مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دفاع مُستميت عن الساحة المالية السويسرية

Keystone

رغم إقـراره بأن عام 2008 سيكون لا محالة "السنة المروعة" للقطاع المالي العالمي، أكد بيير ميرابو، رئيس جمعية المصرفيين السويسرية، بأن الأزمة المالية العالمية لا تـُشكك في النظام المالي بـرُمّته، وأن الساحة المالية السويسرية تظل في وضع جيـّد.

جاء ذلك في معرض تقييمه، باسمه الخاص، لهذه الأزمة خلال مؤتمر صحفي في زيورخ يوم الخميس 18 سبتمبر، قبل تحوله في نفس اليوم إلى برن لحضور “يوم المصرفيين السويسريين” الذي عبر خلاله عن نفس القناعات.

بعد تأكيده أمام الصحافيين في زيورخ أن “بعض المصارف” تتحمل بدون أي شك مسؤولية عدم التنبـّه إلى نقائصها على مُستوى إدارة المخاطر، قال ببير ميرابو: “إن السـُّمعة الدولية التي تحظى بها ساحتنا المالية لم تُمس، ولئن كانت عناوين الصحف تؤكد عكس ذلك”. قبل أن يتساءل: “متى سنكف عن جـَلد أنفسنا؟”.

وأضاف في تصريح لسويس انفو: “يمكن أن نشعر بالثقة عندما نستنتج بأن السمعة الدولية لسويسرا كـمركز مالي بقيت ممتازة”، منوها إلى أن هذه الأزمة ليست مرتبطة على وجه التحديد بسويسرا، وإلى أن هذه البلاد “تتمتع بالعديد من نقاط القوة. فخبرتنا في إدارة الأموال سليمة، وحتى في سياق الأزمة المالية العالمية، لا أرى سببا لتعرض هذه الخبرة للخطر”.

وذكر رئيس جمعية المصرفيين السويسرية بأن سويسرا، وخلافا لبلدان أخرى، لم تضطر لاستخدام المال العام لإنقاذ مصارفها، وذلك في إشارة إلى حالة اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” (UBS)، أكبر بنوك سويسرا، الذي دخل في أزمة عميقة قبل عدة أشهر بسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. وقد نجح هذا المصرف بالفعل في إيجاد المليارات الضرورية لتجديد رؤوس أمواله، عن طريق ضخ مبالغ هائلة قدِمت من صندوق الاستثمار في سنغافورا ومستثمرين من الخليج العربي.

“صحة جيدة”

وتابع السيد ميرابو قائلا: “أنا فخور بالمصارف السويسرية الكثيرة التي لم تتأثر مباشرة بهذه الأزمة. وهذا يوضح أن ساحتنا المالية بصحة جيدة”.

أما بالنسبة للدّروس التي يتوجب استخلاصها من الاضطرابات الحالية، فيعتقد رئيس جمعية المصرفيين السويسرية أن التوفر على نظام مصرفي ذي رؤوس أموال جيدة وقدرة حقيقية على مواجهة الأزمات أمر ذو “أهمية حيوية”؛ وهذا ينطبق بصفة خاصة على سويسرا، نظرا للدور “الحاسم” الذي قام به كل من “يو بي إس” و”كريدي سويس” (ثاني أكبر مصرف في البلاد).

ويعتقد السيد ميرابو أن الوقت قد حان الآن للعودة إلى “المنطق السليم”، وهو خاصية فُقدت، حسبه، إلى حد كبير “في ظل النشوة التي ميزت بداية هذا القرن، ليس فقط في سويسرا”. وهكذا، سيتعين على مديري المالية أن يتعلموا من جديد النظر إلى الأمور على المدى البعيد بدل اللهث وراء الأرباح على المدى القصير، على حد توضيحات رئيس جمعية المصرفيين السويسريين الذي يرى بأن أي أزمة هي قبل كل شيء فرصة لأقوى الفاعلين في السوق لتعزيز موقعهم.

“سيناريوهات كارثـية”

وفي رد على سؤالٍ لأحد الصحفيين، أوضح ميرابو أنه لا يوجد أيّ سيناريو حول اندماج “يو بي إس” و”كريدي سويس”، مضيفا بأن التوصـّل إلى “حل سويسري سيكون أفضل من مُخطط يمـر عبر الخارج، لكن كل هذه التخمينات هي سيناريوهات كارثية، ولئن كان ما حدث خلال الأيام الماضية يُظهر بأن كل شيء مُمكن”.

وأكد رئيس جمعية المصرفيين السويسرية بأنه “مقتنع تماما” بأن بنك يو بي إس “قوي بما فيه الكفاية لتجاوز هذه الأزمة”. ويـَعتبر بيير ميرابو الإسهامات المالية الكبيرة للمستثمرين الأجانب في يو بي إس “مؤشرا إيجابيا جدا على جودة نظامنا المصرفي”، مشددا على أن اسم سويسرا لا يرتبط بالضرورة في الخارج بالأزمة المالية الراهنة.

السرية المصرفية

على صعيد آخر، دافع بيير ميرابو على مبدأ السرية المصرفية المعمول به في سويسرا، مُلمحا إلى قضية المتهربين من الضرائب في ألمانيا وحساباتهم في إمارة ليخشتنشتاين المجاورة لسويسرا.

وبدون ذكر أية أسماء، نوه رئيس جمعية المصرفيين السويسرية إلى أنه في شهر فبراير من هذا العام، “استنتجت دولة صغيرة بأن جارتها الكبيرة لم تتردد في اللجوء إلى استخدام أساليب مثيرة للشكوك من الناحية القانونية لتحقيق مصالحها”.

واستطرد ميرابو قائلا: “بعد مرور يوم واحد فقط، كانت سويسرا وقانونها حول السرية المصرفية في دائرة الضوء أيضا”. وأراد ميرابو أن يُبرز بهذا المثال “المسألة الحاسمة المتمثلة في معرفة نوع الحماية التي يمكن أن يتوقعها المواطن من بلاده فيما يتعلق بالخصوصية الفردية”.

ويُذْكر أن القانون السويسري يُميز عمدا بين “التهرب الضريبي” – الذي لا يعتبره جريمة – و”التحايل الضريبي”.

وفي الختام، قال رئيس جمعية المصرفيين السويسرية: “في بلدنا، يعود القرار حول مستقبل السرية المصرفية للشعب وليس لموظفي بروكسل أو نواب مجلس الشيوخ في واشنطن، ولا لبيروقراطيي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في باريس”.

سويس انفو مع الوكالات

يوم الإثنين 15 سبتمبر ضخ البنك الوطني السويسري (BNS) في السوق المالية أكثر من 8 مليار فرنك، أي سيولة تفوق قيمتها بمرتين ما هو معتاد، بهدف تمكين المصارف المحلية من مواجهة انهيار البورصات (-3,83% في بورصة الأوراق المالية السويسرية).
وبعد الإعلان ليلة الأحد إلى الإثنين (14/15 سبتمبر 2008)، عن إفلاس مصرف الأعمال الأمريكي “ليمان برادرز” وعن بيع “ميريل لينش” لمنافسه “بنك أمريكا” مقابل 50 مليون دولار، قال توماس جوردان، عضو إدارة البنك الوطني السويسري، في تصريح للتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية SF: “إن وقت القلق العام قد حان”.
كما أوضح جوردان أنه ليس من المعروف حتى الآن من سيتعين عليه تحمل الخسارة الناجمة عن إفلاس “ليمان برادرز”، ويعتقد أن خسارة أصول إضافية أمر وارد، “وهو ما قد يؤثر على مصارف أخرى”، على حد تعبيره.

بعد إقدام البنوك العالمية الرئيسية على التدخل بشكل منسق عبر ضخّ المليارات من السيولة في الأسواق المالية، أعلنت الخزينة الأمريكية والاحتياطي الأمريكي مساء الخميس 18 سبتمبر الجاري عن بدء مفاوضات مع المسؤولين بالكونغرس من أجل التوصل إلى “خطة أشمل للتصدي إلى مشكلة الأصول غير النقدية في حصائل المصارف”.

وطبقا لوسائل الإعلام، تنوي الحكومة الأمريكية تكرار ما أقدمت عليه في الثمانينات، بعد انهيار مئات من صناديق الإدخار. ولقد تم وضع آلية من أجل إعادة بيع الأسهم الفاسدة بالبنوك المفلسة بطريقة منظمة. وتمكنت من معالجة 394 مليار من الأسهم بهذه الطريقة.

بداية الحديث عن هذه الخطة أدى إلى إنعاش سوق البورصة بنيويورك التي انتهت في آخر اليوم إلى تحقيق ارتفاع ملحوظ في قيمة داو جونس بنسبة 3.86%، وقيمة النازداك بنسبة 4.78%.

على نفس الوتيرة، حقـّقت الأسواق المالية الآسيوية صعودا لافتا يوم الجمعة 19 سبتمبر: بزيادة قدرها 3.76% في طوكيو، و4.55% في سيول، و3.69% في بومباي، بل وصلت إلى 9.46% في شانغاي، مستفيدة من إلغاء ضريبة كانت تفرضها الصين على المعاملات في الأسواق المالية.

أما في سويسرا، فقد افتتحت البورصة يوم الجمعة بتحقيق نتائج جيدة جدا، ومع تمام 10:15، حققت مؤشرات السوق السويسرية نسبة تبلغ 5.25%. وظلت البنوك وشركات التأمين في حالة من النشوة في انتظار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية من أجل تحقيق إستقرار الأسواق المالية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية