مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل توجد حظوظ للتوصل إلى اتفاقية سلام في الشرق الأوسط؟

1 سبتمبر 2010 في واشنطن. محمود عباس وبنيامين نتانياهو وعبد الله الثاني وحسني مبارك يستمعون إلى خطاب باراك أوباما Reuters

بعد إطلاق المحادثات في واشنطن، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يوم الثلاثاء 14 سبتمبر في منتجع شرم الشيخ وسيلتقي معه يوم الأربعاء في القدس، لمواصلة المفاوضات. خبيران من واشنطن وجنيف يُـقيِّـمان حظوظ نجاح هذه الجولة الجديدة وما قد تسفر عنه من نتائج.

في منتجع شرم الشيخ، على ضفاف البحر الأحمر، انطلقت الجولة الجديدة من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. وفيما لم يتوصل الجانبان بعدُ إلى اتفاق حول جدول الأعمال، حذر الفلسطينيون من أن انتهاء المُـهلة التي استمرت عشرة أشهر لوقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة (تنتهي يوم 26 سبتمبر الجاري)، سيعني نهاية الحوار المباشر بين الطرفين.

ومثلما كان متوقعا، بدأت العقبات الأولى في البروز، في حين يرى البعض أن هذه المفاوضات تتوفّـر على هوامش للتحرك. وفي محاولة لتسليط الأضواء على هذه الهوامش، حاورت swissinfo.ch، بشكل منفصل، خبيرين بملف الشرق الأوسط، وهما روبيرت مالي، الذي عمل مستشارا سابقا للرئيس الأمريكي بيل كلينتون ويُـدير حاليا قسم الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية (يوجد مقرها الرئيسي في بروكسل)، وباسكال دوكروزا، وهو باحث سويسري يُـجيد العربية والعِـبرية ومؤلِّـف أطروحة حول عملية السلام في الشرق الأوسط.

swissinfo.ch: قبل اجتماع واشنطن، قال رئيس الوزراء نتانياهو، إنه سيُـفاجئ المتشائمين. كيف تفهمون أقواله؟

روبيرت مالي: هناك لُـغزٌ حقيقي وحيد في هذا المثلث، المتركّـب من الولايات المتحدة ومن منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهو الموقف الحالي والمستقبلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي. وبالمناسبة، فهو أيضا الشخص الذي يلعب الدور الأكثر أهمية في هذه المفاوضات، لأنه هو الذي يُـمسك بأكبر عدد من الأوراق بيديْـه.

يقدُم بنيامين نتانياهو من اليمين، لكن يبدو أنه يتّـجه نحو الوسط، مثلما فعل ذلك الكثير من أسلافه. الغموض لا زال قائما، لكن السؤال مطروح، في حين أنه لم يكُـن يخطُـر على الأذهان قبل زمن غير بعيد. ومن المحتمل أن نتانياهو نفسه لا يعرف اليوم إلى أي مدى يُـمكن أن يذهب، نظرا لأن موقفه يخضع للظروف ولتقييمه للوضع السياسي ولطموحه بأن يُـصبح شخصية تاريخية ولشعوره بمدى قدرته على إقناع مواطنيه وأصدقائه السياسيين، بأن اتفاق سلام (أصبحت خطوطه العريضة معروفة سلفا)، سيكون في مصلحة إسرائيل.

باسكال دوكروزا: التفاؤل المُـعلن من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي، يندرج في سياق إستراتيجية اتصالية لترسيخ صورة صانع سلام، وخاصة في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة. فالمواقف الراديكالية، التي تُـنسب إليه وإلى حكومته – وهي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل – بدأت تُـثير شيئا من التحفّـظ داخل بعض هذه الجاليات، مثلما يحدُث في الولايات المتحدة مع حركة « J Street » ونسختها الأوروبية. التفاؤل الذي يُـبديه نتانياهو، يتأتّـى أيضا من قناعته بدخول هذه المفاوضات في موقف قوة بوجه محمود عباس، الذي يتّـسم موقفه بالضّـعف.

ما هو التأثير الذي يمكن أن تمارسه واشنطن في هذه المفاوضات؟

باسكال دوكروزا: من الناحية المبدئية، تتوفر الولايات المتحدة على أوراق قوية إلى حد بعيد. فبإمكانها تهديد الفلسطينيين بالتخلي عنهم وتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم. وبوجه إسرائيل، تتوفّـر (واشنطن) على دعمها الذي يُـقدَّر بمليارات الدولارات. في المقابل، تشهد إسرائيل نِـسبة نمُـو اقتصادي أعلى بكثير من الولايات المتحدة، لذلك فهي لا تخضَـع – في المدى القريب على الأقل – للمساعدات الأمريكية.

بإمكان واشنطن أن تُـهدد إسرائيل بعدم دعمها على المستوى الدبلوماسي، من خلال توقّـفها مثلا عن استخدام حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي لدى التصويت على القرارات التي تُـدين الدولة العبرية، لكن من العسير جدا استخدام هذه الأوراق، عمليا.

روبيرت مالي: الفكرة القائلة بأن كل شيء يتوقّـف على الولايات المتحدة، وهْـمٌ أدّى مع الأسف إلى خسارة الجميع للكثير من الوقت. فواشنطن يُـمكن لها أن تساعد، وفي نهاية المطاف، سيتوجّـب على الولايات المتحدة أن تكون وسيطا وضامنا لاتفاق، لكن هذا لا يعني أنه يُـمكن للولايات المتحدة إقناع أو إرغام الأطراف (المتفاوضة) على القيام بما لا يرغبون فيه بأنفسهم، مثلما أظهرت ذلك مبادرات السلام السابقة.

إن إيجاد حلٍّ هذا النزاع، قناعةٌ حاضرة لدى الرئيس أوباما منذ طفولته وتبنّـاها عندما كان مترشحا – وبعد أن أصبح رئيسا أيضا – عبْـر تصريحات تذهب بعيدا جدا، لكن الموقف الأمريكي ليس العنصر الأساسي، بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ذلك أن تقييمه الخاص للمعطى الإقليمي، هو الذي يعنيه بالأساس.

فعندما ينظُـر عبْـر شباك نافذته، يشاهد بنيامين نتانياهو إيران، وعلاقاته التي تتدهور مع تركيا، وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي التي يُـحتمل أن تتراجع، كما يرى أيضا الوضع في غزة، وفي مصر التي يُـمكن أن تجلِـب فيها خلافة حسني مبارك، زعيما أكثر تشددا مع إسرائيل. كل هذه الأمور، تُـعزِّز المحفزات من أجل (التوصل إلى) اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، ولِـم لا بين إسرائيل وبلدان المنطقة. لذلك يُـمكن أن تدفع هذه الاعتبارات رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القيام بما لم يكن مُـتـخـيَّـلا من طرفه قبل بضعة أعوام.

ألا تُـشكِّـل الطموحات الإقليمية لإيران، العنصر الجغرا-سياسي القوي، الذي يضغط على هذه المفاوضات؟

باسكال دوكروزا: سواء تعلّـق الأمر بالولايات المتحدة أو بالإتحاد الأوروبي أو بالبلدان العربية المؤيدة للغرب، يوجد توافُـق في وجهات النظر وفي المصالح الموضوعية بين قادتها وإسرائيل، لمحاولة العثور على تهدئة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لاحتواء إيران في نهاية المطاف.

روبيرت مالي: من الأفكار الشائعة، التي أصبحت متداولة الآن، وجود تحالف موضوعي بين البلدان العربية وأوروبا وإسرائيل، من أجل احتواء إيران. بداية، لابد من التمييز بين الأنظمة والشعوب، فوجهات النظر هذه، لا يُـشاطرها الرأي العام في أغلبية البلدان العربية. إضافة إلى ذلك، لا أدري إلى أي مدىً تدفع (هذه المسألة) البلدان العربية إلى التقدّم بصورة قوية على طريق السلام. فبالنسبة إليها، يظل التهديد الإيراني، سياسيا أكثر منه عسكريا، وإذا ما كانوا في وضعٍ يُـتَّـهمون فيه بالذهاب بعيدا جدا في التورط مع إسرائيل، فسيجدون أنفسهم أيضا ضحايا لحملة إعلامية وسياسية وإيديولوجية من طرف إيران وحلفائها.

ما هو الدور الذي يُـمكن أن تلعبه بلدان المنطقة؟

روبيرت مالي: يُـمكن للبلدان العربية، وخاصة مصر والأردن، اللتان لديهما حدود مشتركة (مع إسرائيل)، لعِـب دور، حيث أن إسرائيل بصدد البحث عن شعور بالأمن الإقليمي، لكن المشاكل التي تواجهها إسرائيل اليوم، لا تأتي من هذه البلدان، بل من بلدان مثل سوريا أو إيران ومن حماس وحزب الله.

من أجل تغيير المعطى الإقليمي، لسوريا دور مهمّ جدا، عليها أن تلعبه. ومن أجل جلب سوريا إلى معسكر الذين يدعمون ويدفعون عملية السلام، يجب تنشيط المحادثات الإسرائيلية السورية، فهذه المسألة أهم بكثير من حضور قادة مصريين وأردنيين لدى إطلاق المحادثات في واشنطن.

“تُـحيي سويسرا استئناف هذه المحادثات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين وتأمل في أن تُـسفِـر عن مفاوضات، من شأنها التوصل إلى نتائج ملموسة.

تواصل سويسرا أيضا دعمها لمبادرة جنيف، التي تشكِّـل حتى اليوم، إحدى النماذج النادرة لخطّـة سلام شاملة كفيلة بالتمخّـض عن حلٍّ للنزاع، جرى التفاوض عليها بين ممثلين عن المجتمعات المدنية الإسرائيلية والفلسطينية.

يستمرّ الإعلام عن مضمون المبادرة وملحقاتها، التي نُـشرت في عام 2009، في أوساط المجتمعات المدنية الإسرائيلية والفلسطينية. من جهة أخرى، يستمر العمل حول بعض الأوجه التي لا زالت تستحق المزيد من التعمّـق، مثل تعويض اللاجئين أو الاشتغال الضروري على الذاكرة، الذي يجب أن يرافق وضع عملية سلام موضع التنفيذ.

المشاورات الخاصة بعقد مؤتمر محتمل للأطراف العليا المتعاقدة بشأن تطبيق معاهدات جنيف في الأراضي المحتلة وتلك المتعلِّـقة بإقامة نظام دخول خاص إلى قطاع غزة، لا زالت مستمرة”.

(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية