مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة الفدرالية تتحرك لإيواء الأعداد المتزايدة من اللاجئين

أعداد من اللاجئين على متن قارب تابع لخفر سواحل جزيرة لامبيدوزا. العديد يفقد حياته خلال رحلة العبور إلى أوروبا Keystone

شهدت سويسرا ارتفاعاً شديداً في أعداد الّلاجئين إليها مُنذ قرابة الشهرين. ويأتي أغلب هؤلاء من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية الكُبرى عَبر جزيرة لامبيدوزا Lampedusa الإيطالية، الواقعة في البحر الأبيض المتوسط.

وفي خُطوة تهدِف إلى التقليل من الضّـغط الحاصل على مراكز إستقبال اللاجئين في كانتونات سويسرا المُختلفة، والذي بلغ حَدّه الأقصى، أبدت الحكومة الفدرالية استعدادها لتوفير ثلاث مراكز طارئة لإيواء هذه الأعداد المتزايدة من طالبي اللجوء، حيث لا تستطيع الكانتونات استيعاب المزيد، بسبب قطع المساعدات الحكومية عنها.

ويشكو ريمون كادوف، منسق شؤون اللاجئين في كانتون لوتسرن قائلاً: “لدينا مشكلة كبيرة، حيث بلغت طاقتنا الاستيعابية حدّها الأقصى. لقد حَثتنا الحكومة الفدرالية على التخلي عن المساكن الاحتياطية التي كانت بحوزتنا إلى البلديات في العام الماضي، وبسبب ذلك أصبحنا نفتقد الآن إلى 100 مكان لإيواء طالبي اللجوء”.

ما يَجري في كانتون زيورخ مُشابه، حيث يقول رودي هوفشتيتر، الموظف في مكتب المساعدات الاجتماعية التابع للكانتون: “يتوجّـب علينا البحث عن مساكن طارئة”. وحسب المسؤولين عن إيواء اللاجئين، فأن العاصمة برن، بالإضافة إلى كانتون أرغاو، قد وصلا في الوقت الحاضر إلى الحد الأعلى لطاقتيهما الاستيعابية أيضا.

أما كانتون تورغاو، فقد تقدّم بطلب إلى العاصمة برن لإيقاف إحالة اللاجئين إليه. وفي هذا الصدّد، يقول رولف بروديرر، مدير شؤون اللاجئين في إدارة الكانتون: “كانت طلبات اللجوء في الأعوام الماضية تتراوح ما بين 30 إلى 50 طلب، أما الآن، فقد خُصّـِصَت لنا حصّـة 117 شخصا في النصف الأول فقط من هذا العام”.

سبب الأزمة

يعود السبب في تفاقُـم هذه الأزمة، إلى عنصرين: الأول، هو ازدياد عدد طالبي اللجوء القادمين من إفريقيا إلى أوروبا عبر جنوب إيطاليا واليونان منذ بضعة أشهر. والثاني، هو انخفاض المساهمات المالية المُقَدَمة من الحكومة الفدرالية إلى كانتونات سويسرا المُختلفة.

وحسب يان غولاي، المُتحدث باسم المنظمة السويسرية لإعانة اللاجئين (وهي منظمة غير حكومية)، فإن البلدان التي يُشكِّـل لاجئوها النسبة الكبرى في سويسرا، كالصومال وإريتريا وسريلانكا والعراق، تجد نفسها في أوضاع صعبة للغاية، بل وتسير نحو المزيد من التدهور.

ويُضيف: “كذلك يزداد الاتجار بالبشر في أشهر الربيع والصيف، بسبب ملاءمة الظروف المناخية، وبعض هؤلاء اللاجئين يصلون إلى سويسرا في وقت لاحق”.

أزمة الكانتونات وتَرِكة كريستوف بلوخر

في السنوات السابقة، كان بإمكان الكانتونات استقبال الأعداد المتزايدة من طالبي اللجوء بفضل المساعدات التي كانت الحكومة الفدرالية تمنحها كموارد احتياطية في مجالات الرعاية بصورة عامة، إلا أن الأمر اختلف منذ الفاتح من يناير 2008، حين أوقفت الحكومة الفدرالية مساهماتها المالية الخاصة باللاجئين إلى جميع الكانتونات، كنتيجة لسياسة تقشفية صارمة من وزير العدل السابق كريستوف بلوخر، الذي انتهج سياسة أكثر تقييدا وأقل كُلفة، حيال مسألة طلب اللجوء.

وقد أدّى هذا التوقّـف إلى انخفاض القُـدرة الاستيعابية لمراكز اللجوء في الكانتونات، بالإضافة إلى نقص في عدد المشرفين على رعاية اللاجئين.

وقد اجتمع وفد من ممثلي الكانتونات مع وزيرة العدل إيفلين فيدمر – شلومبف يوم الاثنين الماضي (8 سبتمبر) لتقييم الاحتياجات الخاصة بنظام طلب اللجوء. وعَقب الاجتماع، صَرَّحَ روجي شنيبيرغر، الأمين العام لمؤتمر مدراء العدل والشرطة في الكانتونات: “لا تُعاني سويسرا من أزمة بسبب طلبات اللجوء إليها، إلا أن الوضع متوتِّـر في بعض الكانتونات”.

تَدخُل الحكومة الفدرالية

وأَقَرَّ إدوارد غنيزا، مدير المكتب الفدرالي للهجرة، بمُعاناة العديد من الكانتونات بسبب مشكلة إيواء اللاجئين، لكن ذلك “لا يُشكّل أزمة” حسب قوله. وأعرب في مقابلة بثتها الإذاعة السويسرية باللغة الألمانية، عن رغبة الحكومة الفدرالية في رفع الضغوط عن الكانتونات من خلال افتتاح مراكز للمبيت الاضطراري.

ومن جهته، أعرب المكتب الفدرالي للهجرة عن تأكيده للكانتونات بأن الحكومة الفدرالية ستعمل على استيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين وتوفير السكن المناسب لهم خلال فترة ستة أشهر، في حالة حدوث اختناقات لديهم، وهو ما سيكون عليه الحال تحديداً، إذا ارتفع عدد طالبي اللجوء إلى أكثر من 12.000 شخص.

ورحّـب مدراء الكانتونات بتوفير مراكز لجوء جديدة سيتم تحويرها من ثكنات الجيش السويسري، إلا أنه لم يتِـم تَحديد الثكنات التي ستُستَخدم لهذه الغاية أو تاريخ افتتاحها بَعد.

تضاعف العدد في شهر أغسطس

في النصف الأول من عام 2008، تقدّم 5945 شخصا بطلب للجوء إلى سويسرا، وهو رقم يزيد بمقدار 3.6٪ عن العام الماضي. ومنذ شهر يوليو من هذا العام، ارتفع هذا العدد بشدّة، ليصل في شهر أغسطس وحده إلى 1600 طلب، في حين نجد أن عدد طالبي اللجوء في نفس الشهر من السنوات السابقة، كان يتراوح ما بين 800 إلى 1000 طلب.

وفي تصور الحكومة الفدرالية، فإن أعداد طلبات اللجوء سترتفع إلى 13.000 طلب بحلول نهاية السنة الحالية، وهذا يزيد بمقدار 3000 طلب عن عام 2007، إلا أنه لا يزال أقل من سنوات أخرى، حيث بلغ متوسط عدد الطلبات خلال السنوات الثمان الماضية 17.500 طلب.

ولا يُمكن وصف الوضع الراهن في جزيرة لامبيدوزا الصغيرة، الواقعة في البحر المتوسط بين مالطا وتونس، إلا بالمَأْسَاوِي، حيث يتدفّـق يوميا ما لا يقل عن 1000 شخص من لاجئي القوارب الذين يُنقلون فورا إلى اليابسة (أي إيطاليا)، لعدم استيعاب مركز الجزيرة لأكثر من هذا العدد.

الطريق إلى سويسرا ودول الاتحاد الأوروبي

معظَم اللاجئين إلى سويسرا هم من سريلانكا والصومال ونيجيريا وأريتريا والعراق. ويقول إدوارد غنيزا: “ما يقرب من نصف جميع طالبي اللجوء، يأتي من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى”، ويواصل: “من الواضح تماماُ أن الزيادة في عدد الإريتريين والصوماليين والنيجيريين منذ شهر يونيو، تعود إلى الهجرات التي تَدَفقَت من جزيرة لامبيدوزا”، وعَبْرَ هذه الجزيرة ومالطا واليونان، يجد جزء من هؤلاء اللاجئين طريقهم إلى سويسرا.

ويقول مدير المكتب الفدرالي للهجرة: “نحن نتوقع دخول نحو 45% من اللاجئين بصورة غير قانونية إلى سويسرا عن طريق الحدود الجنوبية”، وشَهدت معظم دول الاتحاد الأوروبي زيادة في عدد طلبات اللجوء خلال الشهرين المُنصَرِمة، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى 80%.

وبالرغم من تدفق اللاجئين إلى أماكن الإيواء في الوقت الحالي، إلا أن أعداد طالبي اللجوء قد انخفض بشكل مطّـرد خلال العقد الماضي.

وبهذا الخصوص، قال المتحدث باسم المنظمة السويسرية لإعانة اللاجئين يان غولاي في حديث مع سويس انفو: “لو قارنا الوضع الآن بما كان عليه عام 1990، عندما أدت الحروب في كوسوفو والبوسنة والهرسك إلى تدفق ما يقرب من 50.000 لاجئ خلال سنة واحدة، لرأينا أن ما نمُر به الآن لا يُشكـّل أزمة على الإطلاق”.

وأضاف “لكن المشكلة الآن تكمُـن في افتقار الكانتونات إلى الإمكانيات والقدرات الاحتياطية التي تُمكـّنها من التعامل مع هذه الزيادة في أَعداد اللاجئين، لو حدثت في القريب العاجل”.

ويشير غولاي إلى أن الأثر الرادع الذي سعت إلى إحداثه سويسرا من خلال تشدّدِها في قوانين اللّجوء، قد فقَـد تأثيره، ويستطرد: “المشكلة هي أن كل الدول الأوروبية تلعب نفس اللعبة، والرسالة التي أرادت سويسرا إيصالها حول كونها صعبة المراس فيما يخص قوانين اللجوء، كانت قصيرة الأمد. وعلى المدى البعيد، لن تَحُـول سويسرا دون قدوم الأشخاص الذين يَنشدون الحماية أو يحلمون بمستقبل أفضل إليها”.

سويس انفو – اعتمادا على تقرير بالألمانية لأندرياس كايزر

تواجه سويسرا تحديات مماثلة كغيرها من البلدان في قارة أوروبا من حيث الهجرة. وقد تم تسجيل عدد كبير من طالبي اللجوء ممن لا يحق لمعظمهم الحصول على مركز اللاجئ أو حق الإقامة في سويسرا.

في سبتمبر 2006، تمت الموافقة على العمل بقانون الهجرة واللجوء الجديد من قِبَل أكثر من ثلثي السكان الذين يحق لهم التصويت.

عملا بهذا القانون، يتم ترحيل كل طالب لجوء لا يحمل أوراق ثبوتية نافذة المفعول وليس باستطاعته تقديم تفسير مَعْقُول حول افتقاده لمثل هذه الوثائق خلال 48 ساعة.

يُحرم طالبو اللجوء المُستَبعدون، والذين استنفذوا إمكانيات الاستئناف، من استحقاقات الرعاية الاجتماعية ويحق لهم تلقي المساعدات الطارئة فقط.

يُعاقب طالبو اللجوء المُستَبعدون الذين يرفضون مُغادرة البلاد بالسجن لفترة تصل إلى سنتين.

في عام 2007، كان عدد طلبات اللجوء التي قوبلت بالإيجاب 1561 طلبا فقط من مجموع 10390 طلب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية