مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أوضاع مصر تعرقل مساعي استعادة أموال مبارك المُجمّدة

تمت الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يوم 11 فبراير 2011 بعد قضائه 30 عاما على رأس البلاد. وقد أفرج عنه يوم 22 أغسطس 2013 ووضع تحت الإقامة الجبرية في انتظار استئناف محاكمته بتهم فساد مالي والتواطؤ في قتل متظاهرين. AFP

قد تُعقد فوضى ما بعد الثورة وعدم استقلال القضاء المصري مساعي إعادة مبلغ 700 مليون فرنك من الأموال المجمدة في المصارف السويسرية منذ سقوط حسني مبارك. فالكنفدرالية لم تقرر بعدُ الكيفية التي ستستأنف بها إجراءات التعاون القضائي بين البلدين لتسوية هذا الملف.

كانت نصف ساعة فقط مدة زمنية كافية للحكومة السويسرية لتُجمد الأموال المملوكة من قبل عائلة الدكتاتور المصري السابق حسني مبارك والمقربين منه على إثر الإطاحة به يوم 11 فبراير 2011. وبعد مرور عامين ونصف، لازال ما زالت أموال تناهز قيمتها 700 مليون فرنك سويسري – منها حوالي 300 مليون مودعة باسم ابنيه علاء وجمال مبارك – مُجمدة في البنوك السويسرية.

وقد توقّف التعاون القضائي بين البلدين منذ عدة أشهر. ففي شهر ديسمبر 2012، اعتبرت المحكمة الجنائية الفدرالية أنه نظرا لحالة عدم الاستقرار السائدة في القاهرة، والتدخل المتكرر السلطة السياسية في القضايا المعروضة على المحاكم، كان من شأن مكتب المدعي العام للكنفدرالية أن يرفض تمكين الطرف المصري من الإطلاع على ملف الإجراءات الجنائية المفتوحة في سويسرا.

وفي شهر يونيو 2013، سلم المكتب الفدرالي للعدل ووزارة الشؤون الخارجية تحليلا جديدا للوضع إلى مكتب المدعي العام للكنفدرالية. وخلص التحليل إلى أن سويسرا بات بإمكانها استئناف تعاونها من أجل إعادة الأموال المجمدة، ولكن الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، والأجواء المشتعلة التي سادت البلاد ما بعد الثورة تحثُّ السلطات السويسرية اليوم على إعادة النظر في قرارها.

وضع مُعقـّـد

وقبل حوالي عشرة أيام، طلب المكتب الفدرالي للعدل من وزارة الخارجية القيام بتقييم جديد للوضع. وطُرحت على الطاولة مُجددا مسألة استقلال القضاء المصري. وكتبت الوزارة ضمن هذا السياق: “إن السلطات السويسرية تراقب بشكل مستمر تطور الوضع في مصر وتأثيراته على السلطات القضائية. ولحد الآن، ليس من الممكن معرفة كيف ستتطور الأوضاع وكيف ستنعكس على التعاون بين البلدين”. أما مكتب المدعي العام الفدرالي، فيكتفي بالإشارة على لسان المتحدثة باسمه، جانيت بالمر، إلى أنه “يأخذ بعين الاعتبار الأحداث الأخيرة في مصر، بقدر ما لها من تأثير على ملفِّنا المصري”.

واليوم، يبدو أي استئناف مستعجل لإجراءات التعاون القضائي محفوفا بالمخاطر في ظل صعوبة استيعاب الوضع المشوش في مصر، لدرجة أنه “يُنظر لبعض القضاة المُعينين منذ عام 2011 كممثلين لحقبة مبارك، وكحلفاء سياسيين للنظام القديم أو لمن يُمثله اليوم، على غرار قيادة القوات المسلحة”، مثلما أكد يزيد صايغ، الباحث المشارك في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في تصريحات أدلى بها مؤخرا لصحيفة “لاليبرتي” (التي تصدر بالفرنسية في كانتون فريبورغ). 

وأضاف صايغ ضمن السياق نفسه: “هذا بالطبع سيطرح مشكلة بالنسبة للحكومة المؤقتة أو لمن سيخلفها، فقد تسول لهم أنفسهم إعلان براءة مبارك من كافة التّهم من أجل إعادة الاعتبار للنظام القديم ودعائمه. ولكنهم بحاجة أيضا إلى استرداد أموال عائلة مبارك في الخارج، وتلبية تطلعات الشعب الذي يريد أن تُستعاد المكاسب غير المشروعة. ومع ذلك، يبدو في الوقت الراهن أن النظام الجديد يعمل من أجل إعادة النظام القديم في مُجمله”.

وقائــع يصعب إثباتــها

من ناحيتهم، يبذل محامو عشيرة مبارك قصارى جهدهم لتبرئة موكليهم في سويسرا، مستفيدين من عدم الاستقرار السائد في مصر. وصرح ليونيل هالمبيران، محامي علاء وجمال مبارك في جنيف: “بعد عامين من التحقيق، لم يقدم مكتب المدعي العام الفدرالي أدنى اتهام ملموس أو أي عنصر يشير إلى أن الأصول المصادرة لموكليّ متأتية من مصدر غير مشروع”، مؤكدا أنه “لولا الضغوط السياسية التي تمارسها وزارة الخارجية السويسرية لتم إغلاق الملف منذ زمن طويل”.

من جانبه، يرى أوليفيي لونشون، الخبير في الشؤون المالية بمنظمة “إعلان برن” غير الحكومية السويسرية، أن الكنفدرالية توجد في موقف حرج، إذ يقول: “في السياق الحالي، يبدو استئناف التعاون القضائي بين البلدين أمرا مستبعدا إلى حد ما، وهذا لن يؤثر على تجميد الأصول المجمدة بموجب القانون السويسري. لكن في المقابل، سيكون من الصعب إثبات وقائع الفساد التي حدثت قبل عقد أو عقدين في بلد لا نتعاون معه”، بحيث يجب إثبات المصدر غير المشروع للأصول من قبل محكمة من أجل إتاحة إعادتها للبلد المعني.

أما غريتا فينر، مديرة المركز الدولي لاستعادة الأصول ببازل (ICAR)، فتعتقد أن البلدين بذلا بالفعل “جهودا حثيثة للعثور على الأصول التي سرقها حسني مبارك وعائلته، ولإعادتها [لأصحابها الشرعيين]”. ولكنها تُقر بأن عدم الاستقرار السياسي المتنامي في مصر يزيد الوضع تعقيدا قائلة: “إن المصريين غذوا آمالا كبيرة في صفوف الشعب بشأن مبلغ الأصول التي يمكن العثور عليها وإعادتها. وهذا لن يعمل إلى على تعزيز الشعور بالإحباط في شوارع القاهرة، ما سيزيد من الضغوط السياسية على كلا الجانبين. ولسوء الحظ، لا يبشر وضع من هذا القبيل بالثقة والشرعية، وهما مبدآن أساسيين للتعاون في مجال مكافحة الجريمة المالية الدولية”.

في مناخ اتسم بهجمات مُتتالية على السرية المصرفية، كانت سويسرا أوّل دولة أقدمت على تجميد أصول عشيرة مبارك في عام 2011 .

“ليس لبلادنا أية مصلحة في إساءة استخدام مركزها المالي بغرض إخفاء أموال كان يجدر استثمارها في برامج ومشاريع للدولة الأصلية، ليستفيد منها شعبها”، هذا ما كتبته وزارة الخارجية السويسرية في تقرير حول مُسودة مشروع قانون يهدف إلى تأطير تجميد وإعادة أصول حكام أجانب مودعة في سويسرا، والذي هو قيد التشاور حاليا.

وإذا ما تمت الموافقة على القانون الجديد، ستتمكن الحكومة الفدرالية من إصدار أمر بتجميد الأصول المتأتية من نشاطات إجرامية، في انتظار التعاون القضائي مع البلد المعني في حال الإطاحة بالحاكم، إذا ما كانت الدولة المعنية تعاني من فساد واضح، أو إذا كانت المصالح السويسرية على المحك.

وإن كانت الدولة المعنية ضعيفة وواهنة، سيمكن للحكومة السويسرية أيضا تجميد الأموال إلى حين تنفيذ إجراءات المصادرة. وفي هذه الحالة، يُطبق القانون المُقترح نفس الأحكام الواردة في القانون الخاص بإعادة الأصول غير المشروعة، الذي دخل حيز التطبيق عام 2011، والذي حال دون إعادة أموال لأقرباء الدكتاتور الهايتي السابق جون-كلود دوفاليي.


ويرى أوليفيي لونشون، من منظمة “إعلان برن” غير الحكومية، أن مشروع القانون يسير في الاتجاه الصحيح، ولئن لم يكن مثاليا بعد، من وجهة نظره. وقال في هذا الشأن: “لا يزال [نص القانون] تقييديا جدا، بما أنه يتعين أن تُعتبر الدولة واهنة، وهذا ليس حال مصر، لكي نتمكن من الإستغناء عن التعاون القضائي”.

وعلى العكس، فإن غريتا فينير، مديرة المركز الدولي لاستعادة الأصول في بازل، تعتبر التعاون القضائي الدولي خطوة “لا مفر منها ولئن كانت تستغرق وقتا طويلا جدا”. أما بالنسبة للقانون الجديد، فهو سيتيح، حسب اعتقادها، “تسليم معلومات، في ظل ظروف معينة، حول الأصول المجمدة إلى البلد الأصلي، وحسب تجربتنا، هذا سيسهل كثيرا عملية البحث عن الأصول وإعادتها”.

 وبالنسبة لأوليفيي لونشون، “لا يجب أن يتمثل الانشغال الأول في تحديد كيفية إعادة الأصول غير المشروعة إلى مواطنها الأصلية، بل في الحيلولة دون تواجدها أصلا في سويسرا. وهذا يتحقق من خلال فرض عقوبات أكثر صرامة على الوسطاء الماليين الذين لا يؤدون واجبهم في مجال مكافحة تبييض الأموال”.

ويُعرب لونشون عن أسفه لكون “العقوبات التي تم فرضها على المصارف السويسرية التي أودِع فيها ما يقرب من ملياري فرنك يمتلكها حكام عرب وعائلاتهم، مازالت غير معروفة”. 

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية