مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سويسرا كبلد مرجعي.. سيفٌ ذو حدين”

يُعتبر الناشط البلغاري حاجي (الحاج) توشكو جوردانوف، نجما بارزا في مجال الديمقراطية. Slavi’s Show

في السادس من شهر نوفمبر 2016، سيكون بوسع الشعب البلغاري لأول مرة التوجه إلى صناديق الإقتراع للتصويت على ثلاث مبادرات شعبية. وهذا الإستفتاء الشعبي هو ثمرة عقود من التعاون مع سويسرا أيضاً.

يُنشر هذا المقال في إطار #DearDemocracy، المنصة التي تخصصها swissinfo.ch لمتابعة قضايا وتطورات الديمقراطية المباشرة.

لا شك أن للعمارة الحديثة وجه آخر. فهذا المبنى الجاثم في العاصمة البلغارية صوفيا رمادي وثقيل. وبجواره مباشرة، ينتصب قصر الثقافة الوطني العملاق، أكبر مركز للمؤتمرات في جنوب شرق أوروبا. وكان بناء هذه الكتلة الخرسانية التي أدخُلها الآن قد إنتهى في عام 1981 بناءً على مبادرة من لودميلا جيفكوف، إبنة الديكتاتور الشيوعي تيودور جيفكوف، الذي حكم بلغاريا من عام 1954 وحتى عام 1989، ليكون بذلك أطول حاكم شيوعي بقاء في أوروبا الشرقية.

وبالإمكان إستشعار روحية حُكم جيفكوف حتى يومنا الحالي، وبالأخص في هذه الممرات الطويلة الممتدة إلى ما لا نهاية والشديدة القتامة التي أبحث فيها عن ضالتي في هذا اليوم الخريفي الممطر. فأنا أفتش عن رجل يدعى حاجي (الحاج) توشكو جوردانوف.

وعلى حين غرة، ينفتح باب خشبي ثقيل يخرج منه شخص قصير ممتلئ القامة ذو شعر طويل إلى الممر. “مرحبا بك في برنامج سلافي الحواريرابط خارجي (Slavi’s Show)”، كما يقول الرجل الذي يبدو في أواخر أربعينياته مرحباً وهو يدعوني لدخول مكتبه. “من هذا المكان، قمنا العام الماضي بتنسيق أكبر عملية لجمع التوقيعات في التاريخ البلغاري”، كما يستهل جوردانوف حديثه.

وكان جوردانوف وفريقه العامل في “برنامج سلافي الحواري” قد نجحوا في غضون أشهر قليلة فقط بتجميع ما يزيد عن 700,000 توقيع لستة مطالب إصلاحية. ومن خلال هذه النسخة البلغارية لبرامج الحوار المسائية الأمريكية (Late Night Show) التي تناقش مختلف المواضيع الراهنة منذ مطلع الألفية الثالثة، بات بإمكان صُنَاع هذا البرنامج الوصول إلى ملايين الأشخاص يومياً.

“نحن نعمل من أجل دولة أكثر ديمقراطية وأقل فسادا”، كما يقول جوردانوف، الذي يشبه نجوم الروك في مظهره، والذي يُعَد من أكثر مُنتجي البرامج التلفزيونية نجاحاً في بلغاريا.

عملية جمع التوقيعات في العاصمة البلغارية صوفيا للمبادرات الشعبية التي ستُطرح على التصويت يوم 6 نوفمبر 2016 على الصعيد الوطني. slavi’s show

وفي يوم 6 نوفمبر، وفي إستفتاء موازٍ للإنتخابات الرئاسية التي ستجرى ذلك اليوم، سوف يتمكن الناخبون البلغاريون من التصويت على ثلاثة تغييرات مقترحة تتعلق بمبادرة لإدخال نظام إنتخابي قائم على الأغلبية، ومبادرة ثانية بشأن ترسيخ نظام التصويت الإلزامي، وثالثة حول إصلاح نظام التمويل الحزبي ومخصصات الأحزاب السياسية.رابط خارجي

تعاون وثيق مع أطراف سويسرية متعددة 

وبجواري في مكتب جوردانوف الشاسع، تجلس أيضاً سلافايا خريستوفا التي تومئ برأسها بهدوء. وتُكرس هذه السيدة التي تدير خلية التفكير “BalkanAssistرابط خارجي” (دعم البلقان) جهودها منذ عقود عديدة في دعم الهياكل الديمقراطية بالشكل الذي يتيح استخدامها اليوم من قبل سكان الدولة الواقعة جنوب شرق أوروبا، والذين يزيد عددهم عن 7 ملايين نسمة.

“هذه أول ثلاث مبادرات شعبية لنا تُعرض للتصويت”، تقول خريستوفا التي لا تبدو سعيدة كثيراً بهذا الإنجاز، إذ تضيف: “نحن لا نزال بعيدين عن المستوى الذي أود أن نكون فيه في الواقع”. وكانت خريستوفا التي تبدو في عقدها الخامس قد حصلت على منحة لإكمال دراساتها العليا في سويسرا في أعقاب سقوط الستار الحديدي وما تلا ذلك من تغييرات سياسية في تسعينيات القرن الماضي. ومن على تراب الكنفدرالية، كانت الطالبة البلغارية تشدد بشكل خاص على موضوع “كيفية عمل مجتمع ما بشكل صحيح عندما لا يرتاب الأشخاص ببعضهم باستمرار”.

وكان أكثر ما بَهر خريستوفا في زيارتها لسويسرا منذ حوالي عشرين عاماً، هو استخدام الشعب لحقوق الديمقراطية المباشرة. وهي تؤكد إلى اليوم بأن هذا “إبداع حقيقي”. ومنذ ذلك الوقت، تنتمي الأم لإبنة في سن الثامنة عشرة إلى المروجين لتعاون وثيق مع مجموعة مراكز سويسرية تهتم بمسألة الديمقراطية المباشرة. وفي البداية، تَمَثَل أحد هذه المراكز بكانتون برن، الذي كان يدعم الشريك البلغاري في إطار الشراكات المجتمعية (توأمة المدن) في عملية التطور الديمقراطي.

وفي وقت لاحق، افتتحت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مكتباً لها في صوفيا، مُستهدفة توثيق ودعم عملية تبادل المعلومات بين المنظمات والسلطات في سويسرا وبلغاريا. وكما تستذكر خريستوفا: “في تلك الأعوام، كنا نعمل بشكل مكثف في بلغاريا في مجال تقديم حقوق الديمقرطية المباشرة للشعب في البلديات وعلى المستوى الوطني”.

وبعد انضمام بلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007، سحبت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مكتبها من هناك. وبدلاً من ذلك، بدأت خريستوفا وشبكتها المُتكاملة من مُحترفي الديمقراطية بالمشاركة في المشاريع والبرامج التي يمولها الجانب السويسري في إطار ما يُسمى بمشروع “مليار التآزر”.

وهذا المشروع عبارة عن مساهمة تضامنية وافق عليها الناخبون السويسريون في استفتاء شعبي أجري في عام 2006. وحتى حوالي عامين مضيا، أتاحت هذه المساهمة المالية السويسرية من بين أمور أخرى مواصلة العمل في العديد من مشاريع التعاون، التي كان من ضمن المشاركين فيها مركز الدراسات الديمقراطية في آراورابط خارجي.

كما إمتد ترويج سويسرا لإنشاء هياكل ديمقراطية إلى بولندا أيضاً. وكانت قضايا الديمقراطية المباشرة في البلديات، واستخدام التصويت الإلكتروني، وتوفير الحكومة للمعلومات (“كتيبات التصويت” التي ترسلها المستشارية الفدرالية للناخبين قبل كل عملية تصويت) من بين المواضيع الرئيسية لهذا التعاون.

وبعد سنوات عديدة من النشاط في الصفوف الخلفية، نجح أعضاء من الشبكة الديمقراطية لـخريستوفا في الوصول إلى مناصب رؤساء البلديات، أو استطاعوا الفوز بمقعد في البرلمان الوطني أو في الحكومة حتى.

خدعة النصاب القانوني غير الديمقراطية

وبدون شك، فإن نتائج جميع هذه الجهود العابرة للحدود لتعزيز الديمقراطية (المباشرة) مؤثرة وواضحة للغاية. وعلى سبيل المثال، تتوفر بلغاريا اليوم على واحد من أكثر القوانين تقدمية في مجال الحقوق السياسية. كما ينتمي هذا البلد في التصنيف العالمي لحقوق الشعوب الصادر مؤخراً إلى ثاني أعلى مجموعة، والتي تضم في صفوفها دولاً مثل كندا وألمانيا وفنلندا.

“دون التعاون مع سويسرا لم نكن لنصل إلى هذا المستوى”، كما تؤكد سلافايا خريستوفا. مع ذلك، تعمل الدولة الألبية في تصور مديرة خلية التفكير BalkanAssist كـ “سيف ذي حدين”. وهذا الأمر لا علاقة له بسويسرا نفسها، لكنه متعلق بالظروف التاريخية والاقتصادية المختلفة تماما بين البلدين، حيث ظلت بلغاريا إلى اليوم واحدة من أفقر دول الاتحاد الأوروبي وأكثرها فساداً. “هذا السبب، وكذلك معرفتي للمدى الذي وصلت إليه سويسرا بالمقارنة، هو ما يجعلني أعاني”، كما تقول خريستوفا.

وبالفعل، لا يمكن إخفاء ظلال الحكم الشيوعي الطويل الممتدة حتى موعد الإنتخابات القادمة يوم 6 نوفمبر: فالقانون المعمول به، والذي ينص على تنفيذ الإنتخابات الرئاسية والتصويت على المبادرات بشكل متوازٍ، يجعل سرية التصويت محل تساؤل. ذلك أن الناخبين والناخبات يتلقون قائمة المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية بأيديهم بشكل تلقائي في مركز الإقتراع، لكنهم على الجانب الآخر لا يتحصلون على قائمة التصويت على المبادرات إلا بعد طلبهم إياها وبشكل منفصل.

أما “الحبكة” الأكثر لا ديمقراطية وراء ذلك، فهي إعتبار عملية التصويت على المبادرات الثلاثة صالحة فقط في حال مشاركة أكثر من 50% من الناخبين المؤهلين فيها. وكنتيجة لهذه العقبة، سوف تُحتسب عدم المشاركة بمثابة التصويت بـ “لا” على هذه المبادرات. والأمر الآخر الذي لا يقل خطورة، هو أن الشخص الذي يُطالب بقائمة التصويت، سوف يُحتسب مع الإصلاحيين تلقائيا.

وفي مدينة ضخمة مثل صوفيا قد يكون بقاء الشخص “مجهولاً” مسألة ممكنة. ولكن الأمر يختلف في البلديات الأصغر حجماً لهذا البلد ذي العقلية التقليدية حيث الهيمنة لـ “الملوك” المحليين في الغالب. وهؤلاء، لا يحبون كثيراً رؤية المواطنين وهم “يتدخلون” في شؤونهم من خلال التصويت في صناديق الاقتراع. ومما لا شك فيه أن التصويت الحديث لا يكون كذلك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية