مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

” الثورة الجزائرية” بقلم كاتب سويسري عايش أطوارا مهمة منها

رجل يمسك كتابا وينظر إلى عدسة المصور
يتطرق الكاتب والمثقف السويسري شارل هنري فافرو (الصورة) في كتابه عن تفاصيل مهمة تتعلق بـ "الثورة الجزائرية" swissinfo.ch

أعاد الكاتب والصحفي السويسري شارل هنري فافرو إصدار طبعة جزائرية لكتابه "الثورة الجزائرية"، الذي نُشر لأول مرة في طبعة فرنسية عام 1959.

ويقول في حديث خص به سويس إنفو “بعد مرور كل هذه السنين، لم تفقد هذه الطبعة من أهميتها الإعلامية”، كما عبر عن أمنيته بأن تترجم للغة العربية كي تتمكن الأجيال الجديدة في الجزائر والعالم العربي من التعرف على تفاصيل موضوعية تتعلق بفصول غير بعيدة من تاريخه المعاصر.

الحديث مع شارل هنري فافرو عندما يتمحور حول الثورة الجزائرية، فهو حديث منساب ومتشعب ومليء بالتفاصيل ليس فقط لمن كان يزاول مهنة الصحافة بل لشاهد عيان عاش وعايش واختلط بالفاعلين في هذه الثورة من كلا الطرفين، وتقاسم مع بعضهم أوقاتا حرجة لحد أنه نجا من عملية اغتيال استهدفت واحدا منهم في روما.

حديثنا مع شارل هنري فافرو، تزامن مع إحياء الجزائر لذكرى الاستقلال عن فرنسا، وبمناسبة تنظيم المكتبة العربية في جنيف “الزيتونة” يوم الجمعة 4 يوليو لحفل توقيع الكاتب والصحفي السويسري لكتابه “الثورة الجزائرية” في إصدار جديد من طرف دار النشر الجزائرية “دحلب” بعد أن سبق نشره في عام 1959 عبر دار نشر فرنسية.

سويس إنفو: شارل هنري فافور ما الدوافع لهذا الإصدار الجديد اليوم لكتاب ” الثورة الجزائرية”؟

شارل هنري فافرو:هذا الإصدار اليوم هو ثمرة جهود دار النشر الجزائرية ” دحلب” التي تعود لحفيد زعيم الثورة الجزائرية “سعد دحلب” والذي اعتبر أن من الضروري إعادة نشر الكتاب لأن الإصدار الأول في عام 1959 تعرض لعملية مضايقة وتشويه. فالناشر الفرنسي في ذلك الوقت لم يقدم على تلك الخطوة إلا بعد تردد طويل لأنه كان يرغب في حذف عبارة الثورة والاكتفاء بالحديث عن عصيان او مناوشات. وحتى بعد إصداره لم يعرف انتشارا محدودا إلا في السجون الفرنسية بفضل جهود فدرالية فرنسا ” بل حتى في بعض مخيمات الاعتقال في الجزائر. وهناك أيضا العديد ممن سمع بالكتاب ولم تتح له فرصة الاطلاع عليه لأن عدد النسخ التي طبعت قد استنفذت.

وإعادة الإصدار اليوم يعد أولا مفخرة كبرى بالنسبة لي خصوصا وأن ذك يتم عبر دار نشر تحمل اسم صديقي “سعد دحلب”.
وثانيا أنه عند مراجعتي لمحتواه، ورغم صعوبة الحصول آنذاك على الوثائق وعدم التجرؤ على الإفصاح عن أسماء المتحدثين حفاظا على عدم تعريضهم للمخاطر، وجدت أنه يتمتع بقيمة تاريخية وأن محتواه لم تبطله السنون وقد يقدم الكثير من المعلومات للشباب الجزائري الحالي.

سويس إنفو: إذا كان محتوى الكتاب لم تبطله السنون التي مرت فهل عند إعادة مراجعته وجدتم أن هناك مقاطع لربما تطلب الأمر التعمق فيها أكثر أو صياغتها بشكل مغاير؟

شارل هنري فافرو: لا اعتقد أن هناك مقاطع تطلبت إعادة صياغة ولكن ما أأسف له كثيرا عدم تخصيص المكانة التي يستحقها لشخصية عبان رمضان وهذا راجع للغموض الذي كان سائدا آنذاك. فعبان رمضان أتيحت لي فرصة لقائه في تونس بعد معركة الجزائر مباشرة والذي ترك لدي انطباعا كبيرا والذي كان من المفروض لقائي به من جديد ولكن هذا اللقاء الجديد لم يحدث بسبب اغتيال هذا الثوري الذي يستحق بجدارة هذا اللقب لما قام به من دور في انتفاضة أحياء العاصمة في عام 1957. لقد كان بحق شخصية لا تتراجع عن المبادئ وقد كانت الجزائر في حاجة في عام 1962 لشخصيات لا تتراجع عن المبادئ.
وما أأسف له هو عدم إدراكنا آنذاك لهذا البعد و عدم أعطاء هذا الجانب حقه لأنه كان بمثابة مؤشر لما ستعرفه الجزائر فيما بعد.

سويس إنفو: تفضلت بذكر أن الناشر الفرنسي في عام 1959 تردد كثيرا في نشر الكتاب هل بسبب المحتوى أم فقط بسبب العنوان ” الثورة الجزائرية؟”.

شارل هنري فافرو: تعودت على نشر كتبي في دار “Seuil” التي يمكن وصفها باليسارية، وفي وضع كتاب الثورة الجزائرية توجهت عن قصد لدار النشر “بلومب” التي عرفت بالنشر لكتاب لهم مواقف استعمارية ولهم نظرتهم فيما يتعلق بـ “الجزائر الفرنسية” والتي كانت دار نشر الجنرال ديغول.

مدير دار النشر الذي كان يدعى شارل أورانغو اقتنع بسرعة بمحتوى الكتاب لأنه رأى أنه يقدم الكثير من المعلومات عن هذه الثورة ولكنه كان يعارض استخدام عبارة “الثورة” لأنه كان يرى أن ما كان يحدث هو مجرد مناوشات لا تستحق تسميتها بالثورة. وهذا ما رفضته من منطلق عدم قبول تسمية تمس بكرامة الجزائريين.

وأثناء مقابلة شارل أورانغو مع الجنرال ديغول قبل وصوله للسلطة، أثار معه موضوع الكتاب موضحا بأنه من إنتاج شاب سويسري مطلع بدقة على تفاصيل ما يحدث، ولكنه يصر على تسميته بعنوان “الثورة الجزائرية”. وهو ما رد عليه الجنرال ديغول بقوله “ماذا تعني الثورة؟ فليسمه كذلك إذا كان ذلك يرضيه”. وهكذا سُمح للكتاب بالظهور تحت عنوانه الأصلي.

سويس إنفو: شارل هنري فافرو إذا كان ظهور الكتاب في عام 1959 قد قوبل بتردد الفرنسيين في قبول تسمية ” الثورة الجزائرية” فهل ظهور الكتاب في طبعة جديدة قابلته ترددات من قبل السلطات الجزائرية فيما يتعلق بعرضه لواقع تاريخي لا يعكس القراءة الرسمية للتاريخ؟

شارل هنري فافرو: لا لم أتوصل بانتقادات من هذا النوع رغم عدم انقطاعي عن الاتصال بالجزائر وبالجزائريين نظرا لرئاستي للهيئة الجزائرية للتراث الوطني. ولكن يبدو لي أن الكثيرين لم يطلعوا بعد على هذا الكتاب نظرا للظروف التي نشر فيها والتي صادفت الأشهر الأخيرة من الحرب وبداية الاستقلال وبالتالي لم يخضع بعد لرقابة من يرغب في ممارسة تلك الرقابة. ولدي فضول في معرفة رد فعل من يتوصل به اليوم ويطلع على محتواه.
لكن ما يمكن وصفه بالانتقاد او اللوم هو كون البعض كان يأمل في أن يقدم الكتاب قراءة للمستقبل ولا يقتصر على وصف الحاضر آنذاك.

سويس إنفو: بما أن الجيل الجديد في الجزائر جيل معرب، هل هناك مخططات لإصدار الكتاب باللغة العربية؟

شارل هنري فافرو: بالنسبة للطبعة الأولى، ويمكن تفهم ذلك، كان إصدار ترجمة للكتاب قبل ثلاث سنوات من استقلال الجزائر أمرا مستحيلا بسبب هيمنة اللغة الفرنسية ومحاربة الاستعمار الفرنسي للغة العربية. أما اليوم بالنسبة للطبعة الثانية فلم تقدم لي عروض في هذا الشأن ولكنني اعتقد بأن إصدار طبعة عربية للكتاب قد تكون فيها فائدة كبرى لأنني اعتقد بأنه بالإمكان أن يقدم الكثير من التفاصيل والوثائق عن الثورة الجزائرية التي تسمح بفهم أحسن حتى لواقع الجزائر اليوم لأنه بدون معرفة الماضي لا يمكن فهم حاضر الجزائر اليوم ولا مستقبلها.

سويس إنفو: في كتاب “الثورة الجزائرية” استعرضتم بشكل موثق بداية الاحتلال، وبداية ظهور الحركات الوطنية الجزائرية وتشعبها، وفشل المطالبة السياسية لترك المجال أمام الكفاح المسلح. لكن هذه العلاقة تواصلت من خلال الدور الذي قمتم به في بداية مفاوضات إيفيان؟

شارل هنري فافرو: كانت لي علاقات مع أصدقاء جزائريين ومع أصدقاء فرنسيين. ومن بين هؤلاء الأصدقاء الفرنسيين كان هناك من كانت لهم مواقف مناهضة لهذه الحرب على أنها حرب لن تقود الى اية نتائج وأنه يتطلب إيجاد مخرج لها. وهذا ما حاولت ترديده أمام الطرف الفرنسي او الجزائري بأن هناك حلا آخر غير الحل الذي يتمسك به بعض الجنرالات الفرنسيين. وأخص بالذكر جوزيف روفان الأخصائي الذي نشط كثيرا من أجل تحقيق التقارب الألماني الفرنسي بعد نهاية الحرب، والذي كان صديقا لوزير العدل إيدمون ميشلي والذي كان مقتنعا بأن المفاوضات بإمكانها التوصل الى حل الصراع.

وكانت عدة محاولات قد تمت من قبل لربط الاتصال بين مفاوضين جزائريين وفرنسيين أذكر منها تلك التي كادت أن تنجح بين إيدمون ميشلي وفرحات عباس في روما أثناء تشييع جنازة البابا في عام 1959. وهو اللقاء الذي ألغي في آخر لحظة لأسباب بروتوكولية.

وهناك لقاء آخر تم الإعداد له في مدريد بين الرجلين ولكن ثورة الحواجز في إسبانيا حالت دون ذلك. وتم تصور تنظيم لقاء في طرابلس ولكن ذلك تزامن مع ثورة الجنرالات في الجزائر.
بالنسبة لي نظم جوزيف روفان لقاءا مع إيدمون ميشلي والى جانبه إيرفي بورج الذي عرف فيما بعد بمهامه على رأس التلفزة الفرنسية. وقد كُلفت بنقل رسائل بين الطرفيين الفرنسي والجزائري مرات عديدة وفي بعض الأحيان نقلت أشرطة فيديو مثل التي تظهر ميشال دوبري الوزير الأول الفرنسي وهو يقدم تصريحات لمسئولين جزائريين لطمأنتهم من أنه ليس من الصقور او من يرغبون في تطبيق سياسة الاستيطان على الطريقة الإسرائيلية في الجزائر.

تدخلَت بعدها الحكومة السويسرية بمساعيها الحميدة وكَلفت وزارة الخارجية التي كانت تسمى آنذاك بالإدارة السياسية بتولي المهمة عبر الدبلوماسي السويسري أوليفيي لونغ في تنسيق مع الطيب بولحروف عن الجانب الجزائري، ولوي جوكس عن الجانب الفرنسي.

ومن الذكريات ما حدث في لقاء بفندق ” انجلترا” في جنيف بين كلود شايي مبعوث الوزير الأول الفرنسي وسعد دحلب. فقد اتى كلود شايي بأمر عدم مصافحة سعد دحلب اثناء اللقاء. ولكن سعد دحلب باغثه بمطالبته بالمصافحة باليدين معا بدل يد واحد وهو ما كسر الجليد بين الرجلين وعزز العلاقات بينهما لحد تأكيد كلود شايي، بعد فشل المحاولات الأولى، على ضرورة مواصلة المفاوضات السرية مع سعد دحلب لأنه الوحيد الذي بإمكاننا تحقيق تقدم معه.

سويس إنفو: ذكرتكم المساعي الحميدة التي بذلتها سويسرا في مفاوضات إيفيان، لكن علاقة الوطنيين الجزائريين بسويسرا تعود الى ما قبل ذلك لأن حتى مسالي الحاج قضى فترة في جنيف ؟

شارل هنري فافرو: في الواقع أن سويسرا عموما وجنيف بالخصوص كانت لها علاقة مهمة بالحركات الوطنية في العالم العربي عموما بحيث هناك ذكريات لوطنيين لبنانيين تعود الى فترة الحرب العالمية الأولى. اما فيما يخص الجزائر فيمكن ذكر ما حدث في عام 1954 بمناسبة تنظيم مباريات كأس العالم في العاصمة برن. وهي المناسبة التي انتهزتها القيادات الجزائرية المتواجدة في القاهرة للاتقاء بالقيادات المتواجدة داخل الجزائر وفي فرنسا من أجل تنظيم أول لقاء تاريخي هام تم فيه تحديد الموعد الذي تنطلق فيه ثورة التحرير في شهر نوفمبر 1954.

ولكن سويسرا بحكم قربها من فرنسا أصبحت حدودها منذ العام 1955 سهلة العبور بالنسبة للعديد من النشطاء الجزائريين. كما أن عددا من النشطاء السويسريين الذين ساعدوا في إنقاذ اليهود من اضطهاد النازيين والفاشيين، أعادوا تنشيط شبكاتهم لمساعدة الجزائريين. واصبحت لوزان عبارة عن ولاية جزائرية مفضلة من قبل بعض القيادات الجزائرية بحكم شبهها الجغرافي مع الجزائر العاصمة. ومن الأماكن المفضلة بالنسبة لهم في لوزان فندق “Orient” الذي تحول اليوم الى بنك والذي كان المكان المفضل لإقامة الطيب بولحروف الذي كان يطلق على نفسه اسم ” Pablo” للإيهام بأنه إسباني.

من الأحداث الخطيرة التي تداخلت فيها العلاقات السويسرية الجزائرية ما حدث في عام 1957عندما اكتشفت جبهة التحرير الجزائرية بأن النائب العام الفدرالي والذي كان بمثابة رئيس المخابرات السويسرية، تحول للعمل لصالح الفرنسيين بعد أن أقنعه غي مولي ” بالعمل لمحاربة هتلر الجديد أي جمال عبد الناصر”. وهو ما دفع “ديبوا” الى تسليم السفارة الفرنسية طوال عام كامل تسجيلات التصنت على السفارة المصرية في برن. وهذا ما عرقل الى حد كبير عملية نقل الأسلحة الى الجزائر وعقد العلاقات الدبلوماسية بين الطرفيين لحد إحراج الحكومة السويسرية. وقد انتهى الأمر بالنائب العام ديبوا الى الانتحار. وقد عمل هذا الحادث في الواقع على تعزيز وساطة سويسرا أكثر في المفاوضات الجزائرية الفرنسية مما سمح للجزائريين بالتمتع بحرية تنقل كبرى فوق التراب السويسري ولم يحدث أن تم تسليم جزائري للسلطات الفرنسية بل كانت السلطات تحرص على حمايتهم ولو أن ذلك لم يمنع المخابرات الفرنسية من قتل عدد من الساهرين على تمرير الأسلحة.

وهناك فترة مفاوضات إيفيان التي عرفت تدخلا مكثفا للسلطات السويسرية في إيواء وحماية الوفد المفاوض الجزائري والتي كان من المفروض أن تعمل على إبقاء عدد من الفرنسيين في الجزائر، ولو أنني اعتبر أن هذه المفاوضات أتت متأخرة نوعا ما لانقاذ ما يمكن إنقاذه بعد التجاوزات التي قامت بها فرق منظمة الجيش السري الفرنسية في عام 1961 والتي جعلت بقاء المعمرين بعد الاستقلال أمرا مستحيلا.

سويس إنفو: بعد هذه المتابعة الطويلة لواقع الجزائر والجزائريين كيف تنظر لمستقبل هذا البلد؟

شارل هنري فافرو: قريبا سيتم الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، وأتمنى أن أكون من الأحياء لمعايشة ذلك. الواقع أن الجزائر عرفت العديد من التقلبات. وقد أحزنني كثيرا رؤية الجزائريين يتقاتلون فيما بينهم في بداية الاستقلال، ودخول الإخوة في صراع على السلطة أدى الى مقتل العديد من أصدقائي من قادة الحكومة الجزائرية المؤقتة ممن كانوا قمة في التضحية وفي التفاني ولا أحد يشكك في ذلك. ولكن لا أحد بإمكانه كتابة تاريخ الآخرين، وأن الأمور عادة ما تتم بهذا الشكل. وقد أدهشني التصرف “الماكيافيلي” للفرنسيين عند سماحهم بسرعة تدخل جيش الحدود وتجريد مقاتلي الداخل من أسلحتهم.

وقد تابعت عن بعد ما حدث فيما بعد من توجه اشتراكي ومن ارتكاب أخطاء اقتصادية ولكن الأمل كان دوما يراودني لرؤية من حاربوا بالأمس من رجال ونساء لاستقلال هذا البلد، يتوصلون الى تحقيق تآخ حقيقي يسمح بتقاسم عادل للثروات والموارد. ولكن الجزائر بحكم هذه الثروات، أمامها مستقبل زاهر، ولكن قبل التفكير في مستقبل زاهر يجب أن يتم الاهتمام بالحاضر أولا وهذا ما يمكنني قوله في الوقت الحالي.

شارل هنري فافرو السويسري المولود في مونتور في عام 1927، والذي كان يشتغل صحفيا بجريدة “لا غازيت دو لوزان” السويسرية تقاطعت مسارات حياته عدة مرات مع واقع الجزائر، أثناء الحكم الاستعماري، ثم طوال مرحلة الثورة التحريرية بحيث تعرف وصادق عددا من قيادات الثورة الجزائرية سواء ممن كتب لهم التوقف لفترة بسويسرا او في كل من القاهرة وتونس. وكان له دور أيضا في بداية الاتصال بين الطرفين الجزائري والفرنسي لإجراء مفاوضات إيفيان الثانية التي حددت شروط استقلال الجزائر.

عن الدوافع والظروف التي جعلت هذا الصحفي السويسري ينغمس في الواقع الجزائري ولا يفترق عنه لحد تكريمه قبل عامين من ضمن الشخصيات السويسرية الداعمة للثورة الجزائرية ، يقول شارل هنري فافرو:

“انغماسي في الواقع الجزائري كان في عام 1952 عندما قابلت في القاهرة زعيم إقليم الريف المغربي، الأمير عبد الكريم الخطابي والى جانبه نخبة من قيادات الحركات الوطنية التونسية والجزائرية. وهو الذي نصحني بزيارة الجزائر، كشاب أنهى دراسته الجامعية في الدراسات اللاتينية، للتعرف على مدينة القديس ” سانت أوغيستان”. وعند اجتيازي للحدود التونسية الجزائرية في اتجاه سوق أهراس تعرفت في إحدى مقاهي المدينة على شاب في سني، وأثناء الحديث أوضح لي بأن والده تعرض للتعذيب في قسم الشرطة على الرصيف المقابل قبل أسبوع، ومنذ حينها لم يظهر له أي أثر.

وكان ذلك بمثابة أول صدمة. ولكن هذه الصدمة تعاظمت عند وصولي الى الجزائر العاصمة بعد أسبوع من ذلك عندما شاهدت إرسال فرق من الجنود الجزائريين لخوض معركة فرنسا في الهند الصينية خصوصا وأنني بدأت ألم ببعض التفاصيل عما تم في مدينتي سطيف وقالمة في عام 1945 ( عندما خرج الجزائريون في يوم النصر على النازية، بمساعدة جنود جزائريين ، لمطالبة فرنسا باحترام الوعود ومنح الجزائر استقلالها. وهي المظاهرات الى قابلتها سلطات الاستعمار بالقمع والتقتيل مما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا )، وهي الأحداث التي كنا نجهلها ولم تعكسها وسائل الإعلام الغربية آنذاك نظرا لتزامنها مع الاحتفالات بالنصر على النازية.

بعد عودتي مشبعا بهذه المعلومات المقلقة، طلبت من السلطات الفرنسية ترخيصا للقيام بدور المراسل الحربي في الهند الصينية. وحتى في الهند الصينية بقيت في صلة مع الواقع الجزائري نظرا لكون قسم هام من القوات الفرنسية المحاربة كان من المجندين الجزائريين الى جانب قدامى المساجين الألمان الذين تم تجنيدهم في اللفيف الأجنبي الفرنسي. وهذه الفترة من حياتي سمحت لي بأن أُكوّن وعيي السياسي الذي لم تسمح الجامعة بتكوينه.

بعد معايشة معركة “ديان بيان فو” عدت لأجد نفسي مع بداية حرب التحرير الجزائرية وبداية الثورات في إفريقيا وفي العالم العربي.

ومعايشتي لواقع الجزائر اثناء فترة الخمسينات وترددي على كل من تونس والقاهرة جعلني أتابع عن كثب وقائع مثل مختلف الإصلاحات المغشوشة والفرص الضائعة التي حاول نظام المعمرين ترسيخها عبر عبارة ” الجزائر الفرنسية” في تصرف أحمق وأعمى مثل انتخابات عام 1947 التي تميزت بالتزوير الفاضح والتي دفع الصغار ثمنها حتى من صفوف المعمرين. وهي التي دفعت الجزائريين للبحث عن طرق أخرى لتأكيد هويتهم بما في ذلك الكفاح المسلح بعيدا عن التمسك بحكم ذاتي مثلما كانت تطالب بذلك شخصيات من أمثال فرحات عباس… ومحاولات التمثيل البرلماني التي سعى لتحقيقها حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية وباقي المحاولات.

كما أن اهتمامي بالقضية الجزائرية جعلني أرتبط بعلاقات صداقة مع عدد من قادة هذه الثورة الجزائرية بعض منهم أصبح صديقا حميما مثل سعد دحلب الذي تردد على منطقة مونتانا الجبلية السويسرية للعلاج من مرض الرئتين منذ عام 1958، وهذا قبل ان يتقلد منصب مسئول للعلاقات الخارجية ويتحول الى أول مفاوض في مفاوضات إيفيان والذي لعب دورا رئيسيا في المفاوضات باعتراف الفرنسيين أنفسهم.

وفي الواقع حتى لو أنني في عام 1952 لم اكن أعرف الكثير عن القيادات السياسية إلا أنني قابلت فيما بعد جل كبار مسئولي الثورة الجزائرية من أمثال أحمد بن بللة ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد. بل قابلت أيضا مسئولين شباب عن الحركات الوطنية في كل من المغرب وتونس من أمثال علال الفاسي وصلاح بن يوسف.

كما ان زياراتي المتكررة للقاهرة وتونس وعلاقاتي عبر فدرالية فرنسا سمحت لي بالتعرف على عدد من الشخصيات من أمثال الطيب بولحروف الذي لعب دورا هاما في مفاوضات إيفيان والذي كان أول ممثل في سويسرا للسهر على تهريب السجناء الذين يستطيعون الفرار من السجون الفرنسية للتوجه الى تونس او الرباط. وما احتفظ به عن كل هؤلاء هي تلك الشجاعة الخارقة لعادة التي كانوا يتحلون بها خصوصا أنه يجب ألا ننسى أنها كانت حربا بين قوتين غير متكافئتين، وحربا كان لها تأثيرها في تحرير باقي بلدان القارة السمراء.

وهذه العلاقة جعلت مني صحفيا ملتزما، يتابع التطورات ويشاهد تفاصيلها ولكنه يمتنع عن نشرها لتفادي تعريض أصحابها للخطر”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية