مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السينما الليبية الجديدة تُستقبل باهتمام وفضول في لوكارنو

أتاح عرض مجموعة من الأشرطة القصيرة الليبية الجديدة في الدورة 68 لمهرجان الفلم بلوكارنو، للمُخرجيْن الشابيْن مُهنّد الأمين (على اليمين) ونجمي عون فرصة نادرة للتعريف بالمواهب الجديدة وبالصعوبات التي تُواجه انطلاقة جديدة للفن السابع في ليبيا. swissinfo.ch

نعم هناك سينما ليبية جديدة ونابضة ويافعة! صحيح أنها تخطو بحذر شديد خطواتها الأولى، لكن الشبان الذين يتجشمون الكثير من الصعوبات لتأمين انطلاقتها وحضورها قدّموا الدليل - من خلال باقة من الأشرطة القصيرة التي استُقبلت بترحاب في مهرجان لوكارنو رابط خارجي- على أن المواهب المستوعبة للتقنيات السينمائية الحديثة متوفرة وأنها لا تحتاج إلا إلى عودة الإستقرار إلى البلد وإلى قدر أكبر من التفهم المجتمعي والدعم الحكومي لإنتاج المزيد وافتكاك مكان مُستحق تحت الشمس وعلى الشاشات الفضية عربيا وإفريقيا وعالميا.

عشية السبت 8 أغسطس 2015، كان هواة الفن السابع في لوكارنو على موعد مع مفاجأة لطيفة اقترنت باكتشاف طريف لبراعم السينما الشابة التي تفتحت بسرعة قياسية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.

القاعة المخصصة للعرض الأول لمجموعة الأفلام الوثائقية القصيرة في إطار قسم “أبواب مفتوحة” اكتظت بعشرات المتفرجين الذين تابعوا الأعمال العشرة بانتباه بالغ، بل حرص معظمهم على البقاء لطرح أسئلة على المخرجين الشبان الثلاثة الذين أمكن لهم الحضور إلى سويسرا.

بطبيعة الحال، كان الفضول وحب الإكتشاف وراء هذا الإهتمام بباكورة الإنتاج السينمائي لبلد عربي لم يكن يشتهر في العالم قبل ثورة 17 فبراير 2011 بإبداعاته الفنية، لكن اتضح أن جيلا جديدا من المخرجين الشبان في طريقه إلى تقديم صورة أخرى أكثر أمانة وواقعية وإنسانية عن ليبيا.

في شريطه القصير “80” عن تجربة الإعتقال والسجن، يمزج مٌهنّد الأمين بين العمل الوثائقي وتقنيات الرسوم المتحركة. pardolive.ch

في الأشهر التي تلت انهيار “الجماهيرية”، بدا أن “كل الأحلام أصبحت قابلة للتنفيذ” مثلما قال المخرج خليفة علي أبو خريس (المشهور بـاسم كيلي علي) وتحررت الألسن من عقالها ونشطت الذاكرة المكتومة فأصبح من المُمكن إنجاز أشرطة عن ذكريات السجناء السابقين (“80”رابط خارجي رابط خارجيلمهنّد الأمين)، وأخرى عن أوضاع المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في السجون والمعتقلات (“طريق مسدود” لأحمد عبوب) وعن الصعوبات الجمّة التي تُواجه السينمائيين الشبان (“مهمة مستحيلة” لنجمي عون) أو عن ممارسة بعض هوايات الشباب الممنوعة سابقا (“دريفتينغ” لسامر عمر)..

الأعمال التي شاهدها جمهور لوكارنو أنجزت معظمها في إطار ورشة عمل مكثفة شارك فيها خريجو المعهد العالي لتقنيات الفنون رابط خارجيفي طرابلس في عامي 2012 و2013 تحت إشراف المعهد الأسكتلندي للفلم الوثائقيرابط خارجي وبرعاية فرع المجلس الثقافي البريطاني في ليبيارابط خارجي، وسمحت للمخرجين الشبان بالتدرب على بلورة المشاريع واختيار مواضيعها بعد جلسات عصف فكري “اتسمت بقدر كبير من الحرية”، مثلما تقول نوآي مينديلي، المنتجة الأسكتلندية التي شاركت في تأطير الأعمال المشاركة..

من أسكتلندا.. إلى طرابلس.. إلى لوكارنو

بعد مرور أشهر معدودة على سقوط نظام القذافي، أشرف المعهد الأسكتلندي للفلم الوثائقي على تنظيم دورة استمرت عشرة أيام في العاصمة الليبية لفائدة مجموعة من خريجي شعبة السينما بالمعهد العالي لتقنيات الفنون في طرابلس.

الفكرة جاءت بمبادرة من إدارة المعهد التي عرضتها على الأستاذة والمنتجة نوآي مينديلي Noe Mendelle التي وافقت عليها بدون تردد بحكم “اهتمامها الشخصي بالمبادلات مع شمال افريقيا وتنظيمها للعديد من الدورات التكوينية في مجال إنتاج الأفلام الوثائقية في بلدان مغاربية وافريقية” ورغبتها في نقل التجربة والمعارف إلى مجتمعات وبلدان أخرى.

في عام 2012، تم اختيار المخرجين الذين شاركوا في الدورة المكثفة جدا من ضمن الشبان الذين عُـرفوا بإسهاماتهم المُصوّرة أيام الثورة والراغبين في تعزيز قدراتهم الفنية، وعموما كانت العملية مُيسّرة بحكم قلة عددهم ومعرفتهم لبعضهم البعض. وقد شمل الإختيار مخرجين من طرابلس وبنغازي.

شاركت سيّدتان في بداية الدورة ثم غادرت إحداهما بشكل مبكر، فيما توقفت الثانية التي ساعدت في إخراج شريط “أرض رجال” للمخرج خليفة أبو خريس (كيلي علي) لأسباب عائلية ونتيجة لتردي الأوضاع الأمنية. وفي ورشات مماثلة نظمت في بنغازي، تعامل المعهد الأسكتلندي مع مُخرجة أخرى (نزيهة عريبي) تستكمل حاليا إنجاز شريط وثائقي عن لاعبات المنتخب الوطني الليبي لكرة القدم.

أدى تدهور الأوضاع الأمنية إلى تعطيل العمل أحيانا وتأخير آجال تهيئة الأشرطة وإعدادها خصوصا وأن تصويرها على عين المكان كان شرطا رئيسيا. وفي نهاية المطاف، تمثلت الحصيلة في مجموعتين من الأشرطة القصيرة واحدة من “مجموعة طرابلس” وهي 10 عُرضت للجمهور في لوكارنو، والأخرى من “فريق بنغازي” وسيتم قريبا الإنتهاء من تجميعها في شريط واحد يدوم حوالي ساعة.

تعتقد نوآي مينديلي أن مساعدة شبان في ليبيا أو في بلدان سائرة في طريق النمو تمر بأوضاع صعبة على إنجاز أشرطة وثائقية “شيء مُهمّ جدا”، لأن الشريط الوثائقي “يُمثل شكلا خاصا من أشكال الإعلام عن العالم الذي نعيش فيه”، وهي ترى أنه “من الضروري أن يقوم شباب هذه البلدان برواية قصصهم لنا بأنفسهم”، لكن بما أنهم لا يمتلكون غالبا الآليات الضرورية للقيام بذلك “فيتعيّن علينا مساعدتهم وتشجيعهم..”، وهي تعتقد أيضا أن هذا “من واجبنا كمواطنين وكمُخرجين ومنتجين”. 

معضلة أمنية.. وأخرى ثقافية 

بعد 42 عاما من حكم ديكتاتوري منغلق، كان من الطبيعي أن تهتم الأعمال السينمائية بالمسائل الحقوقية وبالنبش في جراح الماضي وآلامه وكوارثه، لكن يبدو أن المؤطرين والمخرجين الشبان اختاروا تسليط الأضواء على قصص حياتية عادية أو على مسائل ذات طابع ثقافي أو إنساني. مثل “صانع السندويتش” ( الذي اهتم بشخصية ليبية شهيرة ببيع لمجة نظيفة في طرابلس منذ عشرات السنين، و”الغرفة السرية”، التي شيدها سرا مواطن مثقف من أجل حماية القطع الأثرية الصغيرة في أهم متحف بطرابلس من النهب والسرقة أثناء الثورة، وقصة “العدّاء”، ذلك الرياضي الليبي الذي لم يتردد في رفع علم الثورة في سباق فاز به في الخارج قبل سقوط القذافي، و”غرافيتي” الذي اهتم برسّام شارك في الثورة بكتابة شعارات على الجدران ويواصل اليوم عمله برسوم وتعبيرات على الجدران “لممارسة حرية التعبير” التي افتكها الليبيون بكثير من الدماء والدموع.

أن تكون سينمائيا اليوم في ليبيا يحتاج إلى قدر لا بأس به من حب المغامرة والتحدي. فلا يكفي أن تتوفر للشاب الهواية والرغبة والتحصل على شهادة التخرج بل عليه أن يُواجه إشكاليات مجتمعية ومالية وأخرى أمنية. مهند الأمين لفت إلى أن الناس في ليبيا “لا يعتبرون أن العمل في المجال السينمائي يُمكن أن يكون مهنة حقيقية”، فليس هناك تاريخ في هذا المجال والسينما لا تشكل جزءا من الثقافة العامة (باستثناء الأفلام الأمريكية)، لكنه يؤكد أن “أهم مشكلة تظل المشكلة الأمنية”، حيث يحتاج المرء “إلى حجم كبير من العلاقات” لتأمين عملية التقاط المشاهد وضمان عدم تعرض الفريق العامل لأي خطر خلال إنجازه للعمل السينمائي، بل إن المعضلة تتمثل في أن من يقبل بك اليوم يُمكن أن يُغيّر رأيه في أي لحظة ويتحول إلى رافض لقيامك بالتصوير حيث أن “الكاميرا تحولت (في ظل الإنفلات الأمني) بنظر كثيرين إلى “مرادف للتجسّس”، فالمشكلة “ثقافية بالأساس ويُمكن أن تتسم أحيانا بقدر كبير من الخطورة”، ذلك أن “من يملك السلاح اليوم في ليبيا “لا يُفرّق بالضرورة بين العمل الثقافي وممارسة التجسّس”.

إضافة إلى المشكلة الأمنية التي يُفاقمها التغيير المتواصل للجهات المسؤولة عن منح التراخيص الضرورية للتصوير، يُلفت المخرج نجمي عون (23 سنة) إلى أن السينمائيين الشبان في هذا البلد الذي “لا توجد فيه قاعات عروض سينمائية أصلا”، يُواجهون أيضا التهميش “حتى من الشباب من جيلنا، فهناك منهم من ليس متقبلا للفكرة أصلا، فهم ليسوا ضد الإشتغال بالسينما ولكن لا تجد منهم أي تشجيع أو دفع”، كما يقول عون. أما العلاقة مع الجيل السابق من السينمائيين فهي إما ضعيفة أو يسودها التوجس والريبة أو مفقودة تماما. في الأثناء، قد يستغرب البعض أن تشهد ليبيا اليوم التي مولت وصُوّرت فوق أراضيها أضخم أعمال السينما العربية “الرسالة” و”عمر المختار” هذا التوجّس من الفن السابع، لكن مهند الأمين يقول: “هذه هي المفارقة، في ليبيا يحفظ الناس مقاطع من الشريطيْن عن ظهر قلب لكن ذلك يظل نوعا من العيش في الماضي.. فبالنسبة لهم تظل هذه الأعمال إنتاجا أمريكيا بأموال ليبية لا أكثر..”.

السينما.. أداة للتغيير الإجتماعي 

واليوم، كيف يفكر المُخرجون الشبان في تجاوز هذه الصعوبات الأمنية والبيروقراطية والمالية والتنظيمية؟ يجيب نجمي عون: “نحاول أن نتجاوز الأوضاع الحالية في هذه الفترة غير المستقرة من خلال المشاركة في مهرجانات من هذا القبيل، ونحاول أن نستمر في إنتاج أفلام من تونس وغيرها حتى يكون ذلك حافزا للشباب العامل في هذا المجال بليبيا ولإعلام الرأي العام في الداخل بوجود أفلام ومخرجين ليبييين”. في السياق نفسه، يُضيف مهند الأمين أن “من فوائد القدوم إلى مهرجانات دولية مثل لوكارنو توسيع مجال العلاقات والإطلاع على تجارب الآخرين في مجالات التوزيع والإنتاج وربط شبكة من العلاقات بما يُساعدنا على إنجاز أفلامنا ومعرفة أفضل القنوات لإيصالها إلى الجمهور الليبي” في ظل عدم وجود قاعات عرض عامة ولامُبالاة الأغلبية الساحقة من القنوات التلفزيونية الليبية الخاصة ببث أعمالهم للمشاهدين.

“أبواب مفتوحة للمرة 13”

في عام 2003، أطلق مهرجان لوكارنو بدعم من الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية التابعة لوزارة الخارجية قسم “أبواب مفتوحةرابط خارجي” ضمن برمجته بهدف مساعدة المخرجين والمنتجين المستقلين من بلدان الجنوب والشرق الأقصى على توفير التمويلات الضرورية لأعمالهم ومشاريعهم السينمائية.

في كل عام، يتركز الإهتمام على منطقة محددة من العالم. وفي عام 2005، تمت استضافة السينما المغاربية (تونس والجزائر والمغرب) ثم جاء الدور في عام 2007 على المشرق (مصر، لبنان، سوريا، الأردن، إسرائيل، الأراضي الفلسطينية، العراق) وفي العام الحالي، عادت الأشرطة المغاربية ولكن مع إضافة السينما الليبية الناشئة هذه المرة.

تنقسم المبادرة إلى جزئين، يتمثل الأول في تنظيم ورشة للإنتاج المشترك تتيح إمكانية اللقاء بين مخرجين ومنتجين من المنطقة المعنية وبين شركاء مُحتملين من أوروبا بوجه خاص من أجل توفير التمويلات الضرورية لإنجاز المشاريع المقترحة. ويتلخص الثاني في تمكين جمهور المهرجان من مشاهدة مجموعة من الأفلام المختارة من نفس البلدان والتعرف على الإنتاج السينمائي فيها. 

في هذه السنة، تميّزت مُعظم الأعمال الجزائرية والمغربية والتونسية المعروضة باشتراك أطراف فرنسية أو ألمانية في إنتاجها. وهي 7 أفلام روائية طويلة وخمسة قصيرة.   

تُلفت آناندا شيبكا، المسؤولة عن قسم “أبواب مفتوحة” إلى أن مهرجان لوكارنو “وفّـر خلال السنوات الماضية منصة جيدة للعديد من سينمائيي الجنوب للتعارف والتنسيق والتبادل، بل ساعد على إنجاز بعض المشاريع المشتركة”، وتشير إلى أن العامين الماضيين شهدا مزيدا من التبادل العفوي للتجارب والمعلومات بين سينمائيي الجنوب والشرق وحرفيين وخبراء أوروبيين وغربيين من شتى الإختصاصات، مؤكدة أنه “سيتم تطوير هذه الآلية بشكل أكبر في المرحلة المقبلة”. 

إضافة إلى العمل الفني البحت، ما هو الدور الذي يُمكن أن تلعبه هذه السينما الوطنية على مستوى تطور المجتمع الليبي وتحريك السواكن فيه؟ يرى مُهنّد الأمين أنها “تلعب دورا هاما بلا شك، فهي توفر للجمهور فرصة للنقاش كما تتيح له إمكانية التعبير عن الرأي والإستماع إليه، إضافة إلى إدارة النقاش حول شتى المسائل”. فعلى سبيل المثال، ينتظر أن يُطلق شريط “أرض رجال” للمخرج الشاب خليفة علي أبو خريسرابط خارجي (أهداه إلى روح المناضلة الحقوقية سلوى بوقعيقيص) الذي تناول الرؤية السائدة في المجتمع الليبي التي تستكثر على المرأة ممارسة مهنة الإخراج السينمائي وتسيير فريق من الرجال (بشكل عام) نقاشا داخل المجتمع حول هذه المسألة المثيرة للجدل بين مؤيد ورافض ومتحفظ. ويُلفت الأمين أيضا إلى أن العديد من الأعمال تتسم بطابع اجتماعي وتتضمن محاولات لرأب الصدع بين الفرقاء لأنه “لدينا الكثير مما يتعيّن الحديث بشأنه” وخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على نقاط التشابه التي تجمع الليبيين ولا تفرق بينهم. إضافة إلى ذلك، “نحاول أن نسلط الضوء في أعمالنا على مسائل قد يغفل عنها أو لا يُلاحظها الشعب الليبي”، مثلما يقول نجمي عون. 

من جهته، يُلفت خليفة علي أبو خريس (32 سنة) إلى أنه يحرص في مقاربته السينمائية – عكس وسائل الإعلام عموما التي لا تهتم في تغطيتها إلا بالكوارث وعدد القتلى والمصابين – على “إبراز الجانب الإنساني من خلال اهتمامات الأشخاص العاديين وعرض أحلامهم وآمالهم في محاولة لإيجاد ارتباط بين المُشاهد والحالات المعروضة عليه”.. 

هناك بطبيعة الحال بعض المواضيع التي توصف بـ “التابوهات” أو المحرمات التي لا يُفكر السينمائيون الشبان اليوم في مجرد الإقتراب منها أصلا، لكن يبدو أن المخرجين الليبيين يعتمدون مقاربة شبيهة بنظرائهم في بلدان مرت أو تمر بظروف مشابهة تتلخص في أنه “لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي”، أي البحث باستمرار عن “إيجاد توازن بين الشكل والمضمون مع التعويل على ذكاء المتلقي لإبلاغ الرسالة وتجنب الإستفزاز”، مثلما يقول الأمين. وبدوره، يلخّص عُون المقاربة قائلا: “نسعى لشرح المشكلة المطروحة بشكل مُبسّط حتى يفهم الجميع، كما نحاول إبلاغ الرسالة دون تعريض المتحدثين أو أنفسنا للخطر”.

ومع إقرار أبو خريس بأن تناول وضعية المرأة ونظرة المجتمع إلى دورها لا زال إشكاليا في ليبيا، إلا أنه لا يُوافق على الرأي القائل بأن الحقوق والحريات التي تمكن الشباب والنساء من انتزاعها بعد الثورة مُهددة لأن “مجرد توفر إمكانية طرح هذه المسائل المثيرة للجدل من خلال عمل سينمائي أمرٌ لم يكن متخيّلا في العهد السابق”، بل إن “مجرد إثارة الجدل حوله بين مؤيد ورافض ومنتقد ومتسائل يكفيني”، على حد قوله. وإذا ما عاد الهدوء وتوقفت الحرب الأهلية بصورة أو بأخرى، فإن المخرج الشاب يبدو متأكدا أن “كل شيء سيتغيّر نحو الأفضل، فلدينا كل ما نحتاج إليه وأملي أن نصل إلى هدفنا بعد زمن غير بعيد”. 

المخرج الليبي الشاب خليفة علي أبوخريس (الشهير بـ كيلي علي). swissinfo.ch

آفاق المستقبل

عندما تسأل نجمي عُون عن مشاعره بعد العرض الأول لعمله في مهرجان لوكارنو، يجيب بحماس: “كان شعورا رائعا جدا.. لقد كانت المرة الأولى التي أرى فيها شريطا لي يُعرض على الشاشة أمام جمهور متفاعل.. كنت متوترا شيئا ما قبل العرض لكن تفهّم الجمهور لظروفنا وتقديره لأعمالنا الأولى حفّزني على الإجابة عن الأسئلة والمشاركة في النقاش”..

بالفعل، أماطت الأشرطة المعروضة الستار عن بعض الأشياء المكتومة أو الظواهر الجميلة التي يجهلها العالم عن ليبيا والليبيين عموما، فهل يُنتظر أن يكون الجمهور المحلي أكثر تفهما في المستقبل لأعمال المخرجين الشبان وللسينما الليبية عموما لو أتيح لهم مشاهدتها في عروض عامة؟ يُجيب مهند الأمين أن “المشكلة الوحيدة تتمثل في مكان العرض ومدى تأمينه.. فمتى تم ضمان الأمن، فأنا متأكد أن الإقبال الجماهيري سيكون مضمونا”، خصوصا إذا ما أتيح لليبيين – على عكس الماضي – مشاهدة انعكاس أمين لواقعهم ومشاكلهم على الشاشة. خليفة علي أبو خريس اعتبر بدوره أن “التجربة كانت رائعة، كما أن رد الفعل الإيجابي للجمهور كان مثيرا”، خصوصا مع تنوع زوايا النظر واختلاف مقاربات المخرجين في الأشرطة العشرة.

قد لا يكون الهم الثقافي أول هموم الليبيين هذه الأيام بالتأكيد، فالبحث عن أكل لأفراد العائلة وتأمين الماء والكهرباء والدواء وتوفير لترات من البنزين للتنقل مشاغل يومية ملحة للأغلبية الساحقة من المواطنين، لكن إذا ما هدأت الأمور وعادت أجواء الإستقرار فإنهم “سيكتشفون بالتأكيد وسيُقدرون أهمية الدور التوثيقي للذاكرة المصورة” من خلال بعض الأشرطة التي تحولت بعدُ إلى وثائق تاريخية تحفظ الذاكرة الليبية مثل شريط “الجامع” الذي أنجز عن حارس جامع أحمد باشا القرمانلي الشهير في طرابلس قبل أن يتعرض في خريف 2014 للتدمير والتشويه من طرف مُسلحين متشددين.

مرة أخرى، يُفاجئ مهرجان الفلم بلوكارنو جمهوره العريض بانفتاحه على سينما وليدة في بلد لا زال يُعاني من المُواجهات وعدم الإستقرار. ومع أن التظاهرة الدولية تشهد على مدى عشرة أيام عرض 179 فلما طويلا و87 شريط قصير أنتجت في 50 بلدا، إلا أنها وفّرت هذا العام فرصة نادرة لمُخرجين ليبيين شبان لا زالوا في خطواتهم الأولى للتعريف بإنتاجهم والتحاور مع الجمهور والإعلاميين والمهنيين والإستفادة من تجارب الآخرين لصقل مواهبهم وتعزيز قدراتهم ومواصلة الطريق الصعب الذي اختاروا السير فيه. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية