مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المواءمة بين الأشغال الكبرى واحترام الطبيعة.. مُـمـكـنة!

إنها ليست جزر المالديف، بل جزر اصطناعية جديدة في كانتون أوري وسط سويسرا zVg

لاشك بأن للمشاريع الإنشائية والتعميرية الكبرى آثار سلبية على البيئة لا يُـمكن الإستمرار في تجاهلها، لذلك لا مفر من اتخاذ الإجراءات التي تُـحافظ على البيئة وتراعى الطبيعة ولا تقف حجر عثرة أمام تأمين احتياجات التنامي الحضاري في الوقت نفسه.

وبما أنه يُستحسن ضرب “عصفوريْـن بحجر واحد”، تمّ بالتوازي مع مشاريع إنشاء أنفاق باطن الأرض الكبرى في كل من لوتشبيرغ وسان غوتهارد، تنفيذ مشاريع ذات أهمية تكافِـئ البيئة وتعوضها.

ومنذ زمن، وخطوط السِّـكك الحديدية تغطِّـي كامل التراب الوطني السويسري، شأنها شأن كافة أنواع الاتصالات، ولكن النهج الحديث في إنشاء هذه السِّـكك، تميَّـز عمّا كان في الماضي بإنشاء خطوط سكك حديدية فوْق أرضية وأنفاق جوفية، هي بقدر الإمكان “أكثر صداقة” وملاءمة للبيئة.

وفي الحالة الخاصة بإنشاء الخطّ الحديدي السويسري الجديد “ألب ترانزيت”، الذي يخترق سلسلة جبال الألب، روعِيت العديد من التّـدابير التي تضمن حقّ تعويض الطبيعة ومكافأتها، إذ بالتزامن مع أشغال شقّ النفق التحت أرضي في منطقة لوتشبيرغ، بالقرب من ميتهولتس في كانتون برن، تمّ تحويل مساحة من الأرض تبلغ 0.67 هكتارا، إلى محمية بيئية، سرعان ما أثبتت نجاحها باستقطابها لـ 76 نوعا من أصناف الفراش، بحسب ما أكّـدته الدراسة التي أجْـريت في ربيع عام 2008.

أما المنطقة الواقعة عند المَخرَج الجنوبي لنفق غوتهارد والتي كانت هي الأخرى ضحية الأشغال الخاصة بشق خط السكك الحديدية العابِـرة لجبال الألب، فقد تم تعويضها من خلال تعمير بعض بساتين الكستناء الموجودة في منطقة سانتا بيترونيلّا، إلى الأعلى من منطقة بياسكا، الأمر الذي أعاد الحياة لتلك البساتين وزادها بهجة ونضرة بعد طول هِـجران، مما أهَّـلها في عام 2005 للفوز بالجائزة الأولى عن منطقة تيتشينو، التي تقدّمها المؤسسة السويسرية لحماية المناظر الطبيعية.

ثم إلى الجنوب، حيث تجري أعمال حفر نفق تحت أرضي في منطقة مونتي تشينيري Monte Cenere، تمّ رصد مبلغ 6 ملايين فرنك سويسري من أجل إعادة تجديد الممر البرّي الواصل بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى الطرق الواصلة إليه والمتفرِّعة منه.

منافع بيئية وسياحية

وفي بُـحيرة يوري قرب فلويْلين، ظهَـر إلى النور مشروع طَـموح، بلغت تكلِـفته 25 مليون فرنك سويسري، قام أساسا على استخدام 2,6 مليون طُـن من المواد المُـستخرجة من نفق غوتهارد في إنشاء سِـت جُـزر صغيرة، بغرّض استصلاح أراض مُـنهكة بسبب رطوبتها العالية واستغلالها في استخراج الحصى. وقد تمّ تخصيص ثلاث من الجُـزر كمسابح بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 5000 قدم مربّـع، أما الثلاث جزر الأخرى، فقد استُـفيد منها في تطوير الطبيعة وحمايتها عن طريق زراعتها بأنواع مختلفة من النباتات المهدّدة بخطر الانقِـراض والمُـدرجة في القوائم الحمراء، بالإضافة إلى عمارتها بمختلف أنواع الطيور.

والجزر المذكورة، تُـعرف باسم “لورليي انزيلن Lorelei Inseln“، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق السباحة، وهي أصغر الجزر عُـمرا في سويسرا، وقد افتُتِحت أمام الجمهور في شهر يونيو عام 2005 وتستقطب بكل جدارة جماهير غفيرة من الزوّار الذين يفِـدون إليها من المناطق القريبة والبعيدة، وقد انتشرت الدِّعاية لها على طول الطريق السريع، الواصل بين الشمال السويسري وجنوبه.

نُظُم دقيقة

ومن أجل المواءمة بين المشاريع الإنشائية والبيئة الطبيعية، يوضِّـح نيكلاوس هيلتي من المكتب الفدرالي للبيئة قائلا: “ينبغي لجميع مشاريع الإنشاءات الجديدة وتلك التي يُراد تحديثها، أن تلتزم باللوائح القانونية المتعلّـقة بحماية البيئة، وأن تخضع المشاريع الكبيرة منها لاختبار الأثر البيئي، للتحقّـق من مدى تقيُّـدها بالأحكام القانونية الخاصة بحماية البيئة والمناظر الطبيعية، وهذه الإجراءات ليست مبتدعة، بل معروفة وموجودة في البلدان الأخرى”.

كما تنص اللوائح القانونية على أنه: “في حال ما تم الأخذ بعيْـن الاعتبار لجميع المصالح، فلن يكون بالإمكان تجنّـب تأثير التدخلات التقنية على البيئة الحيوية الجديرة بالحماية، الأمر الذي يفرض على أصحاب المشروع أن يقوموا بتوفير تدابير من نوع خاص، كفيلة بتحقيق حماية أفضل، وإلا عليهم المحافظة على الطابع البيئي الأصْـلي عن طريق إعادة التأهيل والاستصلاح أو استبداله بما يعادله”.

وبهذا الخصوص، يمكننا أن نقرأ في موقع “ألب ترانزيت”، بأن الشركة قامت على طول مقطع الطريق المكشوف في كانتون تيتشينو، بإنشاء العديد من الموائل البيئية ووفّـرت “العديد من الأعشاش الخاصة بنوعيْـن من الطيور، هما السنونو وشحرور الماء، بالإضافة إلى الخفافيش”.

ويُـشار إلى أن تقديم المقترحات العملية الخاصة بالتعويض البيئي، الذي يمكن إنجازه على أرض الواقع، هي مهمّـة شركات الإنشاءات المكلَّـفة بتنفيذ المشروع. ومن جانبه، قال فريدي لوتين، المتحدث باسم الصندوق العالمي للطبيعة: “على الشركة المنفذة للمشروع أن تعهَـد إلى مكتب متخصّـص بالاستشارات البيئية، كي يقوم بدوره بتحديد التغييرات المأمولة، ومن ثَـمّ مراجعة كافة الدوائر والأطراف ذات العلاقة، سواء على مستوى الفدرالية أو الكانتون أو البلدية أو ملاّك الأراضي”.

جيد.. ولكن!

وجدير بالذِّكر، أن جماعات حماية البيئة غالِـبا ما تشارك هي الأخرى في مهام التخطيط وفي أعمال تنفيذ مشاريع التعويض البيئي من أجْـل ضمان المصلحة البيئية والتوثق من التقيّـد الدقيق بالمعايير والتدابير المُحقِّـقة للحماية المأمولة.

إلا أن فريدي لوتين لا يسعه المقام أن يُخفي قلقه، ولذلك، يُعرِب عنه قائلا: “في بعض الأحيان، نتساءل حول مدى التزام شركات الاستشارات البيئية بحياديتها واستقلاليتها حين تأديتها لمهمّـتها، باعتبار أن الذي يَـعهد إليها بالعمل ويقوم بتوقيع العقد معها، هي شركة الإنشاءات نفسها، مما يجعلها خاضِـعة إلى موازين المنافسة التجارية التي قد تمَـس المعايير والتدابير الضامِـنة لمصلحة التعويض البيئي”.

ويضيف علاوة على سبق، مبيِّـنا أنه “في العديد من الكانتونات لا تكون المعايير الخاصة ببرامج التعويض البيئي مُـلزَمة بما فيه الكفاية، مما يجعل في كثير من الأحيان جماعات حماية البيئة تكافِـح وتناضل من أجل الحصول على العِوَض البيئي المناسب”.

وعلى أية حال، يخلِّص المتحدث باسم الصندوق العالمي للطبيعة إلى أن “نظام التعويض البيئي هو أمر جيد، لأنه يساعد في تقليل الأضرار التي تلحِـق إمدادات الطبيعة، وهو في غاية الأهمية لبلد تنشط فيه حركة العمران مثل سويسرا”.

في العقود الأخيرة، قلّ حجم الاستفادة من الأراضي وحصل انحسار للتنوّع البيولوجي، نتيجة تجزئة المساحات الحيوية الناجمة عن البُنَى التحتية بشتى أنواعها أو بسبب – على سبيل المثال – استخدام مبيدات الأعشاب في الحقول على نطاق واسع.

القانون الفدرالي بشأن حماية الطبيعة والمسطحات، يُلزم الكانتونات باتِّـخاذ الإجراءات التي تَضمن تعويضا بيئيا في المناطق المستغَلة بشكل فادح.

وحينما يتعلق الأمر بالمساحات الزراعية، فإن هذا القانون يُـصبح أكثر إلْـزاما، باعتبار أن السياسة الزراعية الجديدة تقضي بضرورة توفير التدابير البيئية اللازمة، قبل تحصيل المدفوعات المباشرة.

لأجْـل الحفاظ على التنوع البيولوجي وتنميته، يجب أن يتم تخصيص ما لا يقل عن من المساحة الزراعية القابلة للاستغلال لمصلحة التعويض البيئي.

الأهداف الرئيسية لمبدإ التعويض البيئي هي: ربط المحميات الطبيعية وضمان تشابكها وتعزيز التنوع البيولوجي وتحصيل أرفق انتفاع بالأرض والحفاظ على تركيبات وعناصر الطبيعة في المناطق الحضرية.

(المصدر: المكتب الفدرالي للبيئة)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية