مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استعيدوا طالبي اللجوء القادمين من بلدانكم وسوف نساعدكم!

طالبا لجوء إفريقيان لدى وصولهما إلى مركز الاستقبال في كياسو بكنتون تيتشينو جنوب سويسرا. في غالب الأحيان، يكون الجواب بالرفض. Keystone

ربط التعاون الإنمائــي بتعهد البلدان المعنية باستعادة طالبي اللجوء المرفوضين قد يصـبح واقعا سياسيا في سويسرا خاصة إزاء القارة السمراء ومنطقة الربيع العربي.

ولكن هل يمكن أن تكون سياسة من هذا القبيل ناجعة؟ ولـماذا تُثير هذه الفرضية شكوكا عميقة في أوساط المنظمات غير الحكومية؟

“استعيدوا رعاياكم الذين رفضنا طلب لجوئهم وإلا سنحرمكم من المساعدات التنموية”. الصياغة النهائية لهذه الفكرة ستتحلى بقدر أكبر من الدبلوماسية بطبيعة الحال، ولكن هذا هو نوع الخطاب الذي قد تعتمده سويسرا في المستقبل إزاء البلدان التي تأتي منها غالبية طالبي اللجوء…

ولئن لم يصل الأمر بعد إلى هذا القدر من الراديكالية، فإن الجملة الصغيرة التي نطقت بها وزيرة العدل والشرطة السويسرية الأسبوع الماضي كانت كافية لإثارة حماســة أقلام المعلقين في الصحف الوطنية.

يوم 20 فبراير الجاري، نشرت يوميتا “أرغاور تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في كانتون أرغاو) و”سودوستشفايتس” (تصدر بالألمانية في كانتون غراوبوندن) مُقابلة طويلة مع السيدة سيمونيتا سوماروغا. وفي سياق الحديث عن طالبي اللجوء التونسيين الذين سيتعين عليهم العودة إلى بلادهم، سُئلت الوزيرة الاشتراكية عما قد تُـقـدم عليه سويسرا في حال عدم تعاون تونس.

إجابة الوزيرة كانت كالآتـــي: “إن الحكومة الفدرالية اتخذت يوم الأربعاء الماضي (15 فبراير) قرارا هاما: في المستقبل، ستعير اهتماما أكبر بالرغبة التي تبديها الدول (المعنية) في التعاون، فيما يتعلق بقضايا التعاون الدولي”. وأوضحت السيدة سوماروغا أن وزير الشؤون الخارجية ديديي بوركهالتر أجرى مباحثات مع نظيره التونسي في موفى شهر يناير الماضي في المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، وأن المفاوضات ستتواصل في غضون “الأسابيع المقبلة”.

المطالبة بالمزيد من التشدد

هل هذا يعني أن برن ستمارس ضغوطا لتمرير اتفاق إعادة طالبي اللجوء مع تونس؟ سيمونيتا سوماروغا “لا يمكن أن تعد بأي شيء” في هذا الصدد. فمضمون الرسالة التي اعتمدتها الحكومة السويسرية يوم 15 فبراير الجاري حول التعاون الدولي للفترة 2013-2016 تتسم بالحذر إزاء هذه المسألة، إذ تقول: “حيثما كان ذلك مُمكنا ومناسبا، ستحاول سويسرا الجمع بين التزامها في مجال التنمية ودفاعها عن مصالحها في مجال الهجرة”.

ولكن بعض النواب في القصر الفدرالي يرغبون في اعتماد سياسة أكــثر عدوانية، بل لا يستنكفون عن المطالبة بها صراحة. وقد وافق مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان السويسري) في دورته الخريفية لعام 2011، على مذكرتين تقدم بهما كل من اليمين الشعبوي واليمين البورجوازي. وتطالب المذكرتان بأن يصبح مبدأ المعاملة بالمثل هو القاعدة من الآن فصاعدا. (انظر الفقرة المتعلقة يسار المقال).

ولئن كانت الحكومة الفدرالية قد أوصت برفض المذكرتين، فإن ذلك لن يمنع من عرضهما، على أية حال، على مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الفدرالي) في دورته الربيعية التي انطلقت يوم 27 فبراير وتتواصل إلى 16 مارس 2012.

تشكيك في المنطق والجدوى

الوصفة تبدو بسيطة، ولكن هل ستؤدي إلى التأثير المطلوب؟ “لدينا شكوك حقيقية” يُجيب بيبو هوفستيتر من مجموعة عمل “تحالف الجنوب” التي تضم ستّ منظمات غير حكومية سويسرية كبرى تنشط في مجال التعاون والتنمية. ويضيف قائلا: “في عام 2011، كان ربع عدد طالبي اللجوء فقط من البلدان التي تــُقدم لها سويسرا مساعدات على المدى الطويل. وإذا أضفنا 13% من لاجئي بلدان ما بعد الثورة في شمال إفريقيا، والتي تساعدها سويسرا أيضا، تظل نسبة 62% من اللاجئين الوافدين من بلدان لا نعطيها أي شيء”.

فبالنسبة لهذه الدول، لن يكون لتهديد قطع المساعدات أي تأثير بالفعل. ولكن ماذا عن البلدان الأخرى؟ هل سيكون من السهل إقناعها بهذه الطريقة؟ “ليس تماما” يرد هوفستيتر الذي يوضح بأن “سويسرا لا تقدم الكثير من الدعم للحكومات المركزية، بل هي تحاول دائما منح المساعدات على المستوى الأقرب من قاعدة (المجتمع)، للسلطات المحلية وللمنظمات غير الحكومية. فما الفائدة من إبلاغ حكومة ما بأننا سنسحب منها أموالا لا يمكن أن تكون رهن إشارتها على أي حال؟”.

في الوقت نفسه، حرص هوفستيتر على التعبير عن قناعة “تحالف الجنوب” الذي يعتبر أن “التعاون الدولي لا ينبغي أن يُستغل لتحقيق أهداف أخرى. فإذا تم قطع (المساعدات التنموية) فإن الفئة الأكثر فقرا هي التي ستعاني من ذلك، وليس النخب السياسية”.

ما يعني أن الدول التي تتلقى مساعدات من سويسرا ليست عموما تلك التي “تزوّدها” بالمرشحين للجوء في أراضيها. وبلدان منشأ طالبي اللجوء ليست عموما تلك التي أبرمت معها برن اتفاقيات لاستعادة اللاجئين الذين رُفضت طلباتهم من قبل سلطات سويسرا.

فمنذ الإتفاق مع كرواتيا عام 1993، وقعت سويسرا اتفاقيات مماثلة مع 44 دولة، أي 36 مع جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق، وبلدان الكتلة الشرقية السابقة، ويوغوسلافيا السابقة، وأوروبا الشرقية، وستة بلدان آسيوية (أفغانستان، وهونغ كونغ، وماكاو، والفلبين، وسريلانكا، وفيتنام)، وبلدين عربيين (الجزائر ولبنان).

الحالة الإفريــقيــة

إذا كانت دول البلقان وسريلانكا، التي قدم منها عدد كبير من طالبي اللجوء في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ترد في القائمة، فإن إفريقيا السوداء تظل غائبة عنها بشكل ملحوظ. وكانت سويسرا قد أبرمت ثلاث معاهدات مع كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا-كونكاري، وسيراليون، تم فيها تحديد الخطوط العريضة لعمليات وإجراءات تحديد هوية اللاجئين وعودتهم إلى بلادهم الأصلية، ولكن مجال تطبيقها الزمني محدود، في انتــظار عقد اتفاقيات دائمة لإعادة طالبي اللجوء المرفوضين.

ومنذ سنة تقريبا، تختبر سويسرا نوعا جديدا من الإتفاقيات مع نيجيريا يُسمى “الشراكة في مجال الهجرة”. فقد ناهز عدد النيجيريين الذين وصلوا إلى سويسرا خلال العامين الماضيين 4000، رغم أن حظوظ بقائهم فيها شبه منعدمة، إذ لم يحصل سوى اثنين منهم على حق اللجوء في بلاد الألب في عام 2010!

وتقوم الشراكة في مجال الهجرة على مقاربة شاملة: من مكافحة اتجار البشر والمخدرات إلى تعزيز حقوق الإنسان، مرورا بالمساعدة على العودة وبرامــج تبادل المعلومات والخبرات. وفي هذا الإطار، شارك رجال شرطة نيجيريين إلى جانب زملائهم السويسريين في عمليات مراقبة تجار المخدرات في شوارع كانتون سانت غالن في الخريف الماضي.

الإتفاقيات لا تخلق المعجزات

في المقابل، أكدت الوزيرة سوماروغا في نفس المقابلة الصحفية أنه “يتم التعاون في مجال إعادة اللاجئين المرفوضين بشكل مثالي مع العديد من البلدان”.

من جانبه، أوضح بيبو هوفستيتر أن “نيجيريا، والجزائر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية هي بالخصوص البلدان التي تطرح مشاكل بصورة منهجــية. ففي الكونغو، تقدم سويسرا مساعدات إنسانية في منطقة البحيرات الكبرى، ولكن للأسف، ليست لحكومة كينشاسا ما يكفي من الحساسية لإدراك حجم المأساة التي تعيشها تلك المنطقة، ولن تشعر بالتالي بأي تأثيرات في حال قطع المساعدات لفائدتها”.

ويشار إلى أن نيجيريا، والجزائر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تربطها بسويسرا إما شراكة أو معاهدة أو اتفاق. ما يثبت مرة أخرى أن توقيع الإتفاقيات لا يحل كافة المشاكل.

أكتوبر 2002: كانت سويسرا قد وقعت على 13 اتفاقا فحسب لإعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلدانهم الأصلية، ولكن الحديث عن ربط العودة بالمساعدات الإنمائية كان قد بدأ بعد. وكانت دوريس لويتهارد، وزيرة البيئة والنقل والطاقة والإتصالات حاليا، التي كانت آنذاك مجرد نائبة برلمانية عن الحزب الديمقراطي المسيحي، قد أعربت عن مخاوفها من أن تؤدي الاتفاقيات إلى “تفاقم المشاكل المرتبطة بطالبي اللجوء”، وطالبت من الحكومة الفدرالية اتخاذ موقف من هذه المسألة.

أغسطس 2010: في تقرير شامل عن المشروطية في مجال السياسة الخارجية، أجابتها الحكومة أن هذا النوع من الإجراءات لا يمكن أن يكون القاعدة، وأن القرارات يجب أن تؤخذ في كل حالة على حدة، ولئن كان “انقطاع الحوار أو التعاون يظل ممكنا، كمبرر أخير”.

سبتمبر 2011: وافق مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي) على مذكرتين، رغم توصية الحكومة برفضهما. إحداهما من اقتراح حزب الشعب (يمين شعبوي)، وتطالب بوقف المساعدات الحكومية والقروض للبلدان التي ترفض التعاون في مجال استعادة رعاياها الذين ترفض سويسرا طلبات لجوئهم أو المقيمين فيها بصفة غير شرعية. والثانية من اقتراح الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)، وتطالب بأن تقترن المساعدات لبلدان المغرب العربي بابرام اتفاقيات إعادة طالبي اللجوء المرفوضين. وتضيف المذكرة بأنه على سويسرا أيضا أن تقنع بكافة الوسائل “المحافل الدولية” بعدم مساعدة شمال إفريقيا طالما لم تؤمّـن حدودها ولم تستعد رعاياها.  

يناير 2012: في المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، تباحث ديديي بوركهالتر، وزير الخارجية السويسري الجديد بإيجاز مع نظيره التونسي رفيق عبد السلام حول مسألة إعادة اللاجئين المرفوضين.

فبراير 2012: صرحت وزير العدل والشرطة السويسرية، الاشتراكية سيمونيتا سوماروغا للصحافة، بأن الحكومة الفدرالية ستعير في المستقبل اهتماما أكبر لرغبة الدول في التعاون، وذكرت تونس كمثال ضمن هذا السياق.

ربيع 2012: ينتظر أن يتخذ مجلس الشيوخ السويسري (الغرفة العليا في البرلمان الفدرالي) موقفا من المذكرتين حيث توصي لجنة السياسة الخارجية التابعة لهذا المجلس بقبولهما. من جهته، قدم حزب الشعب مذكرة تطالب بابرام اتفاقيات إعادة اللاجئين المرفوضين مع 17 بلدا في غضون سنتين، والتهديد ليس فقط بقطع المساعدات التنموية، بل أيضا العلاقات الدبلوماسية!

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية