مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رفع الدعم عن الوقود يُفاقم وتيرة الإضطرابات السياسية

متظاهر يمني يرفع قطعة خبز كتب عليها "لا لرفع الدعم عن أسعار المحروقات، لا للفساد" خلال تظاهرة نظمها الحوثيون في شوارع صنعاء للمطالبة بإسقاط الحكومة وذلك يوم 24 أغسطس 2014 Keystone

زاد قرار الحكومة اليمنية الصادر في مطلع شهر أغسطس 2014 والقاضي بتحرير أسعار الوقود وإلغاء دعمها، من إرباك المشهد السياسي غيْر المستقِـر أصلا، فيما الأنظار تترقّـب استعادة البلاد لاستقرارها، خاصة بعد اختِتام الحِوار الوطني، الذي انتهى إلى وضع خارطة طريق لإنهاء الأزمة السياسية، التي دخل فيها اليمن منذ اندِلاع الإحتجاجات الشعبية قبل ثلاث سنوات.

ومنذ إعلان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اختتام الحوار الوطنيرابط خارجي الشامل في يناير 2014، تُـبذَل جهود ملحوظة من أجل تنفيذ مَخرجات وتوصِيات الحوار، التي تواجه مخاضاً عسيراً بسبب اصطِدامها بتمسّك القِوى السياسية التقليدية المحسوبة على علي عبدالله صالح وحلفائه، أو المحسوبة على آل الأحمررابط خارجي وحلفائهم، بمواقعها ومصالحها وعدم رغبتها بإفساح المجال للقوى الجديدة الصاعدة، التي تطمح لشراكة فاعِلة في العملية السياسية، وهي القِـوى التي أتت من بوّابة المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، والحراك الجنوبي وجماعة الحوثي، وخرجوا منه على آمال ووعود بشراكة في السلطة والحكومة، المُوصي بتشكيلها من قِبل المؤتمر، إلا أن تلك الوعود والتطلّعات قوبِلت بمُمانعة ومُراوغة بعض القِوى السياسية، خاصة منها التي خاضت صِراعات وحروبا مع الحوثيين ومع دعاة الإنفصال في الجنوب.

تلك الصِّراعات لا زالت تُـلقي بظلالها على المشهد السياسي، مُعرقِـلة التسريع بتنفيذ مخرجات الحوار، بل إن الخُطوات المُرتَقبة للعملية السياسية  أنه بسبب تلك الاحتقانات، وعلى خلفياتها اشتعلت بُـؤَر المواجهات في أكثر من مكان بين الحوثيين والإصلاح، وتعثّـرت خطوات الإنفِراج السياسي المأمول بعد الحوار، إلى الحدِّ الذي زاد من حدّة الإختلالات الإقتصادية والمالية، التي تُعاني منها المُوازنة العامة أصلاً، الأمر الذي دفع الحكومة إلى رفع الدّعم عن الوقود في وقتٍ يُعاني البلد من عدَم الإستقرار السياسي، ما يُـثير أكثر من سؤال حول خلفِية القرار والآثار والإنعِكاسات المُترتِّبة عليه.

الاختلالات الاقتصادية والمالية

في تصريح له إلى swissinfo.ch، قال الأستاذ نجيب شحرة، الخبير الاقتصادي لدى المنظمات الدولية: “لم تعد سياسة دعم المشتقّات النفطية، الأداة المناسِبة للدّعم والتشجيع أو الحماية، بل تحوّلت إلى عِبْء على كاهِل الاقتصاد اليمني، وتُكلِّف الموازنة العامة الْـتِزامات مالية عالية، ترتفِع من سنة إلى أخرى، وتُساهم بشكلٍ كبير في تسارُع التَّـدهْـور الاقتصادي، الذي قد يصل إلى حالة الانهِيار فى حالة غِياب التدخّل واتِّخاذ قرارات إصلاحية”.

ويوضِّح شحرة ذلك مضيفا أن “التكاليف المالية المُباشرة التي تتحمّلها الموازنة العامة، بلغت تريليوناً وأربع مائة مليار ريال خلال الفترة ما بين 2010 و2012، (الدولار يُساوي 215 ريالاً) نتيجة ارتِفاع حجْم الدّعم إلى إجمالي الناتج المحلّي، إذ ارتفع من 9% عام 2010 إلى 10% في عام 2012، حتى أصبحت إيرادات النفط لا تغطّي الواردات من مشتقّاته.

وحسب تقرير البنك المركزي للرّبع الأول من العام الجاري، بلغت عائدات الصادرات النفطية 404 مليون دولار، مقابل 745 مليون دولار، قيمة واردات المشتقّات، وهذا يعكِس مدى الاختلالات الاقتصادية والمالية، التي أصبح عليها حال البلاد.

غير أن هناك مَـن يَرى أن تحرير أسْعار الوقود، سيزيد من مُعاناة غالِبية اليمنيين، خاصة الفقراء الذين وصلت نِسبتهم إلى حوالي 50% من إجمالي السكان، فيما لم تتبنّ الحكومةرابط خارجي سياسة بَدائل فعّالة للتخفيف من الفقر والبطالة، المُـقدّرة بحوالي 40%، باستثناء إضافة 250 ألف حالة جديدة من المستفيدين من الضّمان الاجتماعي. 

الفئات الغنية.. المستفيد الأكبر

غير أن الخبير شحرة يرى أن المبدأ الذي ارتكزت عليه سياسة دعم الوقود، هو الاستهداف المُباشِر لشريحة الفقراء، والحقيقة أن هذه السياسة تستفيد منها كل الفئات، بل تتكاثر الاستفادة حسَب حجْم الكمِيّة المُستهلَكة، والفئات الأكثر دخْلاً هي الأكثر استِهلاكاً.

فكلما ارتفع الدخل بمقدار 1% كلّما زاد حجم استهلاك مشتقّات الوقود بمقدار 1.95% وفي ظلّ النسبة المرتفعة لمستوى الفقر في اليمن، فإن نصيب الفئات الفقيرة من استهلاك الوقود المدعوم في حدوده الدّنيا، أصبحت مكلفة اجتماعياً، لأنها لا تحقِّق مبدأ العدالة في توزيع المنافع، بل تحوّلت إلى أداة تعمل على تكريس عدم المساواة، حيث تُشير دراسة أنجزها صندوق النقد الدوليرابط خارجي أن حوالي 40% من إجمالي الدعم تذهب إلى 20% من الأسَـر الأكثر ثراءً، وتستفيد هذه الأسَـر من الدعم بطريقة مباشرة من خلال الاستِهلاك المباشر لتلك المشتقّات أو بشكل غير مباشِر من خلال السِّلع والخدمات التي تقوم بإنتاجها.

من المؤكّد، أن قرار رفع الدّعم عن الوقود، يندرِج ضِمن الإجراءات والتّدابير التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية على السياسة المالية لليمن منذ خضوعِها لبرنامج الإصلاحات المالية والاقتصادية مُنتصف تسعينيات القرن الماضي، وهي مجموعة من التدابير والإجراءات المتكامِلة التي تستهدِف تحفيز الاقتصاد على النمُوّ من خلال تقليص تدخّل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتعبئة مواردها الجبائية والضريبية، إلا أنه بسبب التداخل بين طبقة رأس المال والحُكم من جهة، وممارسة السلطة والنشاطات الاقتصادية في آن واحد من جهة ثانية، ترتّب على ذلك أن الفئات الغنية هي التي استفادت من الإصلاحات الاقتصادية، وتحرير الأسعار على مستوى الخصخصة، والإصلاح الضريبي.

التنافس السياسي والفساد وعدم الشفافية

مع أن إصلاح النظام الضريبي يُعد من الإجراءات المُلازمة لبرنامج التقويم الهيكلي، الذي بدأ في اليمن بصدور قانون ضريبة المَبيعات والضريبة على القيمة المُضافة عام 2001، إلا أنه لم يُـطبَّق إلا جزئياً عام 2005، نتيجةً لنفوذ لوبي رجال المال والاقتصاد في مختلف دوائر السلطة، ثم لم يُـطبَّق الجزء الثاني منه، إلا عام 2010 بعد إفراغه من أهدافه المرجُـوة واستثنائه لقائمة واسِعة من السِّلع والخدمات.

أما على مستوى الخصخصة، كإجراء يرمي إلى تخفيف الأعباء على الموازنة وتقليص النفقات، فيُلاحظ أن البلدان التي قامت بخصخصة مُنشآتها المتعثِّرة، بدأت أوّلا بتأهيلها ورفع أصولها ثم طرحها للمزاد التنافُسي لاحقا، لتحقيق أعلى عائد بيع مع ضمان حقوق العمالة، لكن الذي حصل في اليمن كان مُغايرا، ذلك أن المنشآت المتعثِّرة دُمِّـرت بقصد من أجل بيعها بأثمان زهيدة لصالح لوبي المال والأعمال ومراكز النفوذ المرتبط بالسلطة، كما لم يُـراع فيها حقوق العمالة وشابَها الفساد وعدَم الشفافية، ونتَجت عن ذلك مشاكل مربكة.

فإلى جانب أنها لم تحقّق عوائد مالية مهمّة للخزينة، أدّى بيع 57 مصنعا ومنشأة في جنوب البلاد إلى تشريد عشرات الآلاف من العمال، وتحوّلت فيما بعد تلك العمالة المُسرّحة من أعمالها إلى قوة أخرى مغذية لمشكلة سياسية عبَّرت عن نفسها بالحراك الجنوبي منذ عام 2007.

ثم زاد من حدة المشكلات المزمنة في المالية العامة ما أطلق عليه “التوافق السياسي” الذي ضم النظام السابق ومعارضيه الذين تشكلت منهم حكومة “التوافق”، بسبب نهْجها للسياسات الفاشلة نفسها، التي طبّقها علي صالح من ناحية، وبسبب تركيز كل طرف سياسي على مكاسِبه السياسية وتجاهُـله للكلفة المالية والاقتصادية والاجتماعية المترتِّبة على ذلك، إذ أن التسوية السياسية التوافُقية وما ترتَّب من تقاسُم ومحاصصة، زادت من الضغوط على مالية الدولة، نتيجة الأعداد الكبيرة للموظفين الجُدد المُنخرطين في الوظيفة العامة بدوافع سياسية، والتي بدأت بإدماج 60 ألف موظّف جديد في الخِدمة اليمنية بقرار من الرئيس السابق، استهدف به امتِصاص الغضب الشعبي قبل إزاحته من على رأس السلطة. وبعد نقل السلطة، أضاف الشركاء الجُدد في الائتلاف الحاكم آلاف الموظفين في القطاع المدني وقُـرابة 200 ألف إلى مؤسستَيْ الجيش والأمن. 

في سياق هذا التنافس السياسي الواضح على الموارد العمومية والسلطة، لا تبدو مطالبات الحوثيين بإسقاط الجُرعة السعرية للكثير من المراقبين، سِوى حالة من حالات التنافُس السياسي، ظاهرها الإنتِصار للمَطالب الشعبية، وباطنها الشراكة في السلطة وتقاسمها. 

أخيرا، لا يبدو أن إعلان جماعة الحوثي مُحاصَرة العاصمة صنعاء بحجّة “إسقاط قرار تحرير أسْعار الوقود”، الذي أعلنته الحكومة أول أغسطس الجاري والمعروف بـ “الجرعة”، يستهدِف وقْف الآثار الإقتصادية والإجتماعية على غالبية السكان في البلاد، بقدر ما هو غطاء للمطالب السياسية لجماعة الحوثي التي وُوجهت بالصدّ من طرف بعض أطراف العمل السياسي وتحديداً خصمه حزب التجمع اليمني للإصلاحرابط خارجي، الذي رفض منذ انتهاء الحوار الوطني تشكيل حكومة تستوعِب جماعة الحوثي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية