مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مدوّنون خليجيون يبذلون جهودا طوعية للتعريف بالمزايا السياحية لسويسرا

Null

لا يُخفي محمد علي الطريّـف، المواطن السعودي الملقب بأبي عزيز، والذي يكثر التردد على سويسرا منذ كان في مقتبل العمر، إعجابه بالطبيعة الخلابة في سويسرا، وبتقاليد شعبها، وثقافته العريقة.

ويقول: “يعجبني هذا البلد في كل فصوله وأطواره، ومنذ اليوم الأول الذي أحل فيه بمطار جنيف، إلى غاية خروجي منه، يشدّني إليه رابط قويّ، وأتمنى ألا أفارقه”.

وتعود علاقة هذا السائح السعودي بسويسرا إلى سنة 1982، وتعلق بها “لما رآه فيها من نظام، وترتيب، وجودة عالية”، إضافة إلى ما لقيه وبقية السياح الخليجيين من أهلها “من حسن معاملة وترحاب”.

ولكن لماذا سويسرا، ومن البلدان العربية ما حباه الله بالشواطئ الجميلة، والمناظر الطبيعية الخلابة، كلبنان وتونس والمغرب ومصر وغيرها؟

يكمن سر هذه العلاقة كما يقول أبو عزيز “فيما يُبديه السويسريون من احترام لمعايير الجودة العالية في كل شيء.. في المجال التجاري، وفي قطاع النقل، وفي أنظمة الإقامة، وقطاع الخدمات”.

ويأسف السائح السعودي لكون هذه المعايير غير موجودة في الدول الأوروبية المجاورة لسويسرا، ناهيك عن البلدان العربية “التي يغيب فيها النظام”، مما يضطر السائح العربي للسفر بعيدا بحثا عن الراحة والإستجمام.

العين الناقدة

اليوم، يتذكّر هذا السائح الذي يتردد على سويسرا مرات عديدة في السنة، والحاصل على درجة الباكلوريوس من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، حينما كان يأتي إلى جنيف رفقة عائلته، وهو لا يزال في مرحلة الشباب الأولى، فيضيق بالعدد الكبير للسياح الخليجيين في هذه المدينة الذين يتكدّسون في الفنادق الفاخرة، ويتجوّلون في منطقة محدودة على شاطئ البحيرة، لا تزيد مسافتها على مئات الأمتار، من دون التفكير حتى في العبور إلى الضفة المقابلة، ويصف واقعهم قائلا: “كان هؤلاء يعيشون في دوامة، كل همهم الجلوس في المقاهي، وإنفاق الأموال الطائلة في أشياء تافهة”.

هذا الأمر دفعه إلى التفكير في طريقة لإخراج هذا الصنف من السياح الخليجيين من هذه الحلقة المفرغة، فبدأ هو ومجموعة من كتاب المدوّنات العرب الذين ترددوا من قبل على سويسرا بالكتابة عن رحلاتهم وتجاربهم السابقة فيها، ومناطقها المختلفة، ونشروا كل ما التقطته عدساتهم من صور جميلة لقمم جبال، وبحيرات، وسهول..

كان الهدف كما يقول السيد الطّريف “إفهام السياح الخليجيين القاصدين سويسرا أن هناك أماكن للسياحة العائلية، أفضل من مدينة جنيف كمنطقة الأوبرلاند، أو إنترلاكن، الواقعتيْن بكانتون برن”، واللتيْن يسميهما هذا السائح “قلب سويسرا النابض”.

كذلك تقترح هذه المدونات السياحية التي يكتب فيها أبو عزيز وأقرانه دليلا سياحيا متكاملا للراغبين في زيارة هذا البلد، منذ وصولهم إلى مطار جنيف الدولي وحتى عودتهم إلى بلدهم، ويشمل تعريفا مفصلا بالمناطق السياحية، وتكاليف الإقامة، وساعات عمل المؤسسات وانتهاء دوامها.

دعوة إلى تغيير سلوكيات السائح

العمل الإرشادي لهؤلاء المدوّنين الذين يتواصلون في ما بينهم عبر منتدى “العرب المسافرون”، لا يقتصر على التعريف بالمناطق السياحية، بل يسعى أيضا على إحداث تغييرا في السلوك اليومي للسياح، وجعلهم مقبولين في بلد الإضافة، وينطلقون في ذلك من إحساسهم بضرورة تغيير رؤية السويسريين للسياح الخليجيين.

فمن المرجّح ان السويسريين يفتحون أبوابهم للسياح الخليجيين لما في ذلك من منافع اقتصادية، وتنشيط لدواليب المرافق السياحية، على الرغم من انهم يتضايقون جدا من سلوكيات بعض السياح، لما يلاحظون لديهم كما يقول أبو عزيز من “غطرسة وكبرياء، وما يحسون فيهم من جهل بتقاليد المجتمع السويسري في إلقاء التحية والرد عليها، وكذلك لعدم تقيدهم بالقوانين المرعية كقواعد المرور والسياقة”. والسبب في هذا كما يقول أبو عزيز هو أن “الخليجيين متعودون في بلدهم على عدم احترام تلك القوانين، وهذا السلوك يغضب السويسريين بشكل كبير جدا”.

ويضرب هذا الأخير مثالا حيا على هذا السلوك المستفز لبعض السياح، فيقول: “يترك السائح السعودي محرك سيارته مشغّلا لوقت طويل، ويترك أطفاله داخل السيارة وهي متوقفة، وهذا الأمر بالنسبة للمواطن السويسري غير مقبول، لأنه يلوّث البيئة، ويعرض الأطفال للخطر”.

الطريف في الأمر أن هؤلاء المدونين يبذلون هذا الجهد “بشكل طوعي ومن دون أي أغراض تجارية أو ربحية، بل يتحملون بمفردهم تكاليف توزيع مطويات وبرامج مطبوعة، وتوفير الإحداثيات، وعناوين الاتصال، لمن أراد الحجز أو التأكد من أي معلومة”.

ومن خلال تصفح محتويات منتدى “العرب المسافرون”، يتبين أن الرسالة التي يهدف إليها هؤلاء المدونون قد وصلت فعلا إلى السياح المعنيين، وأن هذه الجهود الطوعية بدأت تؤتي أكلها، حيث بدأ بعض السياح يعرضون على أعضاء المنتدى خطة سفرهم مسبقا، وينصتون إلى نصائح وآراء الآخرين، بما في ذلك اختيار الفنادق وأماكن الزيارة،…

ليس هذا فحسب، فهذه الجهود كما يشدد الطّريف: “أدت إلى حفظ أموال السائح من خلال توجيهه إلى مرافق سياحية توفر نفس المستوى من الخدمات ولكن بأقل تكلفة كاستئجار شقق في البلدان المجاورة بدلا من شقق الفنادق الباهظة الثمن، واستخدام النقل العمومي الذي هو متطوّر جدا في سويسرا بدل إستئجار سيارات خاصة، وما إلى ذلك من نفقات غير ضرورية”.

“كل سائح يتمنى العودة إليها”

في مقابل الخدمات التي يقدمها منتدى “المسافرون العرب”، يقوم السياح بعد عودتهم من رحلاتهم بكتابة تقارير حول تجاربهم، ويضمنونها انطباعاتهم عن الأماكن التي زاروها ومستوى الخدمات التي حصلوا عليها.

ويلاحظ المتأمل في تلك التقارير انبهار هؤلاء السياح بسويسرا التي يصورونها على أنها “البلد الغني بالمناطق الخضراء، خاصة في الفترة الفاصلة بين شهري يونيو واكتوبر”، بالإضافة إلى رضاهم عن تكاليف الرحلة التي يجدونها في العادة مقبولة، ليصلوا في نهاية التقرير إلى أن “هذا البلد يمكن الرجوع إليه لاحقا”.

ويتقاسم هذا التقييم خاصة أولئك الذين يسافرون رفقة أسرهم، وهم في الغالب من متوسطي العمر، في المقابل لا يبدو الشباب في الغالب راضين عن حصيلة رحلتهم إلى سويسرا.

ولتفسير هذا الإختلاف في التقييم، يلاحظ أبو عزيز أن سويسرا “تُعدّ مقصدا سياحيا نموذجيا بالنسبة للعائلات، لكن ليست كذلك بالنسبة للباحثين عن الترفيه والنوادي الليلية والسهرات المختلطة”. ولا يجانب هذا القول الحقيقة، فالشعب السويسري معروف بتقديسه العمل، والنوم مبكرا، ولا يسمح بأي إزعاج بعد العاشرة مساءً”.

ويستبعد العارفون بالمجال السياحي، ومنهم أبو عزيز أن تؤثر الأزمة المالية العالمية، والكساد الإقتصادي الحالي سلبيا على إقبال الخليجيين على سويسرا، لكنهم يُلفتون النظر إلى أن بعض الأمور الأخرى قد تكون مُحدّدة في هذا الإطار، ومن ذلك انضمام سويسرا مؤخرا إلى اتفاقية شنغن، وما قد ينجم عنها من زيادة في التعقيدات المرتبطة بمنح التأشيرة، وإجراءات السفر.

وفي هذا السياق، أشار بعض المتدخلين في منتديات ألكترونية متخصصة إلى أن بعض السياح الخليجيين وعائلاتهم قد اضطروا لتغيير وجهتهم إلى بلدان أخرى مثل ماليزيا وتايلندا ولبنان بسبب هذه التعقيدات.

عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch

يلقب محمد علي الطريف، السعودي الأصل والبالغ من العمر 42 سنة، وله ولد وبنتان ب”عمدة سويسرا” من طرف السياح الخليجيين نظرا لكثرة ما نشر من تقارير وصور التقطها خلال رحلاته المتكررة إلى سويسرا في السنوات الاخيرة.

وتوثق كتاباته والصور الكثيرة المنشورة بمدوّنته السياحية الخاصة لمشاهد طبيعية رائعة من مختلف المناطق السويسرية من جبال وسهول وبحيرات، ومن مدن وقرى. وهذا العمل الذي يقوم به السيد محمد علي الطريف هو مجرد هواية.

السيد الطريف في الأصل هو رئيس قسم المالية والتشغيل بالشركة السعودية للطيران الخاص، وهي شركة تابعة للخطوط الجوية الملكية السعودية، كما عمل سابقا بقسم المدخلات بنفس الشركة ومدير مشروعات في قسم المسافرين.

كذلك عمل بالعديد من الوظائف في قطاع المالية بالمملكة العربية السعودية. محمد علي الطريف حاصل على الباكلوريوس من جامعة الملك عبد العزيز بجدة سنة 1991.

منذ عام 2003 وحتى 2009، شهد عدد الليالي التي قضاها السياح العرب في سويسرا ارتفاعا مطردا بلغ 62.3%، منها 15.3% ما بين 2007 و2008، و25.6% فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2009.

وبلغة الأرقام، وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء تضاعفت أعداد هذه الفئة من السياح ما بين عامي 2003 و2008. وبعد أن كان لا يتجاوز 248.674 شخص في عام 2003، وصل إلى 403.590 شخص سنة 2008.

أما توزعهم على المواقع السياحية عام 2008، فكان كالتالي:

جنيف: 138.376
زيورخ: 49.008
أنترلاكن: 24.429
مونترو: 21.735
لوزان: 19.022
لوتسرن: 13.531

سجلت انترلاكن الزيادة الأكير في إقبال السياح الخليجيين على زيارتها ما بين 2007 و2008 لتصل عدد الليالي التي قضوها بها 10.405 ليلة.

من ناحية أخرى، يحتل السياح الخليجيون المرتبة الأولى من حيث الإنفاق بالمقارنة مع بقية فئات السياح الأجانب القادمين إلى سويسرا. ففي حين أنفق السائح الخليجي الواحد عام 2008 في اليوم 500 فؤنك سويسري، لم ينفق السائح الأمريكي سوى 270 فرنك أما السائح الفرنسي فلم يتجاوز 180 فرنك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية