مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النبرة المتحرّرة للسينمائيين السويسريين تبرز في “كـان”

Reuters/Eric Gaillard

في مهرجان كان السينمائي الذي يُفتتح يوم الأربعاء 15 مايو 2012، يحرص عشاق الفن السابع على متابعة تظاهرة "نصف شهر المُخرِجين" والإستمتاع باكتشافاتها. وفي هذه السنة، سيشاهدون فيها شريطين سويسريين، مختلفين جدا عن بعضهما البعض، لكنهما يشهدان على "الهامش الكبير الذي تحظى به حرية التعبير في السينما السويسرية"، على حد قول المشرف على التظاهرة.

وبهذين الفيلمين، من أعمال نيكولاس فاديموف وبازيل دا كونيا، يعزز مهرجان كان في دورته الـ 65 برنامج عروضه السينمائية، وهي المرة الثالثة على التوالي التي تشارك فيها أفلام سويسرية ضمن فعاليات المهرجان من خلال تظاهرة “نصف شهر المخرِجين”، ذات الطابع الشعبي بامتياز، والتي اضطلعت بمهمة إتاحة الفرصة لاكتشاف المُخرِجين من الجيل الصاعد فضلا عن تكريم أعمال كبار المخرجين.

ففي عام 2010، عمدت تظاهرة “نصف شهر المخرِجين”، من خلال برمجتها المقترحة في مهرجان كان، إلى عرض الفيلم الشهير “كليفلاند ضد وول ستريت” للمخرج السويسري جون ستيفان برون، وفي عام 2011، هيأت لجمهورها الفرصة لاكتشاف بازيل دا كونيا، المخرج البرتغالي – السويسري الشاب (26 عاما)، عبر عرضها لفيلمه القصير “نيفيم، سمكة شمس البحر”.

وفي العام 2012، سيحظى دا كونيا نفسه بشرف المشاركة ضمن فعاليات تظاهرة “نصف شهر المُخرِجين” التي اختارت أن تعرض، لأول مرة في العالم، الفيلم الروائي الطويل، الذي طال انتظاره: “عملية ليبرتاد Opération Libertad” للمخرج السينمائي، من العيار الثقيل، نيكولاس فاديموف (48 سنة) صاحب العديد من الأعمال المتميزة، من بينها الفيلم “كلانديستان Clandestins” وفيلم “عايشين في غزة Still Alive in Gaza” الحائز على جوائز مميزة في عدة مهرجانات دولية.  

الطابع الخاص للسينما السويسرية

وفيما يذهب البعض إلى أنه لم يكن من المتوقع وصول السينما السويسرية إلى الساحل اللازوردي وعلى مدار ثلاث سنوات متعاقبة، يصحح إدوارد فانتروب، المندوب العام لـتظاهرة “نصف شهر المُخرِجين”، هذا الإعتقاد قائلا: “لا، ليس كذلك، فللأمر ما يبرره”، بل يرى في هذا الحضور علامة على الصحة الجيدة التي تتمتع بها السينما السويسرية التي تعتبر “من بين الأكثر شخصانية في أوروبا” على حد تعبيره.

ومن موقعه، يُراكم ادوارد فانتروب، الفرنسي الأصل فرنسي، والمدير السابق لمهرجان فريبورغ الدولي للأفلام، والناقد السينمائي السابق بصحيفة ليبراسيون الباريسية، والرئيس الحالي لمؤسسة “دور السينما غوتلي Cinémas du Grütli” في جنيف، المهارات والمعارف. إضافة إلى ذلك، فهو يحفظ السينما السويسرية عن ظهر قلب ولا يتردد في تقديم مقاربته لشخصية فاديموف موضحا: “(المخرج آلان) تانر هو تانر، وغوريتا هو غوريتا، لا يمكن حصرهما في تيار بعينه، وأعظم ما فيهما هامش الحرية الكبير الذي يتمتعان به. نفس الأمر بالنسبة لنيكولاس فاديموف الذي يُذكّرني بغطرسة آلان تانر، التي لن تخفى بالتأكيد على لجنة تحكيم المهرجان، لا سيما وأنها أقرب إحساسا بالسينما السويسرية الناطقة بالفرنسية من تلك الناطقة بالألمانية”.

يُضاف إلى ذلك أن فاديموف خرج من رحم السينما السياسية، وتحتل السياسة معظم مواضيع أفلامه، وهو ما نشاهده في فيلمه “عملية ليبرتاد”، الذي جاء ثمرة لجملة من الدراسات والأبحاث واللقاءات مع قوى ثورية كانت لها صولة على الساحة السويسرية في سبعينيات القرن الماضي، والتقاها فاديموف بنفسه برفقة جاكوب بيرغر الذي اشترك معه في كتابة السيناريو.

وتدور قصة الفيلم حول أحداث حصلت في عام 1978، في زيورخ، حيث قامت مجموعة من النشطاء الثوريين بالسطو على أحد البنوك الكبرى للإستيلاء على ملايين الدولارات المودَعة من قبل أحد أكثر الدكتاتوريين قسوة في أمريكا اللاتينية، وقاموا في الوقت نفسه بتصوير الهجوم بالكامل، ثم بعد ثلاثين عاما، عادت أشرطة الفيديو التي تشهد على فعلتهم للظهور من جديد…

التوازن.. فن سويسري

وفي السياق نفسه، يقول فاديموف محذرا: “لا نقصد الحديث حول النظام المالي السويسري في ذلك الوقت، وإنما نهدف إلى إبراز التجاوب المباشر والالتزام السياسي أيام كان بيننا، في السبعينات، جماعة من النشطاء  لها اتصالات مع كتائب (راف RAF) جماعة الجيش الأحمر في ألمانيا ومع عصابة الألوية الحمراء في ايطاليا. وفيلمي يسلط الضوء على هؤلاء النشطاء بالتحديد، منطقهم ودوافعهم، وما البنك إلا مجرد خلفية أو أرضية، وأهمية الشريط تكمن في السؤال التالي: هل هناك ثمن ندفعه عندما يصبح لدينا نشطاء ثوريون؟ أقول نعم، بالتأكيد، وكل ما آمله أن يكون هذا الفيلم مثار حوار”.

من جهة أخرى، أشار المُخرج إلى أن فيلمه “عملية ليبرتاد” لا يمثل توثيقا للأحداث، وأوضح أنه “إذا ظهر مني ما يُعتبر انتقادا لسويسرا، فما ذلك إلا لأشيد بقدرة هذا البلد وبراعته في استيعاب ما يعتريه من المصائب والخروج منها بسلام، وهو ما أطلِقُ عليه تسمية “فن التوازن””.

إدوارد فانتروب الذي لا يُخفي انبهاره يعترف بأن “فاديموف يحب أن يصل بالتصوير الكاريكاتوري إلى أبعد مدى. وإذا كانت سويسرا تظهر في فيلمه على مستوى راق في إدارة الأزمات، فالفضل في ذلك يعود إلى أن  نظامها الأمني يشتغل بالإعتماد على الصمت، كما أنه ليس من مصلحة المصرف البوح بتعرضه للسرقة من قبل نشطاء، الأمر الذي وضع هؤلاء في مواجهة نظام أكثر تعقيدا من نظامهم”.

من السياسة إلى الحُلْم

ومن جهة أخرى، نتحدث حول فيلم بازيل دا كونيا، الذي ينعطف بنا دورة كاملة، فنجد أنفسنا أمام نمط من أنماط الخيال، على غرار ما تعودنا منه قبل ذلك في فيلمه “نيفيم، سمكة شمس البحر”، إذ يطالعنا هذا العام أيضا بفيلمه القصير الجديد “الأحياء يبكون أيضا Les vivants pleurent aussi”، حيث تتمحور قصة الفيلم حول شخصية زي، العامل في حمل البضائع ميناء لشبونة، الذي لطالما حلم بالهروب من أوضاع العمل البائسة، ليسافر إلى السويد حاملا معه القليل من مدخراته. 

في الشريط، ينسج بازيل دا كونها باقتدار وجمالية الأحداث بروعة الفن ودقة القرب من الواقع، فهو “يروح بعيدا في الحلم، ولكنه، يُجيد في الوقت نفسه البقاء ملتصقا بالواقع، إنه ساحر في أسلوبه الفريد من نوعه” بحسب قول إدوارد فانتروب، الذي يعتبر الشباب البرتغالي السويسري إحدى أهم المواهب الواعدة في الوقت الحالي.

ختاما، يضيف فانتروب: “على الرغم من تلقي تعليمه في سويسرا، إلا أن إلهامه بقي يجوب أجواء البرتغال، إنه منفتح جدا، وهذا بالتأكيد أمر إيجابي جدا، واكتسابه للخبرة المتميزة من خلال فعاليات تظاهرات “نصف شهر المُخرِجين”، واقترانه بنيكولاس فاديموف، يكشف مدى انفتاح السينما السويسرية وتنوع أساليبها، مع الحفاظ على التناسق الفني والتناغم الروحي”.

تُنَظّم الدورة 65 للمهرجان خلال الفترة من 16 إلى 27 مايو 2012.

منذ عام 1946، تحظى الأفلام التي تنتجها أو تساهم في إنتاجها شركات سويسرية، باستضافة مهرجان كان.

ومن الأفلام والأعمال الوثائقية أو الروائية التي تمّ تكريمها على مدار دورات المهرجان المختلفة، وحصلت على جوائز:

في عام 1963، حصل أليكسندر ج، سايلر على السعفة الذهبية الخاصة بالأشرطة القصيرة، عن فيلمه
A fleur d’eau/In wechselndem Gefälle

في عام 1973، فاز كلود غوريتا بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن شريطه الطويل L’Invitation.

وفي عام 1977، فاز كلود غوريتا بجائزة لجنة التحكيم المسكونية عن فيلمه الطويل La Dentelière. 

وخلال السنوات الخمس الماضية، كان من بين الأفلام التي استأثرت باهتمام متابعي المهرجان، في جميع الأقسام:

فيلم فريديريك ميرمو “Le Créneau” (2007).

فيلم أورسولا ميير “Home” (2008).

فيلم جون لوك غودار “Film Socialisme(2010).

فيلم جون ستيفان برون “Cleveland contre Wall Street” (2010).

ولد في جنيف، في عام 1964.

1992- 1996: عمل مخرجا للعديد من البرامج والتحليلات الإخبارية في التلفزيون السويسري الروماندي (TSR)، الناطق بالفرنسية.

أخرج العديد من الأفلام الوثائقية في دول مختلفة مثل: ليبيا، الجزائر، فلسطين، اسرائيل، اليمن، رواندا …

عضو مؤسس في شركة الإنتاج “قافلة Caravane”، وأدارها خلال الفترة من 1997 إلى 2002.

في عام 2002، أنشأ شركة “Akka films” لإنتاج الأشرطة الوثائقية والأفلام الروائية المطوّلة، ويعمل خلالها في مشروع “اللقاء السويسري الفلسطيني”، الذي أخرج إلى النور خمسة أشرطة وثائقية قصيرة عرضت لأوّل مرة في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية بمدينة “نيون” السويسرية، ثم في الكثير من المهرجانات الدولية الأخرى.

أخرج وأنتج فيلم “كلانديستان Clandestins” الذي شارك في أكثر من 15 مهرجانا دوليا وحصل على عدة جوائز دولية.

في عام 2005: أنتج وأخرج فيلم حول خفايا اتفاق مبادرة جنيف للسلام في الشرق الأوسط. وقد عرض الفيلم لأوّل مرة في مهرجان لوكارنو.

في عام 2007: أنتج فيلم ” 5 minutes from home”، وثائقي لنهاد عوّاد ، وقد شارك في نفس السنة في المسابقة الرسمية بمهرجان الأفلام الوثائقية بمدينة نيون.

من بين أعماله الجديدة: “الإتفاق L’Accord” و”عايشين Still Alive in Gaza”.

من مواليد 19 يوليو 1985 في مدينة مورج (كانتون فو).

يتابع حاليا تكوينا في المدرسة العليا للفنون والتصميم بجنيف (HEAD)، قسم السينما.

أخرج عددا من الأفلام القصيرة، من إنتاجه الخاص، قبل أن يصبح عضوا في جمعية “ثيرا Thera” للإنتاج.

رُشّح فيلمه السابق “على طرف A côté” لجائزة السينما السويسرية لعام 2010.

أخرج أيضا فيلمين قصيرين: “قانون تاليون” (2008)، و “نوفيم، سمكة شمس البحر” (2011).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية