مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لـسـان” … أكثر من دار ومجلة

swissinfo.ch

صدر في سويسرا العدد الأول من مجلة لسان المتخصصة في الأدب العربي باللغة الألمانية، عن دار نشر تحمل نفس الاسم، تسعى لنشر صورة جديدة عن الأدب العربي في الجزء المتحدث بالألمانية من أوروبا.

الدار والمجلة رغم حداثتهما يمثلان محطة جادة في التواصل بين الشرق والغرب عبر لغة الثقافة والأدب.

على الرغم من أن الأدب العربي يحظى باهتمام بالغ لدى القارئ الأوروبي إلا أن دور النشر المعنية بترجمة هذا الفرع من الثقافة لا تزال قليلة لا تتواكب مع الحركة الأدبية في مختلف البلدان العربية (رغم محدوديتها)، كما أنها لا تتناسب مع ما يتطلع إليه القارئ الأوروبي الشغوف بالتعرف على كل ما يتعلق بالعالم العربي، الذي ليس أمامه سوى أن يتلقى ما تقدمه له دول النشر الحالية.

هذه الصورة المؤلمة دفعت حسن حماد، إلى أن يتبنى فكرة إنشاء دار نشر سويسرية تتخصص في ترجمة ونشر الأدب العربي باللغة الألمانية، ومجلة فصلية معنية بنفس الشأن، في خطوة جريئة ولكنها جديرة بالتأمل.

الدافع الرئيسي وراء هذه الخطوة، كما يقول حسن في حديثه مع سويس انفو، هو “استكمال ما تقدمه دور النشر الأخرى، ففي سويسرا مثلا توجد أهم دارين لنشر الأدب العربي المترجم إلي الألمانية؛ واحدة تهتم بأربع كتاب فقط من الوطن العربي صنعت منهم نجوم وهم نجيب محفوظ سحر خليفة أسيا جبار وميرال الطحاوي، والثانية تهتم فقط بالجيل القديم من الكتاب”، ويقول حسن حماد، “رغم ذلك فإن دور النشر تلك كان لها دور أساسي في تمهيد الطريق أمام القارئ السويسري للتعرف على الأدب العربي، واختارت لذلك أسماء لامعة”.

ويضيف حماد، “هناك من المشرق إلى المغرب العشرات من المبدعين سواء من الجيل الجديد أو من المخضرمين وأصحاب التجارب المتعددة، ومن حق هؤلاء أن يصل إنتاجهم إلى القارئ الأوروبي الذي يتوق للتعرف على تلك الأعمال الجديدة التي تعكس صورة المجتمعات العربية، ولا أعتقد بأن دار نشر “لسان” تنافس دور النشر الأخرى المهتمة بالأدب العربي، بل هي مكملة لها، بل إن الساحة مفتوحة لدور أخرى تهتم بالأدب العربي بشكل أكثر”.

مجهود فردي وعمل تطوعي جماعي

انطلقت دار “لسان” بمجهود فردي كامل وبمساعدة فريق صغير يؤمن بأن للأدب العربي رسالة يجب أن تصل إلى الغرب، وقدم خلال عامين 5 أعمال مترجمة؛ هي “هراء متاهة قوطية” لمصطفى ذكري، و”عين القط” لحسن عبد الموجود، و”لكي أسافر” لجمانة حداد، و”انتظار” لسليمان توفيق، ومختارات شعرية أدبية لنخبة من الشاعرات العربيات.

ومن هذا الإختيار يتضح أن رسالة الدار هي تقديم الأدب العربي الحديث والكتاب الشبان، إذ تعتمد “لسان” في اختيار الأعمال المترجمة على أسلوب جديد، فهي أول دار نشر باللغة الألمانية يشرف فيها عربي متخصص في الأدب على اختيار الكتب للترجمة، فلحسن حماد خبرة أكاديمية وعملية في هذا المضمار بدأت بدراسته للغة العربية وآدباها ثم انتهت بحصوله على درجة الدكتوراه في النقد الروائي من كلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة، وأكسبه عمله في هذا المجال لسنوات طويلة، خبرة في التعرف على خصائص الأدب العربي الحديث في أغلب الدول العربية، ومكنته موهبته من المقارنة بين التيارات الحديثة، التي عمرت المنطقة.

ومنذ إقامته في سويسرا قبل 7 سنوات وإتقانه للغة الألمانية، تمكن حماد من التعرف على التيارات الأدبية الحديثة سواء في ألمانيا أو سويسرا، وأدرك بأن هناك قواسم مشتركة بين الأدباء الشبان في العالم العربي والغرب، وبصفة خاصة الجزء الناطق بالألمانية فيه، وهو ما يعني بأن ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية ستكون جسرا للتواصل بين الثقافتين الألمانية والعربية.

ويقول حسن حماد “الأدباء الشبان العرب يتحدثون في أعمالهم اللغة العالمية التي يفهمها الجميع لأن المشكلات التي يمر بها العالم أصبحت متشابهة وتجاوزت الحدود الجغرافية، وبالتالي فإن لكل ثقافة رؤيتها للأحداث، فأصبح من السهل على القارئ الغربي أن يعرف وجهة نظر المثقفين العرب، لأن المشكلة مشتركة، ولم تعد مقتصرة على بلد أو منطقة واحدة إلا في حالات خاصة، على عكس الجيل الأول من المترجمين الألمان الذين اهتموا فقط بأعمال كلاسيكية تنقل صورا نمطية عن العالم العربي”.

المجلة “بانوراما”، ودار النشر “متخصصة”

ويرى حماد أن حركة النشر المهتمة بالأدب العربي تترجم فقط الأعمال كرد فهل على أحداث سياسية أو ظاهرة اجتماعية معينة، أما لسان فهي تحاول نقل الواقع المعاصر من كافة الزوايا والبلدان، وهو ما تنفرد به بين الدور الأخرى.

ورغم عدم وجود دعم مالي حتى الآن من جهات سويسرية أو عربية، إلا أن “لسان” تحركت لتقول بأن هناك دورا يمكن أن يقوم به المثقفون العرب في سويسرا وألمانيا، فهناك من ناحية التشوق الغربي لمعرفة المزيد والجديد عن الحركة الثقافية في العالم العربي، ومن ناحية أخرى هناك أقلام عربية شابة تخطت بأسلوبها الجديد حواجز كثيرة، ولها مميزات خاصة لا يمكن أن تجاهلها، فضلا على أن الثقافة أحد أهم العوامل التي تساعد على التواصل وفهم الآخر.

رسالة المجلة تختلف عن أهداف دار النشر، فالكتاب يحمل فكرة وموضوع ورؤية الأديب، أما المجلة فهي مرآة لما يحدث على الساحة الأدبية العربية، وهي الأولى من نوعها المتخصصة في هذا المجال، والميزة التي نقدمها هو الرؤية البانورامية للإبداع الأدبي في المنطقة العربية، وليست مثل دار النشر التي تركز على أدباء بعينهم، بل نسعى في المجلة أن نضع القارئ الأوروبي أمام صورة نحاول أن تكون كاملة حول المشهد الأدبي العربي.

العدد الأول من المجلة يقدم على مدى 128 صفحة من القطع المتوسط، مقتطفات من أعمال 19 أديبا وشاعرا عربيا من جميع الدول العربية تقريبا، على جانب موضوعات تحليلية ونقدية متخصصة، واعتمدت أسرة التحرير على إخراجها فنيا في شكل غير تقليدي، بل متطور من ناحية استخدام الصور وترتيب النصوص وعرض المقالات وتهيئة القارئ الأوروبي للتعرف على النص.

وعلى الرغم من جرأة التجربة وتمكن القائمين على هذا المشروع المزدوج (دار النشر والمجلة) من تحقيق خطوات ملموسة، إلا أن جهات كثيرة تتردد حتى الآن في دعمه ماديا، في حين أن العديد من الأطراف العربية والأوروبية تحتاج إلى مثل تلك المشروعات الهادفة لتعزيز التواصل والتفاهم مع الآخر.

كما أثبتت التجارب أن الثقافة تظل أفضل جسر للتواصل بين الشرق والغرب، بدليل الإقبال الكبير على الكتب العربية المترجمة والمعارض التي تقدم أعمالا فنية عربية وشرقية والمشاركة الواسعة في ندوات الحوار التي تتعرض للشرق الأوسط سواء من الناحية السياسية أو الدينية أو الثقافية، وعادة ما تنجح هذه الفعاليات في كثير من الأحيان في توصيل الرسالة التي يعجز الساسة والإعلاميون عن تبليغها.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

تأسست دار النشر لسان في عام 2005 ولها حتى الآن 5 كتب مترجمة، هي:
“هراء متاهة قوطية” رواية لمصطفى ذكري،
“عين القط” رواية لحسن عبد الموجود،
“لكي أسافر” شعر لجمانة حداد،
“انتظار” مجموعة قصص لسليمان توفيق،
ومختارات شعرية لنخبة من الشاعرات العربيات الشابات.
الدار هي الوحيدة المتخصصة في ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغة الالمانية.

صدر أول عدد من مجلة لسان في مطلع 2006 وهي أول دورية نصف سنوية تنقل المشهد الأدبي العربي إلى القارئ الأوروبي باللغة الألمانية

يشرف على المجلة ودار النشر الدكتور حسن حماد المتخصص في النقد الروائي العربي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية