مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا شيء يُبرّر استبعاد طالبي اللّجوء من حمامات السباحة”

أدت القرارات التي اتخذتها السلطات المحلية إلى الحد من حرية تحرك طالبي اللجوء في "بريمغارتن" بكانتون آرغاو، كما قوبلت بامتعاض البعض واستنكار الجهات الحقوقية. Keystone

تسبَّب القرار الذي اتخذته إحدى بلديات كانتون أرغاو، والقاضي بحَظر طالبي اللجوء من دخول حمّامات السباحة المفتوحة، بإثارة ضجّة امتدت حتى خارج سويسرا. ووِفقاً لخبيرة في عِلم الأخلاق من جامعة زيورخ، يُمثِّل الحظْر الذي مارسته سلطات هذه البلدية على حرية تنقّل اللاّجئين، "عاراً أخلاقياً".

في أوائل شهر أغسطس 2013، دخلت أول مجموعة من طالبي اللّجوء إلى المركز الفدرالي الجديد، التابع لبلدية “بريمغارتن” في كانتون أرغاو. ومن المُفترض أن تأوي هذه الثّكَنة العسكرية السابقة، ما يصل إلى 150 شخصا من طالبي اللّجوء خلال الأعوام القادمة.

وبهدف تنظيم التعايش مع السكان المحليين لهذه البلدية، التي تقطنها 6000 نسمة، اتفق المكتب الفدرالي للهجرة مع عددٍ من ممثِّلي المجتمع المحلّي، على “عدم السماح” لطالبي اللّجوء بالدخول إلى المدارس أو المرافق الرياضية، إلّا بموافقة السلطات.

هذا الشّكل من “النبذ” لطالبي اللّجوء – كما أسمته تقارير وسائل الإعلام – لم يؤدِّ إلى إثارة المُناقشات داخل سويسرا وحْدها. وكما تقول آنا غوبَّل، الأستاذة المساعدة في مركز الأخلاقيات في جامعة زيورخ، ليس هناك ما يُبرِّر مثل هذا الإجراء على الإطلاق.

وتُلقي الأخصائية التي تحمِل شهادة الدكتوراه في الفلسفة ضِمن أمور أخرى، دوْرات حول موضوع “أخلاقيات الهجرة”، الذي يُوَجَّه في المقام الأول للمِهنيين العاملين في مجال اللّجوء والهجرة.

swissinfo.ch: لو أنك وضعتِ نفسك في موقف العائلة الطالبة للّجوء، التي لا يسمح لها بالذهاب مع أطفالها إلى حمّامات السباحة أو المنشآت الرياضية، هل سيُغضبك ذلك؟

آنا غوبَّل: نعم.

zVg

هل تُعتَبَر هذه الواقِعة “عارا أخلاقيا” بالفعل؟

آنا غوبَّل: نعم، هذا أكيد. فمثل هذا الحَظر ينتهك الحقوق الأساسية لطالبي اللجوء، ولاسيما الحق في حرية التنقل (التي تكفلها المادة 10 من الدستور الفدرالي للاتحاد السويسري لكل شخص)، دون أن يكون هناك مبرِّر معقول لمِثل هذا الحظر.

لو أنك وضعت نفسك في موقف عائلة سويسرية تخشى تعرُّض أطفالها للخطر من قِبَل مجموعة من طالبي اللّجوء الذكور، هل يمكنك تفهُّم ذلك؟

آنا غوبَّل.: كلا. هذا تعميم يضع جميع طالبي اللجوء في خانة المُشتبه بهم. المخاوف موجودة في المجتمع، ولكنها طالما كانت من دون أساس، فمن الخطإ تبنّي سياسة تستنِد على ذلك.

يُمكن التعامل مع مثل هذه المخاوف – بل إن هذا الأمر ضروري. ويعني التعامل هنا، أن نُبيِّن عدم استناد هذه المخاوف على أساسٍ من الصحّة، لكنه لا يعني بالتأكيد اتخاذ إجراءات تنتهِك الحقوق الأساسية.

تُبرِّر السلطات هذه الإجراءات، بتأمين التعايُش السِّلمي بين السكان المحليِّين وطالبي اللجوء.

آنا غوبَّل: إذا كان الأمر يتعلّق بالتعايش السِّلمي، فأنا أخشى أن يكون هذا النّهج خاطئ تماماً، حيث أنه لا يحمل سِوى رأيا مفادُه أن طالبي اللجوء يشكِّلون خطراً، الأمر الذي يُشجِّع الأحكام المُسبَقة الخاطِئة. فالتعايُش السِّلمي يتعزّز باللقاءات والمُناقشات ومكافحة التحيُّز، وهو لا يتحقّق بالتأكيد من خلال بناء الحواجِز التمييزية.

ولكن، ألا ينبغي العثور على حلٍّ وسط في حالة تضارُب المصالح؟

آنا غوبَّل: قد يحدُث تعارُض بين الحقوق الأساسية المُختلفة، وهنا علينا أن نقّيم أي من هذه الحقوق هو الأكثر أهمية في حالة مُعيّنة. ولكن في هذه الحالة، لا يوجد هناك تضارب بين الحقوق الأساسية، ولكنه تضارب بين الحق الأساسي في حرية الحركة (التنقل) من جهة، والخوف اللاّمُبَرر الموجّه من جزء من السكان ضد مجموعة كاملة، من جهة أخرى.

بهدف الوصول إلى الاختصار الفعّال لإجراءات طلب اللجوء، ابتداءً من دخول البلاد وحتى صدور قرار مَنح أو رَفض اللجوء (المغادرة)، ينبغي أن تعمل الجهات الفاعلة (طالبو اللجوء والمكتب الفدرالي للهجرة والممثلين القانونيين) بشكل أوثق معاً. لذا، ترغب الحكومة الفدرالية بإيواء المتقدِّمين بطلبات اللجوء في مراكز خاصة بها، بدلاً من تَركِهم تحت رعاية الكانتونات.

مع مراكز الاستقبال الخمسة الواقعة على مَقرُبة من الحدود (في بازل وكرويتسلينغن وألتشتيتن وكياسو وفالّورب)، لا يتوفّر لدى الحكومة الفدرالية سوى نحو 1400 مكان للإيواء. ولكن مع نحو 25,000 طلب لجوء سنويا، تحتاج الحكومة السويسرية إلى 6000 مكان، وهو ما يجعلها تخطِّط لإنشاء أربعة مراكز “انتظار وترحيل”، تَسَع لِما لا يقِلّ عن 400 شخص بالقُرب من مراكز الاستقبال.

وعلى الرغم من جهودها الكبيرة، لم يكن بوُسْع الحكومة الفدرالية، افتتاح سوى عدد قليل من أماكن الإقامة الصغيرة حتى الآن.

وخلال الصيف الحالي، افتُتِحَت أو سوف

تُفتَتَح، مراكز إيواء في “بريمغارتن” (كانتون أرغاو) و”آللا أكوا” (كانتون تيتشينو) و”ألنباخ” (كانتون أوبفالدن)، فضلاً عن ممرّ “لوكمانيَر” الجبلي في كانتون غراوبوندن. ومن المقرّر إنشاء أكبر مشروع في مدينة زيورخ، والذي سوف يأوي 500 طالب لجوء ويُصار فيه إلى تنفيذ الإجراءات بشكل أسْرع.

أنت تقولين بأن هذه المخاوف لا أساس لها. لكن تقارير وسائل الإعلام تُشير من حين لآخر إلى ممارسة طالبي اللجوء لأعمال إجرامية.

آنا غوبَّل: هناك البعض ممّن يرتكب الأعمال الإجرامية. ولكننا لا ينبغي أن نستنتِج من ذلك بأن طالبي اللجوء عنيفون أو أنهم يرتكبون الأعمال الجنائية على العموم. هناك أفراد من الشعب السويسري لا يلتزمون بالقوانين أيضاً، ولكن ذلك لا يدعونا إلى اتخاذ إجراءات تستنِد على افتراض أن جميع السكان مُجرمون.

يمكن تبرير الاستبعاد، لو أظهر شخص معيَّن من خلال أفعاله، أنه يشكِّل خطراً على الآخرين. ولكن استبعاد مجموعة كاملة بشكل مُسبَق، أمرٌ لا يمكن تبريره.

ولكن، لو حدث شيء ما في حمّام السباحة، فستُحمَّل المسؤولية إلى السلطات.

آنا غوبَّل: الأشياء قد تحدُث يومياً في حمّامات السباحة، بوجود طالبي اللجوء أو عدمه. في هذه الحالة، لابد من تقصّي المشاكل ومُعاقبة الأطراف التي انتهكت القانون. ولكن هذا لا يشكِّل أساساً لاستبعاد مجموعة بأكملها كإجراء وِقائي.

يُحرَم طالبو اللّجوء إلى حدٍّ ما من حقوق أخرى أيضاً، كالحق في التظاهُر على سبيل المثال، كما جرى في سولوتورن مؤخّراً، عندما أخلت الشرطة مخيّماً كان طالبو اللّجوء يحتجّون فيه على ما اعتبروه ظروفاً معيشية مُهينة في ملجإ الدفاع المدني، الذي تم إيواؤهم فيه. هل يُمثل هذا “عار أخلاقي” أيضاً؟

آنا غوبَّل: ينبغي النظر بشكلٍ مفصّل إلى الحقوق التي يُحرَم منها طالبو اللّجوء. هناك على سبيل المثال نظام يستدعي أن يكون طالبو اللّجوء مُتاحين في جميع الأوقات، وهو أمرٌ لا يُطالَب به مُعظم السكان الآخرين. ومن وجهة نظري، أجِد مطالبة السلطات لطالبي اللجوء بالكشْف عن محلّ إقامتهم أثناء البحث في طلباتهم، أمراً مُبرّراً، إذ يجب أن يكون طالبو اللّجوء مُتاحين للسلطات أثناء سيْر الإجراءات والتحقّق من حالتهم. وفيما يتعلّق بالحَظر المفروض على التظاهُر، فالأمر بالنِّسبة لي يستحِق المُناقشة من وجهة نظر أخلاقية.

برّرت السلطات، التي أخلَت المخيّم، إجراءها بضرورة حماية طالبي اللّجوء من الهجمات أو سوء المعاملة. فهل يبرّر ذلك تدخّلهم؟

آنا غوبَّل: أنا لا أعتقد ذلك. كما هو الحال مع مظاهرات أخرى، ينبغي علينا أن نضمَن عدم حدوث تجاوُزات، وفي حال حدوثها، علينا متابعتها ومحاسبة القائمين بها. ولكن احتمال حدوث الاعتداءات وحده، ليس مبرّراً لتقييد حرية التعبير العامة.

بعض وسائل الإعلام الأجنبية، تُصوِّر سويسرا بانتظام، بكونها “معقلاً لكراهية الأجانب”. هل تتّفقون مع هذا الرأي؟

آنا غوبَّل: بالطبع ليست سويسرا “معقلاً لكراهية الأجانب”. وهناك بالتأكيد انفتاح باتّجاه الأجانب وجهود يُثنى عليها للاندماج والتكامُل. وبِغَضّ النظر عن ذلك، ينبغي علينا تقبّل خضوع إجراءات، مثل حظر الدخول إلى المسابح إلى تقييمات قانونية وأخلاقية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية