مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل استعجلت نواكشوط الحرب على القاعدة أم أن حكومات المنطقة تقاصرت؟

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في صورة التقطت له يوم 11 أبريل 2011 في مدينة بنغازي شرق ليبيا Keystone

لم يكن أحد يتوقع أن ذات الإستراتجية العابرة للحدود التي اعتمدها التنظيم، ستتبعها الحكومة الموريتانية في ملاحقة عناصره، فتدفع بقواتها إلى أعماق شمال مالي في مغامرة يرى بعض المراقبين أنها غير محسوبة العواقب.

فقد ظلت تلك البقعة الملتهبة على مدى العقود الماضية، تشكل بؤرة لاحتضان كلما هو خارج على القانون، من تمرد وإرهاب وتهريب وعمليات سطو، وإليها يأوي المطاردون الهاربون بجنايتهم وجرائمهم باعتبارها ركنا حصينا لا سلطان لقانون أو دولة عليه.

غير أن الدفع بالقوات الموريتانية للتوغل في عمق الأراضي المالية والإغارة على معسكرات القاعدة لم يحل دون وصول مقاتلي التنظيم إلى داخل الأراضي الموريتانية ومهاجمة مدينة باسكنو الحدودية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التشكيك في جدوى تلك السياسة، وتحميل النظام المسؤولية الأخلاقية عن أرواح الضباط والجنود الذين قتلوا في شمال مالي بعيدا عن الوطن.

آخر حرب الإغارات هذه كانت هجوما نفذه التنظيم بعشرات المقاتلين ضد القاعدة العسكرية في مدينة باسكنو على الحدود الموريتانية – المالية، وهو الهجوم الذي أثار أكثر من سؤال حول جدى وفعالية الحرب الاستباقية التي تقول الحكومة الموريتانية إنها تخوضها ضد التنظيم في معاقله لمنعه من الوصول إلى أراضيها، فضلا أنها تعتبر بمثابة تسجيل التنظيم لنقطة على حساب الإستراتيجية الأمنية للحكومة الموريتانية التي نشرت بموجبها قوات متخصصة في محارب الإرهاب على طول مئات الكيلومترات من حدودها الشرقية والشمالية.

دول تتفرج رغم.. تضررها من التنظيم!؟

ويأتي خوض الجيش الموريتاني حربا ضد تنظيم القاعدة بمفرده في شمال مالي، في حين تكتفي دول المنطقة المتضررة من نشاطات التنظيم بالتفرج على تلك الحرب، ليطرح أكثر من سؤال حول الجدوى من التحالف الذي شكل مؤخرا وضم في صفوفه إضافة إلى موريتانيا كلا من الجزائر ومالي والنيجر، وأعلن عن تشكيل قيادة مشتركة له في مدينة تمنراست بالجنوب الجزائري.

ويتساءل الموريتانيون اليوم: لماذا لم يتحرك هذا التحالف في الحرب ضد القاعدة؟ وما الذي دفع موريتانيا إلى الزج بقواتها في أتون حرب طاحنة قبل أن تنسق مع الآخرين؟ وهل استعجلت موريتانيا الحرب على التنظيم أم تقاصرت عنها بقية دول تحالف تامنراست. ولعل أول الدول المعنية بالحرب على ما يُعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي أثار تخلفها عن المعارك استغراب المراقبين هي مالي، التي يتخذ التنظيم من أراضيها معاقل له، يسرح فيها ويمرح، فما الذي يمنعها من محاربته، أو على الأقل مساندة من جاؤوا لمحاربته؟

اعتبارات كثيرة يعتقد المراقبون أنها تشكل الخلفية الحقيقة لموقف مالي التي اكتفت باستضافة المعارك على أراضيها، دون أن يطلق جنودها رصاصة واحدة في تلك المعركة التي تستهدف تحرير جزء من أراضيها من سيطرة من تصفهم بالعصابات الارهابية.

أول هذه الاعتبارات هو تاريخ مؤلم من الصراع بين مالي الجنوبية والوسطى من جهة، ومالي الشمالية من جهة أخرى، حيث ظل إقليم أزواد في شمال مالي مركز تمرد دائم لجبهات الطوارق والقبائل العربية المنتشرة هناك، والتي تعاني من اضطهاد الأغلبية الزنجية في الجنوب والوسط من قوميات “السونغاي” والبمباره”، وظلت لعقود خلت مسرحا لحركات التمرد التي تقاتل من أجل نيل السكان حقوقهم في الحرية والتنمية.

ومع ظهور القاعدة في شمال مالي خفت حركات التمرد وتلاشت شيئا فشيئا، مقابل تعاظم نفوذ القاعدة التي اتبعت استراتجية تفادي الإصطدام مع القوات المالية إلا في حالات الضرورة القصوى، كما شكلت القاعدة مبررا للحكومة المالية للتغافل عن عمليات التهريب المنتشرة في الشمال والتي باتت العمود الفقري للحركة الإقتصادية في تلك المنطقة، فضلا عن كونها تبرر تلقائيا التوقف عن إقامة مشاريع التنمية هناك بحجة انعدام الإستقرار والأمن، أي أن القاعدة باختصار توفر للماليين فرصة للتملص من المطالب التي رفع السكان السلاح من أجلها.

وللنيجر حكاية ممثالة مع التنظيم، الذي بسط نفوذه على معاقل الطوارق فوأد حركة التمرد وأراح الجيش النيجري من صولاتها وجولاتها التي كبدته خسائر فادحة، فضلا عن أنها سمحت للسكان بأن يعيشوا اقتصاديا وسياسيا خارج القانون وفي ذلك مشغل لهم عن مطالب التنمية والحرية التي رفعوا السلاح بدورهم من أجلها.

أما الجزائر مهد التنظيم التي نشأ فيها وترعرع، فلها هي الأخرى حسابات تحول بينها وبين ضرب التنظيم في معاقله بشمال مالي، وفي مقدمة تلك الحسابات محاولة البحث عن موطئ قدم آمنة للتنظيم خارج الأراضي الجزائرية بغية طرد مقاتليه إليها بعد أن اتخذوا من جبال الجزائر معقلا لهم لنحو عقدين من الزمن، ربما تخفيفا لوطأة عملياته داخلها، وأملا في تحويله إلى تنظيم إقليمي بعد أن ظل تنظيما محليا، وحين يتحول التنظيم من المحلي إلى الإقليمي يصبح من الوارد جدا السعي لتشكيل تحالف في المنطقة لمواجهته، وحينها لن تجد الجزائر صعوبة في قيادة ذلك التحالف الذي سيتحول لا محاولة بفعل القيادة الجزائرية له إلى معسكر لا ترتاح له الجارة اللدود للجزائر، المملكة المغربية، وفي ذلك ما يعزز  موقف الجزائر في صراع النفوذ الأزلي الذي تخوضه مع المغرب في المنطقة.

هذا فضلا عن أن وجود التنظيم يقدم خدمات أخرى للأنظمة الحاكمة في المنطقة يدفعها للإحجام عن القضاء عليه، وفي مقدمتها تبرير تأجيل الاستحقاقات الديمقراطية ورفع أجواء حالة الطوارئ، إذ لا يوجد مبرر أكثر إقناعا للإبقاء على حالة الطوارئ والأحكام الأمنية أكثر من الإرهاب، وحين يزول السبب سترتفع الأصوات بضرورة إزالة المسبَب.

انتقادات داخلية وإصرار حكومي

أما موريتانيا التي أثخن التنظيم في جيشها عبر كمائن وغارات أفقدتها عشرات الجنود خلال السنوات الماضية، فقد وجدت في التنظيم خطرا يشكل تهديدا أكبر من خدمة المصالح وإن وُجد بعضها، فالتنظيم بات يضع على رأس أهدافه رأس الرئيس الموريتاني نفسه، ووصلت سياراته المفخخة إلى مشارف العاصمة نواكشوط والقواعد العسكرية في النعمة وباسكنو، لذلك قررت الحكومة الموريتانية خوض الحرب ضد التنظيم في معاقله، وهي مغامرة أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية الداخلية.

ففي حين أجمعت القوى السياسية على مساندة الجيش في مواجهة التنظيم، هاجمت المعارضة بشدة إرسال القوات إلى خارج حدود البلاد واعتبرت أن الرئيس الموريتاني قرر إقحام الجيش في حرب بالوكالة نيابة عن فرنسا، جزاء لها على موقفها المتساهل اتجاه انقلابه العسكري ضد الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 3 أغسطس 2008.

وقال زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه إن إرسال الجيش للقتال خارج الحدود “تصرف طائش ومرفوض” واعتبر أن الرئيس قرر خوض حرب بالوكالة دون الرجوع إلى البرلمان لتشريع هذه الحرب كما ينص على ذلك دستور البلاد، ودعا إلى اعتماد مقاربة أمنية تحفظ امن وسلامة البلاد ضد الإرهاب بالتشاور مع جميع الأحزاب السياسية.

كما ندد النائب محمد جميل منصور رئيس حزب تواصل الإسلامي بتنفيذ الجيش الموريتاني عمليات قتالية خارج الحدود، ودعا إلى إبقاء الجيش في مهمته الأساسية وهي حماية الحوزة الترابية والدفاع عن أمن البلد وسلامة مواطنيه والمقيمين فيه، ووصف إرسال القوات الموريتانية لخوض معارك ضد القاعدة في شمال مالي بأنه تصرف متهور ينبغي أن يتم التراجع الفوري عنه.

بين الدفاع عن النفس والحرب بالوكالة

وبين تقاعس دول المنطقة عن المشاركة في الحرب على القاعدة، وانتقاد المعارضة الداخلية لها، يواصل الرئيس الموريتاني المضي قدما في استراتجيته التي قال إنها تعتمد سياسة “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، مصمما على أن إبعاد عناصر التنظيم عن المناطق القريبة من الحدود هو جزء لا يتجزأ من مهمة الجيش التقليدية، ومؤكدا أن القوات المالية كانت “شريكة في العمليات” عبر الدعم اللوجستي والإستخباراتي.

لكن السؤال الأكبر هو: هل يُدرك ولد عبد العزيز أن أصعب مهمة يمكن إسنادها للجيش الموريتاني هي محاولة للقضاء على تنظيم دوخ جيوش المنطقة إقليميا، وفشلت أعتى قوى العالم في القضاء عليه دوليا؟ وهل من المقنع أن يتفرج الموريتانيون على أبنائهم يتساقطون صرعى في الصحراء من أجل تحرير جزء من أراضي مالي من قبضة القاعدة وإعادته إلى سلطة باماكو؟ أسئلة لا زالت بلا جوابز

أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه مساء الاحد 10 يوليو 2011 في نواكشوط عن تضامن فرنسا مع موريتانيا في محاربتها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وذلك بعد أيام على هجوم شنه التنظيم على قاعدة عسكرية موريتانية.

وقال جوبيه بعد لقائه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز “لقد تطرقنا الى مسائل عدة ذات اهتمام مشترك، وأعني خصوصا مكافحة الإرهاب. اننا متضامنون بالكامل مع الحركة الشجاعة التي تقوم بها موريتانيا”.

وتأتي زيارة حوبيه الى نواكشوط بعد تعرض موريتانيا يوم الثلاثاء 5 يوليو الى هجوم استهدف قاعدة عسكرية جنوب شرق البلاد ونفذه عناصر من القاعدة في المغرب الاسلامي، ما أدى إلى سقوط ستة قتلى في صفوف هذا التنظيم بحسب حصيلة للجيش الموريتاني.

ونفذ التنظيم الاسلامي الهجوم مستخدما أكثر من عشرين آلية وباسلحة ثقيلة وفق المصدر نفسه، في حين شكلت موريتانيا هدفا متكررا لهجمات هذا التنظيم.

وقال جوبيه “تطرقنا أيضا الى الوضع في ليبيا والدور الذي يمكن للإتحاد الافريقي أن يؤديه في البحث عن حل سياسي”. ويترأس ولد عبد العزيز لجنة الإتحاد الافريقي المكلفة التوصل الى حل سياسية للازمة الليبية.

وكانت اشتباكات تفجرت بين الجيش الموريتاني ومقاتلين يشتبه بانهم اسلاميون متشددون في شرق موريتانيا يوم الثلاثاء 5 يوليو وأفاد شهود بسماع اطلاق نيران اسلحة ثقيلة وتحليق طائرات عسكرية.

ووأفادت مصادر أمنية ووسائل إعلام محلية بأن حوالي 10 اسلاميين قتلوا وقالت وكالة الأنباء الحكومية إن الجيش دحر هجوما وأنه يقوم بملاحقة المسلحين باتجاه الشرق صوب مالي.

وقال جناح القاعدة في شمال افريقيا إنه قتل 20 جنديا موريتانيا في قتال دار في مالي في شهر يونيو الماضي رافضا مزاعم نواكشوط بأن 15 جهاديا قتلوا.

وقال شهود إن مقاتلين يُشتبه بانهم أعضاء في جناح القاعدة بشمال افريقيا هاجموا قاعدة للجيش في باسيكنو قرب نيما في أقصى شرق موريتانيا يوم الثلاثاء 5 يوليو.

وقال مقيم في البلدة يدعى شيخنا ولد ديده بويا لرويترز بالهاتف “هناك إطلاق نار كثيف من أسلحة آلية وسمعنا إطلاق نار من أسلحة ثقيلة لحوالي ساعة.. ثم حلقت طائرتان عسكريتان فوق المنطقة وتوقف إطلاق النار”. وأبلغ ديده رويترز في وقت لاحق أنه شاهد سيارات محترقة على مشارف البلدة.

وقالت وكالة أنباء نواكشوط يوم الثلاثاء 5 يوليو إن مصدرا قريبا من جناح القاعدة بشمال افريقيا قال ان الجماعة كانت وراء الهجوم وأن مقاتلين من مالي شاركوا فيه.

وفيما لم تصدر الحكومة الموريتانية أي بيانات على الفور، أكدت وكالة الأنباء الرسمية وقوع هجوم على قاعدة للجيش. وقالت الوكالة “بعد ان ردت القوات الحكومية على النيران لاذ الإرهابيون بالهرب باتجاه اراضي مالي حيث يجري حاليا ملاحقتهم بواسطة قواتنا”.

وقالت مصادر أمنية ووسائل إعلام محلية إن عشرة من مقاتلي جناح القاعدة قتلوا.

(المصدر وكالات الأنباء)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية