مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دعوات للتخلّي عن استخدام حق النَقض في الحالات المُتعلقة بارتكاب الفظائع

في 29 يوليو 2015، استخدم المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة مرة أخرى حق النَقض (الفيتو)، لعرقلة جميع القرارات التي تدين الجرائم المُرتَكَبة ضد الإنسانية في سوريا. AFP

من غير المُرَجَّح أن يقبل الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي مبادرتين تدعوان إلى تنازلهم الطوعي عن حق استخدام النقض ‘الفيتو’ عند وقوع حالات معينة تتعلَّق بالإبادة الجماعي والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. ولكن البلدان المؤيدة لهذين المشروعين - وبضمنها سويسرا - ترى أن بمقدورها جعل هذه الدول الخمس تعيد النظر قبل ممارستها لهذه السلطة.

يعكس الصراع القائم في سوريا مثالا واضحاً على الشلل الذي يُعاني منه مجلس الأمن الدوليرابط خارجي. فمنذ اندلاع القتال في سوريا قبل نحو خمسة أعوام، فشل هذا المحفل الأممي حتى اليوم، في الإتفاق على مسار يضع حداً لهذه لحرب، التي أدّت وفق التقديرات إلى مقتل أكثر من 250,000 شخص ونزوح الملايين من السكان داخل البلاد أو خارجها.

وشَكَّل المقترح السياسي الذي تقدمت به كلا من فرنسا والمكسيك في 30 سبتمبر 2015، والداعي إلى حَثّ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، على التنازل الطوعي عن استخدام حق النقض (الفيتو)، لعرقلة القرارات الهادفة إلى إنهاء أو منع حالات الفظائع الجماعية، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، مِحور اجتماعين وزاريين رفيعي المستوى، عُقدا على هامش اجتماعات الدورة الـسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدةرابط خارجي الأخيرة.

ومن جانبها، قدَّمَت مجموعة ‘المساءلة والتناسق والشفافيةرابط خارجي’، المعروفة اختصاراً باسم ACT (وهي مجموعة إقليمية مؤلفة من 27 دولة صغيرة ومتوسطة، عضوة في الأمم المتحدة)، وبتنسيق سويسري، مدوّنة سلوك تحمل نفس الهدف، ولكن على نطاق أوسع: فهي لا توجه دعوتها إلى الأعضاء الدائمين فحسب، ولكن إلى جميع الأعضاء غيْر الدائمين، في الوقت الحاضر أو في المستقبل.

وحتى الوقت الرّاهن، وقَّعَت أكثر من 75 دولة من مختلف أنحاء العالم على المقترح الفرنسي – المكسيكي، كما وقَّعَت 53 دولة على مدوّنة السلوك التي أطلقتها مجموعة ACT . ومن جهتها، تدعم سويسرا كِلتا المبادرتين، وِفقاً لِما أعلنه وزير خارجيتها ديديي بوركهالتررابط خارجي في نيويورك.

استخدام الفيتو على القرارات الصادرة ضد سوريا

في حالة النزاع في سوريا، استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) أربع مرات، لتُحبط بذلك مشاريع قرارات كان مجلس الأمن يرمي إلى اتخاذها. وكان الأمر في ثلاث حالات يتعلَّق بقرارات تهدّد بفرض عقوبات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

أما القرار الرابع، فكان يهدف إلى إحالة الصراع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بغية فتح تحقيق حول جرائم مُحتمَلة ضد الإنسانية. وكانت سويسرا قد بذلت مساعي حثيثة منذ وقت مبكّر لإحالة الصّراع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأطلقت بهذا الصدد عريضة سُلِّمَت إلى مجلس الأمن في مايو 2013. وحصلت العريضة حينئذٍ على دعم أكثر من 50 دولة عضو في الأمم المتحدة.

الإفتقار إلى حلٍّ سريع

ورغم اعتقاد بعض النقّاد بِعَدَم خروج هذه الجهود بنتيجة، وافتقارها إلى أي تأثير يُذكَر، إلّا أنّ ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة ‘هيومن رايتس ووتشرابط خارجي’ غير الحكومية، ينظر للأمر بشكل مختلف: “هذا يتوقّف حقاً على كيفية قياس التوقعات”، كما أخبر swissinfo.ch. ثم استرسل قائلاً: “لو كان السؤال إن كانت هذه الدعوات ستُنهي الإستخدام المُعرقل الوقح لحق النقض، كما فعلت روسيا في حالة سوريا، فسوف يكون الجواب هنا بالنفي”.

ولكن المرء لابد أن يكون واقعياً عندما يتعلق الأمر باتخاذ ما يلزم ضدّ إساءة استخدام الفيتو من قبل روسيا – والصين والولايات المتحدة بدرجة أقل – ومحاولة تغيير سلوكهم. وكما يرى ديكر، سوف تؤدّي الأنشطة المتنامية وتصاعد الدعم للمبادرة الفرنسية – المكسيكية ومدوّنة السلوك لمجموعة ACT، إلى “رفع الثمن الذي تدفعه هذه الدول كثيراً عند استخدامها الوقح لحق النقض في حالات ارتكاب الفظائع. كما أن من شأنها أن تؤدّي إلى نشوء ثِقل مقابل قوي، في حال استخدام حق النقض ضد أحد القررات التي تهدِف إلى مَنع أو إنهاء فظائع أو إنتهاكات جسيمة”.

ومع اعتراف مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ بعدم قُدرة المبادرة الفرنسية المكسيكية وجهود مجموعة ACT على الحَدّ من الإستخدام الوقِح لحقّ النقض من جانب روسيا في حالة سوريا، إلاّ أنه يرى أن بإمكانها المساهمة في ذلك بشكل كبير، مُعتبراً إياها “هدفا مهِما على المدى المتوسط”.

شعور بالحركة والإلتزام

في السياق، يرفض ديكر الآراء الساخِرة التي لا تجد في هذه المبادرات إمكانية لتحقيق شيء إيجابي، ويصفها بـ “الرؤية الضيِّقة للإمكانات التي تتمتّع بها هذه الجهود”. كما لم يُغفل الإشارة إلى الإستعداد الذي أبدَته دول إضافية لدعْم مدوّنة السلوك أثناء استعراضها. “كان الشعور بالحركة والإلتزام واضحاً جداً”، كما قال.

وبحسب ديكر،”يبدو أن جهود مجموعة المساءلة والتناسق والشفافية (ACT)، تلقى صدىً جيداً لدى مجموعة واسعة من الأعضاء”. ومن المُرَجَّح أن ترسخ الواقع المحزن للصّراع السوري وفشل مجلس الأمن في التصرّف حِياله، في الذاكرة الجماعية للدول الجالسة في القاعة، قد ساهم في ذلك كثيراً.

ولا يستبعد مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’، أن يكون فشل مجلس الأمن في سوريا قد تطوّر إلى نوْع من النتائج العكسية بالنسبة للأعضاء الدائمين الذين استخدموا حق النقض، والذي انعكس بالنتيجة بـ “دعم أوسع للمبادرة الفرنسية – المكسيكية، والمبادرة التي تقدّمت بها مجموعة ACT على حدٍّ سواء”.

في الأثناء، تم إطلاق مدوّنة السلوك، التي وُضِعَت تحت إشراف إمارة ليختنشتاين رسميا في 23 أكتوبر 2015، بمناسبة إحياء الذكرى الـسبعين لإنشاء الأمم المتحدة. والمثير أن 103 دولة أعلنت في ذلك التاريخ عن التزامها بما ورد في المدونة.

مجموعة “المساءلة والتناسق والشفافية” المعروفة اختصارا بـ (ACT)

تتألف مجموعة المساءلة والتناسق والشفافية عبر الإقليمية، التي تُعرَف إختصاراً بـ (ACT)، من 27 دولة صغيرة ومتوسطة الحجم، تسعى لتعزيز المساءلة والاتساق والشفافية في مجلس الأمن الدولي.

بدأت مجموعةACT نشاطاتها في شهر مايو 2013، وهي تركِّز على المسائل المتعلقة بالعمل الداخلي لمجلس الأمن وعلاقاته بالدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة.

تسعى المجموعة من خلال مقترحات ملموسة وعملية، إلى تحسين أساليب عمل مجلس الأمن في هيئته الحالية، وضمان المزيد من الشفافية والإنفتاح.

لا تتناول أنشطة مجموعة ACT الإصلاح الشامل لمجلس الأمن المرتبط بتكوينه وحجمه.

تتولّى سويسرا مهمة التنسيق بين هذه الدول، ويمكن للدول الأخرى الإنضمام إلى هذه المجموعة.

“مسؤولية وليست إمتياز”

“نحن نعتبر مدوّنة السلوك، وثيقة مُكَمِّلة للمبادرة الفرنسية – المكسيكية، وهما مساران يُعززِّان بعضهما البعض على الطريق المؤدّي إلى نفس الهدف”، كما قالت أوريليا فريك، وزيرة خارجية إمارة ليختنشتاين أثناء عرْض الوثيقة. ودعت الوزيرة جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بالمدونة، تماماً كما فعل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي أهاب بجميع الدول الأعضاء إلى إظهار دعمهم والتوقيع على المقترح الفرنسي المكسيكي.

“نحن نتأمّل ظهور المزيد من الإلتزامات، لكي نضمن عدم تِكرار حالات مثل تلك القائمة في سوريا، حيث تحدُث الفظائع الهائلة، ويجد مجلس الأمن نفسه عاجزاً عن التصرف بسبب الفيتو”، كما قال فابيوس أمام مجموعة من الإعلاميين، مُشدِّداً على أن حق النقض “مسؤولية وليس إمتياز”.

وأشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أن دولته بصفتها واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية المتوفِّرة على حق النقض، قد ألزمت نفسها بالفِعل بِعَدم اللجوء إلى استخدام هذ الحق عند وقوع فظائع واسعة النطاق، كما عبّر عن الأمل في أن تحذو بقية الدول المتوفرة على هذه السلطة [الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا] حذْو فرنسا قريباً.

بَيْد أن المبادرة الفرنسية – المكسيكية لم تَحظَ بدعم رسمي من أيّ من هذه القوى الكبرى بعدُ. ووفقا للدبلوماسيّين، هناك بعض المؤشرت المؤيدة الصادرة من بريطانيا، كما ترى الولايات المتحدة بعض الجوانب الإيجابية في المبادرة. وعلى الجانب الآخر، لم تُبدِ الصين وروسيا أيّ نوع من التأييد لهذا المقترح.

من جانبها، تدعو منظمات حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدوليةرابط خارجي، التي تدعم كِلتا المبادرتين، إلى تقْنين استخدام حقّ النقض في حالات الفظائع الجماعية منذ فترة طويلة. وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، الذي شارك في كلا الحَدَثَين: “يجب أن لا يُستخدم حق النقض أبداً في الدفاع عن حليف يرتكب نوع الأعمال الوحشية التي يرتكبها اليوم نظام الأسد ضد المدنيين، لمجرد أنهم يعيشون في المناطق التي تسيْطر عليها المعارضة”. 

دعم متزايد

بدوره، شدّد وزير الخارجية السويسريرابط خارجي ديديي بوركهالتر على دعم برن للمبادرتين، وقال: “نحن نلاحظ تنامي الدّعم لهذه المسألة، وهو يزداد قليلاً كل عام”. مع ذلك، سوف يتطلَّب تحقيق هدف الحصول على دعم جميع الأعضاء الخمسة دائمي العضوية وقتاً طويلاً على الأرجح.

وردّا على سؤال swissinfo.ch حول ما إذا كان إعلان فرنسا الإستغناء عن حق النقض في المستقبل في حالات ارتكاب الفظائع سيساهم في زيادة الضغط المعنوي [على بقية الدول دائمة العضوية]، قال بوركهالتَر: “نعم، هذا أمر يمكن حدوثه، ولكنى أرى أن النقاش ينبغي أن يظل عقلانياً أيضاً. علينا أن ندرك بأنه من غير المنطقي على الإطلاق، أن لا يقوم مجلس الأمن- الذي تتمثل مهمته الرئيسية بنشر الأمن والسلام – بوقْف مَن يرتكِب أعمال القتل الجماعي أو مُحاسبته”.

وزير الخارجية السويسري يرى أيضا أن مَنْع تنفيذ القرارات بدلاً من وقْف الجرائم الجماعية “غير منطقي بكل بساطة”. كما أن من مصلحة الجميع في نهاية المطاف “وَضع مجلس الأمن ودوره، ولاسيما دور الدول الخمس دائمة العضوية، موضع تساؤل المجتمع الدولي، ولاسيما في ضوء شلل المجلس الكامل في حالة سوريا”، على حد قوله.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية