مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“تحالف الشرعية” لم ينجح في جمع شتات القوى الرافضة للإنقلاب

حين الإعلان عن تأسيسه يوم 27 يونيو 2013 بالقاهرة، كان التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب" يضم في صفوفه 12 حزباً وكياناً سياسيا مصريا. وفي موفى أغسطس 2014، أعلن حزبا "الوسط" و"الوطن" الصغيرين عن انسحابهما منه.

اتفق خبراء أكاديميون وباحثون سياسيون متخصصون في شؤون الحركات الإسلامية، على أن "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب"، قد أخفق حتى الآن في تحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها قبل عام ونيف، مشيرين إلى أنه قد بدأ في التحلل، خاصة بعدما أعلن حزبا "الوسط" و"الوطن" انسحابهما منه مؤخرا.

وفي محاولة لتقييم أداء التحالف خلال العام المنصرم، التقت swissinfo.ch، عددا من الخبراء والباحثين، الذين تراوحوا بين مؤيد ومعارض ومُحايد، والذين لم يختلفوا حول فشله في تحقيق أهدافه، وإن تباينت آراؤهم بشأن الأسباب التي أدت لهذا الفشل.. 

مكوناته اعتادت العمل الإصلاحي..

في البداية؛ أوضح الكاتب الصحفي صلاح الدين حسن، أن “تقييم أداء التحالف يكون بالنظر إلى الأهداف التي أعلنها منذ نشأته ومدى نسبية نجاحها من عدمه؛ فعلى الرغم من أنه تأسس قبيل الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، فلم ينجح في إيقاف الإطاحة به، فضلا عن أنه تسبب بإدارته السيئة في تداعيات تلك الإطاحة”.

وقال حسن، الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “كما تجمّد التحالفُ عمليا ولم يستطع ابتكار وسائل سلمية مناهضة لمرحلة ما بعد 30 يونيو، وخاض صراعا مريرا مع أجهزة الدولة المصرية، متَّـكئا على أدبيات ثورية لم يكن يوما مُنشئها؛ فكافة مكونات التحالف اعتادت العمل الإصلاحي التدريجي منذ نشأتها، ثم تبنّت خطابا ثوريا فجأة، متأثرة بحالة ما بعد 25 يناير 2011”.

وأضاف قائلاً: “ورغم أن مكوِّنات التحالف كانت متنافرة ابتداءً، وتماسكت لمدة عام تحت تحدّي العدو المشترك، إلا أنه بعد فشل التحالف بقيادة الإخوان، تملص حزبان رئيسيان؛ هما: الوسط والوطن، بدعوى أنهما يمتلكان وسائل للمعارضة أوسع وأرحب من التي يستخدمها التحالف”.

التحالف يترنّح.. وليس الانقلاب!

واستدرك حسن بقوله: “لكن الذي لم يُـقل في هذا الصدد، هو أن تلك الأحزاب تريد العودة للمعارضة من داخل إطار السلطة، مُخفِـيَة بين جنباتها احتقانا كبيرا تجاه جماعة الإخوان تحديدا، وذلك بسبب سياستها واستئثارها بالقرار داخل التحالف”، معتبرا أنه “في النهاية، مر أكثرُ من عامٍ، بدا فيه أن التحالف هو الذي يترنّح وليس الإنقلاب”، على حد قوله.

وردا على سؤال: كيف ترى مستقبل “التحالف الوطني لدعم الشرعية” بعد إعلان حزب الوسط الإنسحاب منه؟ قال الباحث السياسي: “أتصور أن هناك أحزابا أخرى ستُعلن الإنسحاب، البناء والتنمية مثلاً. فضلا أن هناك أحزابا هامشية كانت قد أعلنت تجميد عضويتها من قبل (الحزب الإسلامي نموذجا)”، مشيرا إلى أن “هذا سيُضعف موقف التحالف أمام القوى الدولية الداعمة له لاشك”.

ويختتم حسن بقوله: “لكن الأهم هو تلاشي دور التحالف على الأرض، وهذا لا يجب أن يؤخذ كمِعيار لحركة المعارضين للنظام في الشارع. لأنها باتت عفْوية وتِلقائية وأيضا روتينية. فالمجموعات الإسلامية المناهضة للنظام، لا تعمل الآن وفق رؤية التحالف، اللَّهم سوى التنظيميين من جماعة الإخوان، ومن ثم فالتحالف بات إخوانيا خالصا منذ وقت بعيد”، حسب رأيه.

فشل في تجميع الرافضين للإنقلاب!

مختلفا مع حسن؛ يرى الكاتب الصحفي علي عبد العال؛ أنه “بشكلٍ عام، ونظرا للظروف التي يعمل في ظلها التحالف، داخليا وخارجيا، يمكن القول أن أداءه جيد إلى حدٍّ ما، خاصة على المستوى الخارجي؛ حيث استطاع أن يفتح قنوات دولية لا بأس بها، سواء في أوروبا أو إفريقيا، أما نشاطه في قطر وتركيا، فهذا شكلٌ خاصٌ من تحرّكاته في الخارج”.
واستدرك عبد العال، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قائلا: “لكن داخليا، وفي ظل الضربات الأمنية والملاحقات والإعتقالات لقياداته، فيمكن القول بأن التحالف، وبعد اعتقال معظم قياداته، لا يقود ولا يحرّك تظاهرات الشارع الرافضة للإنقلاب، وإنما الشباب من مشارب مختلفة، فيما اقتصر دوره على كتابة البيانات والدعوة للفعاليات ونشرها على مواقع التواصل الإجتماعي”.

وردّا على سؤال حول أوجه إخفاق التحالف خلال العام المنصرم، أجاب عبد العال، الذي يُدير تحرير موقع “الإسلاميون”: “إن كان هناك إخفاق، فهو لا شك عدم قدرته في جمع شتات القوى الرافضة للإنقلاب في مصر؛ حيث بقيت قوى عديدة، خاصة الليبرالية واليسارية، لم يستطع التحالف أن يجذبها إليه، بالرغم من أنها رافضة للإنقلاب، ولها فعالياتها الخاصة بها، ولعل من نتائج ذلك الإنسحابات التي بدأ يتم الإعلان عنها لبعض الأحزاب الأعضاء في التحالف، كحزبيْ الوسطرابط خارجي والوطن”.

ظل مُصِرّاً على موقفه ومطالبه!

وفي معرض تقييمه لأداء التحالف؛ أشار الكاتب والباحث السياسي أحمد طه إلى أنه “من حيث التكوين: ظل التحالف منذ ظهوره على تكوينه الذي نشأ به، ولم ينجح في مدّ مظلته لتشمل قوى وأحزابا أخرى، بالرغم من اتساع مساحة القوى المعارضة للسلطة الحالية طيلة الأشهر الماضية، لاسيما الثورية والشبابية منها”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أضاف طه أنه “من حيث الآليات: ظل التحالف مُصِرّاً على موقفه ونفس مطالبه بعودة المشهد بكامل تفاصيله إلى ما قبل 3 يوليو 2013، دون أي تراجع أو إعادة تقييم، مقتصرا على آلية وحيدة، ألا وهي دفع أنصاره إلى التظاهر، ولم يحاول تنويع آلياته بالرغم من التكلفة الباهظة التي دُفعت من دماء الشباب، دون أي عائد يُذكر”، على حد قوله.

“التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب”

ظهرت فكرة تأسس “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، يوم الخميس 27 يونيو 2013، عقب دعوة حركة “تمرد” إلى التظاهر بميادين مصر لمطالبة الرئيس محمد مرسي بالإعلان عن إجراء استفتاء على رئاسته أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتم تدشينه رسميًا عقب عزل الجيش للرئيس مرسي في الثالث من شهر يوليو 2013.

ذكر بيان التأسيس أن التحالف يستهدف: حماية مكتسبات الشعب المصري الديمقراطية، وحراسة ثورته في ظل ما يجري من محاولات آثمة من فلول النظام السابق، وتنسيق الجهود الرامية لحفظ كرامة الوطن وحماية إرادته الشعبية، وإدارة الوقفات السلمية المليونية والاعتصامات في ميادين مصر؛ بهدف التأكيد على نبذ العنف ومقاومة البلطجة وحماية مصر واختيارات شعبها واستكمال ثورة الشعب المصري المباركة وتحقيق غاياتها النبيلة في وطن آمن وحرية مصونة وعيش كريم، مستخدمين في ذلك كل السبل القانونية والطرق السلمية.

دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية الشعب المصري للإنضمام إلى فعالياته السلمية، والتي كان أولها مليونة “حماية الشرعية” التي عقدت غداة الإعلان عن تأسيسه، وذلك يوم الجمعة 28 يونيو 2013 بعد صلاة العصر، في ميدان رابعة العدوية.

يضم التحالف الوطني لدعم الشرعية 12 حزباً وكياناً سياسيا، منها: حزب البناء والتنميةرابط خارجي الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، وحزب الحرية والعدالةرابط خارجي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وحزب العمل الجديد وحزب الفضيلة وحزب الإصلاح وحزب التوحيد العربي والحزب الإسلامي وحزب الوطن وحزب الوسط وحزب الأصالة وحزب الشعب، وائتلاف اتحاد القبائل العربية بمصر ومجلس أمناء الثورة واتحاد النقابات المهنية (يضم 24 نقابة مهنية) واتحاد طلاب جامعة الأزهر ومركز السواعد العمالية والرابطة العامة للباعة الجائلين وضباطا متقاعدين ومحاربين قدامى.

أعلن حزبا “الوسط” و”الوطن” مؤخرا عن انسحابهما من “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، وهناك حديث حول قيام حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية) بدراسة الأمر، خاصة في ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا بحل حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، وقرار مجلس الوزراء باعتبار “الإخوان المسلمينرابط خارجي” جماعة إرهابية.

وذلك – يستطرد قائلاً – بسبب سياسة القمع والبطش، التي انتهجتها السلطة في مواجهة تظاهرات التحالف، والتي بدأت بالاعتقالات وانتهت بالقتل في الشوارع، والتي بلغت ذروتها في المذبحة الناجمة عن فض اعتصامي رابعة والنهضة وما سبقها في الحرس الجمهوري والمنصة وما تلاها يوميْ 6 أكتوبر 2012 و25 يناير 2013″.

فقدان الظهير الشعبي

في المقابل، أشار طه إلى أن “خروج بعض مظاهرات التحالف عن إطار السلمية والدفع بالشباب إلى مواجهات مفتوحة مع قوات الأمن بهدف التوظيف السياسي للدم، أفقدت التحالف الظهير الشعبي من جهةٍ، ومنحت أنصار الحل الأمني في السلطة غطاءً سياسيا للبطش والقمع من جهة أخرى”.

وأوضح أن “التحالف فشل في توسيع رقعة الإحتجاجات والمظاهرات المعارضة للسلطة، بسبب فقدانه للظهير الشعبي، بل إن تلك المظاهرات أخذت في الذبول والخفوت شيئا فشيئا، حتى صارت مجرد مظاهرات صغيرة ورمزية لا تشكّلُ خطرًا، كما أن النظام الجديد ازداد رسوخا وتماسكا وإحكاما لقبضته على المجال العام”.

واختتم أحمد طه قائلا: “ويظل غياب الرؤية الواضحة للتعامل مع المشهد عبْر تقديم خطاب بعيد عن الواقع، من أبرز خصائص أداء التحالف، وهو ما أدّى إلى تصدّعه مؤخرا. فمن المتوقع أن يتوالى خروج كيانات أخرى من مكوِّنات التحالف في المدى القريب، بعد أن تحوّل إلى كيان على هامش المجال السياسي وفشل في تحقيق أي هدف من أهدافه ولم يحصل أي عائد يُذكر، بالرغم من التكلفة الباهظة التي دفعها”.

التراجع التدريّجي للقاعدة المؤيدة

من جهته، يعتقد الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور علاء عبد الحفيظ، أن “التحالف الوطني لدعم الشرعية، قد فشل في تحقيق أهدافه، كما فشل في اختراق الساحة السياسية، حتى أن بعض الكيانات المُنضوِية تحته، قامت وتقوم بإعادة تقييم دورها، وما إذا كانت ستستمر فيه أم ستنسحب منه”، مشيرا إلى أن “حزبيْ الوسط والوطن أعلنا بالفعل انسحابهما منه، فيما تدرس الأمر أحزابٌ أخرى”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أشار عبد الحفيظ؛ رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط إلى أن “مواقف التحالف لم تتسم خلال العام الماضي بالمرونة التي يتطلبها الأمر الواقع، وتمسك بمطالب يستحيل تحققها على أرض الواقع، كما كان نشاط التحالف في القنوات الفضائية وفي الدول الأجنبية، أكبر من نشاطه داخل مصر، مما أدى إلى الفقدان التدريّجي للقاعدة الشعبية المؤيدة له”، على حد رأيه.

الوسط والوطن.. انسحاب أو نضال؟!

على صعيد آخر، دعا الباحث والمحلل السياسي حمدي عبد العزيز إلى “قراءة صحيحة للقرار/ الرسالة من الحزبين المنسحبين من التحالف (الوسط والوطن)”، وأضاف “ألاحظ أن قيادة التحالف وقواعده فهموا الرسالة بطريقة خاصة بهم، حيث هاجمت بعض القواعد القرار في عودة إلى مقولة “قفزوا من السفينة”، التي تكرّرت كثيرا إبّان عهد الرئيس المنتخب (المعزول) الدكتور محمد مرسي”.

وأضاف عبد العزيز، وهو باحث مهتم بدراسة الحركات الإسلامية: “أما القيادة، فرغم تفهّمها للقرار، فإنها لم تعط نفسها الفرصة لدراسته جيدا وأصرّت على المُضيّ قدما في طريقها الذي تعتبره صمودا أمام الانقلاب على الشرعية، واصفةً إياه بأنه نضالٌ من أجل الديمقراطية”، لكنه استدرك قائلا: “وهنا ينبغي على القيادة أن تراجع نفسها جيدا في هذه المرحلة، فهي لا تنوب عن الشعب في النضال من أجل الديمقراطية. ولابد أن تُعيد مقولة الشيخ يوسف القرضاوي (الحريةُ مقدمةٌ على الشريعة)؛ فالحريةُ أوسعُ من الديمقراطية، والديمقراطيةُ ليست مجرد انتخابات، رغم أهمية الصندوق في أي عملية ديمقراطية”، على حد قوله.  

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية