مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“اتركوا الشعب يُـقرِّر السياسة الخارجية لسويسرا”

Keystone

قد تجد الحكومة السويسرية نفسها مُـجبرة في المستقبل، على طلب موافقة الشعب والكانتونات على كل اتفاق دولي هامّ. وبعد أن حظِـيت مبادرة في هذا الاتِّـجاه بتأييد حوالي 111000 مُـواطن، أودَع المُـشرفون عليها التوقيعات يوم 11 أغسطس لدى المستشارية الفدرالية في برن.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال هانس فيهر، مدير “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة”، التي أطلقت المبادرة المُـعنونة بـ “من أجل تعزيز الحقوق الشعبية في السياسة الخارجية” (والتي يُـلخِّـصها الشِـعار: “اتفاقيات دولية: فليُـقرِّر الشعب!”)، “يتمثّـل الهدف الأساسي في تجنُّـب انضمام سويسرا عمليا، على مراحل إلى الاتحاد الأوروبي”.

وبشكل عام، تريد هذه الحملة “تعزيز الحقوق الشعبية، كي لا تنتهِـج الحكومة مستقبلا، سياسة خارجية متعارضة مع مصالح سويسرا”، مثلما يُـضيف السيد فيهر. وحسب رأي عضو مجلس النواب عن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، فإن الحكومة السويسرية تقود سياسة خارجية “تتّـسم بالخوف والاستسلام. وعلى العكس من ذلك، فإن الشعب لن يستسلِـم أبدا”.

ويورد البرلماني القادم من زيورخ، مثالا من صميم الأحداث، يتعلّـق بالتنازلات المقدّمة بخصوص السر المصرفي، التي يرى أنها جاءت “نتيجة للعمل الشديد السوء للحكومة الفدرالية”. وفي هذا الصدد، فإن الاتفاقيات المتعلِّـقة بالازدواج الضريبي، يُـمكن أن تكون صِـنفا من المعاهدات الدولية، التي يجِـب عرضها على التصويت الشعبي (قبل دخول حيّـز التطبيق)، إذا ما قُـيِّـض للمبادرة التي أطلقتها “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة”، أن تحظى بموافقة الناخبين.

ومن بين المعاهدات الأخرى، التي يُـمكن أن تُـدرج في السياق نفسه، توسيع مجال تطبيق الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، لتشمل الأعضاء الجُـدد في الاتحاد أو الاتفاق الإطاري لتحرير التجارة في القطاع الزراعي أو في مجال الخدمات.

ثعالب ودجاجات

من جهته، أشار لوتسي شتام، نائب رئيس الحملة في الندوة الصحفية، التي سبِـقت إيداع التوقيعات لدى المستشارية الفدرالية في برن يوم الثلاثاء 11 أغسطس، إلى أن هذه المبادرة “تُـمثل الأداة التي توازِن توجّـه الحكومة (الفدرالية) والأغلبية البرلمانية، إلى التقليص المستمرّ في حقّ الشعب في المشاركة في اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية”.

ويرى أعضاء “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة”، أن هذا التوجّـه ينسِـف نظام الديمقراطية المباشرة، الذي تتميّـز به سويسرا، ويشيرون إلى أن القانون الأوروبي يُـزرَع بشكل متزايد في التشريعات السويسرية، دون توفّـر إمكانية مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.

وفي السياق نفسه، لا يُـخفي شارل جينيناسكا، عضو الهيئة المديرة للحملة، انزعاجه الشديد من غلبة بنود المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف سويسرا، وخاصة فيما يتعلق بالقانون الإنساني، على إرادة الشعب السويسري، لذلك، “هناك حاجة مستعجلة لتصحيح المسار”، مثلما يقول جينيناسكا، الذي شبّـه تعاطي الحكومة السويسرية تُـجاه الضغوط الخارجية بتصرّف “الدجاجات عندما يدور ثعلب بالقِـنّ”.

المزيد

المزيد

المبادرة الشعبية

تم نشر هذا المحتوى على توفّـر المبادرة الشعبية لعدد من المواطنين إمكانية اقتراح تحوير للدستور الفدرالي. تحتاج المبادرة كي تكون مقبولة (من الناحية القانونية)، إلى أن يتم التوقيع عليها من طرف 100 ألف مواطن في ظرف 18 شهرا. يُـمكن للبرلمان أن يوافق مباشرة على المبادرة، كما يمكن له أيضا أن يرفضها أو أن يعارضها بمشروع مضاد. في كل الحالات، يتم…

طالع المزيدالمبادرة الشعبية

استفتاء إجباري أم اختياري؟

من الناحية العملية، تقترح المبادرة تحويرا دستوريا يوسِّـع مجال الاستفتاء الإجباري، ليشمل جميع المعاهدات الدولية المهمّـة وتلك التي تتضمّـن نفقات إضافية جديدة تفوق مليار فرنك (مرة واحدة) أو تزيد عن 100 مليون فرنك (تتجدد عاما بعد آخر)، وهو ما يعني أن كل اتفاق من هذا القبيل، لا يُـمكن المصادقة عليه، إلا بعد عرضه على التصويت وحصوله على موافقة مُـزدوجة من الشعب (أي أغلبية الناخبين على المستوى الفدرالي) ومن الكانتونات (أي أغلبية الناخبين في أغلب الكانتونات).

وفي الوقت الحاضر، لا ينُـص الدستور الفدرالي على إجبارية إجراء استفتاء في مجال الاتفاقيات الدولية، إلا إذا ما تعلّـق الأمر بانضمام سويسرا إلى منظمات أمنية جماعية (مثل الحلف الأطلسي) أو إلى مجموعات إقليمية (مثل الاتحاد الأوروبي).

وفي المقابل، يكتفي الدستور بالتنصيص على إجراء استفتاء اختياري بالنسبة إلى معاهدات دولية لفترات غير محدّدة ولا يُـمكن الانسحاب منها، وإلى اتفاقيات تتعلّـق بالانضمام إلى منظمة دولية أو تشتمل على بنود مهمّـة تتضمّـن تراتيب قانونية تستوجِـب إصدار البرلمان لقوانين فدرالية من أجل وضعها موضع التطبيق.

في السياق نفسه، ينُـص القانون على أنه، في صورة الدعوة إلى إجراء استفتاء اختياري يطرَح على التصويت الشعبي، انضمام البلد إلى معاهدة ما، يجب الحصول – في ظرف لا يتجاوز 100 يوم من نشر نص المعاهدة رسميا – على توقيعات ما لا يقِـل عن 50000 شخصا يحِـق لهم التصويت أو صدور طلبٍ لإجراء الاستفتاء من طرف ثمانية كانتونات على الأقل.

ويلاحِـظ هانس فيهر أن الاستفتاء الإجباري (الذي تدعو إلى إقراره المبادرة الجديدة، يُـتيح لمؤيِّـديه إمكانية “تركيز جميع القِـوى والوسائل المادية في الحملة من أجل التصويت، على عكس الاستفتاء الاختياري، الذي يتطلّـب جُـهدا مضاعفا، نظرا لما يسبِـقه من إنفاق طاقات وأموال لجمع التوقيعات المطلوبة”.

مزيد من السلطة للكانتونات

ويتمثّـل فارق أساسي آخر بين هذين الصِّـنفين، في أنه عندما يتعلّـق الأمر بالاستفتاء الإجباري، يجب الحصول على الأغلبية المزدوجة للشعب والكانتونات، في حين أنه لا يُـؤخذ بعين الاعتبار في الاستفتاء الاختياري إلا بأغلبية الأصوات. ومع أن الحالات التي يحصُـل فيها افتراق بين أغلبية الناخبين وأغلبية الكانتونات، نادرة جدا، إلا أنها غير مستبعَـدة تماما.

وفي هذا الصدد، يشير فيهر، إلى أنه “لو كانت الإجراءات الواردة في مبادرتنا سارية المفعول على سبيل المثال آنذاك، لَـما تمكّـنت سويسرا من الانضمام إلى فضاء شنغن”. وبالفعل، حصُـل الاتفاق الثنائي المُـبرم مع الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص عندما عُـرض على التصويت الشعبي في يونيو 2005 على 54.6% من المؤيدين، لكنه لم يحصُـل على الموافقة إلا في عشر كانتونات واثنين من أنصاف الكانتونات، فيما رُفِـض في عشرة كانتونات وأربعة من أنصاف الكانتونات.

ولدى سؤاله عن الخطر المتمثِّـل في احتمال تحوّل أغلبية الشعب إلى رهينة لرغبات مجموعة من الكانتونات الصغيرة، ردّ النائب البرلماني عن كانتون زيورخ بأن المسألة تتعلّـق، على العكس من ذلك، بالعودة مجدّدا إلى توازنات النظام الفدرالي المثبّـتة في دستور الدولة.

ويشرح هانس فيهر موقِـفه بالقول: “في الدستور الفدرالي، تتشكّـل الدولة صاحبة السيادة، من عنصرين: الشعب والكانتونات”، لكن في واقع الأمر، “ليس لدى الكانتونات ما تقوله بخصوص العديد من الاتفاقيات الدولية، التي يتوجّـب عليها لاحقا تحمّـل التّـبِـعات، نظرا لأنه لا يُـشترط عند التصويت، سوى الحصول على الأغلبية الشعبية، لذلك، نريد إعادة الاعتبار إلى تلك السلطة التي يُـفترض، طِـبقا للدستور، أن تتوفّـر عليها الكانتونات إلى جانب الشعب”.

المزيد

المزيد

الاتفاقيات الثنائية

تم نشر هذا المحتوى على تنظم الاتفاقية الثنائية الأولى والثانية العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي في العديد من القطاعات. الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأهم لسويسرا، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي. في عام 1992، رفض السويسريون الانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، وعلى إثر ذلك، تم اختيار مسار الاتفاقيات الثنائية لوضع أسُـس قانونية وعملية واضحة للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.…

طالع المزيدالاتفاقيات الثنائية

اقتراعان إضافيان في السنة

بطبيعة الحال، يرفُـض مدير “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة” المخاوف التي عبّـر عنها البعض، من احتمال تضخّـم عدد الاقتراعات الشعبية وما يستتبِـع ذلك من ارتفاع التكاليف، في صورة موافقة الناخبين على المبادرة المقترحة.

في هذا الصدد، يقول هانس فيهر: “على أقصى تقدير، ستُـطرح مسألتان أو ثلاثة إضافية على التصويت في السنة. إن النصّ الذي نقترحه، يُـشدِّد على أن الاستفتاء الإجباري لن يُـطبّـق إلا عندما يتعلّـق الأمر باتفاقيات مهمّـة. وقد سبَـق للدستور الفدرالي أن حدّد بوضوح في الفصل 164 مفهوم الأهمية”.

صونيا فيناتزي – swissinfo.ch

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

بعد الانتصار الذي حققته في التصويت الشعبي، الذي أجري يوم 16 مارس 1986، قررت “لجنة التحرك ضد انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة” التحوّل إلى جمعية تراقب باستمرار السياسية الخارجية السويسرية وتعمل من أجل التأثير عليها بما يضمَـن استقلال وحياد وأمن الكنفدرالية.

في هذا السياق، تأسست يوم 19 يونيو 1986 “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة”. وكان أبرزُ منظِّـريها كريستوف بلوخر، الذي كان عضوا في مجلس النواب آنذاك، وقد ظلّ رئيسا لها حتى شهر ديسمبر 2003، تاريخ انتخابه من طرف البرلمان عضوا في الحكومة الفدرالية.

عُـرفت الجمعية من طرف أوسع قطاعات الرأي العام في عام 1992، عندما خاضت بنجاح المعركة ضدّ انضمام سويسرا إلى الفضاء الاقتصادي الأوروبي.

إلى حدّ الآن، قادت هذه الجمعية العديد من الحملات وأطلقت عدّة استفتاءات، لكن هذه هي المرة الأولى، التي تُـطلق فيها مبادرة شعبية.

تُـعرِّف “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة” نفسها بأنها غير حزبية، رغم أن جميع مسيّـريها تقريبا أعضاء بارزون في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد).

في النظام السويسري للديمقراطية شِـبه المباشرة، يتمتّـع الشعب بأربعة أصناف من الحقوق السياسية، وهي الانتخاب والتصويت والمبادرة والإستفتاء.

المبادرة الشعبية تتيح للمواطنين إمكانية المطالبة بعرض مقترح تحوير للدستور الفدرالي على التصويت.

على العكس من ذلك، يُـمكّـن الإستفتاء، الشعب من التعبير عن رأيه بخصوص القرارات التي يتّـخذها البرلمان.

يُـمكن إخضاع المسائل التالية للاستفتاء الإجباري: التحويرات على الدستور الفدرالي، الانضمام إلى منظمات أمن جماعي أو إلى مجموعات إقليمية، القوانين الفدرالية الموصوفة بالمستعجَـلة التي تفتقِـر إلى قاعدة دستورية أو التي تزيد مدة صلاحيتها عن عام واحد.

يُـمكن إخضاع المسائل التالية للاستفتاء الاختياري: القوانين الفدرالية والقوانين الفدرالية المُـستعجلة، التي تزيد مدة صلاحياتها عن عام واحد والمراسيم الفدرالية والمعاهدات الدولية غير المحدودة زمنيا التي لا يُـمكن إلغاؤها من جانب واحد، والمعاهدات التي تنًـصّ على الانضمام إلى منظمة دولية أو التي تؤدّي إلى توحيدٍ متعدِّد الأطراف للتشريعات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية