مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تزايد عمليات القرصنة الإلكترونية المستهدفة للشركات السويسرية

باتت القرصنة الألكترونية من أولى الجرائم التي تهدد المؤسسات الإقتصادية في سويسرا Keystone

احتلت جرائم الإنترنت (أو الجرائم السيبرانية) المرتبة الثانية من بين أكثر الجرائم الاقتصادية شيوعا، وباتت تهدد المؤسسات التجارية والمالية السويسرية أكثر فأكثر.

وهو ما ظهر خلال الإثنى عشر شهرا الماضية، بناء على الدراسة الإستقصائية التي أجرتها شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” للإستشارات، وأعلنت عنها يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2011.

وجدير بالذكر، أن هذه الدراسة شملت بالمسح 140 شركة ومنظمة سويسرية، وأكدت نتائجها على أن جرائم الإحتيال التي تُستخدم فيها أجهزة الكمبيوتر وتتم من خلال شبكة الانترنت تُمثّل في الوقت الراهن ثاني أخطر أنواع الجرائم المالية، وتُنذر بالتفاقم خلال السنة القادمة (2012)، حيث من الممكن أن تحتل المرتبة الأولى بحسب اعتقاد ثلث الشركات التي شملتها الدراسة.

وأظهر المسح المشار إليه بأن نسبة الشركات السويسرية التي كانت ضحية السلوك الإجرامي السيبراني تمثّل نحو 18٪، بينما كانت هذه النسبة 12٪ فقط في عام 2009.

بيد أنه لا ينبغي أن يُفهم بأن الشركات السويسرية تتعرض لهجمات القرصنة المالية الالكترونية أكثر من غيرها، رغم أنه من الطبيعي أن يكون للقضية حساسية خاصة بالنسبة لسويسرا، نظرا لقوة القطاع المالي وللسرية المصرفية المحيطة به.

ضعف الرقابة

ومن اللافت، أن الطبيعة التقنية والمتطورة للإحتيال الحاسوبي، كالقرصنة والتصيّد، قد أربكت العديد من كبار المسؤولين وأعاقت الجهود الإحترازية والرقابية التي تبذلها الشركات في التصدي للإعتداءات المحتملة.

ومن جانبه، قال جيانفرانكو ماوتوني، رئيس قسم الطب الجنائي لدى “برايس ووترهاوس كوبرز”ن، في حديث إلى swissinfo.ch: “رغم تزايد الوعي بالجريمة السيبرانية، فإن التدابير لكبح هذه الظاهرة لا تزال متأخرة جدا”، ووفقا للدراسة قيد الذكر، فإن خُمُس الهجمات المُكتشفة، تمّ ضبطها عن طريق الصدفة المحضة أو نتيجة لتدخل سلطات أمن خارجية.

وبالمقارنة مع نظرائهم في الدول الأخرى، يبدو أن مدراء المؤسسات السويسرية قد تأخروا في الوعي بالجريمة الإلكترونية، إذ زاد عدد الشركات السويسرية التي ارتُكِب في حقها جرائم سيبرانية عن 50%، في حين أن متوسط المعدل العالمي هو 39٪، بحسب المسح الذي أجرته الشركة العالمية الرائدة برايس ووترهاوس كوبرز.

والعجيب، أن العديد من الشركات “لم تغلق بوابة الحظيرة إلا بعد أن يهرب البعير”، حيث اتضح مثلا أن الأقراص المدمجة (التي سربها موظفون مصرفيون سابقون إلى جهات أجنبية في الأشهر الماضية) تحتوي على بيانات مصرفية حديثة، مع أنها لا تصنف ضمن جرائم الانترنت، إلا أنها تُعطينا المثال على مدى سهولة تخطي حواجز الرقابة والإحتياطات الأمنية.

وعلى حد قول ماوتوني: “لم تتحرك البنوك السويسرية، ولم تفكّر بجدية في الموضوع إلا بعد أن رأت الأقراص المُدمجة المسروقة معروضة للبيع في الأسواق الخارجية”، ويضيف ماوتوني: “تحتاج هذه المؤسسات في بعض الأحيان لحدوث خطب جلل لكي تتحرك”.

محتالون كثر.. والجميع مهددون

في سياق متصل، تطرّق ماوتوني إلى الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها بورصة نيويورك للأوراق المالية في شهر أكتوبر 2011، واضطرتها إلى وقف عمليات تداول الأسهم بشكل مؤقت، وقال: “ينبغي أن يكون هذا الحدث بمثابة إنذار مبكر من مخاطر الجريمة السيبرانية”.

في الأثناء، حذر تقرير برايس ووترهاوس كوبرز من أن الإحتيال الالكتروني لا يستهدف المؤسسات المالية العملاقة فحسب، بل إن آلاف المؤسسات الصغرى والمتوسطة في سويسرا قد تجد نفسها بسهولة فريسة أطماع القرصنة الإلكترونية.

وأشار الخبير الجنائي إلى أن “التصاميم المبتكرة تعتبر سرّ التفوّق لكثير من هذه الشركات كما أنها توفر لمنتجاتها الميزة التنافسية”، ونوّه ماوتوني إلى أن “فقدان هذه الأسرار يمكن أن يتسبب للشركات الصغرى والمتوسطة، بالذات، بحدوث طامة لا تُحمَد عقباها”.

وحري بالذكر، أن جرائم الإنترنت لا تهدد الشركات فقط، بل إن جحافل المحتالين تتربص أيضا بالأفراد، وتفيد الإحصاءات الرسمية بأن هناك ما يقرب من 6000 إلى 7500 حالة من جرائم الانترنت يتم تسجيلها سنويا لدى السلطات السويسرية.

وتتعلّق معظم الحالات بالمواد الإباحية، إلا أن وحدة التنسيق السويسرية لمكافحة الجريمة السيبرانية تلقت، العام الماضي (2010)، 370 شكوى تتعلق بجرائم اقتصادية، كقرصنة الحسابات المصرفية، مقابل 254 شكوى في عام 2009.

تدابير حاسمة

وبحسب الأرقام التي أوردها تقرير سبتمبر 2011، الذي تصدره شركة سيمانتيك المنتجة لبرامج حماية الكمبيوتر والإنترنت، بلغت تكلفة الأنشطة الإجرامية السيبرانية بمختلف أنواعها، في عام 2010 في سويسرا، نحو 924 مليون فرنك سويسري (أي حوالي مليار دولار أمريكي).

وفي محاولة منها لمكافحة التهديدات المتزايدة المرتبطة بهذه الأنواع من الجرائم، أعدت الحكومة السويسرية حزمة قوانين جديدة ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من بداية العام المقبل (2012).

ومن شأن القوانين الجديدة أن تساعد على تسريع تبادل المعلومات بين سويسرا وغيرها من الدول، وتشديد العقوبات لردع القراصنة، وإطلاق خط ساخن يعمل على مدار الساعة، لتلقي البلاغات حول الأنشطة المشبوهة، وسيكون من شأن هذه التغييرات أن تؤهل سويسرا للتوقيع على اتفاقية المجلس الأوروبي الخاصة بالجرائم الإلكترونية.

لكن، لا تبدو كل التدابير الرامية إلى معالجة الجرائم السيبرانية مرحبا بها محليا، فقد لقيت خطة الحكومة الرامية إلى تأمين الرقابة على الخدمات البريدية والإتصالات السلكية واللاسلكية انتقادات باعتبارها قد تؤدي إلى تسلط الحكومة على هذه المؤسسات الخدمية.

وأخشى ما يخشاه المعارضون من هذه التدابير، أن تكون مطية لانتهاك الخصوصيات الفردية والحرية الشخصية في حين أن مهمتها الأصلية تتلخص في الرقابة على الاستغلال الجنسي للأطفال والمتاجرة بالبشر.

حذر تقرير برايس ووترهاوس كوبرز لعام 2011 من تنامي ظاهرة جرائم الإنترنت، في سويسرا بشكل خاص.

شملت الدراسة 3877 شركة من 78 بلدا، وكان من بينها 140 شركة من سويسرا.

ذكر التقرير بأن 18٪ من الشركات السويسرية كانت ضحايا الجريمة الاقتصادية هذا العام، مقارنة مع المعدل العالمي البالغ 34٪.

يعني هذا تقريبا، أن شركة واحدة من بين كل خمس شركات في سويسرا تتعرض للجريمة الالكترونية، في مقابل شركة واحدة من بين كل ثلاث شركات في المعدل العالمي.

في سويسرا، تحتل الجرائم السيبرانية المرتبة الثانية من بين أكثر الجرائم الإقتصادية شيوعا، بينما هي في المرتبة الرابعة عالميا.

تعتبر الشركات السويسرية (بنسبة 39٪ ممن شملها الاستطلاع) جرائم القرصنة والإحتيال أكبر هاجس يضر بسمعتها.

كما يعتقد أكثر من 50٪ من الشركات السويسرية بأن السيبرانية تُمَثل اليوم تهديدا أكبر مما كانت عليه في العام الماضي، في مقابل 39٪ من الشركات عالميا.

في الوقت الذي قالت فيه ثلث الشركات السويسرية بأنها تُجري مراجعة سنوية بشأن التهديدات الإلكترونية، رأت 11٪ من الشركات بأن لا داعي لهذه المراجعة مطلقا.

أعربت نحو 41٪ من الشركات عن فشلها في تنظيم دورات لموظفيها بهدف توعيتهم وتأهيلهم ضد هذا النوع من الجرائم.

كما أعربت ثلث الشركات السويسرية المشمولة بالمسح عن اعتقادها بأن السيبرانية ستمثّل التهديد رقم واحد الذي سيواجه الشركة خلال فترة الإثني عشرة شهرا المقبلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية