مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“بلوغرز”: إعلاميون جدد.. وإعلام بديل؟

نشرت منظمة مراسلون بلا حدود يوم 22 سبتمبر 2005 دليلا لكتاب المدونات ولمستعملي الشبكة الإفتراضية في العالم لمساعدتهم على حسن استغلال الوسائل الحديثة وتفادي كل أشكال الرقابة swissinfo.ch

على الرغم من انتشارها الواسع على الشبكة، ظلت المدونات الإلكترونية (e-Blogs)، أو الـ"بلوغرز" محدودة جدا في العالم العربي.

وبعد بدايات محتشمة عشية اندلاع الحرب على العراق، شهدت الظاهرة طفرة كبيرة جسدتها الساحات الخليجية أولا ثم توسعت لتشمل مشرق العالم العربي ومغربه والساحة المصرية في الفترة الأخيرة.

على الرغم من انتشارها التدريجي منذ بداية الألفية الثالثة، فإن المدونات الإلكترونية (e-Blogs)، أو الـ”بلوغرز”، حظيت بالانتشار الكبير أثناء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق.

فخلال هذه الفترة ظهرت، لأول مرة في التاريخ، المدونات الشخصية، (P-Blogs) التي يكتبها أفراد من داخل العراق سواء من جنود الاحتلال أو من المواطنين العراقيين. يقدمون خلالها صورة أقرب للحقيقة، وأكثر تفصيلا لما يحدث على الأرض، كما يوجهون الضوء للأحداث التي لم يشر إليها الإعلام التقليدي بقصد أو بدون قصد.

وكان نيكولاس نيجروبونتي قد تنبأ في كتابه “الحياة الرقمية” (Being Digital) الصادر عام 1995 بأن التطور التكنولوجي سيؤدي إلى أفول الإعلام الجماهيري وظهور الإعلام الشخصي كبديل له. وفي النصف الثاني من عام 2005 تحققت نبوءات نيجروبونتي إلى حد بعيد.

ماهية الـ”بلوغرز” ؟

والمدونات (blogs)، الـ”بلوغرز”، هي صفحة إنترنت تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، تصاحبها آلية لأرشفة المدخلات القديمة. ويكون لكل تدوينة عنوان دائم لا يتغير، مما يمكن القارئ من الرجوع إليها في وقت لاحق، كما أوردت موسوعة “ويكيبيديا” المجانية على الإنترنت.

وتمكن المدونات المستخدم من نشر ما يريد على الإنترنت، مع إمكانية حفظ ما ينشر بطريقة منظمة يمكن الرجوع إليها. كل هذا من خلال واجهة بسيطة، تكاد تماثل واجهات مواقع البريد الإلكتروني، ترفع عن كاهل المستخدم عبء التعقيدات التقنية المرتبطة عادة بهذا النوع من النشر، دون الحاجة للمعرفة بأي قاعدة من قواعد البرمجة أو أسس تصميم أو نشر صفحات الإنترنت.

ويوصف الـ”بلوغرز” بأنهم مؤرخو العصر الذين يوثقون أدق تفصيلاته. وهؤلاء عبارة عن شرائح من الرجال والنساء الذين اشتركوا في خدمات “بلوغز” مما يتيح لهم تسجيل يومياتهم على مفكرات إلكترونية على شبكة الإنترنت بالطريقة التي يراها كل واحد منهم، وبثها بشكل مباشر ولحظة بلحظة، ليتسنى للآخرين في العالم الاطلاع عليها.

ويتسق أسلوب التأريخ عبر البلوغز مع مناخ الحرية السائد في الغرب، غير أن تراجع الحريات في أمريكا وأوروبا، أخذ يوقع بعض الـ”بلوغرز” في فخ المتاعب القانونية وغير القانونية. ومن هؤلاء بائع الكتب البريطاني جو جوردون، 37 سنة، الذي فصل من عمله نتيجة ما كتبه على صفحة إحدى يومياته الإلكترونية، حيث وجه انتقاداً حاداً لمديره في العمل، فكان أن وصل الأمر إلى ذلك المدير وأمر بفصله عن العمل فوراً.

وقد أثار قرار الفصل الصادر بحق جوردون جدلاً واسعاً في بريطانيا، باعتبار أنه مؤشر خطير بالنسبة لآلاف كتاب المدونات المشاغبين الذين لا ينفكون عن توجيه الانتقادات اللاذعة سواء للسياسيين أو النجوم أو أرباب العمل. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 5 ملايين “بلوغر” في العالم يكتبون عن يومياتهم بطرق شتى، مستفيدين من حرية التعبير على الشبكة ومما تتيحه من إمكانيات تقنية هائلة تشمل – إضافة إلى الكلمة – الصوت والصورة والفيديو.

الـ”بلوغرز” هم “الإعلاميون الجدد”

يقول الناشط المصري الدكتور أحمد عبد الله، خبير الطب النفسي بجامعة الزقازيق:” لقد أصبح البلوجرز أهم شيء موجود حاليا على شبكة الإنترنت، وذلك لأنه يمثل آراء الناس في أرض الواقع بدون تزييف. وميزة البلوغ أنه مساحة مفتوحة يكتب فيها كل من يرغب دون اشتراط الخبرة أو الثقافة أو التخصص. والجميل حقا فيه أنه يمكنك من التعرف، ولأول مرة، على آراء الناس بوضوح شديد”.

ويوضح عبد الله في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “المواطن في البلوغ هو الذي يصنع الرأي، ويصنع الإعلام، والبلوغرز بهذا المفهوم هم “الصناع الجدد للإعلام” أو هم “الإعلاميون الجدد”!!. معتبرا أن البلوغرز هي أكبر بكثير من المنتديات وساحات الحوار لأنها تحول المواطن من متلق للخبر أو المعلومة إلى منتج وصانع لها.

ويعتبر عبد الله أن المدونات أو مواقع البلوغر هي من أهم المواقع التي تهتم بها الحكومات، فتتابعها وتراقب كل ما يكتب بها، وتقوم بتحليله، وفي الغرب يعرفون اتجاهات الرأي العام من مثل هذه الوسائل، مشيرا إلى أن هناك مواقع بلوغرز للمعارضة، لعل أشهرها المعارضة الإيرانية، كما يجب ألا ننسى البلوغ العراقي الذي سجل يوميات الحرب في العراق”.

ويعتبر البلوغ أو المدونة من أهم مصادر الأخبار لدى كثير من المثقفين، لكونه يرصد الواقع كما هو بدون تزيين أو تزييف، وقد بدا هذا واضحا خلال حوار الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل مع قناة الجزيرة الفضائية من خلال ثنائه على البلوغرز، حيث أشار إلى أنه يطالع بلوجر “بهية” (المصري) يوميا قبل أن يطالع نشرات الأخبار في الصحف والفضائيات!!.

ويتعجب عبد الله من أنه على الرغم من أهمية البلوغ وانتشاره على الشبكة العنكبوتية فإن “الاجتماع التحضيري لمؤتمر المعلوماتية في العالم العربي، والذي عقد في تونس، لم يتعرض من قريب أو بعيد للأمر، اللهم إلا بعض المداخلات لعدد من الباحثين والناشطين الذين سجلوا هذا الموقف على أنه عيب وتقصير من مؤتمر بهذه الأهمية”.

الـ”بلوجرز”..”الإعلام البديل”

من جهته، يقول المهندس الإلكتروني يقين حسام خبير المعلومات، وأحد أعضاء مجموعة الجنوب للبحث في علم الاجتماع والمعلومات (ROSIE): “لابد أولا أن نفرق بين البلوغ الناطقة بالعربية، وتلك التي يكتبها أجانب ممن يقيمون في بعض الدول العربية.. كما أن الفارق بينها وبين المنتديات أو ساحات الحوار أن البلوغ يقوم عليها الإنسان ويتمحور شغلها الشاغل حول الإنسان. مشيرا إلى أن “المدونات هي عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والخواطر والمذكرات واليوميات التي يسجلها إنسان ما عن قضية أو بلد ما”.

ويضيف يقين حسام في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “البلوغرز اليوم أشبه بـ “الإعلام البديل” لأنه يحول الإنسان نفسه إلى حالة فريدة. فبعد أن كنا نتحدث الرسالة الإعلامية على أنها عبارة عن أفكار ومتلقي ومرسل أصبح بمقدور أي إنسان أن يصنع هو بنفسه الرسالة الإعلامية.

ويستدرك يقين قائلا: “لكن للحقيقة فإن هناك مشكلتين تبدوان لنا عندما نتحدث عن البلوغ في مصر ألا وهما أن هناك فجوة بين الناس التي تستخدم البلوغ في مصر، فنسبة النشطاء السياسيين أصلا منخفضة جدا. والبلوغ هي أداة تجميع وتعريف أكثر منها أداة تغيير، ويتوقف مدى وجود فرصة من عدمه على عدة ظروف اقتصادية وسياسية ومجتمعية. هذا فضلا عن ان من يتعاملون مع الإنترنت كوسيلة عصرية هم نخبة قليلة، وغالبا ما يكونوا فئة من الشباب المثقف أو المتعلم الذي يعيش في الحضر، والذي يعيش في المستوى المتوسط”.

وهناك بلد سقط نظام الحكم فيها بالـ ( SMS)، وفي إيران هناك اعدد كبيرة جدا يستخدمون البلوغرز كوسيلة للضغط السياسي. كما نجد أن من أكثر البلدان العربية والإسلامية استخداما لهذه الوسيلة: إيران والبحرين والكويت .

أهم مزايا الـمدونات

من ناحيته، يقول الباحث والصحفي الإلكتروني، أحمد نصر، رئيس تحرير موقع (عشرينات) المصري: “الجميل في موضوع البلوغرز أو المدونات أنه أعطي صورة وانطباعا جيدا عن المستخدم على أنه إنسان محترم، ولذا فقد أصبحت المدونة أشبه ما تكون بصفحة الرأي. حتى غدت فكرة المدونات أقرب إلى كونها فرصة للتعبير عن الرأي. ففي البلوجرز يتكلم الناس بحرية ويتناولون موضوعات مهمة، وكلما اتسعت الدائرة كلما زاد التأثير”.

ويضيف نصر في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “من المؤسف حقا أننا في عالمنا العربي، حتى اليوم، لا نستخدم سوى 10 % فقط من إمكانات الإنترنت، بينما مازلنا بعيدين عن 90 % من هذه التكنولوجيا”. وحول أهم مزايا البلوغرز أو المدونات يقول نصر: “المزايا كثيرة أهمها: كسر الحاجز النفسي وحاجز الخوف لدى المواطنين، وفتح الباب أما التعبير عن الرأي مع إمكانية التخفي عبر النت من خلال الظهور بأي اسم، ونشر لا مركزية العمل السياسي، وتحقيق مفهوم العالمية والتواصل والتفاعل”.

ويضيف رئيس تحرير موقع “عشرينات” أن المدونات “ألغت أيضا حواجز الزمن، وتخطت حدود الجغرافيا، كما قضت على الخوف الذي هو بالأساس شعور وهمي ووقتي؛ متى استطاع الإنسان أن يهزمه فقد تحرر منه، كما ألغت قيود اللوائح والقوانين؛ فلم يعد هناك ضابط ولا متحكم فيما يكتبه الإنسان سوى ضميره وأخلاقه وأمانته”.

الظاهرة تتسع عربيا

وحول بداية الفكرة ونشأتها، قال نصر:” فكرة المدونات بشكل عام بدأت منذ عدة سنوات في أمريكا وأوربا، غير أنها بدأت تنتشر في العالم العربي منذ فترة قريبة، حيث بدأت في الخليج وخاصة في الكويت والبحرين، بل إن أول موقع بلوغر عربي كان موقع (كويت. بلوغ). لذا تجد أن الكويتيين هم من أنشط البلوغرز العرب في الوقت الراهن.

ويرجع نصر ذلك لعدة أسباب في مقدمتها أن “لدى الخليجيين بشكل عام والكويتيين بصفة خاصة نزوع ورغبة في الخروج عن العقلية العربية، لذا تجدهم أسرع لناس إلى تقليد كل ما هو غربي، أضف إلى ذلك المستوى المادي المرتفع والفراغ الكبير الذي يعيشه الشباب الكويتي المرفه”.

وعلى الرغم من ذلك فإن المصريين بدأوا فقط مؤخرا في استخدام البلوغرز، حتى أن كثيرا من المثقفين المصريين، ممن يستخدمون الإنترنت، ويعملون في مجال التحرير الإلكتروني لا يسمعون عنه. ويرجع نصر أن “معظم القضايا المثارة على البلوغرز في مصر هي قضايا سياسية”، إلى ما أسماها بـ “حالة الحراك السياسي الموجودة في البلد”.

ويستطرد نصر قائلا: “مصر دولة لها ثقلها، واستخدام البلوغرز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من شهر سبتمبر كان أحد ملامح التفاعل الإلكتروني ولكنه لم يكن بدرجة كبيرة. بينما استطاعت حركة “كفاية” استثمار التكنولوجيا في حملتها المناهضة للتمديد والتوريث، فكانت تستخدم الموبايل والإنترنت والمجموعات البريدية والبلوغرز في الإبلاغ بمواعيد مظاهراتها وتغيير أماكنها ومواعيدها إذا لزم الأمر”.

ويشير الباحث نصر إلى أن “هناك بلوغرز متخصص، وآخر ينشأ تفاعلا مع واقعة محددة أو ظاهرة أو كارثة، مثل بلوغرز الاقتصاديين أو بلوغرز تسونامي، …..إلخ. وفي أزمة الفلوجة مثلا نشط بعض البلوغرز العراقيين في رصد حجم الدمار والخراب الذي حل بالديار والأفراد والمنشآت”. واختتم كلامه بالقول: “أتوقع أن يقوم البلوغر بإعادة هيكلة البلوغرز لكي يستطيع أن يستمر”.

وختاما، فإن خبراء الإعلام ينصحون كتاب المدونات بنشر ما يعتقدون أنه حقيقي فقط، فإذا كان ما يقولونه مجرد تخمين فليوضحوا هذا في المدونة. وإذا كانت المادة محل الكلام منشورة على الشبكة فعليهم أن يضعوا رابطا لها عندما يشيروا إليها، فهذا مما يدعو لمزيد من الثقة فيما يقولون. وأن يكتبوا كل تدوينة كأنهم لن يتمكنوا من تغييرها؛ بأن يضيفوا ولا يحذفوا أو يعيدوا كتابة أي تدوينة.

همام سرحان – القاهرة

على الرغم من انتشارها التدريجي منذ بداية الألفية الثالثة، فإن المدونات الإلكترونية (e-Blogs)، الـ”بلوجرز”، فقد حظيت بالانتشار الكبير أثناء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق. فخلال هذه الفترة ظهرت، لأول مرة في التاريخ، المدونات الشخصية، (P-Blogs) التي يكتبها أفراد من داخل العراق سواء من جنود الاحتلال أو من المواطنين العراقيين. يقدمون خلالها صورة أقرب للحقيقة، وأكثر تفصيلا لما يحدث على الأرض، كما يوجهون الضوء للأحداث التي لم يشر إليها الإعلام التقليدي بقصد أو بدون قصد.

المدونات (blogs)، هي صفحة إنترنتية تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، تصاحبها آلية لأرشفة المدخلات القديمة. ويكون لكل تدوينة عنوان دائم لا يتغير منذ لحظة نشره، مما يمكن القارئ من الرجوع إليها في وقت لاحق، كما أوردت موسوعة “ويكيبيديا” المجانية على الإنترنت.

وتتيح المدونات للمستخدم أن ينشر على الإنترنت ما يريد، ويحفظ ما ينشر بطريقة منظمة يمكن الرجوع إليها. كل هذا من خلال واجهة بسيطة، تكاد تماثل واجهات مواقع البريد الإلكتروني، وترفع عن كاهل المستخدم عبء التعقيدات التقنية المرتبطة عادة بهذا النوع من النشر، دون الحاجة للمعرفة بأي قاعدة من قواعد البرمجة أو أسس تصميم أو نشر صفحات الإنترنت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية