسطه الصليب الأبيض المعروف مرسوما عليه الشعار النازي بواسطة سبائك ذهبية! هذا الربط المتجدد لسويسرا بالرايخ الثالث وبالنظام النازي أثار استنكار وزير الخارجية جوزيف دايس الذي سارع بتكليف السفارة السويسرية في واشنطن بدراسة إمكانيات الملاحقة القضائية لمنع صدور الكتاب بهذا الغلاف “الذي يمثل العلم السويسري بشكل مهين” على حد تعبير السيد دايس.

دفاع إيزنستات

هذا الربط المباشر بين العلمين السويسري والنازي عبر سبائك ذهب البنك المركزي يلخص – حسبما يبدو- في ذهن مؤلف الكتاب لب الجدل الواسع الذي هز السويسريين منذ اندلاع قضية ودائع اليهود وما تبعها من إعادة النظر مجددا في الدور الذي لعبته السلطات الكونفدرالية والبنوك وشركات التأمين والقطاع الخاص عموما في فترة الحرب العالمية الثانية.

السيد إيزنستات الذي تقاعد قبل فترة وجيزة ليتفرغ للكتابة وإلقاء المحاضرات داخل الولايات المتحدة وخارجها عبر في تصريحات نشرتها بعض صحف الأحد في سويسرا عن أسفه لرد الفعل السويسري وأكد أنه لم يكن يريد الإساءة إلى العلم السويسري بأي شكل من الأشكال.

وبرر موقفه في تصريحات نقلتها عنه صحيفة سونتاغس بليك بأن غلاف الكتاب – الذي ليس من ابتكاره – لا يتطرق إلا للدور الذي لعبه البنك الوطني السويسري تجاه النظام النازي خلال فترة الحرب العالمية الثانية. ويضيف الرجل الذي أشرف على متابعة المفاوضات المضنية بين البنوك السويسرية والجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة في موفى التسعينات بأن سويسرا الحالية غير مستهدفة .

واعترف إيزنستات بأنه كان على علم بمضمون الغلاف لكنه رأى فيه “ترجمة سليمة لواقع أن البنك الوطني السويسري كان أهم مشتر للذهب المسروق من طرف النازيين” على حد قوله.

وأضاف المسؤول الأمريكي السابق لا يجب أن يشعر السويسريون بأنه قد تم ثلبهم لأن هذه القصة قد انتهت بشكل جيد فقد حصل ضحايا المحرقة النازية اليوم على تعويضات كما استرجعت البنوك السويسرية مصداقيتهاوأصبحت سويسرا بلدا أقوى لأنها واجهت ماضيها بشجاعة” حسب تعبير السيد إيزنستات الذي لعب دور الوسيط في المفاوضات التي دارت بين أكبر المصارف السويسرية والجهات اليهودية الشاكية والتي تمخضت عن اتفاق شامل ونهائي في عام 1998.

بين الغضب والإتزان

لو صدر هذا الكتاب قبل عشرة أعوام من الآن لقامت القيامة بلا شك في سويسرا، لكن يبدو أن المخاض العسير الذي مر به السويسريون – مسؤولين ونخبا سياسية واقتصادية – قبل أعوام قليلة قد منحهم قدرة مضاعفة على تحمل الصدمات.

فقد اكتفى كاسبار فيليغر رئيس الكونفدرالية الذي يؤدي حاليا زيارة رسمية إلى سلوفاكيا بالقول “إن غلاف الكتاب مثير للريبة” لكنه أضاف بأنه لا يرى ضرورة لإضاعة الوقت في هذه المسألة التي لن تؤدي إلى اندلاع أزمة كبيرة على حد تعبيره.

في المقابل، اعتبر عدد من المسؤولين في أحزاب الإئتلاف الحكومي في تصريحات نقلتها عنهم صحيفة سونتاغس بليك الأسبوعية أن غلاف الكتاب مهين بل يلحق الضرر بصورة سويسرا. كما طالبوا الحكومة بالتدخل ديبلوماسيا لدى واشنطن.

من ناحيته استنكر جون فرانسوا برجييه، رئيس لجنة المؤرخين التي شكلتها الحكومة الفدرالية في عام 1996 من أجل تسليط كل الضوء على ما حدث في حقبة الحرب العالمية الثانية، بشدة ما جاء في الغلاف لأن الرابط الذي يقيمه الرسم بين الصليب النازي المعقوف والصليب الأبيض الموجود على العلم السويسري “يوحي بأن سويسرا كانت متواطئة مع النازيين إبان الحرب العالمية الثانية: وهذا ليس مجرد خطإ تام بل إنه كذبة هائلة” على حد تأكيد السيد بيرجيه في تصريحات نقلتها عنه صحيفة بليك (Blick) الواسعة الإنتشار يوم الإثنين.

وفيما أيد رئيس لجنة المؤرخين التي نشرت في شهر مارس الماضي خلاصة أبحاثها التي استمرت خمسة أعوام كاملة تحرك وزارة الخارجية السويسرية لمنع صدور الكتاب بهذا الغلاف “السخيف جدا والمهين لسويسرا” ، اعتبر جورج كرايغ وهو مؤرخ آخر عضو في نفس اللجنة أن الصورة الموجودة على غلاف الكتاب لا يمكن انتقادها من ناحية المعطيات المتوفرة لأن سبائك الذهب تمثل بوضوح الذهب النازي” كما “أن وضعه مقترنا بالصليب الموجود في العلم السويسري يتوافق مع وقائع تاريخية” حسبما أدلى به إلى صحيف تاغس أنزايغر الصادرة يوم الإثنين في زيوريخ.

سابقة سويسرية!

ويشير عدد من الخبراء القانونيين أن التنقيح الشهير للفصل الأول من الدستور الفدرالي الأمريكي الذي يضمن حرية التعبير لن يتيح للمحاكم الأمريكية اتخاذ قرار بحظر نشر الكتاب، كماأن الإحتجاجات الديبلوماسية لن تجدي نفعا لأن السيد إيزنستات غادر منصبه الحكومي منذ أكثر من عام وتحول إلى مواطن عادي بعد أن أحيل على التقاعد.

أخيرا يذكر البعض بوجود سابقة مماثلة تتمثل في الكتاب الذي نشره السيد جون زيغلر الكاتب والجامعي والسياسي المثير للجدل في عام 1998 تحت عنوان “سويسرا والذهب والموتى”، قد تضمن في غلافه مزجا بين شعار العلم السويسري وسبائك ذهب البنك الوطني والصليب النازي المعقوف دون أن يثير أي طلب للحظر من التوزيع أو التداول، بل إنه تحول إلى أوسع الكتب انتشارا في الأسواق السويسرية بسبب جرأته في انتقاد تصرفات السلطات وخاصة ما يتعلق ببيع أسلحة إلى هتلر ومنع دخول اللاجئين اليهود الفارين من ألمانيا إلى سويسرا.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية