مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لاجئون عراقيون في سويسرا: “أملنا أن لا يطول الإنتظار”

من مركز للتسجيل والإيواء شبيه بهذا، بدأت مغامرة عائلة اللاجئ العراقي محمد جاسم في سويسرا، فهل ترسو التجربة على بر الامان؟ Keystone Archive

الأوضاع التي عاشها العراق في السنوات الأخيرة، تسببت في معاناة شديدة لسكانه ودفعت الملايين منهم إلى الفرار إلى خارج البلاد. سويس انفو زارت إحدى العائلات العراقية اللاجئة في إحدى بلدات كانتون برن، واستمعت إلى معاناتها، ورصدت تجربتها.

الزيارة تزامنت مع صدور بيان عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمناسبة اليوم العالمي للاجئ الذي يقابل الجمعة 20 يونيو أشار إلى تجاوز عدد اللاجئين العراقيين المليونين في السنة الماضية.

وخلف ستار هذا الرقم المخيف، تتخفى صور مأساوية لأفراد وعائلات عراقية تنتمي إلى طوائف وأعراق مختلفة أجبرها غياب الأمن، وممارسات التطهير العرقي، والخوف من الخطف أو التعذيب أو السجن أو القتل، على مغادرة الوطن، بحثا عن الأمن والاستقرار، تاركين وراءهم ممتلكاتهم ومنازلهم، وكل ما جمعوه خلال عقود.

عائلة المحامي العراقي محمد جاسم (اسم مستعار) اللاجئة بسويسرا، والمقيمة بقرية نائية تابعة لكانتون برن منذ بضعة أشهر ليست سوى عيّنة لآلاف العائلات العراقية المشردة، لكن في تفاصيل حياة ومغامرة هذه العائلة، التي تفضلت باستضافة سويس انفو، عمقا إنسانيا ومشاعر مأساوية في نفس الوقت.

لقد كان بإمكان هذه العائلة أن تهاجر إلى السويد كما يفعل الكثيرون، فشقيق الأب موجود هناك منذ سنتيْن، أو إلى هولاندا مثلا، إذ أن خال الأبناء مقيم فيها وحاصل على جنسيتها، وكان بالإمكان أن تكون الرحلة إلى أقاصي الشرق، فالعراقيون لا يرهبون ركوب البحر، وعادة ما يفضلون الذهاب إلى أستراليا وماليزيا، لأن اللغة الثانية التي يتقنون هي اللغة الإنجليزية.

لكن محمد الجاسم إختار لأبنائه الإقامة في سويسرا: “فهي بلد التسامح والتعايش، وهي رافعة لواء الحياد، لا أطماع ولا هيمنة على الآخرين، تتعايش فيها الأديان المختلفة، والأجناس المتباينة، وبها تعدد ثقافي وأربع لغات وطنية”.

من عنف إلى آخر

لقد كان قرار الخروج من العراق مفاجئأً، ولم يكن يحتمل التأجيل، ويقول م. جاسم في حديث إلى سويس انفو: “قبل أيام من سفرنا اختطفوا ابني البالغ من العمر 15 سنة، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد دفع فدية بعشرات آلاف الدولارات، وفي الأيام التوالي وصلتني رسالة تحمل تهديدا في طياتها”.

ولا يزال هذا العراقي، الذي عمل لسنوات طويلة محاميا وتخرجت على يديه دفعات من رجال القانون في بلده يذكر بمرارة “اليوم الذي شملته فيه إحدى حملات الاعتقال وتعرض فيها للسلب والاهانة”.

فعراق اليوم، بحسب السيد جاسم، لا يختلف كثيرا عن العهد السابق، “من قبل كان النظام دكتاتوريا وشموليا، واليوم أطلقت أيادي اللصوص والمجرمين لتعبث بأمن الناس وممتلكاتهم”.

وبعد رحلة شاقة، عبرت فيها سوريا ولبنان ، ثم تركيا واليونان، وأخيرا إيطاليا، وصلت هذه العائلة المتشكلة من ثماني أفراد إلى أحد مراكز تسجيل اللاجئين وإيوائهم على الحدود السويسرية. وتقول نسرين، أم الستة أطفال: “لم نصدق أننا وصلنا إلى سويسرا، وأننا في مأمن”.

اللجوء بوابة الخلاص

لكن ألم يكن بإمكان هذه العائلة العراقية أن تجد هذا الأمن في إحدى البلدان العربية المجاورة، يرد رب العائلة: “البلدان العربية وخاصة بلدان الجوار لا يحترمون العراقيين، ولا يمدون لهم يد المساعدة، كما لا يوفرون فرصا للعمل أو تعليما للأطفال”.

ومع ذلك يؤكد هذا الرجل الذي يشارف عمره على الستين سنة: “أننا لم نعدم وسيلة لذلك، وحاولنا لكننا لم نفلح. فقبل التفكير في اللجوء إلى أوروبا، ذهبت إلى القاهرة، بحثا عن فرصة للإقامة والاستقرار، لكنني فوجئت بالبؤس والفقر يحاصرني أينما حللت، فمن أين لمصر أن تقبل لاجئين؟!”.

ركوب البحر، والهجرة إلى الشمال، برغم الثمن الباهظ، أصبحت إذن بوابة الخلاص الوحيدة أمام هذه العائلة المغامرة، لكن المفاجأة كانت في انتظار العائلة منذ وصولها إلى سويسرا. لقد كانت الأوضاع في مركز التسجيل بكروسلينغن سيئة جدا، وتقول الأم مستغربة ومستهجنة: “لقد فرّقوا بيننا، وأسكنوا أطفالنا الصغار في بيوت مشتركة مع شبان ورجال غرباء، وكانت بيوت الاستحمام مشتركة”.

وتضيف: “خلال الفترة الطويلة نوعا ما التي قضيناها في ذلك “المعسكر”، كنا مجبرين على تنظيف العنابر والنوافذ، وأواني الطبخ، وكان التكليف بهذه الأعمال عشوائيا، لا يخضع إلى أي نظام، حيث بالإمكان أن تشتغل في الأسبوع أياما عديدة، وغيرك لا يشتغل مرة واحدة”.

وعن الرعاية الصحية، تقول الأم: “عند وصول أي لاجئ جديد إلى المعسكر، لا يخضع لأي فحوص طبية، ويكتفي المسؤولون بتذكير اللاجئين بطلب المساعدة في الحالات المستعجلة، فالرعاية الصحية كانت منعدمة”.

محنة الانتظار

اليوم تقيم هذه العائلة في منزل متواضع بالكاد يتسع إلى جميع أفراد العائلة، في قرية معزولة في أحد أرياف كانتون برن، ويحصلون على منحة شهرية لا تتجاوز 2000 فرنك سويسري، قد تكفي لتغطية متطلبات الغذاء، لكن لا تكفي لسد الحاجيات الضرورية للعائلة من ملبس ودواء.

وتظل لبنى ولينا، طالبتيْن متخصصتيْن في الطب، درستا بجامعة بغداد قبل أن تغادر عائلتهما العراق، محرومتيْن من أي فرصة لمواصلة دراستهما، أو تنمية مهاراتهما.

وتقول لبنى التي تتقن الانجليزية، وتتطلع لتعلم الألمانية بأسرع ما يمكن: “أبلغونا بأنه ليس بإمكاننا الالتحاق بالجامعة قبل أن تقرر السلطات بشأن طلب اللجوء الذي تقدمنا به”.

لكن ما يزعج الأم التي تظل متسلحة بالصبر والأمل في مستقبل أفضل لأبنائها اليوم شيئان: “بطء الإجراءات القانونية، وعدم تفهّم القائمين على ملف اللجوء لخطورة الوضع السائد في العراق بالقدر الكافي”.

أما الأب، فلا يرى وجها للمقارنة بين هذه الصعوبات الحياتية “المؤقتة”، والوضع الذي كانوا عليه في بلدهم، وفي كلمات تنبض بالواقعية وتتشبث بالأمل، يقول: “نعم نواجه مشاكل في حياتنا اليومية هنا، لكن كرامتنا محترمة وأمننا مكفول، ويعاملنا سكان القرية ببشاشة ولطف”.

ورغم تقدمه في العمر، يتمنى أن تتاح له الفرصة لتعلم اللغة الألمانية قريبا، ليشرع في العمل، وبرغم تجربة السنين الطويلة في مجال المحاماة، لا يستنكف عن أي عمل. فكل أمله ألا تطول فترة الانتظار، وأن يستأنف أبنائه وبناته تعليمهم قريبا.

عبد الحفيظ العبدلي – سويس انفو

يبلغ تعداد اللاجئين في العالم حوالي 16 مليون شخص (حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين – مقرها جنيف).

بلدان الإستقبال الرئيسية للاجئين في العالم هي الولايات المتحدة وجنوب افريقيا والسويد وفرنسا والمملكة المتحدة.

في موفى 2007، بلغ عدد الأشخاص المعنيين بمجال اللجوء (طالبو لجوء في الإنتظار، طالبو لجوء رفضت مطالبهم، لاجئون قبلت طلباتهم،..) في سويسرا 41062 شخص.

في عام 2007، تلقت السلطات السويسرية 10387 طلب لجوء (الطلبات التي حصلت على رد إيجابي لم تزد عن 1561)

تقدُم أكبر نسبة من طالبي اللجوء إلى سويسرا من أريتريا وصربيا والعراق وسريلانكا وتركيا.

في عام 2007، غادر 8199 طالب لجوء الأراضي السويسرية.

في عام 2000 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تخصيص يوم عالمي للاجئين من أجل تأكيد القيم التي استُلهمت منها المعاهدات المعنية بتوفير الحماية للاجئين ولتحسيس الرأي العام بمشاكل البشر الذين يفرون من ويلات الحروب والقمع والملاحقات.

وقع الإختيار على تاريخ العشرين من يونيو لتزامنه مع اليوم الذي يُحتفل فيه باليوم الإفريقي للاجئ.

في سويسرا، بادرت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين منذ عام 1980 بتنظيم التظاهرة. أما اليوم الوطني للاجئ فينتظم كل عام في ثالث سبت من شهر يونيو في حوالي 200 بلدية.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية