مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عشت ما يعانيه كل المهاجرين.. ولديّ الرغبة في المساهمة في إيجاد حلول”

المترشح محمد بوزيد
الأستاذ محمد بوزيد، مرشّح الجبهة الشعبية عن دائرة الأمريكيتيْن وباقي البلدان الأوروبية للإنتخابات التشريعية أكتوبر 2019. Bouzid

يختار التونسيون نهاية الأسبوع الاوّل من شهر أكتوبر المقبل نوابهم في البرلمان في انتخابات هي الثالثة من نوعها بعد اندلاع الثورة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي في عام 2011. وينتظر المراقبون أن تشهد هذه الانتخابات مفاجآت من العيار الثقيل وستفرز مشهدا برلمانيا وسياسيا قد يمتد لسنوات طويلة قادمة.

ولأن دستور البلاد يسمح بمشاركة التونسيين المقيمين في الخارج ترشحا وانتخابا، قررت swissinfo.ch الحديث إلى جملة من المترشحين عن الدائرة الانتخابية التي تشمل سويسرا، ومن المقيمين في الكنفدرالية.

وهذا نص حوارنا الثاني مع ممثل حزب الجبهة الشعبية عن هذه الدائرة محمد بوزيد. (الأسئلة هي نفسها بالنسبة لكل المترشحين). 

لماذا اخترت الترشّح لهذه الانتخابات؟ 

محمد بوزيد: حزبي وأصدقائي طلبوا مني ذلك لأن لدي ثلاثين سنة في الهجرة ساهمت خلالها في بعث العديد من الجمعيات والنشاط صلبها، وهي منظمات تعنى بالمهاجرين و قضاياهم سواء المشاكل المعيشية والقانونية على مستوى الأفراد أو القضايا القومية العامة. في البداية ترددت في قبول الترشّح، لأنني لست معتاداً على التقدم لتحمل المسؤوليات السياسية الرسمية كاعتيادي على لعب دور المعارض. لكن بعد تفكير توصلت الى انه لا يمكن دائما تفادي تحمل المسؤولية والاكتفاء بالنقد.

على المستوى الشخصي عشت ما يعانيه كل المهاجرين التونسيين: طلبة وكفاءات ومواطنين، فقد كنت طالبا في إيطاليا وفي سويسرا وأعرف ماذا يعني أن تكون شابا جامعيا بدون منحة إذ عليك التوفيق بين العمل في الليل وفي آخر الأسبوع وفي العطل والدراسة في نفس الوقت، وهنالك أيضا مشكل السكن واستخراج الأوراق وإيجاد أماكن للتدريب في الشركات و المؤسسات وهي عقبات متعددة يجب أن تساهم الدولة في تذليلها من خلال خلية صغيرة من الموظفين، واحد أو اثنين على الأكثر، يقع تركيزها بمراكز تواجد أكبر الاعداد من الطلبة تساعدهم على البحث عن مساكن و أماكن عمل بدوام جزئية وفترات تدريب. 

بعيدا عن الجامعة والطلبة، نحن كتونسيين لنا علاقة إشكالية مع الدولة التي لم تكن أبدا في خدمتنا لا في تونس ولا خارجها. ولسنا معتادين على العمل الجماعي التعاوني، أي جمعيات وهياكل تساعد المهاجرين المقيمين الشرعيين أو غير الشرعيين، وهذا المعطى يجب أن يتغير، يجب أن تكون الدولة في خدمة مواطنيها وعلينا أن نتجند لإجبارها على القيام بدورها كاملا في الدفاع والإحاطة بالمهاجرين.

كخلاصة، لدى تجربة شخصية في عمل الجمعيات والعمل السياسي في الهجرة ولدي الرغبة في المساهمة في إيجاد حلول، وهذه الحلول في أغلب الأحوال ليست صعبة و لا مكلفة ماديا بل تتطلب أرادة سياسية وقليلا من الحس السليم، وحسن الظن. 

 نقطة ثانية تتمثل في قناعتي بأنني أحمل رؤية مغايرة و مقاربة شاملة لقضايا الهجرة و المهاجرين. تنطلق من وزنهم و دورهم الاقتصادي والاجتماعي ومساهمتهم في ابقاء تونس منفتحة على كل ما هو جديد في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والتقنية وكذلك الفنية والثقافية والحضارية. هذا الدور الايجابي للمهاجرين لا يمكن أن يتواصل إن واصلت الدولة التونسية التعامل معهم كما تعودت الى حد الآن بمعنى انه لا يمكن أن تأخذ بدون أن تعطي.

 تحت أي شعار وبأي برنامج تترشح إلى هذه الانتخابات؟

 محمد بوزيد: شعار حملتنا “نبني تونس التي نريد”. بمعنى أن مختلف فئات شعبنا بما فيهم جالياتنا في المهجر، عليها ان لا تترك للسماسرة والفاسدين وللمتدخلين الأجانب هذه المهمة أي بناء تونس على الشاكلة التي يريدونها وبالطريقة التي تناسب مصالحهم. علينا اختيار نواب مؤمنين بالوطن وقادرين على تكريس سيادتنا وتحقيق التنمية الشاملة لمجتمعنا والحفاظ على مصالح أجيالنا القادمة. هذه الأهداف لا يمكن بلوغها الا بقيادة قوى وطنية لها رؤيا شاملة.

 أما بالنسبة لبرنامجنا، فنرى أنه يجب أن ينظر إلى الهجرة من منظور مصلحة تونس وأبناؤها أولا. فالمهاجرون يمثلون 13٪ من مجموع السكان وهي قوة بشرية هائلة وتمثل قوة استهلاك واستثمار مهمة وتوفر نسبة كبيرة من العملة الأجنبية التي تحتاجها البلاد. ولا يمكن اختزال دورها في هذا الباب فحسب كما عودنا الكثيرون حيث لا يرون من المهاجرين سوى الجانب المادي. إن التونسيات والتونسيين بالخارج يمثلون أيضا نافذة على العالم وجسرا مع الآخر إذ يتيحون للبلاد الانفتاح على المشترك الإنساني والاستفادة من تجارب ثقافية وفنية وسياسية وتقنية عالمية ويساهمون بالتعريف بالديناميكية الغنية التي عاشها الشعب التونسي ويعيشها الآن.

بعد عقود من الزمن، أخذت خصوصيات جالياتنا في التغير. فأبناءنا وبناتنا من الجيل الثاني وحتى الثالث، ليس لديهم نفس الارتباط مثلنا، ببلدهم الأصلي بحكم تمركز علاقاتهم في بلدان نشأتهم أكثر من بلدهم تونس. إن الجيل الأول كالطيور المهاجرة. فلا بد أن تعود على الأقل مرة في السنة إلى وكرها تونس. والتحدي أن نضمن مكانة هامة وارتباطات قوية لأبنائنا وبناتنا مع وطنهم الأصلي. وتقوية الارتباط بالوطن الأم يعني الاستثمار فيه ودعمه ودعم قضاياه في البلدان التي يقيمون فيها. لذلك فإن الاهتمام بهم والعمل على تعزيز روابطهم مع تونس هو من منطلق استراتيجي ومصلحي لفائدة تونس وأبناءها وليس عاطفيا فقط. لذلك لا يجب أن تخضع هذه القضية إلى منطق المزايدات والمحاصصة السياسية كما مارستها جل الحكومات والأحزاب الحاكمة المتعاقبة.

ان الهجرة حاليا بصدد التحول من حيث الفئات الاجتماعية المعنية بها. لقد أصبحت دول أوروبا وشمال أمريكا تستقطب كفاءات كثيرة من تونس. وهذا يمثل احدى الاعاقات الكبرى لتنمية وطننا حيث أن الدولة أنفقت أموالا ضخمة لتعليمهم وتكوينهم في جامعاتنا والدول الأخرى هي من تستفيد في النهاية. علينا وضع استراتيجيات على الأقل للاستفادة من هذه الكفاءات التي هي في بلدان المهجر وفي انتظار توفر الظروف لاستقطابهم من جديد في البرامج التنموية الوطنية.
كل هذه القضايا الشائكة وذات الصبغة الاستراتيجية دفعتنا منذ سنوات الى التفكير في حلول وصيغ وآليات مناسبة للتدارك ولفتح مسار جديد في علاقتنا بالوطن الأم. فاقترحنا بعث وزارة خاصة بالهجرة والتونسيين بالخارج ومرصد تابع لها واقترحنا كذلك ضبط شروط دنيا تتوفر لدى الملحقين الاجتماعيين والثقافيين مع انتداب جزء هام منهم داخل نفس البلدان للاستفادة من معرفتهم بواقع البلد. وبالتوازي اقترحنا بعث مجلس وطني للهجرة كهيكل استشاري يتكون أساسا من تونسيات وتونسيين بالخارج ليدعم عمل الوزارة بالمقترحات نظرا لمعرفتهم الدقيقة بواقعنا وبقدراتنا الكامنة والتي يمكننا توظيفها بالشكل اللازم من أجل تنمية تونس على جميع المستويات.

مع الأسف رفضت الحكومات المتعاقبة بعث هذه الوزارة بل حتى حاولوا الحاقنا بوزارة الخارجية وكأنّنا أجانب عن بلدنا. أما بخصوص المرصد، فقد عملت وزارة الشؤون الاجتماعية على بعثه ولا يزال لم يقم بشيء يذكر إلى الآن. هذا المرصد كان من المفروض أن يجمّع قاعدة بيانات كاملة واحصائيات دقيقة تخصنا حتى نتمكن من إيجاد الحلول العلمية المناسبة. أما بخصوص الملحقين الاجتماعيين والثقافيين، لايزال الحال على ما هو عليه في أغلب البلدان. طبعا نستثني قرار فتح عدد ضئيل من المراكز الثقافية كدار تونس في جنيف والتي لا تزال تعاني من نقص فادح في الميزانية.

أما المجلس الوطني للهجرة ذو البعد الاستراتيجي، فبعد أن تقررّ انشاؤه بقانون أساسي، أصبح موضوع تجاذبات ومحاصصة بين الأطراف الحاكمة ومختلف السلطات والادارات. فكل يريد توظيفه لمصالحه ويريد أن يتمثل فيه بأكبر عدد والحال أن الهدف الذي قام عليه هو اختيار اعضاءه من الكفاءات العالية والناشطة من التونسيات والتونسيين بالخارج لتستأنس مختلف الهياكل من حكومة وبرلمان وإدارة بمقترحاتهم فاذا بكل هذه الأطراف تضمن لنفسها مقاعد داخل هذا المجلس تاركة فقط 18 مقعد للهجرة.

ما هي أبرز الصعوبات التي تعاني منها الجاليات التونسية في هذه الدائرة الانتخابية التي تترشحون نيابة عنها؟

محمد بوزيد: الصعوبات عديدة منها تعليم اللغة العربية لأبنائنا وبناتنا حيث تغيب البرامج الجدية. فحتى عدد الأطفال المستفيدين من دروس العربية التي تشرف على تنظيمها السفارات التونسية، عددهم الجملي لا يتجاوز الألف طفل في كامل أوروبا بما فيهم فرنسا وإيطاليا وألمانيا أي ما يعادل1 في الألف. لهذا وجب العمل على وضع خطة جدية لتجاوز هذا الاشكال والمتعلق بهويّة أجيالنا الشابة.

احدى أهم الصعوبات الأخرى هي التنقل والسفر الى تونس، فالأسعار المطبقة جنونية والخدمات رديئة وعلينا بصورة عاجلة العمل على تطوير ناقلاتنا الوطنية وتأهيلها بما يسمح بتيسير تنقلنا الى تونس.

من الصعوبات الهامة أيضا في دائرتنا هو وجود تعقيدات كبيرة أمام الكثيرين ممن أرادوا الاستثمار في تونس بوازع وطني. فيهم من خسر أموالا طائلة ورجع خائبا وفيهم من لا يزال يعاني من ثقل البيروقراطية ومن الفساد.

 كيف تقيمون التعاون الثنائي القائم اليوم بين تونس وسويسرا؟ وما خططكم لتطوير هذا التعاون؟

محمد بوزيد: بداية، نثمن توقيع اتفاقية الضمان الاجتماعي الذي تم مؤخرا بين البلدين. ونثمن أيضا الاتفاقية التي تضمنت مشروع “الجالية التونسية المقيمة بسويسرا” Projet CTRS بالرغم من محدوديته. الا أننا سندعو الى فتح مفاوضات لتطوير هذا المشروع ولرصد الميزانية الكافية له خصوصا في محوري الاستثمار والتدريب للمهنيين الجدد.

كما يجب أن نعمل على فتح باب التفاوض بين سويسرا وبلدان المغرب العربي حول ادماج اللغة العربية ضمن اللغات الاختيارية في المدارس العمومية السويسرية حتى يستفيد أطفالنا من ذلك. وهذا التفاوض يجب أن يمتد الى كل البلدان الأوروبية وكندا والولايات المتحدة

 ما هي الدروس التي استفدتها من اقامتك في سويسرا، وبالامكان أن تساعدك في حال فوزك ؟

محمد بوزيد: من هذه الدروس، دراسة الملفات جيدا والتمكن منها قبل الخوض فيها. 

ثقافة الحوار والاتفاق، اي ان اتفاق منقوص هو خير من قرار مفروض ومرفوض.

أهمية وحيوية تقريب سلطة القرار من المعنيين به فكلما ابتعد مركز القرار عن المواطنين كلما وأصبح غير واعي باحتياجاتهم. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية