مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قانون طارئ لإنقاذ المصارف من القبضة الأمريكية

إفلين فيدمر شلومبف: "الامر يتعلّق بعرض أحادي الجانب، وليس بإمكاننا إجراء مفاوضات بشأنه" Keystone

اعتمدت الحكومة السويسرية أساسا قانونيا للسماح للمصارف المعنية بتسوية منازعاتها الضريبية مع الولايات المتحدة. ومن شأن هذا الأمر أن يسمح لها بالتعاون مع العدالة الأمريكية دون انتهاك قانون السرية المصرفية.

من شأن هذا التفويض الخاص الذي أقرّته الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء 29 مايو 2013 أن يسمح للمصارف السويسرية بتقديم بيانات جديدة عن سلوك موظفيها وعملائها الذين احتالوا على إدارة الضرائب الأمريكية مما تسبب لها في خسائر تقدّر بعدّة مليارات من الدولارات.

ولئن أحجمت وزيرة المالية السويسرية خلال مؤتمر صحفي خصص للإعلان عن هذا الأجراء عن تقديم أي تفاصيل عن حجم الغرامات التي سوف تضطرّ البنوك لدفعها، فإن بعض المصادر تتحدّث عن مبلغ إجمالي قد يصل إلى عشر مليار دولار.

وأوضحت الوزيرة بأن الحل الذي تم التوصّل إليه مع الولايات المتحدة ينصّ على أن لكل مصرف أن يختار إذا كان مستعدا للمشاركة في برنامج امريكي يهدف إلى تسوية النزاع معه، مضيفة بأن “المشاركة فردية واختيارية، لكن الحل المطروح غير قابل للتفاوض”.

هذا الحلّ متضمّن في قانون طارئ سيكون نافذا لمدّة سنة واحدة. ومن المنتظر أن يتخذ البرلمان الفدرالي موقفا بشأن هذا القانون في مفتتح دورته الصيفية التي تنطلق يوم الاثنين 3 يونيو 2013.
 

من جهة أخرى، لن تكشف السلطات الأمريكية عن مضمون أو تفاصيل هذا البرنامج المعروض على المصارف السويسرية إلا بعد إعطاء البرلمان السويسري الضوء الأخضر للمضي قدما. وتؤكّد إيفلين فيدمر – شلومبف أنه “لا يحق للحكومة السويسرية الكشف عن هذا العرض الامريكي آحادي الجانب”.

ووفقا لوزيرة المالية، فإن سويسرا، في ضوء ما سبق ذكره، لم توقّع اتفاقا مع الولايات المتحدة، لكنها شاركت في المناقشات بشأن مضمون البرنامج الذي تقدّمت به واشنطن، ونجحت في تغيير عدّة نقاط فيه.

وفي معرض الردّ عن سؤال لأحد الصحافيين، قالت فيدمر شلومبف: “السنتان اللتان قضيناهما في التفاوض لم يذهبا هدرا”، وشدّدت على أن تسليم أسماء العملاء لا تشكل جزءً من هذا الإتفاق الذي أعلن عليه يوم الاربعاء 29 مايو، ولهذا السبب كان على واشنطن المرور عبر القنوات العادية للمساعدة القانونية المتبادلة.

النزاع الضريبي بين سويسرا والولايات المتحدة بشان المواطنين الأمريكيين الذين أخفوا ودائعهم المصرفية عن إدارة الضرائب في بلادهم مستمرّ منذ خمس سنوات.
 

في عام 2010، نجح “يو بي اس”، أوّل المصارف المستهدفة من إدارة الضرائب الأمريكية في الخروج من هذا النزاع في 2010. أما بالنسبة لبقية المصارف، فقد كان عليها انتظار العرض الذي أعلن عليه في برن يوم الأربعاء 29 مايو 2013. وهذه أبرز المحطات التي عرفها هذا النزاع:
 

11 يونيو 2008: السلطات الأمريكية تشتبه في ان مستشارين ومتعاونين مع اتحاد المصارف السويسرية حرّضوا عملاء امريكيين على الإحتيال على إدارة الضرائب في بلادهم، وتطالب السلطات السويسرية بالمساعدة القانونية. وطالبت الولايات المتحدة من المصرف السويسري مدّها للبيانات السرية لعشرين الف حريف من حرفائه.

19 يونيو 2008: المصرفي السابق برادلي بيركنفيلد يعترف امام القضاء الأمريكي بانه قام بنفسه بمساعدة عملاء أمريكيين على التهرّب من دفع الضرائب المستحقة عليهم عندما كان يعمل لدى اتحاد المصارف السويسرية.
 

18 فبراير 2009: لوضع حد للنزاع الضريبي، سمحت السلطة الفدرالية للرقابة على الاسواق المالية (فينما) لليو بي إس بتسليم بيانات مصرفية للسلطات الامريكية. وقام المصرف بدفع غرامة مالية قدرها 780مليون دولار لإدارة الضرائب الأمريكية.
 

19 فبراير 2009: إدارة الضريبة الامريكية تطلب من اتحاد المصارف السويسرية تسليمها بيانات 52.000 عميل أمريكي. المصرف يرفض.

19 أغسطس 2009: سويسرا والولايات المتحدة يوقعان اتفاقا تلتزم برن بمقتضاه بتسليم بيانات متعلقة بـ 4450 حساب مصرفي تعود بالنظر إلى مواطنين أمريكيين في غضون سنة واحدة. في المقابل، تتنازل الولايات المتحدة عن التتبع القضائي ضد يو بي إس لإجباره على تقديم بيانات 52.000 عميل امريكي.

22 يناير 2010: أيدت المحكمة الإدارية الفدرالية اعتراض أحد الأشخاص الذين وردت أسماؤهم ضمن الـ 4450 حريف الذين قررت برن تسليم معطياتهم إلى السلطات الامريكية. ورأت المحكم أنه لا يوجد أساس قانوني كاف لاتفاق أغسطس 2009 وتبعا لذلك توقّف التعاون السويسري – الأمريكي بهذا الشأن.
 

يونيو 2010: في دورته الصيفية، أقر البرلمان الفدرالي بعد تردد طويل الإتفاق المبرم بين برن وواشنطن.

المطلوب من البرلمان.. الموافقة!

في نبرة تتضمّن تحذيرا واضحا، أشارت الوزيرة إلى أن البرلمان مدعو للقبول بالحلّ المعقول الوحيد المطروح أمامه، خاصةّ وأنه ليس أمام الطرف السويسري الكثير من الوقت، إذ شرعت واشنطن بعدُ في الإستعدادات الرامية لتتبع العديد من المصارف السويسرية الأخرى قضائيا. 

ومن بين المؤسسات المصرفية التي فُتحت تحقيقات رسمية بشأنها في الولايات المتحدة، هناك كريدي سويس، ويوليوس باير، والفرع السويسري للمصرف البريطاني HSBC، ومصرف بيكتيت الخاص بجنيف، بالإضافة إلى مصرفيْ كانتونيْ زيورخ وبازل.

وفي عام 2009، سبق أن أُجبر مصرف يو بي اس على دفع غرامة مالية قدرها 780 مليون دولار، وعلى الكشف عن أسماء أكثر من 4000 من عملائه الأمريكيين، ما سمح للسلطات الأمريكية بتتبع مصارف سويسرية أخرى.

ومنذ عامين، خاضت الحكومة السويسرية عدة جولات من المفاوضات مع السلطات الامريكية من أجل التوصّل إلى حل للنزاع الضريبي، لكن هذه الجهود تعرّضت إلى عراقيل بسبب قوانين السرية المصرفية وتباين مواقف المصارف السويسرية بشأن الحلول المطروحة.

على صعيد آخر، أوضحت وزيرة المالية أن الحكومة “لن تقدّم أي دعم مالي للبنوك التي سوف تختار تسوية نزاعها مع الولايات المتحدة بطريقة فردية”.

الأحزاب مترددة جدا

الحل الذي كشفت عنه وزيرة المالية يوم الأربعاء 29 مايو لم يُقابل بكثير من الحماس من طرف الأحزاب المشاركة في الحكومة. الحزب الإشتراكي اعتبر أنه ليس من الطبيعي تقديم الدعم لمؤسسات وضعت نفسها بنفسها في مشكلة مع القضاء الأمريكي، وأكد أن نوابه “لن يمنحوا أصواتهم” لإقرار هذا الإتفاق. ويرى الإشتراكيون أنه من الأولى “إحياء فكرة التبادل الآلي للبيانات” في المجال الضريبي.

في المقابل، اعتبر حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي محافظ) أن الإتفاق يمثل “كارثة”. وفي بيان أصدره بالمناسبة، عبّر عن اعتقاده بأن الصيغة المقترحة “ليست حلا شاملا”، وهو ما يتناقض تماما مع النوايا التي أعلنت عنها الحكومة الفدرالية من قبل. ومن غير المطروح أن يقدّم الحزب دعمه لهذه الخطوة “المتسرّعة الفاقدة لأي جدية”، حسب رأيه. وفي منظور حزب الشعب، فإن النزاع الضريبي مع الولايات المتحدة “لا زال يتنزّل ضمن الحرب الإقتصادية ولا يخرج عن دائرة الإبتزاز”. ورغم كل هذه المؤاخذات، لم يعلن الحزب اليميني صراحة ما إذا كان سيصوّت في البرلمان لفائدة إقرار الإتفاق أم لا.

الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)، اعتبر أن الحكومة الفدرالية تلقي بالمسؤولية على البرلمان من دون أن تمدّه بتفاصيل البرنامج المقترح. ومن وجهة نظر رويدي نوسير، أحد رموزه، فقد كان بإمكان برن ابرام هذه الصفقة قبل عاميْن، دون اللجوء إلى قانون استعجالي، ودون الرجوع إلى البرلمان، لذلك “فليس هناك حاجة لهذا القانون” على حد قوله.
 

من ناحيته، يدعم بيرمين بيشوف، النائب البرلماني عن الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط)، الفكرة القائلة بأن المصارف هي نفسها التي يجب أن تحلّ نزاعها مع الولايات المتحدة، لكنه يبدو مترددا كثيرا في المقابل بشأن القانون المستعجل الذي تطالب الحكومة البرلمان بالتصديق عليه.
 

موقف الحزب البرجوازي الديمقراطي (يمين)، تميّز عن جميع الأحزاب المشاركة في الإئتلاف الحكومي بتأييد الحل الذي قدمته إيفلين فيدمر – شلومبف، (التي تنتمي بدورها إليه)، حيث يعتقد قادته أن الوقت قد حان للإنتهاء من هذا النزاع الضريبي مع الولايات المتحدة.

من جانبها، أعربت جمعية المصرفيين السويسريين عن قبولها بهذا الحل، مؤكدة أن الإشكالات الضريبية يمكن حلها بضريبة قانونية لا غُبار عليها بفضل هذا القانون الجديد. في المقابل، أعرب المصرفيون عن استغرابهم من عدم الكشف عن مضمون البرنامج الذي ستعرضه واشنطن على المؤسسات المصرفية السويسرية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية