مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصينيّون لا يـقـلّــون مهارة عن مبتكري النماذج الأصلية

يجد الخبراء المتخصصون في ميدان صناعة الساعات صعوبة كبيرة في التمييز بين النماذج المزورة والقطع الأصلية إلا بعد التدقيق والتمحيص. swissinfo.ch

لأوّل مرّة، تضع الفدرالية السويسرية لصناعة الساعات، يدها على ساعات مزيّفة على درجة عالية من الدقة والتركيب مصنّعة في الصين. وتُباع هذه النسخ المزوّرة في بعض الأحيان بنفس السعر الذي تباع به القطع الأصلية، مما يتسبب في خسائر كبيرة، وإساءة بالغة إلى سمعة الساعات السويسرية الأصلية.

إذا نظرنا عن قرب إلي هذه الساعات المزوّرة، ثم اقتربنا منها أكثر فأكثر، نقف في النهاية على بعض الإخلالات والنواقص: فتحة مسمار أوسع من المطلوب بقليل، وقطعة من العلب الكاربونية استبدلت بالبلاستيك، وغياب الطبقة المانعة للإنعكاس على الغطاء الزجاجي. ولكن، بصرف النظر عن هذه التفاصيل، التي يجد حتى الخبراء صعوبة في الكشف عنها منذ الوهلة الأولى، فإن ساعات هيبلوت Hublot المزوّرة التي احتجزتها الجمارك السويسرية في شهر ديسمبر 2011 تؤكّد إلى أي حدّ استطاع المقلّدون تطوير صناعتهم حيث كادت تتماهى مع النماذج الأصلية.

فالمظهر الخارجي، والوزن، بل وحتى الرائحة (لأن سوار اليد مخلوط بمادة الفانيلاّ المميزة)، كانت مثل نموذجها الأصلي تماما. والمثير للعجب فعلا هي الدقة البالغة في صناعة محرّك الساعة. ويشرح ميشال أرنو، رئيس قسم مكافحة الغش والتقليد في الفدرالية السويسرية لصناعة الساعات، مصدر هذا الإستغراب فيقول: “هذه هي المرة الأولى تقريبا التي أحمل في يدي ساعة توربيون وهمية، وهي ساعة آلية على درجة عالية من الدقة. وهذا يدلّ على أن المزوّرين قد أصبحوا متمكّنين من تصميم أكثر الحركات تعقيدا”.

وعند سفح الجورا، في هذه المدينة الصناعية التي تشغّل 50.000 عامل، وحيث يوجد مقرّ مجموعة سووتش، أكبر مجموعة لصناعة الساعات في العالم، تتم متابعة تطوّر الصناعات المزيّفة في الصين بدقة وعناية واهتمام مشوب بالقلق، فهذه الصناعة باتت تلحق خسائر بالغة بقطاع الساعات الرفيعة ذات الدقة العالية.

استثمار أموال المراهنات الرياضية

على عكس ساعات “رولكس” التي تباع ببضع عشرات من الفرنكات في الأسواق الآسيوية وأمريكا الجنوبية، فإن الساعات المزوّرة، والتي تباع مقابل آلاف الفرنكات، في غفلة من المستهلك، تمثّل خسارة كبيرة للعلامات التجارية المعنيّة.

ولا يخفي رجال الأعمال الذين يغامرون بالحديث حول هذا الموضوع الحساس قلقهم وانزعاجهم حيث أن “الصناعات المزيّفة تلحق بصناعة الساعات خسائر تقدّر بالعديد من المليارات كل عام”. وهذا ما أكّده نيك حايك، رئيس مجموعة سواتش في حديث إلى اليومية المجانية “20 دقيقة” في نسختها بالألمانية، حيث يضيف: “والأسوأ من كل شيء، هو أن النسخ المزوّرة قد أصبحت مع الوقت أكثر فأكثر احترافا”.

هذا التوجّه المُسجل لدى المقلدين للساعات الفاخرة مرتبط بلا ريب بالطفرة التي يشهدها هذا القطاع، ولكن أيضا، وكما يشير ميشال أرنو إلى أنه “عقب الأزمة التي مرّ بها قطاع الساعات خلال سنتيْ 2008 و2009، فإن صانعي الساعات الفاخرة والمركبة من الصينيين قد أجبروا آنذاك، من أجل بيع منتجاتهم، على تخفيض أسعارها. بالتوازي مع ذلك، تسعى مجموعات صينية (من المافيا) إلى إيجاد فرص جديدة لاستثمار مبالغ مالية ضخمة حصلوا عليها من المراهنات الرياضية عن بعد”.

منتجات “من الدرجة الثانية”

إذا كان من الصعب جدا إثبات الارتباط “العضوي” بين الجريمة المنظّمة والساعات المزوّرة، فمن الواضح بالنسبة للفدرالية السويسرية لصناعة الساعات أن الطرفيْن متورّطان في هذه العملية: “المزوّرون منظّمون بشكل جيّد جدا، ويعرفون السوق في بعض الأحيان أفضل من أصحاب الماركات أنفسهم. وقد اختاروا الساعات القادرة على تحقيق نجاحا كبيرا، وهم يتكيّفون بسرعة بالغة مع متطلبات السوق”.

وللترويج لمنتجاتهم، بات المزوّرون يستخدمون على وجه الخصوص المواقع الإلكترونية المتخصصة في البيع المباشر من الخواص إلى الخواص، ويضيف ميشال أرنو “مع تفجّر الأزمة، التجأ العديد من التجّار في نيويورك ولندن إلى عرض ساعاتهم للبيع عبر الإنترنت. واخترق المزوّرون هذه المواقع مُوهمين الزوار بأنهم يبيعون منتجات من الدرجة الثانية”. 

على الطرف الآخر من العملية، يُوجد العديد من الهواة، الواعين أم لا بأنهم يشترون منتجات مزوّرة، الذين استسلموا للإغراء، ويشير ميشال أرنو إلى أن “الأسعار ارتفعت بشكل مُلفت في السنوات الأخيرة، ونتيجة لذلك انصرف الكثيرون لاقتناء الساعات التي هي من الدرجة الثانية”.

فقدان الثقة.. ضربة مُوجعة!

إذا كان لا أحد يعترف بذلك علنا، فإن ما يُقال في الكواليس وفي الخفاء في دوائر صناعة الساعات يتلخص في أن الأسعار “المبالغ فيها” التي تعتمدها بعض الماركات، وسياسات العرض المقيّدة هي التي تشجّع المزوّرين على المضيّ قدما في عملية الإنتاج اللامشروعة.

علاوة على ذلك، أجبر لجوء الماركات السويسرية إلى تضييق شبكة البيع والتوزيع لمنتجاتها في الأسواق التقليدية (الولايات المتحدة وأوروبا)، المئات من التجار بالتجزئة إلى الجوء للتزوّد من مصادر أخرى بمنتجات من الدرجة الثانية. ويعتقد ميشال أرنو أن “هذه السوق الموازية، القانونية تماما في الولايات المتحدة وفي أوروبا، توفّر فضاءً حرا وفرصة لا نظير لها للمزوّرين للمنتجات الأصلية”.

في هذا السياق، سبق لكلود بيفير، رئيس شركة Hublot، المعروف جدا أن أعلن في مناسبات عديدة خلال السنوات الأخيرة عن الفخر الذي يشعر به عندما تمّ استنساخ ماركته لأوّل مرة، ورأى في ذلك، دليلا على الشهرة العالمية التي حظيت بها ساعاته. أما اليوم، فقد تغيّر الخطاب بشكل جذري لأن الأضرار أصبحت تتجاوز إلى حد بعيد ما يمكن أن يكون خسائر اقتصادية مباشرة، ويوضّح ميشال أرنو ذلك قائلا: “إذا أصبح المستهلك غير قادر على التفرقة بين الساعة الحقيقية والساعة المقلّدة، فإنه يفقد الثقة. وهذه ضربة مُوجعة توجّه إلى صناعة الساعات السويسرية”.

أنشطة ميدانية

في الوقت الحاضر، وسعيا منها للحد من هذه الظاهرة، توظّف الفدرالية السويسرية لصناعة الساعات ما بين 40 و50 مفتّشا صينيا يعملون على الميدان. وعن هذه الخطة، يقول ميشال أرنو: “يتلخّص عملنا في  تكثيف عمليات التفتيش والمراقبة لممارسة ضغط كبير على هذا النوع من المنتجات المزوّرة”. في الأثناء، تنظم البعض من هذه العمليات بشكل يومي بالتعاون مع أعوان الشرطة في مقاطعة غواندونغ Guangdong الصينية، المركز الأساسي الذي تتجمّع فيه غالبية عمليات تزييف الساعات.

في المقابل، يعترف ميشال أرنو أيضا بالنتائج الخجولة لهذه الجهود في معظم الأحيان ويقول: “الأشياء هنا منفصلة عن بعضها البعض، وليس هناك رابط اقتصادي رسمي بين الفاعلين المختلفين. فالأجزاء تتم صناعتها بشكل قانوني في شركات تفتح أبوابها على الشوارع الرئيسية، ثم يتم تجميعها وتسجيل مصدرها بعد ذلك داخل ورشات خفيّة، غير مرخّص لها”.

وإذا ما كانت بعض الأسماك الصغيرة تقع من حين لآخر في شباك المفتّشين، مثلما حدث في شهر مارس الماضي، حيث تمكنت الجمارك السويسرية من حجز 280.000 ساعة لا تزال غير مكتملة الصنع في إحدى الورشات غير المرخّص لها، فإنه من الصعب جدا تتبّع الشبكة والوصول إلى العقل المدبّر لهذه المنظمة في المقابل. كما أن هؤلاء الأشخاص المورّطين في أعمال إجرامية، عادة ما يحظون بحماية ما من طرف السلطات في مستويات مختلفة.

على جدول المفاوضات

في سياق متصل، تتطلّب مكافحة هذه الظاهرة أيضا الحد من شبكات التوزيع غير المشروعة. وبفضل استخدام برمجيات إلكترونية ابتكرتها مدرسة المهندسين في مدينة بيل/ بيان، تم سحب 320.000 إعلان من مواقع مخصصة لبيع الساعات بين الخواص في عام 2010. وأما بالنسبة للجمارك السويسرية، فقد بادرت إلى تنفيذ 230 حالة حجز بالإعتماد على آليات تحليل المخاطر. وفي هذا الصدد، يُذكر ميشال أرنو إلى أن “ما بين 3 إلى 4% من التجارة العالمية فقط تخضع لمراقبة الجمارك”.

أخيرا، تأمل دوائر صناعة الساعات في سويسرا أن تلقى انشغالاتهم اهتمام وعناية وزير الإقتصاد السويسري يوهان شنايدر- أمان، الذي سيزور الصين في الفترة المتراوحة ما بين 8 إلى 15 يوليو الجاري في إطار مهمّة اقتصادية. ويؤكّد ممثّل الفدرالية السويسرية لصناعة الساعات بأن “القضايا المتعلّقة بالملكية الفكرية توجد على رأس المذكّرة التي نعدّ لتوجيهها إلى وزير الإقتصاد قبل تحوّله إلى الصين”.

وفقا للفدرالية السويسرية لصناعة الساعات، تُنتج في العالم كل عام 40 مليون ساعة مزيفة، وهي كمية تفوق عدد الساعات السويسرية الأصلية (30 مليون).

يبلغ رقم معاملات مزوّري الساعات السويسرية حوالي مليار فرنك سويسري، أي ما يعادل نسبة 5% من حجم أعمال هذا القطاع.

في عام 2010، نُفذت في القارة الآسيوية قرابة 1300 غارة شرطة، ما سمح بحجز 500000قطعة. كما سُجل ضبط كميات كبيرة في المكسيك والبرازيل وإيطاليا، فضلا عن سحب 320000 مزاد علني من شبكة الإنترنت.

تعترف السفارة الصينية في برن أن البلاد قد اهتمت بمعالجة الظاهرة “متأخّرا نسبيا”. لكنها تعتقد رغم ذلك أن “تقدّما قد أحرز“. وهي تذكّر بأنه قد تم تشكيل مجموعة عمل سويسرية  – صينية في عام 2007، وقد عقدت خمس جلسات عمل حتى الآن، مما ساهم في تعزيز “علاقة الثقة والتعاون بين البلديْن”، حسب زعمها.

 وفقا للأرقام المتداولة، تمثّل المنتجات المزوّرة المتداولة على الساحة الدولية ما بين 5 و10% من الحجم الإجمالي للتجارة العالمية.

بالنسبة للبلدان الأعضاء في المنظمة الإقتصادية للتنمية والتعاون يتجاوز حجم السلع الاستهلاكية المزوّرة اجمالي الإنتاج المحلّي لأكثر من 150بلدا بقيمة اجمالية وصلت إلى 250 مليار دولار في عام 2007.

88% من المحجوزات من السلع المزوّرة في الإتحاد الأوروبي في عام 2010، كان مصدرها الصين وهونغ- كونغ.

وفقا للبيانات الصادرة عن الإتحاد الأوروبي، فإن المنتجات الأكثر عرضة للتزوير هي منتجات النسيج (30%)، والأحذية (13%)،

والساعات (11%)، ثم العقاقير والأدوية (8%)، والهواتف النقالة (7%)، والمنتجات الجلدية (7%)، والأجهزة الإلكترونية (5%)، ومستحضرات التجميل (5%).

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية