مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الوضع في التبت خطير للغاية”

متظاهرون من التبت يرددون شعارات مناهضة للصين أمام مكتب الأمم المتحدة في نيودلهي بالهند يوم 17 مارس 2008 ويطالبون بتدخل أممي ضد ردع الصين للمتظاهرين التبتيين في لاسا ومناطق أخرى في الصين Keystone

قال المبعوث الأوروبي للدالاي لاما في مكتب التبت بجنيف إن الوضع في مدينة لاسا، عاصمة الإقليم، في غاية الخطورة في ظل "الأحكام العرفية المفروضة عليها في واقع الأمر".

وأوضح السيد كيلسانغ غيالتسن في تصريحات لسويس انفو أن الاضطرابات في لاسا أسفرت عن مقتل أكثر من 80 شخصا وجرح مئات آخرين، وأن المظاهرات تمتد إلى مناطق أخرى من التبت.

“رغم أن الحكومة الصينية لا تجرؤ على الإعلان عن ذلك رسميا، إلا أن لاسا أُخضعت في الواقع للأحكام العرفية”.

جاءت هذه الكلمات على لسان مبعوث التبت في جنيف، كيلسانغ غيالتسن، الذي أوضح أن المدارس والأديرة أغلقت، وأن قيودا ثقيلة فُرضت على تحركات الأشخاص، فضلا عن تصعيد قوات الأمن لعمليات إلقاء القبض على مثيري الشغب بحثا عنهم من منزل إلى آخر.

وأضاف السيد غيالتسن في تصريحاته لسويس انفو أن ما بين 400 و500 شخص من الذين جرحوا على إثر إصابتهم بأعيرة نارية مازالوا من دون أي مساعدة طبية خشية من الوقوع بين أيدي الشرطة في حال ذهابهم إلى المستشفى.

وقد نفى أحد كبار المسؤولين الصينيين يوم الإثنين 17 مارس أن تكون القوات الصينية قد استخدمت القوة المُميتة لقمع التظاهرات في لاسا، مُدعيا أنها أظهرت قدرا هائلا من ضبط النفس خلال مواجهتها للاحتجاجات العنيفة للتبتيين، والتي يُزعم أنها مُدبرة لتقويض الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها بايجينغ في أغسطس القادم.

وقال تشيانغبا بونكوغ، رئيس الحكومة في التبت، إن 13 “مدنيا بريئا” فقط قتلوا فيما أصيب العشرات من أفراد الأمن بجروح في لاسا على إثر عدة أيام من الاحتجاجات التي قادها الرهبان البوذيون والتي اتسعت وتحولت إلى أعمال شغب أحرقت ونُهبت خلالها المنازل والمتاجر.

وصرح في مؤتمر صحفي في بايجينغ: “أستطيع أن أقول بكل مسؤولية إننا لم نستخدم الأسلحة الفتاكة، بما في ذلك إطلاق النار”، مضيفا أن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه فقط هي التي استُعملت لتفرقة التظاهرات التي بدأت قبل أٍسبوع – بمناسبة ذكرى انتفاضة 1959 ضد الحكم الصيني.

واستطرد قائلا: “لقد شاركت حفنةٌ ضئيلة من الانفصاليين والعناصر الخارجة عن القانون في أعمال متطرفة بهدف توليد أكبر قدر من الدعاية لضرب الاستقرار خلال هذه الفترة الحاسمة للألعاب الأولمبية – بعد أكثر من 18 عاما من الاستقرار الذي تحقق بمشقة الأنفس”.

مخاوف

وبينما قلل السيد بونكوغ من شأن تدخل الدولة، وردت أنباء عن تدفق قوات على أقاليم مجاورة لإخماد احتجاجات وأعمال شغب مماثلة اندلعت في صفوف أبناء التبت بمقاطعات سيتشوان وتشينغهاي وغانسو خلال نهاية الأسبوع الماضي.

وقد أعطت الصين للتبتيين المتورطين في المظاهرات مهلة انتهت في منتصف ليلة الإثنين (الساعة الرابعة بالتوقيت العالمي الموحد) للاستسلام للشرطة وإلا واجهوا عقابا أشد.

وقد أعرب مبعوث الدالاي لاما في جنيف، كيلسانغ غيالتسن، عن خشيته من إقدام الحكومة الصينية على قمع التبتيين بشكل صارم. وقال في هذا السياق: “نشعر بالقلق العميق لأن الصينيين يطردون المنظمات غير الحكومية والأجانب في التبت. ويبدو أن الحكومة الصينية تريد عزل التبت عن بقية العالم”.

وأكد المبعوث أن “الشيء الأكثر إلحاحا هو إبقاء التبت مفتوحا والحفاظ على التواجد الدولي بداخله. هذا هو السبب الذي دفع الدالاي لاما إلى دعوة المجتمع الدولي إلى إرسال مراقبين دوليين إلى التبت.”

وكان الدالاي لاما قد دعا، انطلاقا من منزله في تلال الهيمالايا في الهند يوم الأحد 16 مارس، إلى إجراء تحقيق في ما أسماه “الإبادة الثقافية في التبت”.

إدانة سويسرية

وقد تظاهر قرابة 2000 شخص من الجالية التبتية في الكنفدرالية، وعدد من المواطنين سويسريين، أمام قنصلية الصين في زيورخ يوم السبت 15 مارس 2008. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد بعض المتظاهرين الذين رموا مبنى القنصلية بالحجارة.

أما سويسرا الرسمية فقد أدانت على لسان وزارة خارجيتها في بيان صدر في نفس اليوم ما وصفته بـ “أعمال العنف ضد المتظاهرين في التبت التي أسفرت عن وقوع قتلى”، كما ذكّرت بـ”الأهمية الأساسية لاحترام الحقوق الإنسانية”.

ودعت برن السلطات الصينية إلى “الامتناع عن أي استخدام مفرط للقوة، والى احترام الحقوق الإنسانية، بما في ذلك الحق في السلامة الجسدية والحق في حرية التعبير”.

وشدد بيان الوزارة على “وجوب التعامل مع جميع الأشخاص المُعتقلين بما يتطابق تماما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما يتعين الإفراج دون تأخير عمّن تظاهروا سلميا”.

وختمت برن بيانها بالقول: “لتحسين حالة حقوق الإنسان في التبت، وفتح إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة وسلمية لقضية التبت، فإن الحوار مع المجتمع التبتي أمر ضروري”.

نداءات غربية لضبط النفس

وقد شهدت بلدان أخرى، مثل الهند ونيبال وفرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة واستراليا مظاهرات مماثلة. وعلى غرار سويسرا، وجهت حكومات غربية أخرى، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا، نداءات مشابهة لضبط النفس.

أما النائب الاشتراكي السويسري، ماريو فير، رئيس المجموعة البرلمانية من أجل التيبت، فقال إنه يتعين على اللجنة الأولمبية الدولية أن تكفل احترام حقوق الإنسان في الصين قبل انطلاق الألعاب الأولمبية في بايجينغ هذا الصيف.

من جهته، أكد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، جاك روغ، أنه ليس من المتصور مقاطعة الألعاب الصيفية في بايجينغ. غير أن اللجنة الأولمبية السويسرية تريد من اللجنة الأولمبية الدولية أن تتدخل لدى الصين بخصوص الاضطرابات في التبت.

سويس انفو مع الوكالات

في عام 1950، غزت جمهورية الصين الشعبية إقليم التبت وضمته خلال العام الموالي.

في عام 1959، سحقت الصين ثورة قام بها أبناء التبت؛ وفي نفس العام، سلك الدالاي لاما، الزعيم الروحي والدنيوي للإقليم، طريق المنفى.

في عقد الخمسينات، استقبلت سويسرا عددا كبيرا من اللاجئين من التبت؛ ويشكل هؤلاء وأولادهم اليوم ثاني أكبر تجمع تبتي خارج آسيا، بحيث يناهز عددهم 3000 شخص.

تعد العلاقات بين الصين وسويسرا ممتازة. وقد كانت سويسرا من البلدان الأوائل التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1950 بعد عام من قيامها. لكن الاهتمام الذي توليه السلطات السويسرية بالتبت يثير أحيانا غضب بايجينغ.

وكان التبت قد أثار حادثا دبلوماسيا لم يسبق له مثيل بين البلدين في عام 1999. ففي مارس من ذلك العام، أدى الرئيس الصيني (آنذاك) يانغ زيمين زيارة رسمية إلى العاصمة الفدرالية برن حيث التقى برئيسة الكنفدرالية (آنذاك) روت درايفوس.

لكن اللقاء أضفى بعض البرودة على العلاقات بين البلدين إذ استُقبل الرئيسي الصيني في ساحة القصر الفدرالي السويسري بالصفير من قبل لاجئي إقليم التبت، كما نُظمت مظاهرة مؤيدة للتبت خارج سفارة الصين في برن أثناء زيارته للكنفدرالية. وقال للسلطات السويسرية على إثر ذلك إنها “فقدت صديقا”.

غير أن الزيارات المُتبادلة استُؤنفت بعد بضعة أشهر من ذلك الحادث، وعادت الأمور إلى طبيعتها وباتت العلاقات السويسرية الصينية جيدة للغاية اليوم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية