مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“النظام الفدرالي لا يُـؤثـر سلبا على مُكافحة العنصرية!”

دافعت سويسرا بقُوة عن سـجلّها في مُناهضة العنصرية أمام لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة في جنيف. كما أكدت أنها ستـُضاعف جهودها، وستستفيد من مُختلف الآليات المُتاحة لكانتوناتها في هذا المجال. لكن الأمم المتحدة، شأنها شأن المنظمات غير الحكومية، عبـّرت عن الأمل في أن تتمتع سويسرا بسلطة مركزية أقوى.

إنه التحدي الذي غالبا ما تُواجهه الدّبلوماسية السويسرية أمام المحافل الدولية: شرح آليات عمل النظام الفدرالي، والوزن الحقيقي الذي تتمتع به الكانتونات في الكنفدرالية السويسرية، وصعوبة وضع أدوات وطنية قوية.

وقد تجلـّى هذا الواقع مُجددا يوم الإثنين 11 أغسطس الجاري في جنيف بمناسبة مثول سويسرا أمام لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، وهي الهيئة المكلفة بمراقبة تطبيق المعاهدة الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري من قبل الدول الأطراف فيها.

الوفد السويسري بقيادة السفيرة كريستين شرانر بورغنر، حاول يوم الإثنين إقناع اللجنة بأن النظام الفدرالي لا يُشكل بتاتا عقبة أمام تطبيق تلك المعاهدة الدولية، بل أن العكس هو الصحيح، بحيث أوضح أن كافة المُستويات السياسية في سويسرا مُلزمة باحترام الاتفاقية، كما قدّم بالتفصيل الإمكانيات الموضوعة تحت تصرف الكنفدرالية لإجبار الكانتونات على الالتزام بنص المعاهدة.

وفصـّل الوفد أيضا الجهود التي تم بذلـُها مقارنة مع تقارير سويسرا السابقة أمام الهيئات الأممية في جنيف، حتى أن ممثليـن عن كانتوني جنيف وزيورخ وممثلا عن مدينة لوزان انضموا للوفد لعرض تجاربهم في مجال مناهضة العنصرية.

وشدّدت السفيرة شرانر بورغنر على أن “اللجنة أعربت عن اهتمامها الشديد بهذه العروض وطلبت الإطّلاع على تجارب كانتونات أخرى”. وقد جسـّد الوفد السويسري، من خلال نموذج لوزان، مجهودات الانـدماج التي تقوم بها عدة كانتونات أخرى.

كما انتهز الوفد هذه المناسبة للتأكيد على الدينامية الإيجابية للنظام الفدرالي، مُشددا على أن الخبرات الكانتونية والبلدية لها تأثير نافع على السياسة الفدرالية (الاتحادية)، وهذا بدوره “يؤدي إلى تغييرات هيكلية عـميقة في الكانتونات”.

المطالبة بدور ريادي لسويسرا

من جهته، أعرب مُقرِّرُ اللجنة الأممية المـُكلف بسويسرا، بيير-ريشار بروسبير، عن اعتقاده بأن الكنفدرالية تتوفر على الأدوات والآليات الضرورية لتطبيق المعاهدة ضد التمـييز العنصري. لكنـّه أوصى بالتـّحلي بإرادة سياسية أقوى، بحيث يأمل في أن تضطلع الحُـكومة المركزية بدور رائد في مجال مكافحة العنصرية من شأنه إعطاء المثل والقدوة، وإحداث تغيير في وجهة نظر المُواطنين من ظاهرة التمييز العنصري.

وفي ملاحظاته الختامية الأولية، قال السيد بروسبير إن سويسرا أحرزت بعض التقـدّم منذ عام 2002، لا سيـّما في مجال القانون الجنائي وتدريب الشرطة. غير أنه أضاف أنه بإمكانها “القيام بأفضل من ذلك”.

وجاء أيضا في الاستنتاجات المؤقتة للجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، بأن سويسرا مُتحمسة وتأخذ الأمر على محمل الـجد، لكنها دعتها إلى أن تصبح رائدة في مجال محاربة التمييز و”بطلة لهذه القضية”. وينتظر أن تقترح اللجنة توصياتها لسويسرا يوم الجمعة القادم 15 أغسطس.

المزيد

المزيد

الفدرالية

تم نشر هذا المحتوى على الفدرالية هي نظام سياسي يتمثل في تقسيم أراضي كيان ما إلى مجموعة من الدول – تسمى في سويسرا الكانتونات – تتمتع بقدر يزيد أو ينقص من الحكم الذاتي، وخاصة في مجال الجباية والصحة والتعليم. في نظام من هذا القبيل، تحتفظ السلطة المركزية عموما بمهمة الإشراف على السياسة الخارجية والدفاع. النظام الفدرالي يتعارض مع الدولة المركزية…

طالع المزيدالفدرالية

تـقدّم محـدود

أما المنظمات غير الحكومية، المُجتمعة في تحالف يضم 14 منظمة، فقد طالبت سويسرا باعتماد أدوات جديدة وهاجمتها بسبب “فشلها في الاستجابة إلى الانتقادات والتوصيات التي وُجِّـهت لها في عام 2002 لمكافحة العنصرية”.

وفي تصريح لسويس انفو، قالت كريستينا هاوسامان، مُنسقة التحالف: “لقد تم إحراز التقدم في بعض المجالات، لكن لم يتم الوفاء بمعظم التوصيات السابقة الصادرة عن اللجنة”.

ولئن كانت السيدة هاوسامان تـُقر بأهمية الجهود التي بُذلت في مجال الاندماج، لا سيّما على مُستوى فتح مكاتب الاندماج في الكانتونات، وتوفير الأموال الضرورية، فإنها أعربت عن أسفها لافتقار سويسرا للأدوات والآليات الفعـّالة لضمان تنفيذ المعاهدة الدولية للقضاء على التمييز العنصري، ولقانون مُحدد مناهض للعنصرية.

وقالت في هذا الشأن: “ليس لدينا أية مؤسسة فدرالية معنية بحقوق الإنسان بإمكانها رصد كافة هذه المشاكل المرتبطة بالعنصرية وتقديم المشورة والنصح للكانتونات. صحيح أن اللجنة الفدرالية المُستقلة لمناهضة العنصرية تقوم بعمل جيد، لكن مواردها محدودة ونطاق انتدابها ضيق جدا”.

نحو هيئة وطنية..

وهو رأي لا تشاطره السفيرة شرانر بورغنـر، نائبة مدير إدارة القانون الدولي العام في وزارة الخارجية السويسرية، إذ قالت: “إن الحكومة السويسرية تـُفضل مقاربة قطاعية (مثل الصحة والتعليم والعمل) لتعزيز تشريعات مناهضة التمييز العنصري”.

وذكرت السفيرة كريستيان بورغنر في هذا السياق بأن سويسرا التزمت بشكل طوعي خلال مرورها أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان (في مايو 2008، بجنيف) بدراسة هذه المسألة بجدية، موضحة في تصريجات لسويس انفو: “إذا تمت الأمور بشكل جيد، يُفترض أن يصدر تقرير حول هذه المسألة من قبل الكنفدرالية والكانتونات قبل نهاية هذا العام”.

وخلصت السفيرة إلى القول: “لم ننجح بالتأكيد في القضاء على كافة أشكال التمييز. وقد بدأت تظهر التأثيرات الإيجابية للإجراءات الجنائية التي تم اتخاذها، لكن سنحتاج، بالطبع، على المدى البعيد، لإجراءات أخرى خاصة على المستويين السياسي والاجتماعي، وهي إجراءات تُعتبر من العوامل الحاسمة”.

“وضع جيد نسبيا”

ولئن أقرّ الوفد السويسري بوجود مناخ “معاد” لبعض الجاليات الأجنية في سويسرا، فإنه أعرب عن اعتقاده بأن الوضع “جيد نسبيا”. وقدّم في هذا الصدد أرقاما عن تراجع العنف في صفوف أنصار أقصى اليمين وارتفاع عدد القضايا القانونية المرتبطة بالعـُنصرية، كما أوضح الإطار التشريعي لحرية التعبير في سويسرا.

وفي معرض ردّه على مُطالبة اللجنة بالحصول على أرقام حول عنف الشرطة، نوه الوفد السويسري إلى أن مراجعة الإحصائيات المُتعلقة بالشرطة ستكتمل في عام 2010، مُشددا على أهمية الجهود المبذولة في مجال تكوين قوات حفظ النظام.

المزيد

المزيد

الكانتون

تم نشر هذا المحتوى على تتكون سويسرا من 20 كانتون و6 أنصاف كانتون. تشكّـل هذه الكانتونات مجتمعة، باعتبارها 26 دولة ذات سيادة، تمتلك كل واحدة منها حكومتها الخاصة وبرلمانها الخاص، الكنفدرالية السويسرية. تمّ تقليص اختصاصاتها وصلاحياتها منذ تأسيس الدولة الفدرالية في عام 1848، لكنها لا زالت تتوفّـر إلى الآن على استقلالية واسعة، وخاصة في مجال الجباية والتعليم. يمكن تشبيه الكانتونات…

طالع المزيدالكانتون

السود والمسلمون من أبرز المُستهدفين

وفي تقريرها البديل بعنوان “الكتاب الأسود”، أشار تحالف المنظمات غير الحكومية أمام اللجنة الأممية في جنيف، إلى أن التمييز ضد السود والمسلمين وأبناء جنوب شرقي أوروبا وطالبي اللجوء قد تفاهم خلال السنوات الست الماضية في سويسرا.

ونوه التحالف على وجه الخصوص إلى أن المحنة التي يعيشها طالبو اللجوء المرفوضين، خلال فترة الاحتجاز التي تسبق ترحيلهم، تُمثل “إشكالية” بالفعل، وتؤدي إلى وقوع ضحايا لانتهاكات عنصرية واعتداءات تتـم في غياب أي نوع من الحماية.

وأضاف التقرير بأن عنف الشرطة، لا سيـما ضد السود وطالبي اللجوء، مازال مجالا يبعث على القلق.

صور نمطية معادية للأجانب

أما اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، التي ساهمت في آلية الاستعراض الدوري للأمم المتحدة، فكانت أقل قسوة لدى تقييمها الشامل للجهود السويسرية.

لكنها ركزت في انتقاداتها على معاملة السود والمسلمين وطالبي اللجوء والأجانب، التي لم تتحسن منذ عام 2002، حسبها، مُرردة بذلك ما جاء على لسان تحالف المنظمات غير الحكومية.

وقالت اللجنة “إن بعض الأحزاب اليمينية وجزءً من وسائل الإعلام مازالا يتمسكان بصور نمطية معادية للأجانب، ونجد تعبيرا ملموسا عن ذلك في المطالب السياسية المُتكررة وحملات الاستفتاء (الشعبي)” المرتبطة بالجاليات الأجنبية.

كما انتقدت اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية قانون الأجانب الجديد الذي دخل حيز التنفيد يوم 1 يناير 2008، والذي يعطي، في رأيها، صورة سلبية عن المواطنين المقيمين في سويسرا المنحدرين من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، والذين يخضعون لما وصفته بـ “شبكة معقدة من القواعد بموجد التشريع الجديد”.

سويس انفو

سُـلّطت الأضواء مؤخرا على سجل سويسرا في مجال مناهضة العنصرية عندما مثلت الكنفدرالية أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، في مايو الماضي، وقدمت إجاباتها على أسئلة كثيرة مُرتبطة بـ “المناخ المعادي للأجانب” في سويسرا، و”التحريض على الكراهية العرقية” و”المُلصقات الإعلانية العنصرية” خلال بعض الحملات الانتخابية لليمين المُتشدد.

وكان المقرر الأممي الخاص حول العنصرية، دودو ديين، قد وجه انتقادات لاذعة لسويسرا في التقرير الذي قدمه عام 2007 وقال فيه: “إن سويسرا تعرف توجها نحو انحرافات عنصرية، رغم وجود آليات ناجعة وموظفين يتحلون بالكفاءة”.

وحسب اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، سُجل 49 حادثا عنصريا في عام 2006 – وهو رقم قياسي جديد بالنسبة لسويسرا. كما أفـيد بوقوع 355 حالة عنصرية منذ عام 1995، خضع نصفها للملاحقة القضائية. لكن “مؤسسة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية” التي تتخذ من سويسرا مقرا لها تعتقد بأن الأرقام الحقيقية تتجاوز التقديرات الرسمية بـ300%.

هي هيئة مُكونة من خبراء مستقلين تراقب تنفيذ معاهدة الأمم المتحدة بشأن القضاء على كافة أشكال التمييز من جانب الدول الأطراف فيها.

تلتزم جميع الدول الأطراف برفع تقارير للجنة، على فترات منتظمة، حول تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية ويتوجب على هذه الدول تقديم تقريرها الأول بعد سنة واحدة من الانضمام للمعاهدة، ثم مرة كل سنتين.

وتنظر اللجنة في كل تقرير على حدة، ثم تُشعر للدول الأطراف بانشغالاتها وتوصياتها في شكل “ملاحظات ختامية”.

تعقد اللجنة دورتها الـ 73 في جنيف من 28 يوليو إلى 15 أغسطس 2008 لاستعراض جهود قائمة من الحكومات في مجال مناهضة للعنصرية: إكوادور، وناميبيا، وتوغو، وروسيا، وإلمانيا، والنمسا، وسويسرا والسويد.

ويُقدم ممثلو هذه الحكومات تقارير بلدانهم، ويناقشون مضمونها مع أعضاء اللجنة، كما يجيبون عن الأسئلة.

دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ يوم 4 يناير 1969، وأنشأت بموجبها لجنة القضاء على التمييز العنصري (CRED) للإشراف على الالتزامات. وتمت المصادقة على الاتفاقية من قبل 173 دولة.

تطالب كل دولة بموجب المادة 9 بتقديم تقرير أولي عن التدابير التشريعية والقضائية والإجراءات الإدارية التي اعتمدتها والتي تمثل إعمالا لأحكام الاتفاقية.

ويتوجب على هذه الدول تقديم تقريرها الأول بعد سنة واحدة من الانضمام للمعاهدة، ثم مرة كل سنتين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية