مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العُمّال الضيوف” تحوّلوا إلى.. “مُهاجرين” ومن ثمّ إلى.. “مُسلمين”!

يعتقد واضعو الدراسة بأن على وسائل الإعلام أن تتحرك بعيدا عن الصور النمطية السلبية، إذ غالبا ما يُصَوَّر المسلمون على أنهم طالبو لجوء غير شرعيين. الصورة: وصول عائلة من اللاجئين إلى مركز تسجيل وإيواء في كياسو بكانتون تيتشينو جنوب سويسرا (على الحدود مع إيطاليا) عام 1998. Keystone

في البداية أطلَقَت عليهم تسمية "العمال الضيوف"، ثم أصبح السكان المحليون يدعونهم بـ "الأتراك" أو "الألبان". أمّا اليوم، فإنَّهم يُسَمَّون إجمالاً "المسلمين". ووفقاً لدراسة أعدتها المؤسسة السويسرية للبحث العلمي، فإن وضع "الأقلية المسلمة" في الكنفدرالية مُفتعل إعلامياً و سياسياً.

واستنتجت الدراسة التي مَوَّلها الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي حول التعددية الدينية، تحت إشراف كل من باتريك أتّينغَر وكورت إيمهوف من “مركز البحوث العامة و بحوث المجتمع” التابع لجامعة زيورخ، بأن وسائل الإتصال العامة ساهمت على نحوٍ مُتزايد بتقديم “الأقلية المسلمة” في السنوات الأخيرة كـ “تهديد” للمجتمع السويسري.

ويشير مؤلفا الدراسة إلى أن المهاجرين مَوضِع التساؤل ينحدرون من دولٍ مُختلفة جداً، مثل تركيا، ومقدونيا، والمغرب، كما أنَّهم يُمارسون شعائرهم الدينية بِطُرُق مُتنوعة. وهم ينظرون الى أنفسهم بصفتهم أعضاء في جماعة عرقية مُعينة أولاً وقبل كل شيء.

وتركزت دراسة الباحثيْن على عدد المرات التي ذُكِر فيها المسلمين في الصّحف المحلية وتقاريرالتلفزيون الوطني منذ ستينيات القرن الماضي، والأسلوب المُتبع عند القيام بذلك. كما تم إدراج المناقشات البرلمانية، وطريقة تغطيتها في وسائل الإعلام.

من السياق الدولي إلى السياق الوطني

وكما يقول مؤلفا الدراسة، تُظهِر التغطيات الإخبارية للحروب والهجمات والإعتداءات، الكيفية التي تغيرت بها صورة المسلمين في سويسرا. حيث زاد إطلاق التعميمات والصفات الجاهزة في مجالي السياسة والإعلام خلال السنوات الأخيرة، حتى الوصول الى المبادرة الشعبية لِحَظر بناء المآذن التي جرى الإستفتاء عليها في نوفمبر 2009.

وفي حديث له مع swissinfo.ch، قال باتريك إيتينغَر: “لم تكن التقارير الإعلامية حول هجمات 11 سبتمبر وراء تثبيت صورة الإسلام العنيف وصراع الثقافات في سويسرا شيئا فشيئاً، بقَدر ما كانت الأخبار الواردة حول التفجيرات الإنتحارية في لندن (2005)، و تفجيرات القطارات في مدريد (2004)، بالإضافة الى أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد في الدانمارك”، وأضاف “لقد كان حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) على الأخص، والإتحاد الديمقراطي الفدرالي بدرجة أقل، وراء تحوّل صورة المسلمين من السياق الدولي إلى السياق الوطني”.

ومن خلال هذه التأثيرات، تحول المهاجرون المسلمون إلى “المسلمين”. ووفقاً لإيتينغر، تم تصنيف هؤلاء المهاجرين في السابق وفق أقلياتهم العِرقية، حيث كانوا يسمّوَن بـ “الأتراك” أو “البوسنيين”، ألخ. وكما يقول: “لا أعتقد بأن الهوية المُسلمة كانت موجودة في الخلفية منذ ذلك الحين بالفعل، وبرأيي، تأسست هذه الإنتماءات فَقط من خلال هذه النظرة الجديدة”.

إهتزاز المفهوم الثقافي الذاتي

وتكمن الخلفية وراء التغيير الحاصل في تصور السويسريين تجاه المهاجرين، وتحول صورة الجار التركي إلى “المسلم”، في المفهوم الثقافي الذاتي للسويسريين. ووفقاً لمؤلفَي الدراسة فإنّ هذا المفهوم “مُصاب بِخَدَش” وعلى حدِّ قولهم “لدينا تغيّر إجتماعي سريع في سويسرا مرافق لتدَفُق أعداد من المهاجرين من الطبقتين العُليا والمتوسطة، وهو ما يُصيب الطبقة الوسطى السويسرية بالإرباك”.

بالإضافة إلى ذلك، تتعرض النُخبة السياسية السويسرية إلى التشكيك خلال المناقشات الواسعة الدائرة حول وَضع سويسرا ودورها في أوروبا والعالم حَسب إيتينغر، وكما يقول: “في هذا السياق، هناك الآن لاعب شعبوي واحد يُعَزِّز من هذه الشكوك و يُغذيها، وهو يريد فَرض تعريفَه الخاص لما هو “سويسري”، كما يرغب بالنأي عن الأجانب – المسلمين”.

كذلك لاحظ الباحثان في دراستهما، بأن قُدرات الإندماج والتكامل لدى السويسريين تلقى القليل جداً من الإهتمام، وكما يقول إيتينغر: “كانت هناك مخاوف جدّية أيضاً من طُغيان الأغلبية الكاثوليكية على المدن البروتستانتية في الجزء الناطق بالألمانية من سويسرا، عندما هاجر اليها الإيطاليون في ستينيات القرن الماضي. وهذه المخاوف مُشابهه الى حد كبير لتلك المُثارة اليوم حول أسلَمة سويسرا”. ويضيف إيتينغر “ومثلما لم يُتَرجِم الإيطاليون والإسبان مذهبهم الكاثوليكي بشكل أصولي، لا تفعل الأغلبية المسلمة هذا الشئ بدورها”.

حزب الشعب ينتقد

وحول رأي حزب الشعب السويسري في هذه الدراسة، علَّق مارتين بالتيسَّر الأمين العام للحزب في مقابلة معswissinfo.ch بالقول: “إن تغطية هذه الدراسة للإسلام مُنفصلة عن الوضع الحقيقي والتصور الدائر بين السكان الى حدٍ كبير”.

ومن وجهة نظر حزبه، فإنَّ لهذه الدراسة “مَنفعة مشكوك فيها”، إذ تتزايد اليوم مناطق الصراع المؤثرة بشِدة. وهو يشير بهذا الصدد إلى وجود ما يزيد عن 400,000 مسلم في سويسرا في عام 2010، في حين لم يتجاوز عددهم 16,000 مسلم في عام 1970.

وعلى حد قول مارتين بالتيسَّر، توجد هناك أسباب حقيقية للجَدَل العام الدائر في البلاد. فهناك قضايا الإندماج، واحترام سيادة القانون، والسلوك داخل الأسرة، والبيئة التعليمية والتنظيمية من ناحية، والمظهر العام لمُمثلي المجتمعات الإسلامية من الناحية الأخرى. وحَسْب بالتيسَّر، فقد وضع مُعِدّو الدراسة “فهماً غريباً للسَبَبية إلى الوجود”،أمّا التأثير المتبادل للتصور العام فهو أكثر تعقيداً.

رضى من جانب إمام زيورخ

في المقابل، يجد ثاقب خليلوفيتش، إمام الجالية البوسنية في زيورخ، أن نتائج الدراسة تشير إلى الإتجاه الصحيح، كما يبدو له بان العمل قد أنجِز بِجِدَية. ويقول: “بالنسبة لي، يبدو البيان الذي يُشير إلى عَدم نجاح وسائل الإعلام في التَمييز بين الإرهاب العالمي من جهة، وبين الإسلام ومُعظَم المُسلمين المُندمجين بشكل جيد من جهة أخرى، مُطابقا للواقع بشكل خاص”.

ويدافع خليلوفيتش منذ عدة أعوام سنوات عدة ضد إطلاق الأحكام العامة ذات الطابع التشهيري الجارح، والتي اضطرَّته أن يدافع عن نفسه في البوسنة حتى قبل إندلاع الحرب هناك.

وبالنسبة لإمام الجالية البوسنية، يشكِّل وَضْعَ المسلمين الذين ينتمون إلى طبقات إجتماعية مختلفة تماماً وعوالم متفرقة كأوروبا وإفريقيا وآسيا، وبغَضّ النظر عن كونهم أخصائيين من ذوي المهارات العالية أو من الهاربين وطالبي اللجوء في خانة واحدة تسمى “الإسلام” لُغزاً لا يجد له تفسيراً. ويُعلِّق بهذا الصدد قائِلاً :”ليس الإسلام بِحَد ذاته هو المشكلة”.

غضب من السويسريين المُتحولين إلى الإسلام

من جهته، يقول يحي حسن باجوا، الذي يُدير مكتباً للتواصل بين الثقافات في مدينة زيورخ، والذي بدأ دراسته في سويسرا منذ المدرسة الإبتدائية، والعضو في البرلمان المحلي لكانتون آرغاو: “بعد أحداث 11 سبتمبر، إختلفت النظرة الى كل مسلم فجأة. الدراسة مُحِقّة بهذا الشأن”.

وأضاف في السياق نفسه: “حتى الطبيب الذي أراجعه منذ سنوات طويلة سألني حينذاك إن كنت على علاقة بالإرهاب”. ووفقاً لباجوا العضو في حزب الخضر أيضاً، فإنَّ للأسلوب السياسي لحزب الشعب تأثيره الأكيد على صورة العدو الجديد المتمثل بـ “الإسلام أو المسلمين”.

وقد إنعكس هذا الأمر بوضوح في مبادرة حظر بناء المآذن التي كانت جميع التكهنات حولها خاطئة مُسبقاً. ويشعر باجوا بالغضب كذلك تجاه أولئك السويسريين الذين اعتنقوا الإسلام، والذين ظهروا وفقاً لذلك بمظهر الواثقين من أنفسهم، والذين لم يُسيئوا من خلال مطالبهم الراديكالية لجماهير وسائل الإعلام الكبيرة فحَسْب، بل ولِمُعظم المنظمات الإسلامية أيضاً.

وعلى حَدِّ باجوا، لا تَرسم وسائل الإعلام في أحيان كثيرة إلّا باللونين الأبيض والأسود، و بدون ظلال رمادية، كما إنها لا تَمنَح المسلمين في تغطياتها الإخبارية سوى مساحة محدودة جداً.

تناولت النتائج الأخيرة التي توصلت إليها المؤسسة الوطنية السويسرية للبحث العلمي الأسباب الكامنة وراء تصوير المسلمين في سويسرا بشكلٍ متزايد كـ “تهديد” للبلد.

تشكل الدراسة حول المسلمين في سويسرا جزءاً من دراسة أشمل تحمل عنوان “الأديان والدولة والمجتمع”.

تقول المؤسسة الوطنية السويسرية للبحث العلمي إنها تقوم بهذا العمل نظراً إلى أنَّ “المشهد الديني في سويسرا يشهد تغييرات عميقة على جميع مستويات المجتمع، كما تعكس مطالب جماعات المهاجرين بالمشاركة في الحياة العامة تحدياً للهوية الدينية والثقافية للمجتمع ومؤسساته الوطنية”.

وحسب المؤسسة “لا تملك الجماعات الدينية الناشئة حديثاً البنية التحتية الضرورية (البنى المجتمعية، ورجال الدين المُدَرَبين، والمساجد والمعابد، والمؤسسات التعليمية) التي تتيح لها مُمارسة حياتها الدينية على أساس ثابت، والتي توفر الدعم اللازم لأفرادها ليصبحوا مُندمجين بشكل صحيح في سويسرا، ولتفادي خطر تحولهم إلى أداة للحركات المتطرفة”.

يشكل مواطنو جنوب شرق أوروبا و تركيا غالبية المسلمين في سويسرا. وهم يقيمون عموماً في الجهة الناطقة بالألمانية.

وعلى الأغلب، فإنَّ هذه الجاليات منظمة لُغوياً، كما كان الحال في السابق بالنسبة للمهاجرين الكاثوليك من أيطاليا و إسبانيا. وتتشابه هيكلة المؤسسات الدينية عند بقية المسلمين.

تتوافق وظيفة الإمام لِتلك الموكلة الى القَس أو الحاخام. و هو لا يقوم بالوعظ فقط، و لكنه يتحمَّل مسؤولية الجالية أيضاً.

معظم القادمون من جنوب شرق أوروبا هم من الطائفة السنّية. كما يوجد بين الأتراك العديد من العلويين أيضاً

يَنْدَر وجود أتباع المذهب الشيعية بين الأوروبيين، في حين يمكن العثور على العديد من أتباع هذا المذهب بين العراقيين و الإيرانيين.

و يمثل مسجد محمود الذي ينتمي الى الطائفة الأحمدية، والذي شُيِّد في حي “بالغريست” الراقي في زيورخ أول مسجد بمئذنة في الجزء السويسري الناطق بالألمانية. و بالإجمال، هناك أربع مآذن في سويسرا، تقع في كل من جنيف وزيورخ، وفينتَرتور (كانتون زيورخ)، وفي فانغن، قُـرب مدينة أولتن (كانتون سولوتورن). 

يتراوح عدد المسلمين المقيمين في سويسرا بين 350,000 و 400,000 شخص. ويحمل نحو 12% منهم الجنسية السويسرية.

شهد عدد المسلمين في الكنفدرالية إرتفاعاً خلال السنوات الأخيرة، حيث مثَّلَت الجالية المسلمة نحو 4,3% من مجموع السكان في عام 2000، بعد أن كانوا لا يشكلون في عام 1990 سوى 2,2%.

يدين ثلاثة أرباع سكان سويسرا بالديانة المسيحية. وينتمي 42% منهم الى الطائفة الكاثوليكية، و 35% الى الطائفة البروتستانتية، في حين تنتمي نسبة 2,2% الى طوائف مسيحية أخرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية