مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

موريتانيا تُـحاور القاعدة في سُـجون نواكشوط

وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني أحمد ولد النيني وبجانبه (يسار الصورة) رئيس لجنة العلماء المحاورين خلال جلسة افتتاح الحوار swissinfo.ch

استأنفت لجنة العلماء المكلّـفة بمحاورة سُـجناء تيار السلفية الجهادية في السّجون الموريتانية، جلسات الحِـوار مع هؤلاء السجناء يوم الأحد الماضي 31 يناير، وذلك بعقد لقاء مطوّل مع مُـنظِّـر التيار السّلفي الجهادي في موريتانيا محمد سالم، الملقّـب "المجلسي".

وقال مصدر في اللجنة إن الحوار مع منظّـر التيار السلفي الجهادي استمرّ عدّة ساعات، وتطرّق إلى مواقف تياره من الأنظمة الحاكمة ورفضه للنِّـظام الديمقراطي، الذي يعتبِـره “نظاما كفريا، لا ينبغي للمسلمين أن يحتكموا إليه”.

كما التقى العلماء بواحد ممّـن يوصَـفون بأخطر مقاتِـلي القاعدة الموريتانيين وأكثرهم تطرّفا، وهو محمد عبدالله ولد احمدناه، الملقّـب “أبو أنس”، المسؤول عن اغتِـيال مواطن أمريكي في نواكشوط العام الماضي، إضافة إلى مشاركته في هجمات عديدة قُـتِـل فيها العشرات من العسكريين الموريتانيين، وكان قد اعتُـقِـل وسط العاصمة نواكشوط بعد إصابته في تبادُل لإطلاق النار مع الشرطة أثناء محاولته تنفيذ عملية انتحارية غَـداة الانتخابات الرئاسية في يوليو الماضي.

وكانت الحكومة الموريتانية قد خاضت خلال السنوات الماضية مُـواجهة أمنية وعسكرية مفتوحة مع المجموعات السلفية المسلحة، التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وخسِـرت موريتانيا في تلك المواجهة عشرات من جنودها وسقط على أرضيها عدد من الرّعايا الغربيين بين قتيل وجريح، واختُـطِـف آخرون، بينما زجّ في السجون بعشرات من المتّـهمين بالتورّط في تلك العمليات والمحسوبين على التيار السّلفي الجهادي.

ومع تصاعد وتيرة عمليات القاعدة في موريتانيا وتضاعف الخسائر البشرية والمعنوية للمواجهة معها، ارتفعت أصوات بعض عُـلماء الدِّين والكُـتّـاب الصحفيين والسياسيين، تدعو لفتح حوار مع هذا التيار، تفادِيا للمزيد من التصعيد والخسائر في مواجهته، وهي الدّعوات التي قابلتها السلطات الموريتانية في السابق بالرّفض، قبل أن تُـعلن فجأة في خطوة وُصفت بالجريئة، عن إطلاق حوار صريح وعَـلني مع مُـعتقلي هذا التيار.

وتمهيدا للحوار، افتَـتح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ندوة عِـلمية خصِّـصت لبحث موضِـع “التطرّف في الدِّين” الذي يقود إلى الإرهاب، وشارك فيها العشرات من عُـلماء الدِّين من مُـختلف المشارب والمذاهِـب، حيث حضرها عُـلماء الصُّـوفية والإخوان المسلمون والسلفيون والعلماء التقليديون، وأجمَـعوا كلّـهم على ضرورة فتح حِـوار مع معتنِـقي الفِـكر السّـلفي القتالي، في محاولة لإقناعهم بالعُـدول عن أفكارهم ووَقف نزيف المواجهة بينهم وبين الدولة، وتأسيا ببلدان أخرى خرجت من أتون العُـنف الأصولي أو تفادَته أصلا بالحوار والمراجعات، كما هو الحال بالنسبة لمصر وليبيا، والجزائر بدرجة أقل.

وسريعا، وافق الرئيس ولد عبد العزيز على توصِـيات الندوة وشكّـل لجنة عِـلمية ضمّـت عددا من العُـلماء، طلب منها دخول السِّـجن ومناقشة السجناء في معتقداتهم وآرائهم، والبحث معهم عن مخرج من أزمة الصِّـراع العنيف الذي يخوضونه مع السلطة.

انقِـسام في صفوف السّجناء

ومنذ بداية الحوار، كان الانقِـسام واضحا في صفوف السّجناء الجِـهاديين. فقد أصدرت مجموعة كبيرة منهم بيانا رحّـبت فيه بالحوار وأعربت عن نبذِها للعُـنف ورفْـضها لحمل السِّـلاح ضد البلد، مع تمسُّـكها بمذهبِـها السلفي ورفضِـها لفرض أيّ قيود أو شروط على ممارسة الدّعوة والحديث في المساجد والأماكن العامة.

أما بقية السّـجناء، فقد انخرطوا في مجموعة يتحدّث باسمها أمير التنظيم المحلّي للقاعدة في موريتانيا الخديم ولد السمان، الذي وصف مجموعته بحمَـلة السِّـلاح، وأكّـد هؤلاء تمسُّـكهم بموقِـفهم من الحكومة الموريتانية التي يعتبرونها “كافِـرة كبقية حكومات العالم الإسلامي”، ويروْن وجُـوب مقاتلتها ومقارعتها “كما تُـقاتل الحكومات الغربية الكافرة”.

ورغم أن بعض وسائل الإعلام الموريتانية تحدّثت عن مشادّات كلامية وملاسنات حدثت بين بعض أعضاء اللجنة العِـلمية وقادة المجموعة المتشدِّدة من السُّـجناء، وهو ما يَـشي بصعوبة المهمّـة التي يواجِـهها العلماء، إلا أن رئيس اللجنة العِـلمية الشيخ محمد المختار ولد امبالة، نفى أن يكون أيّ من السّـجناء قد تعرّض للعلماء بسوء أو تهجّـم عليهم، ووصف ولد امبالة أجواء الحِـوار بأنها إيجابية “وقد أعطت حتى الآن نتائج إيجابية ومشجِّـعة”، وهو ما ردّ عليه السجين السلفي المتشدِّد “أبو قتادة البتار” بالقول أنه “لا يوجد اتِّـفاق بين السّجناء والعلماء إلا على تكفير الحكومة ووُجوب قِـتالها”.

أهداف الحِـوار وخلفِـياته

هذا الحوار تمّ الإعلان عن بدئِـه بعد عمليات اختِـطاف استهدفت رعايا إسبان وإيطاليين على الأراضي الموريتانية نهاية العام الماضي، ونشرت الصحافة الإسبانية تسريبات عن مُـطالبة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بالإفراج عن بعض عناصِـره المعتَـقلين في نواكشوط، مقابِـل إخلاء سبيل الإسبان الثلاثة، الأمر الذي استبعدتْـه مصادر حكومية موريتانية.

ويقول مراقبون للشأن الموريتاني إن عناصر القاعدة المعتقلين في موريتانيا والذين طالب التنظيم بالإفراج عنهم ـ حسب وسائل الإعلام الإسبانية ـ متّـهمون بالتورّط في عمليات قتل مواطنين فرنسيِّـين وأمريكيِّـين، الأمر الذي يجعل الحكومة الموريتانية محرجة أمام الضغوطات الفرنسية والأمريكية عليها لمنعها من إخلاء سبيل قتَـلة الفرنسيين الأربعة نهاية عام 2007 ومواطن أمريكي في يونيو سنة 2009.

وقالت المصادر إن القاعدة تطالِـب بالإفراج عن المتّـهم “ولد احمدناه” الذي قام باغتيال أمريكي يعمَـل في منظمة غير حكومية وسط العاصمة نواكشوط خلال شهر يونيو الماضي، إضافة إلى كلٍّ من “سيدي ولد سيدينا” و”معروف ولد هيبة” و”محمد ولد شبارنو”، المتورِّطين في عملية قتْـل أربعة سياح فرنسيِّـين وسط موريتانيا سنة 2007، وهو ما يعني أن واشنطن وباريس ستكونان عقَـبة أمام أيّ صفقة قد تقود إلى الإفراج عن هؤلاء المعتَـقلين.

مخاوِف من الفشل

ورغم أن الحِـوار الذي بدأ مع السّجناء السلفيين كان مطلبا لدى العديد من السياسيين والمفكِّـرين والكتّـاب، إلا أن بعضهم يرى في الطريقة التي يسير بها الحوار حتى الآن ما يدفع إلى التوجّـس خشية من فشله، خصوصا في ظل إصرار الحكومة الموريتانية على جنْـي ثمار نتائجه بسرعة فائقة، الأمر الذي دفع بالبعض إلى محاولة تلمس خيْـط ربط بين تسرّع الحكومة في طلب النتائج وما نشرته وسائل الإعلام الإسبانية عن اشتراط القاعدة الإفراج عن بعض عناصرها المعتقَـلين في نواكشوط، مقابل إخلاء سبيل الرهائن الإسبان.

وفي هذا المجال، يتحدّث بعض المتتبِّـعين للحوار عن أخطاء ارتُـكِـبت في إطلاقه وسيْـره حتى الآن، وفي مقدِّمة تلك الأخطاء تركيبة اللّجنة العِـلمية المكلَّـفة بمحاورتهم، والتي تضمّ عُـلماء من مختلف المشارِب يمكن القول أن وجود بعضهم في لجنة الحوار يشكِّـل عامِـل استفزاز للسُّـجناء، خصوصا من علماء الصوفية، وبعض المحسوبين على نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذين كانوا يبرِّرون عبْـر وسائل الإعلام الرسمية إقامة العلاقات مع إسرائيل، واعتقال المعارضة الإسلامية، بما فيها السلفيين.

هذا فضلا عن أن تسليط الأضواء على هذا الحوار وتسجيل جلساته وبثِّـها عبْـر وسائل الإعلام الرسمية، وهو ما حوّل تلك الجلسات من طابع المناصحة المنشود إلى طابع المناظرة أحيانا، وطابع المحاضرة والمدارسة أحيانا أخرى.

فبالنسبة لمجموعة السّجناء المصنّـفة على أنها معتدلة، فقد بات الأمر مجرّد محاضرات تفقيه ووعْـظ، لا نقاش ولا جِـدال فيها. أما بالنسبة للمجموعة المتشدِّدة، فقد سعت إلى استغلال الإعلام للتسويق لخطابها ومواقفها، وحاولت تحويل تلك الجلسات إلى مُـناظرات، فضلا عن عدم تجانُـس أعضاء اللجنة العلمية فيما بينهم، حيث يتبايَـنون في الطَّـرح والتقويم خلال جلسات الحِـوار، خصوصا فُـقهاء الصّوفية ومن يُـصنّـفون على أنهم علماء السّلطة الذين يحاولون إقناع السجناء بأن الحكومة تطبِّـق الشريعة الإسلامية عبْـر الدستور، في حين يُـصرّ علماء السلفيين وبعض علماء الإخوان على أن الحكومة لا تطبِّـق الشريعة الإسلامية، إلا أن ذلك لا يبيح رفع السِّـلاح في وجهها ولا قتال أو اختطاف ضيوفها من الأجانب.

وبعد أسبوع من بدء جلسات الحِـوار، كان واضحا أن بعض أعضاء اللجنة من ذوي التوجّـهات السياسية يحاولون حصْـد مكاسب سياسية شخصية عبْـر التظاهر بأنهم من أبلوا بلاء حسنا في إقناع السّجناء وتسريب الاتهامات ضدّ بعضهم البعض بتحريض المتشدِّدين وحثِّـهم على التمسُّـك بمواقفهم.

ورغم ذلك، يبقى الأمل قائما في أن يحقِّـق هذا الحوار نتائج إيجابية، خصوصا في ظل وجود بعض الشيوخ في اللّجنة الذين يتمتّـعون بمِـصداقية عِـلمية كبيرة تكاد تكون محلّ إجماع في الأوساط الإسلامية، مثل المرجع العلمي الكبير الشيخ محمد الحسن ولد الددو، إضافة إلى علماء محسوبين على التيار السلفي العلمي، مثل الشيخيْـن أحمد مزيد ولد عبد الحق وعبد الله ولد أمينو، اللذين يحتفِـظان بمِـصداقية كبيرة في أوساط التيار السلفي بصِـفة عامة، الأمر الذي عزّز توقّـعات تحقيق نتائج إيجابية من وراء الحوار، وإن كانت الطريقة التي سيُـدار بها الحوار لاحقا، وتعاطي السلطات معه وإحجامها عن التسرّع في محاولة قطف ثماره، كلها أمور سيكون لها دوْر مِـحوري في تحديد طبيعة نتائج الحوار، الذي يجزم الكثيرون على أن فشله سيكون كارثة حقيقية بالنسبة للبد وسيزيد من وتيرة عمليات القاعدة ومؤيِّـديها على الأراضي الموريتانية.

محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط – swissinfo.ch

منذ بدء المواجهة الأمنية والعسكرية بين السلطات الموريتانية والجماعات السلفية المسلحة سنة 2005، وصلت حصيلة تلك المواجهة بالأرقام حتى الآن إلى 31 قتيلا في صفوف العسكريين ورجال الأمن الموريتانيين و5 قتلى من الرعايا الغربيين واختطاف 5 آخرين، مقابل 9 قتلى في صفوف القاعدة، من بينهم أربعة موريتانيين وخمسة جزائريين، إضافة إلى 69 معتقلا، هُـم مجموع سُـجناء التيار السلفي الجهادي في السجون الموريتانية.

وكانت بداية المواجهة بين السلطات الموريتانية والمتشدِّدين الإسلاميين في أبريل عام 2005، عندما اعتقلت الشرطة الموريتانية سبعة شبّـان عائدين من مُـعسكرات التنظيم في شمال مالي، كانوا ينوُون السّفر إلى العراق لقتال القوات الأمريكية هناك، وقد أرفقت حكومة الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع اعتِـقال أولئك الشباب بحَـملة اعتقالات موسّـعة في صفوف التيارات الإسلامية، خصوصا التياريْـن السلفي والإخواني.

وردّا على تلك الاعتقالات، هاجمت “الجماعة السلفية للدّعوة والقتال الجزائرية” في الرابع من يونيو عام 2005 حامية عسكرية للجيش الموريتاني في بلدة “المغيطي”، شمال البلاد، وقتلت 15 جنديا، وتواصلت بعد ذلك المواجهة، حيث اعتقلت سلطات الأمن الموريتانية عشرات المشتبَـه فيهم، فيما واصل التنظيم استهدافه للمصالح الموريتانية، فنفّـذت عناصر تابعة له هجوما على سياح فرنسيين قُـرب مدينة “ألاك” وسط البلاد، وقتلوا منهم أربعة وأصابوا خامسا خلال أعياد الميلاد عام 2007، وبعد ذلك الهجوم بثلاثة أيام، قتل مسلحون تابعون للتنظيم، ثلاثة جنود موريتانيين في بلدة “الغلاوية”، شمال البلاد في الأول من شهر فبرار عام 2008 قام عناصر من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بقيادة أمير التنظيم المحلي الخديم ولد السمان بمهاجمة السفارة الإسرائيلية بنواكشوط، فأصابوا ثلاثة أشخاص بجروح، وفي السابع من أبريل عام 2007، اشتبكت عناصر من التنظيم وسط العاصمة نواكشوط مع رجال الشرطة، فقتل اثنان من المسلحين وضابط شرطة موريتاني.

وفي 13 أكتوبر عام 2008، نصب مسلّحون تابعون لتنظيم القاعدة كَـمِـينا لوِحدة من الجيش الموريتاني في بلدة “تورين”، شمال البلاد، فقتلوا 12 عسكريا.

وفي يونيو الماضي، قتل مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة مواطنا أمريكيا يعمل في منظمة غير حكومية وسط العاصمة نواكشوط.

وفي التاسع والعشرين من شهر نوفمبر عام 2009، تمكّـن مسلحون تابعون للتنظيم من اختطاف ثلاثة إسبان (رجلان وامرأة)، كانوا ضِـمن قافلة خَـيرية تقدِّم بعض المساعدات للبلديات والسكّـان، كما تمكّـن مسلّـحون آخرون من اختطاف مواطن إيطالي وزوجته البوركينابية في شرق موريتانيا مساء الثامن عشر من شهر ديسمبر الماضي، وقد تبنّـى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عمليتَـيْ الاختطاف في بيانات متفرِّقة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية