مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جبهتان مفتـوحتان في حرب الأجور.. في سويسرا

رفض السويسريون بأغلبية كبيرة بلغت 65.3% مبادرة "1:12 - معا من أجل أجور عادلة" Ex-press

كانت مبادرة تطالب بتحديد سقفٍ للفوارق الشاسعة بين أصحاب أعلى الأجور وأدناها في نفس الشركة، من بين المواضيع الثلاثة التي رفضها الناخبون السويسريون على المستوى الفدرالي في الإقتراعات التي جرت يوم الأحد 24 نوفمبر 2013. ولكن الجدل حول الرواتب عموما لايزال يحتل صدارة الأجندة السياسية في الكنفدرالية.

“مبادرة 1:12، معا من أجل رواتب عادلة” لم تكن تسعى فقط إلى منع الأجور التي تُعتبر مُبالغا فيها، بل هدفت أيضا إلى الترفيع من قيمة أدنى الأجور في البلاد. ولايزال هذا المبتغى قائما، ومدعوما بمبادرة شعبية أخرى تحمل عنوان: “من أجل حماية الأجور العادلة”، التي كان أطلقها اتحاد النقابات السويسرية (USS) ولازال سينظر فيها البرلمان الفدرالي. وتنص هذه المبادرة على اعتماد حدّ أدنى قانوني للأجور لا يقل عن 22 فرنكا في الساعة، أي ما يعادل راتبا شهريا يناهز 4000 فرنك.

ويعتقد عالم الإقتصاد والمحرر بيات كابيلير، أن مبادرة اتحاد النقابات السويسرية “قد تمثل علامة فارقة وتحدث تغييرا كليا في عملية تحديد أدنى الأجور في سويسرا. فحتى الآن، كان دائما يتم التفاوض بشأنها بين جمعيات أرباب العمل والنقابات على مستوى القطاعات الإقتصادية والشركات، اعتمادا على الإنتاجية والقدرة على دفع الحد الأدنى من الأجور المُتفق عليه”.

حملات توعوية وبوادر تَحَسُّن

من جانبه، يلاحظ بيرنار ديغين، الباحث في التاريخ الإقتصادي بجامعة بازل، أنه “لا يوجد في سويسرا تقليد يُخضع الأجور لرقابة الدولة. وبالإضافة إلى ذلك، لازال من الصعب إنجاح مبادرة تتضمن أرقاما دقيقة”.

ويستخلص الخبير أن النقاشات حول الحدّ الأدنى للأجور أدّت مع ذلك إلى “قدر من التوعية” إزاء أدنى الأجور، كما أظهرت الإحصائيات في السنوات الاخيرة أن الزيادة في أدنى الرواتب كانت أعلى بقليل بالمقارنة مع الأجور المتوسطة الدنيا، حتى إن كانت الأجور التي سجلت أعلى زيادة تظل تلك التي يتقاضاها أصحاب الرواتب العليا.

وفي مجال البيع بالتجزئة، حيث تُدفع أدنى الأجور، فإن كبار الموزعين قرّروا مؤخرا الترفيع من الحدّ الأدنى للرواتب. وبالتالي، سيصبح الأجر الشهري لدى سلسلة “ليدل” 4000 فرنك ابتداء من ديسمبر 2013. وفي يناير 2014، سييرتفع الراتب الشهري إلى 4200 فرنكا في محلات “ألدي”، و إلى 3975 فرنكا لدى “دينير”، و3800 فرنكا بالإضافة إلى الراتب الثالث عشر (المكافأة السنوية) لدى كل من “ميغرو” و”كوب”. وفي صالونات الحلاقة، المعروفة تقليديا بتقديم أجور زهيدة، سيرتفع فيها أدنى أجر إلى 3600 فرنكا.

من ناحية أخرى، قدّمت حكومة كانتون نوشاتيل مؤخرا إلى البرلمان مشروع قانون يهدف إلى اعتماد الكانتون لأجر أدنى يعادل 20 فرنكا للساعة الواحدة. وترغب الحكومة في أن يدخل هذا القانون حيز التطبيق في عام 2015. وفي حال الموافقة عليه، سيصبح نوشاتيل أول كانتون سويسري يطبق مبدأ الأجر الأدنى القانوني. وقد ورد هذا المبدأ في مبادرة على مستوى الكانتون أيّدها الناخبون قبل عامين. وبعدها، وافق سكان كانتون الجورا على مبادرة مماثلة.

الأنظار مُصوبة نحو ألمانيا

كما أن النقاش الدائر حاليا في ألمانيا حول الحد ّالأدنى للأجور قد يؤثر على مصير المبادرة الوطنية لاتحاد النقابات السويسرية. فإذا ما اجتازت برلين هذه الخطوة، من المرجح أن “يؤثر ذلك على الأقل على المناطق السويسرية المتحدثة الألمانية، ولئن كان الأجر الأدنى في ألمانيا أقل بكثير (من سويسرا)”، وفقا لتحليل ديغين.

في المقابل، يرى بيات كابيلير أن “ذلك قد يؤدي ببساطة إلى رفض المبادرة، وتحديدا بسبب ذلك الإختلاف الشاسع، وإذا ما قارنا مبلغ 22 فرنك للساعة الواحدة المُقترح في المبادرة، سنستنتج أنه أعلى بكثير من الحد الأدنى للأجور المعتمد في البلدان المنافسة لنا. ففي الولايات المتحدة، يزيد الأجر الأدنى قليلا عن سبعة دولارات، والحد الأدنى الذي يجري التفاوض بشأنه في ألمانيا يعادل نصف ما يطالب به اتحاد النقابات السويسرية.

“ولكن يجب أيضا القول أن الأسعار في سويسرا هي من بين الأعلى في أوروبا”، مثلما يذكر رافاييل لاليف، أستاذ الإقتصاد بجامعة لوزان، الذي يضيف أنه “ينبغي النظر إلى هذه المبادرة من حيث القوة الشرائية”.

ورغم أنه من السابق لأوانه إصدار توقعات بشأن مصير المبادرة حول الحد الأدنى للأجور، فإن ما بات مؤكدا بالفعل هو أن النقاش سوف يتأثر بقوة بالأيديولوجيات المختلفة. ويؤكد بيرنار دغين قائلا: “إن الشركات الجادة، ومعظمها تتحلى بهذه الميزة، تدفع بعدُ أجورا دنيا أعلى (مما هو معتمد في بلدان أخرى). وبالتالي، إذا ما قررت جمعيات أرباب العمل محاربة هذه المبادرة، فإن ذلك سيكون فقط لأسباب أيديولوجية”.

بين الآمال والأوهام

وهنالك جبهة مفتوحة أخرى تتمثل في تطبيق المبادرة التي كان قد أطلقها توماس ميندر تحت شعار “ضد الأجور المبالغ فيها”، والتي وافق عليها الناخبون السويسريون في شهر مارس 2013. وتنص على منح حاملي الأسهم حق النقض فيما يتعلق بأجور كبار المُسيّرين وأعضاء مجالس الإدارة في الشركات والمؤسسات المُدرجة في السوق المالية. كما أنها تحظر عمليات الدفع المُسبق، ومِنح نهاية الخدمة (أو ما يعرف بالتقاعد الذهبي)، والعلاوات في حالة شراء أو بيع المؤسسات.

وكان اعتماد المبادرة قد نجح في تهدئة قسم هام من الرأي العام الذي عبّر عن عميق سخطه ضد كبار مسيري الشركات الذين كانوا قد تلقوا في السنوات الأخيرة رواتب ومكافآت باهظة، والتي كانت تُمنح لهم حتى في حال تحقيقهم لنتائج مزرية. الشعب السويسري كان يتوقع بالتالي تطبيق مبادرة ميندر، غير أن مرسوم تنفيذها الذي عرضته الحكومة الفدرالية يوم 20 نوفمبر 2013 سيدخل حيز التطبيق في 1 يناير 2014 بصورة مؤقتة في انتظار القانون ذي الصلة.

ولكن هذا المرسوم قد أثار الجدل لأن أصحاب المبادرة وأنصارها لم يوافقوا في الواقع على تخفيف بعض الأحكام، لاسيّما أن المرسوم لا يحظر العلاوات مقابل الأداء الجيد، ولا إبرام عقود التشاور مع المسيرين الذين يغادرون الشركة. كما تم تخفيف العقوبات المفروضة على انتهاك القواعد. وفضلا عن ذلك، يعتبر توماس ميندر أن السنتين الممنوحتين للشركات للتكيّف مع الوضع الجديد مهلة مبالغ فيها.

ويقول بيات كابيلير: “أعتقد أن الشركات المعنية ستُقْدم على تغييرات في الربيع المقبل، وستكون قد مُنحت عاما بأكمله لتحضير نفسها، وعندما تفعل شيئا من تلقاء نفسك، فذلك يكون أفضل دائما مما تقوم به قسرا”.

سابقة تاريخية

ويبدو أن الجدل المحيط ببلورة قانون تطبيق مبادرة “ضد الأجور المبالغ فيها” سيزداد شراسة، بحيث أعلن توماس ميندر بالفعل أنه قد يطلق مبادرة ثانية لتصحيح الوضع إذا ما تم الإفراط في تلطيف مضمون مبادرته الأولى.

ويُذَكر بيات كابيلير ضمن هذا السياق بوجود سابقة تاريخية، بحيث أن البرلمان كان قد أعفى المصارف من تطبيق المراقبة على الأسعار التي نصت عليها مبادرة هدفت إلى منع التجاوزات في تكوين الأسعار، والتي صادق عليها الناخبون السويسريون عام 1982. على إثر ذلك، قامت جمعيات الدفاع عن المستهلكين، التي كانت تقف وراء المبادرة، بإطلاق مبادرة ثانية ترمي إلى مراقبة الأسعار والفوائد على القروض، ونجحت أيضا في إقناع الناخبين. لذلك، يحذر الخبير الإقتصادي قائلا: “ينبغي على الحكومة والبرلمان بالتالي ألاّ يغفلا هذه التجربة”.

وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء، كان متوسط الدخل الفردي الخام في وظيفة بدوام كامل يقدر بـ 5979 فرنك في الشهر في عام 2010.

أما متوسط الراتب الشهري الخام للأطر العليا فكان 10195 فرنكا في القطاع الخاص، و16526 في القطاع العام (الكنفدرالية)، بينما تقاضى كبار المسيرين 22755 فرنكا في القطاع الخاص و21548 في القطاع العام.

في الأثناء، كان عُشر المأجورين يتقاضى راتبا شهريا يقل عن 3953 فرنكا، وعُشرا آخر يتلقى أكثر من 10833 فرنكا.

  

وكان عدد الوظائف المنخفضة الأجر يناهز 275000، أي أن صاحبها يتقاضى أقل من 3986 فرنكا مقابل عمل بدوام كامل، أي 40 ساعة في الأسبوع. أما القطاعات الإقتصادية التي تشتمل على أكبر عدد من هذه الأجور، فهي تجارة التجزئة (55200، أي 20,1% من مجموع الوظائف في القطاع)، والخدمات المطعمية (38800، 14,1%).

غير أن أعلى نسبة للأجور المتدنية فتوجد في قطاع الخدمات الشخصية (مثل غسل الملابس وكيها، وصالونات تصفيف الشعر).

(ترجمته وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية