مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حلول سويسرية لِسَدّ النقص المُتوقع في العمال المَهَرة

من أين سيقدم العمال ذوو المهارات العالية في المُستقبل؟ Keystone

مع اختلافهم الشديد في توجهاتهم السياسية، وانتماء أحدهم إلى اليمين المُتشدد والثاني إلى اليسار، واهتمام الثالث بالأعمال التطوعية، إلّا أن الأشخاص الثلاثة الذين إلتقتهم swissinfo.ch يشتركون ببعض وجهات النظر حول كيفية الإستمرار بإمداد الإقتصاد السويسري بالعمال المَهَرة، لاسيما بعد دخول مبادرة "الحَدْ من الهجرة الجماعية" حيِّز التنفيذ العام المُقبل.

مُنذ أن أقَرَّ الناخبون السويسريون يوم 9 فبراير 2014 مبادرة “لا للهجرة الجماعية”، ومعها تحديد سقف أعلى بالنسبة للعمالة الوافدة من دول الإتحاد الأوروبي، وأرباب العمل في الكنفدرالية يشعرون بأن أيديهم مُكَبَّلة. واعتباراً من العام المقبل، من المتوقع أن يدخل نظامٌ جديد للحصص حيّز التنفيذ. ولكن، كيف سيتعين على سويسرا استبدال هؤلاء الموظفين المهرة في حال تعذر عليها إستقدامهم من القوى العاملة في دول الإتحاد؟ سياسية من حزب يميني، وآخر من حزب يساري، وأحد المتطوعين في مجال الإستشارة للحصول على وظائف يتبادلون وجهات نظرهم.

العلاقات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي

تأثرت حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والإتحاد الأوروبي سلبا بالتصويت المناهض للهجرة الذي جرى في شهر فبراير 2014. الشيء الذي عرّض المعاهدات الثنائية بين الطرفيْن إلى الخطر. وأمام الحكومة السويسرية الوقت حتى فبراير2017 لإيجاد حل يحترم في نفس الوقت إرادة الشعب السويسري ويكون مقبولا أيضا من الإتحاد الاوروبي.

حدث تقدم طفيف في المفاوضات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي بعد التصويت. وأدى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد إلى صرف أنظار الأوروبيين على كل ما يتعلّق بالعلاقات الثنائية مع سويسرا.

اما في سويسرا، فقد كان هناك عدد من المقترحات لكيفية تنفيذ مبادة مكافحة الهجرة الجماعية من مواطني الإتحاد الأوروبي، ومن بلدان أخرى، وكذلك الحد من التجميع العائلي والعاملين العابرين للحدود، وطالبي اللجوء… وقد تأثر هؤلاء جميعا بمبادرة الحد من الهجرة الجماعية.
 

Keystone

ماغدالينا مارتولّو بلوخَر: التعليم والتدريب

باعتبارها إبنة كريستوف بلوخَر، الأب الروحي لحزب الشعب السويسري ومُصَمِّم إستراتيجيته، وبصفتها نائبة عن نفس الحزب (من كانتون غراوبوندَن) في مجلس النواب، وهي الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي، قد يكون من المتوقع أن تسير ماغدالينا مارتولّو بلوخَر على خطى الحزب اليميني الشعبوي. ولكنها كسيدة أعمال، ومديرة تنفيذية لشركة الكيمياويات السويسرية “EMS-Chemie” المملوكة لأسرة بلوخَر، مُتأثرة بشكل مُباشر بمبادرة الحَد من الهجرة التي أقِرَّت في عام 2014.

وتعرف مارتولّو- بلوخر عن كثب مدى أهمية العمالة المؤهلة تأهيلاً عالياً بالنسبة لسويسرا. ومع توظيفها لـ 2,855 شخص في 26 موقع إنتاج موزع على 16 دولة، فإن شركتها تعتمد على هذه الأيدي العاملة، كما تقول المديرة التنفيذية للشركة. ولكن الأشخاص الذين تحتاجهم الشركة، غير متوفرين في سويسرا دائماً.

“إن عملنا مُرتبط بمجال صناعة السيارات، وسويسرا لا تتوفر على صناعتها الخاصة بالسيارات”، كما تقول مارتولّو- بلوخر لـswissinfo.ch. “نحن بحاجة أحياناً إلى مُهندسي سيارات مُتخصصين، بإمكانهم إنتاج أجزاء مُعينة باستخدام البوليمرات الخاصة التابعة لنا. ونحن نحصل على هؤلاء العمال من ألمانيا أو النمسا. كما نوظف أحياناً كيميائيين على درجة عالية من التخصص لأغراض البحوث. كذلك نقوم بتعليم وتدريب العديد من هؤلاء الأشخاص بأنفسنا عندما نستطيع ذلك”.

ووفق مارتولّو- بلوخر، فإن شركة “EMS-Chemie” هي أكبر مُجهز للتلمذة المهنية في منطقة شرق سويسرا. وهي تدرب 141 تلميذاً في 15 اختصاص مختلف.

“من الضروري جداً أن يستمر برنامج التدريب المهني، إذ تحتاج العمالة السويسرية قبل كل شيء إلى عمّال ذوي كفاءات عالية”، كما تقول.

وعلى الجانب الآخر من الطيف، نجد هناك طالبي اللجوء. وحسب مارتولّو- بلوخر، من النادر أن يكون هؤلاء من ذوي الكفاءات العالية، كما أنهم يفتقرون إلى الطلاقة اللغوية. “إنهم بحاجة إلى تعليم عَمَلي مُكثَّف، وإندماج جيد، لكي يكون بمقدورهم العثور على وظيفة حقيقية لاحقاً”، على حدّ تعبيرها.

ولو تحتم عليها أن تختار مجموعة واحدة من العاطلين عن العمل للمساعدة، “فإنهم باعتقادي سيكونون طالبي اللجوء – الذين مُنِحوا تصريح إقامة هنا. فهذا هو المكان الذي يتعين علينا الإستثمار فيه حقاً، لأن هؤلاء هم من فئة الشباب. وإذا لم نوَفَق في إدماجهم، فسوف يكلفنا هذا كثيراً لفترة طويلة – من حيث الجرائم أيضاً”.

Keystone

بيات يانس: إزالة الحواجز

في ذات السياق، يرى بيات يانس، عضو مجلس النواب الوطني عن الحزب الاشتراكي الذي يمثل كانتون بازل المدينة، أن بإمكان النساء اللواتي يُعانين من البطالة الجزئية، والعاملين الأكبر سناً، فضلاً عن طالبي اللجوء، الإضطلاع بدور مهم في هذه الحالة.

وكما يقول يانس، لا يعمل العديد من طالبي اللجوء بسبب عدم السماح لهم بذلك. ويعود هذا أيضاً إلى مخاوف من إحتمال أن يتسبب النمو المتزايد لجاذبية سويسرا بتدفق المزيد من طالبي اللجوء. “وهكذا، فإنهم يتسكعون هنا وهناك، ونحن من يتحمل نفقاتهم، وهذا حل سيء للغاية في إعتقادي”.

المزيد

المزيد

“السّوريون في مراكز اللّجوء يمتلكون مهارات قد تكون سويسرا بحاجة إليها”

تم نشر هذا المحتوى على في إطار يوم الشهادات التي أدلت بهما المعتقلتان السوريتان السابقتان أمل نصر ورنيم معتوق في ثانوية “كيرخنفيلد” بالعاصمة برن الشهر الماضي، أجرت swissinfo.ch مقابلة مع الخبيرة القانونية دونيز غراف التي تعمل في مجال اللجوء منذ أكثر من 30 عاما، والمُنسقة لشؤون اللجوء في الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية الذي نظم الفعالية.

طالع المزيد“السّوريون في مراكز اللّجوء يمتلكون مهارات قد تكون سويسرا بحاجة إليها”

وبصفته رئيس مجلة “سُربرايزرابط خارجي” Surprise، [وهي مجلة تُباع في الشارع من قبل أشخاص لا يتوفرون على إمكانية الوصول إلى سوق العمل – أو أمكانية محدودة جدا]، يرى يانس أن العديد من العاطلين عن العمل الذين يقومون بتوزيع المجلة إنما “يشعرون بالملل بشكل لا يُصَدَّق، وهم يعرفون أن بوسعهم فعل شيء ما ويرغبون بذلك أيضاً بغية كسب نقودهم. ومن المؤسف عدم مساعدتهم”.

كذلك يؤمن يانس بضرورة إزالة الحواجز أمام المرأة في سويسرا لكي تتمكن من العودة إلى القوى العاملة.

“العديد من الأمهات الشابات على درجة عالية من التأهيل والكفاءة، لكنهن يَستغرِقنَ وقتاً طويلاً للرجوع إلى سوق العمل – هذا لو عُدْنَ على الإطلاق”، كما يقول. “وأحد الأسباب التي تعيق عودتهن، هو أن الجَمع بين العمل والأسرة ما زال مُعقدا إلى حدٍّ كبير”، كما يضيف.

ويعتقد يانس أن إزالة الحواجز بالنسبة للنساء سوف يكون أسهل طريقة لزيادة العمالة الماهرة في سويسرا. “إنهن على درجة عالية جداً من التأهيل. لدينا الكثير من النساء من ذوات التأهيل العلمي العالي اللواتي لا يشاركن [في سوق العمل] في الوقت الراهن”.

فضلاً عن ذلك، ينبغي أن تكون هناك أيضاً محاولة لمساعدة كبار السن من العاطلين عن العمل لولوج سوق العمل مرة أخرى، وفقاً لـيانس، الذي يُضيف: “ما يحدث في كثير من الأحيان هو أن العمال الأصغر سناً [والأرخص غالباً] والذين ربما يكونون أفضل تعليماً، سوف يستولون على هذه الوظائف. لذا يتعين علينا الإستثمار في كبار السن أيضا، وأن نمنحهم فرصة المشاركة على الأقل”.
وبغض النظر عن المجموعة، فإن المهم هو التركيز على التعليم، حسب رأي يانس: “علينا أن نجعل الناس هنا مؤهلين بشكل كافٍ لجميع هذه الوظائف”.

Courtesy of Peter Gaechter

بيتَر غيختَر: إبقاء الموظفين الأكبر سنا في وظائفهم

بِعُمُرٍ لا يتجاوز الخمسين عاماً، يعتقد الكثير من الموظفين الأكبر سناً بأنهم أصبحوا أكبر من أن يُقبلوا في وظيفة، ولكنهم في نفس الوقت أصغر من أن يتقاعدوا أيضاً.

بيتَر غيختَر، الذي يبلغ الثامنة والخمسين من العمر، يعمل كمتطوع في منظمة 50 plus out in workرابط خارجي (فوق الخمسين وفي سوق العمل) التي تقدم المشورة للحصول على عمل، وتوفر مجموعات المساعدة الذاتية للأكبر سناً العاطلين عن العمل، في كانتونات مثل زيورخ، وسانت غالن، ولوتسرن، وبرن، وبازل.

وكما هو معروف، تكمن إحدى جوانب مبادرة الحَد من الهجرة في تفضيل الأيدي العاملة المحلية على تلك الوافدة من الخارج لشغل الوظائف الشاغرة. وكما يقول غيختَر أصبحت هذه الفكرة أكثر وضوحاً لديه:

“إذا كان لديك مجموعة من الناس المقيمين هنا بالفعل – وهذا لا يقتصر على السويسريين فقط، فهناك الألمان والهنود والفرنسيين الذين جاءوا إلى هنا ويتوفرون على المهارات المطلوبة – والذين قد يبحثون عن عمل، ويبدون استعدادهم لقبول عمل، ولكن الشركات غالباً ما تعمد إلى استيراد موظفين جدد؛ فإن الفكرة تكمن في إعطاء الأفضلية للأشخاص المتواجدين هنا بالفعل، سواء كانوا من اللاجئين أو من السويسريين الذين تقارب أعمارهم الستين، لا فرق”.

وكما يضيف، سوف يكون هذا مفيداً للعمال الأكبر سناً: “هناك الكثير من المهارات والكفاءات المتوفرة التي لا تؤخذ بعين الإعتبار. ومن الواضح أن الناس يجدون أن من الأسهل عليهم توظيف شخص أصغر سناً – وأرخص تكلفة. لو تحدثتَ مع أي شخص في جنيف، سوف تجد أن الموظفين الفرنسيين يحتلون سوق العمل. ومن السهل جداً التخلص من هؤلاء عندما يتعرض الإقتصاد للركود، فحينئذٍ ما عليك إلّا إرسالهم إلى وطنهم ثانية. لكنك لا تستطيع إتباع هذا الإجراء مع المواطنين السويسريين، لذا يكون من الأسهل [على أرباب العمل] عدم توظيف أشخاص أكبر سناً”.

وفي شهر أبريل المنقضي، دعا مؤتمر وطني عُقد برعاية الحكومة الفدرالية حول موضوع “العمال الأكبر سنّاً” إلى المزيد من التعليم والتدريب المُستَمِر لهذه الفئة من العاملين، بغية وضعهم في الصورة والمستوى المطلوب منهم. وهو نهج يتفق غيختَر معه تماماً.

“بالنسبة لشخص كان يمارس نفس الوظيفة لمدة 25 عاما في المكتب الخلفي لأحد البنوك، ولم يستبدلها بوظيفة أخرى، لا يتعلق الأمر بافتقاره للدينامية، ولكن أغلب الظن أنه كان مُرتاحاً في هذه الوظيفة. لكنه لو فقد وظيفته بسبب قرار أعلى بنقلها إلى بولندا أو حيدر أباد مثلاً، فإن هذه ليست غلطته أيضاً، لذا ينبغي إعطاؤه فرصة إعادة التدريب، لكي يتمكن من القيام بوظيفة أخرى باستخدام المهارات المتوفرة لديه وربما توسيعها! وفي إعتقادي، فإن هذا ما يعنيه التمكين”!

العلاقات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي

كما بات معلوماً، عرَّض إقرار الناخبين السويسريين في فبراير 2014 لـمبادرة “الحد من الهجرة الجماعية” حرّية تنقل الأشخاص من الإتحاد الأوروبي لسويسرا إلى الخطر، الأمر الذي يتهدّد المُعاهدات الثنائية المُبرمة بين الإتحاد الأوروبي والكنفدرالية. ولدى الحكومة السويسرية مهلة حتى فبراير 2017 لإيجاد حلّ، لا يحترم رغبات الشعب السويسري فحسب، ولكن يحوز على قبول الإتحاد الأوروبي أيضاً.

وقد أحرِزَ هناك بعض التقدّم في المفاوضات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي بعد التصويت على هذه المبادرة، لكن قرار الناخبين البريطانيين بمغادرة الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو المنقضي، حوَّل تركيز الإتحاد الأوروبي بعيدا عن مسألة العلاقات الثنائية مع سويسرا.

وفي سويسرا، ظهر عدد من المقترحات حول كيفية تنفيذ هذه المبادرة، تراوحت بين إدخال نظام الحصص (الأمر الذي يدعمه حزب الشعب السويسري المحافظ)، إلى وضع بند إحترازي خاص بالأقاليم السويسرية والقطّاعات الإقتصادية (الذي إقترحه وزير الخارجية السابق مايكل أمبول).

أما الأطراف المُتضررة من مبادرة “الحدّ من الهجرة الجماعية”، فتشتمل على مواطني الإتحاد الأوروبي، والعمّال الوافدين من دول العالم الأخرى (أي من خارج الإتحاد)، وأزواج وأسر المغتربين العاملين في سويسرا الذين التحقوا بهم، والعمّال الحدوديين (أي القاطنين في المناطق الحدودية الفرنسية أو الألمانية أو النمساوية أو الإيطالية)، فضلاً عن طالبي اللجوء.

في شهر أبريل 2016، ترأس يوهان شنايدر آمّانّ، وزير الإقتصاد والتعليم والبحوث السويسري، المؤتمر الوطني الثاني حول موضوع “العمال الأكبر سناً” في العاصمة برن. ودُعي لحضور المؤتمر ممثلون عن أهم المنظمات المهنية والتجارية السويسرية، بالإضافة إلى النقابات العمالية والدوائر الحكومية.

وتضمنت الإقتراحات الملموسة التي قُدِّمَت بعد المؤتمر، دعوة أرباب العمل للبدء بمناقشة الخيارات مع موظفيهم إعتباراً من بلوغهم سن 40 عاماً، وتقديم التعليم والتأهيل المستمر لوضع الموظفين المتقدمين في السن بالمستوى المطلوب، وإزالة الحدود العمرية المُقترحة من إعلانات الوظائف، والمُطالبة بنشر جميع فرص العمل الشاغرة بشكل علني.

من وجهة نظركم، لِمَن يجب أن تكون الأفضلية في القوى العاملة السويسرية؟ شاركونا رأيكم – وحلولكم أيضاً!

يمكنكم الإتصال بكاتبة الموضوع عبر تويتر@JeannieWurz أو عن طريق صفحة الفيسبوك Foreigners and Swiss Politics (الأجانب والسياسة السويسرية).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية