مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من الإرهاب إلى مكافحته في شمال افريقيا

خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت ظاهرة جديدة في شمال إفريقيا تتمثل في تراجع عدد المجندين الجهاديين لصالح تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يُعرف بالكلمة العربية التحقيرية "داعش" إلى حد كبير وخاصة في المغرب، نتيجة لتنفيذ تدابير أمنية مشددة. وللقضاء على هذا التهديد الإرهابي تماما ينبغي القيام بالمزيد من العمل.

محتويات خارجية

بقلم: موحى الناجي، فاس (المغرب)

مُوحى الناجي، من مواليد 1 يناير 1953، هو عالم لغوي مغربي وكاتب وناقد سياسي وناشط في المجتمع المدني. عمل لأكثر من 30 عاما أستاذا جامعيا في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في فاس، وهو أيضا أستاذ زائر في جامعة روتجرز الأمريكية. يترأس “مركز جنوب – شمال للحوار بين الثقافات” في فاس، وهو الرئيس المؤسس للمعهد الدولي للغات والثقافات في نفس المدينة. بالإضافة إلى مؤلفاته في علم اللغة، كتب الناجي عن اللغة والتعليم، والهجرة، والسياسة، والمساواة بين الجنسين. وله اهتمامات بحثية في قضايا النوع الاجتماعي واللغة والهجرة والتعليم. swissinfo.ch

وجاء هذا التراجع بعد ارتفاع مقلق في تجنيد الإرهابيين من قبل داعش في المنطقة. وحسب الـمدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات السيد محمد ياسين المنصوري فإن عدد المقاتلين المغاربة في يونيو 2014 قد بلغ 1193فردا كانوا يقاتلون في منطقة سوريا والعراق كما كشف تقرير صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب للأمم المتحدة في أبريل 2015 أن المغاربة والتونسيين يُشكلون أكبر قوة أجنبية من الجهاديين في العراق وسوريا.

ويُعد العامل الإقتصادي من الدوافع الأساسية للإلتحاق بتنظيم داعش ، حيث يتقاضى الجهادي العادي نحو1400 دولارا شهريا – وهو مبلغ كبير بالنسبة للشباب العاطل والمنحدر من أسر معوزة أو بالنسبة لمن يقومون في بلدهم بوظائف متواضعة حيث يُعادل الدخل الشهري 150 دولارا تقريبا. وبالنظر إلى أن المستوى التعليمي للأغلبية الساحقة من الجهاديين لا يتجاوز المرحلة الإبتدائية، حيث أن 10٪ فقط منهم يحملون شهادة جامعية، فإن فرص الشغل والتقدم الإقتصادي في بلدهم تبدو محدودة. بالطبع، هناك أيضا عوامل شخصية، ورغم ذلك يبدو أن الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد دافع المغامرة والشجاعة في المعركة.

سواء من أجل “البطولة” أو لكسب المال، فإن 30 مغربيا في المتوسط، ينضمون لداعش كل شهر منذ بدء الحرب الأهلية السورية. ولكن الآن تراجع هذا المعدل بدرجة كبيرة. فوفقا لمرصد الشمال لحقوق الإنسان المغربي، سافر فقط 16 من الجهاديين المغاربة إلى سوريا والعراق في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

ويُمكن أن يعزى هذا الإنخفاض إلى عدة عوامل. بالنسبة للمبتدئين، فقد تقلص تجنيد المتطرفين المحتملين ، وتنظيم داعش تراجع إلى حد كبير. و من المرجّح أن لا ينمو، لأن داعش أصبح ظاهرة مغلوطة. فالحياة في معسكرات الجهاديين ليست فقط أقل متعة بكثير من الصورة التي تظهر في العلن، ولكن بات من الواضح أيضا أن الخلافة التي نصبت نفسها – ركزت على عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، وغيرها من الأعمال الوحشية – لا علاقة لها بالإسلام. فسكان شمال أفريقيا والسكان المحليين في سوريا والعراق يكرهون الجهاديين الأجانب، الذين يعتبرونهم مرتزقة يسعون للسلطة وجمع الثروة، بدل الدفاع الحقيقي عن الإسلام.

سلسلة “وجهات نظر”

تستضيف swissinfo.ch من حين لآخر بعض المُساهمات الخارجية المختارة. وسوف ننشر بانتظام نصوصا مُختارة لخبراء وصانعي قرار ومراقبين متميّزين، لتقديم وجهات نظر تتسم بالعمق والجدّة والطرافة حول سويسرا أو بعض القضايا المثيرة ذات العلاقة بهذا البلد. ويبقى الهدف في نهاية المطاف تفعيل الحوار ومزيد إثراء النقاش العام.

علاوة على ذلك، قامت الدولة المغربية بجهد استثنائي لمنع خروج المُجنّدين الجدد إلى العراق وسوريا، وتجنب الهجمات الإرهابية في الداخل. في الوقت نفسه، أصبح الجهاد يون على علم بما سينتظرهم إذا عادوا إلى المغرب: السجن لمدة تصل إلى 15 عاما، بالإضافة إلى استجوابات الشرطة القاسية وظروف الإعتقال العصيبة.

لكن الإنخفاض في تجنيد الإرهابيين لا يعني أن الوقت قد حان لتخفيف تدابير مكافحة الإرهاب. لكسب الوقت سيتراجع الإرهابيون غالبا لتجديد ترسانتهم وتطوير أساليب جديدة لجذب وتدريب مقاتلين جدد. وفي الواقع، كما أكد ذلك تقرير الأمم المتحدة، لا يزال داعش يحتفظ بمهارة عالية في استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب وتدريب الشباب من جميع أنحاء المنطقة. وهناك خطر جدي لاحتمال وقوع هجمات إرهابية في الداخل، خصوصا أن هجمات “الذئاب المنفردة” أصبحت أكثر انتشارا – مثل مقتل 38 سائحا في تونس في يونيو 2015، ومحاولة هجوم على متن قطار تاليس المتجه من أمستردام إلى باريس في أغسطس الماضي.

لهذه الأسباب انخرط المغرب في إستراتيجية استباقية متعددة الأوجه لوقف الإرهابيين قبل شن الهجمات. وتتضمن إستراتيجية مراقبة المجال الديني، إصلاح قانون العقوبات، محاربة الإقصاء الإجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقتها الحكومة في عام 2005؛ وانتشار الأجهزة الأمنية المعززة.

الإنخفاض في تجنيد الإرهابيين لا يعني أن الوقت قد حان لتخفيف تدابير مكافحة الإرهاب

وقد أثبتت هذه الإستراتيجية حتى الآن فعاليتها. ففي مقابلة أجريت مؤخرا، كشف وزير الداخلية المغربي السيد محمد حصاد أن الشرطة فككت 27 خلية جهادية في سنتي 2013 و2014، وثمانية خلايا في الأشهر الخمسة الأولى من بداية هذا العام، أي مجموع يفوق 200 حالة اعتقال.

غير أن المغرب لا يعمل بمفرده باعتبار أن الإرهاب مشكلة دولية، بل يقوم بتنسيق جهوده لمكافحة الإرهاب مع حلفائه، وخاصة إسبانيا وفرنسا. فبتعاون مع قوات الأمن الإسبانية تمكنت مؤخرا وكالة المخابرات المغربية من اكتشاف وتفكيك شبكتين إرهابيتين من تسعة أعضاء، والتي كانت تجند بنشاط وترسل شبابا مغاربة للقتال في صفوف داعش.

واعترافا بجهوده نال المغرب تقديرا دوليا. ففي مايو 2015 على سبيل المثال، تم اختيار المغرب لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. ولمواجهة خطر الإرهاب في شمال أفريقيا وخارجها، سيكون على المغرب مواصلة التصدي لهذا التهديد على جميع الأصعدة: المخابرات، تطبيق القانون، والسياسة الإجتماعية. ويُعد نجاح المغرب في مكافحة الإرهاب مثالا يقتدى به ينبغي للبلدان الأخرى الإطلاع عليه.

(سبق أن نُشر هذا المقال في موقع بروجيكت سينديكيترابط خارجي).

الأفكار الواردة في هذا المقال لا تعبّر سوى عن آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch. أما العناوين الفرعية فقد تمت إضافتها من طرف swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية