مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“النظام الذي ينتهِك حقوق شعبه لن يُكتب له الدّوام”

السيد مراد دهينة، المدير التنفيذي لجمعية الكرامة لحقوق الإنسان أثناء تقديمه للتقرير السنوي في نادي الصحافة السويسري بجنيف يوم 26 مارس 2015. swissinfo.ch

استعرض التقريرالسنوي لعام 2014، الذي أطلقته منظمة الكرامة لحقوق الإنسان خلال ندوة صحفية عقدتها في جنيف يوم 26 مارس 2015، كمّاً كبيراً من الفظائع والإنتهاكات التي تُرتَكب يومياً من أقصى المشرق العربي وحتى أقصى مغربه، سواء من قِبل الأنظمة الحاكمة المُستبِدّة أو الجماعات المُسلّحة غير الحكومية.

التقريررابط خارجي وثّق مُمارسات الإختفاء القسري والإحتجاز التعسفي واستخدام التعذيب لانتزاع الإعترافات، والقمع المنهجي للإحتجاجات والإعتقالات الجماعية للمتظاهرين واستمرار الرقابة المفروضة على وسائل الإعلام والمحاكمات الصورية، التي تُمارسها الدول التي تعاني من صراعات داخلية – لاسيما منذ إنطلاق الثورات العربية نهاية عام 2010 – وتلك التي تُعتبر “أكثر إستقراراً” على حدٍّ سواء. وطالت هذه الممارسات الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدوِّنين والمواطنين العاديين، الذين تمّ توقيفهم بتُهمة الإرهاب، بسبب آرائهم المخالِفة للخطاب الرسمي لحكوماتهم.

التوثق من المِصداقية

في إطار عملها، تستند منظمة الكرامةرابط خارجي التي تأسست في جنيف قبل أحد عشرة عاما إلى آليات حقوق الإنسان الدولية، بُغية وضع تقارير مُفصَّلة حول وضع حقوق الإنسان في مُجمَل الدول العربية. وهي تعتمِد في توثيق الحالات الفردية لهذه الإنتهاكات على شبكة واسعة من المصادر وعدد من الناشطين الحقوقيين، وتُشدِّد على الإتصال المُباشِر بالضحية أو العائلة المُقرّبة جداً أو المحامي، لتقدِّم هذه المعلومات تاليا إلى إجراءات الأمم المتحدة المعنِية بحقوق الإنسان، والهيئات الأممية المنشأة وفقا لمعاهدات دولية (لاسيما لجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان واللجنة المعنية بحالات الإختفاء القسري).

ويبقى التوثّق من مصداقية المعلومات الواردة إلى منظمة الكرامة، أمراً أساسياً في بلْورة برنامج عملها، وهو ما يقول عنه مراد دهينة، المدير التنفيذي للمنظمة: “نحن نعرف أن حقوق الإنسان كانت وستظل مُسَيَّسة، لكن تبقى القوانين الواضحة وإمكانية مراجعة أي تقرير أو قضية بشكل موضوعي، هو الفاصل. لقد رَفَعَت منظمة الكرامة عشرات الآلاف من المذكِّرات الخالية من أي إنحياز إلى آليات الأمم المتحدة، وإلى يومنا هذا، لم يُطعَن في مصداقية أي من هذه الحالات”.

منظمة الكرامة في سطور

منظمة حقوقية مستقِلة تأسّست سنة 2004 تتّخذ من جنيف مقراً لها. وهي تهدِف إلى مساعدة ضحايا حقوق الإنسان في العالم العربي، لاسيما المهددين بالقتل خارج نطاق القضاء والإختفاء القسري والتعذيب والإعتقال التعسّفي، من خلال توثيق هذه الإنتهاكات وإيصالها إلى إجراءات الأمم المتحدة المعنِية بحقوق الإنسان، والتِماسها التدخّل لدى الدولة المعنِية لوقْف هذه الإنتهاكات.

يتكوّن فريق عمل المنظمة من 13 موظفاً متعدِّدي الثقافات ينتمون إلى 9 جنسيات ويعملون في جنيف وبيروت وصنعاء.

تأتي أغلب الموارد المالية للمنظمة من مؤسسي الكرامة ومن شبكةٍ من المانحين الخواصّ في العالم العربي، على أن تكون غيْر مشروطة. ولا تقبل المنظمة تمويلاً من حكومات تعتبرها متواطِئة مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا، وبعض الدول الكبرى الأخرى.

تَحظى المنظمة بدَعم الصندوق النرويجي لحقوق الإنسان ووزارة الخارجية الهولندية ووزارة الخارجية السويسرية ومدينة جنيف. وبصفتها مؤسسة سويسرية، فإنها تخضع لمراجعة مالية سنوية من قِبل الإدارة الفدرالية السويسرية لمراقبة المؤسسات.

وعلى عكس المنظمات الأخرى، لا تعتمِد الكرامة على ما هو رائِج أو معلوم – من خلال وسائل الإعلام مثلاً – ويؤكد المدير التنفيذي للمنظمة: “نحن لا نتحدّث عن أية حالة، إلا إذا تكلّمنا مع الضحية أو المحامي لكي نربط الحدَث بمصدر يمكن الرجوع إليه والتوثّق منه”. وهكذا تعمَد المنظمة إلى الإستفسار عن إسم السِّجْن مثلاً وتاريخ الإعتقال وإسم أحد الحرّاس أو الشهود، وغيرها من الأسئلة، للحصول على كَمٍّ من المعلومات التي تدعَم بعضها لتلافي الوقوع في الخطإ. وفي حال ساوَرَت المنظمة الشكوك بشأن قضية ما “عِندئذٍ سوف نتريَّث”، كما يقول دهينة.

إعتقالات وحملات تشهيرية

عَمَل منظمة الكرامة في الكشْف عن هذه الإنتهاكات وضَعها أمام سلسلة من الإتهامات والحملات التشهيرية التي كالتها لها العديد من الأنظمة العربية الحاكمة، كما أوقف عدد من المتعاونين معها بتُهَم “حماية الإرهاب” أو “التبعية إلى إسرائيل وقطر”. “هذه التُّهم تصبح مُضحِكة في نهاية المطاف. نحن نتعمّد الوضوح الكامل في عملنا بالإعتماد على القوانين الدولية، دون الدخول في الإعتبارات الجيولوجية. لقد دافعنا عن اليهود في اليمن والنصارى المعذّبين في العراق وغيرهم، دون التفريق بينهم بسبب الجِنس أو الدِّين، وليس هناك أي مجال للتأويل في الإنتهاكات التي نتطرّق إليها”، كما يعلَّق دهينة.

بَيد أن مواقِف الأنظمة الحاكمة المُعادية للمنظمة، تباينت فيما بينها. وفي هذا السياق، ضرب دهينة مثلاً بالتقرير الذي قدّمته منظمة الكرامة إلى لجنة مناهضة التعذيب في عام 2008 بشأن الإستخدام المنهجي لهذه الممارسة من قِبل الأجهزة الأمنية اللبنانية غَـداة أزمة مخيم نهْر البارد قرب مدينة طرابلس الشمالية. وفي العام الماضي، أصدرت لجنة مناهضة التعذيب تقريراً محلياً على أساس الشكوى التي تقدّمت بها الكرامة وأكّدت ما توصّلت إليه المنظمة من نتائج. ومع أن الحكومة اللبنانية احتجت وأعلنت عن وجود “مبالغات” في التقرير، إلا أنه يُحسب لها حضور أعضاء حكوميين من وزارتي الداخلية والعدل وبعض النوّاب أشغال الندوة التي عُقِدَت في مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيروت، لمناقشة هذه القضية بصراحة، وهي “تجربة إيجابية” برأي دهينة.

على الجانب الآخر، ترفض دول أخرى أيّ نوع من التعاون. “في السعودية مثلاً لا يدخُل المقرِّر الأممي الخاص أصلاً، وهو ما يمكن قوله عن مصر أيضاً. كما ترفض الجزائر التحدّث عن حالات الإختفاء القسري في تسعينيات القرن المنصرم”. وأعرب دهينة عن أسفه لوصول العديد من الحكومات إلى مرحلة معيَّنة من الإنتهاكات، أصبحت لا تبالي بعدها. “حسب تقديراتنا، يوجد في المملكة العربية السعودية 20,000 معتقِل تعسُّفيا على سبيل المثال. وفي الكويت والبحرين، يُعتقل الأشخاص بسبب تُهَم مثل ‘العيب في الذات الأميرية’، وقد تُسحَب منهم الجنسية. وفي العراق، تجعلنا الإنتهاكات الوحشية في حالة من الإرتباك أحيانا، بسبب إفتقارنا إلى الوسيلة”.

لقد أردنا أن نؤسِّس هذه الطريق لتعويد المنظمات العربية على العمل الجدّي الصارم المُحترف مراد دهينة، المدير التنفيذي لمنظمة الكرامة

“مع ذلك، لا نريد أن يشعر المواطن العربي بالإحباط، بذريعة أن الأمم المتحدة لا تفعل شيئاً، لأن هذا خطأ كبير. هي في الواقع لم تفعل شيئاً، لأن نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني تركوا المجال للآخرين. لقد أردنا أن نؤسِّس هذه الطريق لتعويد المنظمات العربية على العمل الجدّي الصارم المُحترف. ومع الوقت ومواصلة الجُهد في العالم العربي، فإنه سوف يُـؤتي ثِماره بالتأكيد”، كما يقول.

تطوّر ثقافة حقوق الإنسان

ومع قتامة الصورة التي يقدِّمها التقرير حول حقوق الإنسان في العالم العربي، ترى منظمة الكرامة أنها حقَّقت بعض الجوانب الإيجابية أيضاً، ولاسيما تلك المتعلِّقة بأهدافها الرامية إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتعريف المواطن العربي بحقوقه الأساسية في هذا الجزء من العالم، الذي تُعتبَر فيه الحكومات، المطالِب المشروعة لشعوبها تهديداً لها.

وكما يقول دهينة: “نحن نرى تطوّراً إيجابياً في ثقافة حقوق الإنسان، وأصبح هناك وعْي لدى المواطنين العرب للمُطالبة بحقوقهم، وهذا شيء جديد، لاسيما في مجتمعات كانت تُعرَف بانغِلاقها التامّ، كالسعودية مثلاً”. وأضاف: “فضلاً عن إدراك أهمية إحترام هذه الحقوق، بَرَزَ هناك سعْي لمطالبة الحكومات بالإلتزام بالقانون الدولي الذي تعاهَدت عليه”.

مرجِع أمَمي

ويمكن القول بأن تقارير منظمة الكرامة أصبحت مرجعاً لجميع الخبراء الأمميين فيما يخصّ الدول العربية. ووِفقاً لدهينة “تلتقي الكرامة بجميع الخبراء الذين يتوجّهون إلى دولة عربية. ونحن نُناقِش معهم المعلومات الأساسية التي يستقونها من مكتبنا. ومع أننا ندعوهم إلى المُراجعة والتدقيق، لكنهم في العادة يثِقون بالمعلومات التي ترِدهم من الكرامة، ونحن نحرِص على هذه المِصداقية”.

كما تتعاون الكرامة بكثافة مع منظمتيْ “هيومن رايس ووتش” ومنظمة العفو الدولية ومنظمات مماثلة. وبالرغم من صِغر حجمها بالمقارنة، “إلّا أن هذه المنظمات ترجِع إلى الكرامة لتبادل المعلومات التي تخصّ العالم العربي”، وِفقاً لدهينة.

كما تتواصل المنظمة مع سويسرا أيضاً، حيث مَوَّلَت وزارة الخارجية السويسرية قبل الأحداث التي أطاحت بالحكومة السابقة في مصر، برنامجاً لإصلاح منظومة القضاء دعَمته الحكومة السويسرية.

بعض المؤشرات الإيجابية

ومع التراجُع العام في الحقوق الأساسية الذي سجّله تقرير المنظمة لعام 2014، إلا أنه لم يغفل ملاحظة بعض المؤشرات الإيجابية في دول كالمغرب وتونس وقطر. ويرى دهينة أن الأمر يختلف في البلدان الثلاثة. “بالنسبة لقطر – وقد يعود ذلك لأسباب سياسية أو إلى وضعها الديموغرافي – نرى أن حالات الإنتهاكات قليلة جدّاً بشكل عام. وهذا يعود إلى أسباب، أوّلها قلّة عدد السكان، وثانيها أن الحكومة القطرية تنفق أموالاً طائلة لسدّ إحتياجات مواطنيها. ويعود السّبب الأخير إلى غياب الحياة المدنية السياسية المعارضة الظاهرة، على عكس الكويت والإمارات مثلاً. الوحيد الذي سُجِن في قطر لأسباب سياسية، كان عبد الرحمن النعيمي، وهو عضو مؤسس لمنظمة الكرامة. أما موضوع العمالة الأجنبية، فهو مُشترَك بين كافة دول الخليج العربي، وهو – مع أهميته – ليس من إختصاص الكرامة، ولكننا نعالِجه لو وصل الأمر إلى إنتهاكات، كالتعذيب مثلاً”، كما يقول.

“في تونس، لاحظنا تحسُّناً على مستوى منظومة القوانين بعد الثورة وما حدث من تغيير. لكننا سجّلنا تجاوزات في العام الماضي أيضاً، ودائما باللجوء إلى ذريعة مكافحة الإرهاب. ونفس الشيء في المغرب، حيث المئات من حالات التعذيب والإعتقالات غيْر المُبَرَّرة. لكن الوضع أفضل بالتأكيد بالمقارنة مع الدول الأخرى. لكن أي حالة تعذيب غير مقبولة إطلاقاً بالنسبة لمنظمتنا”، كما أضاف.

بين الحرية والأمن

ومع هذا الكمّ الكبير من الإنتهاكات وما شهدته الدول التي طالها الربيع العربي، مثل سوريا وليبيا، من تراجُع، نتيجة الثورات المضادّة والصراعات الداخلية التي كان المدنِيون ضحيّتها الأولى، قد يرى البعض أن مِن حقّ الحكومات اللّجوء إلى تدابير جِذرية للقضاء على أيّ حركة إحتجاجية، بُغية الحِفاظ على أمنها الداخلي وسلامة مواطنيها.

“هذا مبرّر لا يمكن الأخذ به”، يجيب دهينة، مُستشهدا بقول توماس جيفرسن أنّ “الدولة التي تتخلّى عن الحرية من أجل الأمن، تفقدهما معاً”. “هذا ما يحصل في الدول العربية”، كما يقول، ويضيف: “لو كان هذا هو المِقياس، فيمكن القول أن الثورة الفرنسية – بكلّ ما تلاها من فظائع – ما كان لها أن تقع. وهذا لا يعني أننا نقلِّل من جسامة ما يحدُث، ولكننا نرفض أن تعالَج المصيبة بمصيبة أخرى. لقد كان ما حدَث مُتوقّعاً بالنسبة للمحلِّلين السياسيين، بعد سنوات الكبْت التي تلاها الإنفتاح ودخول كلّ من هبّ ودبّ، والتدخّل الأجنبي السافر في دول المنطقة، كما حدث في العراق”.

واختتم المدير التنفيذي لمنظمة الكرامة حديثه بالتأكيد على أن “محاربة أي إنحِراف يكون بإحترام الحقوق وفتح باب الحريات. أما الكبْت، فقد يضمن سنة أو إثنين، ولكنه يؤدّي إلى الإنفجار بالنتيجة. نحن نقول للحكومات إن النظام الذي ينتهِك حقوق شعبه لن يُكتب له الدّوام، وأفضل ضمان للإستقرار هو إحترامكم لحقوق الإنسان، لأن في إنتهاكها دمار لكم”.

مراد دهينة

ولِد في الجزائر في عام 1961 من عائلة معروفة بالعلم والوقوف بوجْه الإستعمار الفرنسي. متزوِّج وأب لستة أطفال.

يحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT الأمريكي.

قدم إلى سويسرا في عام 1987 للعمل كمدرِّس في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، ثم التَحق بعدها للعمل في المركز الأوروبي للبحوث النووية “سيرن” على الحدود الفرنسية السويسرية في عام 1988.

كان من ضِمن قيادات حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة) في الخارج، ومن المعارضين لوقف المسار الإنتخابي في يناير 1991.

التحق بجمعية الكرامة لحقوق الإنسان غير الحكومية في عام 2007 وأصبح مديرها التنفيذي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية