مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين إيران وأمريكا: حربٌ كُـبرى أم صَـفقة كبرى؟

سيدة إيرانية تمر أمام شعارات ورسوم معادية للولايات المتحدة فوق أسوار مبنى السفارة الأمريكية في طهران (نوفمبر 2009 AFP

هل اقتربت إيران والولايات المتحدة من لحظة الحقيقة، التي ستدفع الأمور بينهما، إما إلى صفقة كُـبرى أو حربٍ كبرى؟ كل المؤشِّـرات تَـشي بأن لحظة الحقيقة هذه تقترِب بقوّة بالفعل، لا بل مع ترجيح البعض وِلادتها قبْـل نهاية هذا العام.

بعض هذه المؤشِّـرات، (في كِـلا اتِّـجاهيْ، الصّـفقة والحرب) علَـنيٌ، مثل الأدَبيات الكثيفة التي تصدُر هذه الأيام عن مراكز الأبحاث الإستراتيجية الأمريكية والتي تضع في آن، سيناريوهات هذه الصفقة المُـحتملة أو تلك الحرب المُـفترضة.

سنأتي إلى هذه السيناريوهات بعد قليل، لكن قبل ذلك، إشارة إلى أن الصّـاعق الذي قد يحسِـم الموقف في أحد الاتِّـجاهين، هو الوضع في العراق. لماذا العراق؟ لأنه، مَـهْـما تكُـن النتائج التي ستُسفِـر عنها محصِّـلات الانتخابات العراقية الأخيرة، والتي يبدو أنها كشفَـت عن تواز في موازين القِـوى بين طهران وواشنطن، فثمّـة حقيقة لم يعُـد في الإمكان القفْـز فوقها: الصِّـراع على “الكعكة العراقية” بين إيران وأمريكا، سيصل إلى ذِروته خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، وهذا لسببيْـن متكامليْـن:

الأول، أن واشنطن ستكون قبل نهاية هذا الصيف قد سحبَـت جُلّ وَحَـداتها المُـقاتلة من العراق، على أن تستكمِـل سحْـب بقية القوات في عام 2011، لكنها لن تفعل ذلك بأي حالٍ إذا ما شعرت للَـحظة بأن الإيرانيين سيقومون بملْءِ الفراغ. فهذا سيكون بالنسبة إليها، الانتحار الإستراتيجي بعيْـنه، إذ أنه سيعني أن الإيرانيين سيتحكّـمون بصنابير النفط في دولة هي الثانية في العالم من حيث احتياطي البترول المُثبت، ما سيُـمكّـنهم من الإمْساك بالعالم الغربي برمّـته من خناقه. ليس هذا وحسب، بل سيؤدِّي سقوط العراق في أحضان إيران، إلى فتْـح كلّ أبواب شِـبه الجزيرة العربية أمامها: الكويت والسعودية أولاً، ثم بقية دول المِـنطقة.

بالطبع، لن تجرُؤ إيران على التمدّد العسكري على هذا النّـحو، لأنها تعلَـم عِـلم اليقين بأنها ستستدرج حينها حرباً أمريكية، أضخم بكثير من تلك التي خيضت ضدّ العراق بعد غزوه الكويت. بيْـد أن مجرّد وجود خِـيار إستراتيجي لاحتلال مَـنابع النفط العربية، يُـعطي إيران ورَقة تفاوُض ومُـساومة هامة مع أمريكا والغرب.

واشنطن تُـدرك بالتأكيد هذا المَـعطى، لذا، فلن توفّر أي جُـهد وأي طاقة لمنع إيران من أن تكون القوة الإقليمية الأقوى في منطقة الخليج، حتى ولو اقتضى الأمر بقاء القوات الأمريكية هناك إلى الأبد أو على الأقل، إلى أن تنضب آخر قطرة نفط.

في المقابل، لن تتوانى طهران عن بَـذل الجُـهود لتعزيز نفوذِها في العراق، بالقدْر نفسه الذي يتراجَـع فيه النفوذ الأمريكي هناك، وهي ستفعل ذلك، ليس بسبب الأهمية الإستراتيجية الكُـبرى للعراق في موازين القِـوى الإقليمية والعالمية، بل أيضاً لسببٍ آخر لا يقِـل أهمية، وهو منْـع العراق بعد الإنسحاب الأمريكي منه، من البروز مجدّداً كقوّة إقليمية مُـوازنة لها في منطقة الخليج، وهذا يعني ضمان إبقاء العراق ضعيفا، عبْـر مواصلة العزْف على وتَـر التناقُـضات الداخلية العراقية.

والحصيلة؟

إنها واضحة: بقاء بلاد ما بين النهريْـن، ساحة صِـراع عنيف بين طهران وواشنطن، لا يُستبعَـد أن تُستخدم فيه حتى الصّـواعق الأمنية في حال شَـعُـر أحد الطرفيْـن أن موازين القِـوى لا تميل إلى صالحه.

وعلى أي حال، سنرى عيّـنات عديدة من هذا الصِّـراع في قادم الأيام، حين تبدأ “حرب” تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، والتي سيكون الأمريكيون والإيرانيون خِـلالها، حريصيْـن كل الحِـرص، وعلناً في الغالب، على تحديد شروطهم ومطالبهم وفيتوهاتهم (جمع فيتو) فيها بكل الوضوح المُـمكن.

أما الأطراف السياسية العراقية، فستجد نفسها في موقِـف حرِج للغاية، حيث قد يتعيّـن عليها الاختيار بين رغبات طرفيْـن خارجيتيْـن قويتيْـن (إيران وأمريكا)، من دون أن يكون للخِـيار العراقي المستقِـل، قوة ذاتية فاعلة، بسبب استمرار هشاشة الدولة العراقية بكل مؤسّـساتها العسكرية والإدارية والتنفيذية والتشريعية.

الصفقة

المُـجابهات إذن قادمة في العراق، وهي ستزداد حِـدّة مع كلّ جندي أمريكي ينسحب من هناك. لكن، ألاَ يُـحتمل أن يتجنّـب العراق مثل هذا المصير عبْـر تصوّر ما لا يمكن تصوّره: إبرام صفقة كبرى أمريكية – إيرانية؟

ثقافياً وسايكولوجياً، الجواب هو نعم. ونعم كبيرة أيضاً. فالإيرانيون والأمريكيون يتقاسمون سِـمة تجعلهم يُـبدون في بعض الأحيان إخوة لا أعداء: النّـزعة البراغماتية الشديدة، هذا على الرغم أن أصول هذه النّـزعة مغايِـرة تماماً لَـدى الطرفيْـن، إذ هي كانت في إيران وليدة تجارب الإمبراطورية الفارسية العظيمة، ثم التراث الإسلامي الشيعي المُستند إلى مبدإ التقية، فيما هي بالنسبة إلى الأمريكيين حصيلة قِـيام أمّـتهم القومية نفسها على أسُـس الصّـفقات والتّـسويات والمَـنفعة المادية، بيد أن التبايُـن في الأصول لا يُفسد للوِدِّ قضِـية بين البراغماتيين، وهذا ما أثبته الإيرانيون والأمريكيون معاً في تاريخهم الحديث.

فالأوائل، كانوا قادرين بشكلٍ مُـذهل على إخفاء عدائهم الأيديولوجي الشديد لـ “الشيطان الأكبر” تحت السجّـادة، حين رأوا ذلك من مصلحتهم القومية والجيوسياسية. وهكذا عمدوا إلى تأييد الغزْو الأمريكي لأفغانستان وصفّقوا لاحتلال العراق، ثم قبلوا أن يناموا في سرير واحد مع “الشيطان الأكبر” في إطار السياسات العراقية، بيد أن هذه البراغماتية الإيرانية، على إثارتها، تكاد لا تُقارَن بالبراغماتية الأمريكية، التي تتخطّـى بالفعل حدود الخَـيال.

فحين كان العالم بأسْـرِه يستبعِـد قيام علاقة بين أمريكا المتطرِّفة رأسمالياً وبين روسيا المتطرِّفة شيوعياً، فاجَـأ الرئيس روزفيـلت الجميع بقمّـة مع جوزف ستالين، لم تكرّس العلاقات وتُـقيم تحالفاً عسكرياً بين البلديْـن وحسب، بل هي أرسَـت أيضاً تقاسُـم الكرة الأرضِـية بينهما في قمّـة يالطا.

وبالمثل، وحين شعُـر الرئيس الأمريكي نيكسون بأن النّـكسة الأمريكية في الهند الصينية، باتت تهدِّد بنقْـل زعامة العالم إلى الصينيين والسوفييت والأوروبيين، لم يتردّد لحظة في القفْـز إلى بكين، حيث قدّم تنازُلات ضخْـمة (هي ما نشهد الآن من نهْـضة اقتصادية صينية كُـبرى)، في مقابل فكّ عرى التحالف الصيني – السوفييتي.

القاعدة التي ينطلِـق منها الأمريكيون للقِـيام بهذه الانقِـلابات البراغماتية هي التالية: حين تصِـل الأمور إلى مرحلة المأزق الإستراتيجي، لا مناص من العمَـل على مُـحاولة كسْـره بأيِّ وسيلة مُـتاحة.

الآن، هل وصلت واشنطن في مرحلة المأزق الإستراتيجي في صِـراعها مع طهران؟ ثمّـة فريق لا يُـستهان به في الإدارة الأمريكية يعتقِـد ذلك، فهو يرى أن أيّ خِـيار عسكري لا يتضمّـن احتلال كل إيران، سيرتد سَـلباً على كلّ المصالح والقوات الأمريكية في منطقة الخليج وبقية أنحاء الشرق الأوسط، كما أنه يرى أن العقوبات الاقتصادية، التي لا تُـشارك فيها الصِّـين وروسيا، لن تُـجدي نَـفعاً، حتى ولو شملت مبيعات الغازولين (البنزين) لإيران، إذ سيكون في وُسع هذه الأخيرة مُـواصلة العيْـش، طالما أن أبواب بكين وموسكو وبعض المنافذ المائية العربية ستبقى مفتوحة في وجهها، وهذا يعني أن الأمور ستصِـل بالفعل إلى مرحلة المأزق الإستراتيجي، خاصة إذا ما وُضِـع الخيار العسكري نِـهائياً على الرفّ.

والحل؟ إنه، برأي هذا الفريق، هو نفسه الذي قام به في السابق روزفيلت ونيكسون: أن يقوم الرئيس أوباما بالقفْـز إلى طهران لإبرام صفقة كُـبرى معها، تؤدّي في خاتِـمة المطاف، إلى كسْـر المأزق الإستراتيجي الرّاهن. لكن، ما طبيعة هذا الحل الذي يقوم على “تصوّر ما لا يُـمكن تصوّره” (Thinking about the unthinkable) وما هي أهدافه الحقيقية؟ وكيف يُمكن أن يُحقّـق الأهداف الأمريكية؟

تقرير مُـثير

أفضل مَـن قد يُـجيب على هذا السؤال الأمريكي، هم الأمريكيون أنفسهم، ولذا فلنترك الساحة لهم قليلا لنعرِف ماذا يقولون في هذا الشأن.

في أول مارس الحالي، نَـشر مركز “ستراتفور” للأبحاث الإستراتيجية الخاصة، تقريراً حول آفاق العلاقات المستقبلية بين طهران وواشنطن، فيما يلي أهَـم محاوره:

– العراق، وليس الأسلحة النووية، هو القضية الرئيسية بين إيران والولايات المتحدة. فإيران تريد انسِـحاب أمريكا من ذلك البلد، كي تحُـل هي مكانها، بوصْـفها القوة العسكرية المُـهيْـمنة في الخليج، هذا في حين أن الولايات المتحدة تريد الانسِـحاب من العراق، لأنها تُـواجه تحدِّيات في أفغانستان وتحتاج إلى تعاوُن إيران معها.

– لذا، يتعيّـن على الولايات المتحدة العُـثور على طريقة لمُـوازنة إيران من دون أن تكون مضطرّة إلى التواجد عسكرياً إلى أمدٍ غير محدّد في العراق ومن دون توقّـع إعادة بُـروز قوّة عراقية، لأن إيران لن تسمح بذلك.

– التاريخ الأمريكي يعُـجّ بتجارب التّـحالفات الانتِـهازية، التي تستهدِف كسْـر مأزق إستراتيجي ما، وبالتالي، لن تكون أيّ صفقة مع إيران صاعِـقة في سماء تاريخية صافية. بيد أن المُـشكلة الإستراتيجية هنا، هي أن إيران قد تعمد بعد هذه الصّـفقة، إلى تجاوُز حدودها بوصفها القوّة العسكرية الرئيسية في الخليج.

– والحلّ؟ أنه قد يَـفرِض نفسه بنفسه. فتركيا، وهي أقوى بكثير من إيران وبدأت تخرج الآن من قوْقَـعة أمضَـت فيها قرْناً كاملاً، ستشعُـر بغضب شديد وخطِـر أشدّ، بعد إبرام هذه الصّـفقة، الأمر الذي سيُـجبِـرها على التحرّك بسرعة، كي تتحوّل إلى القوّة الإقليمية المُـوازنة لإيران في العراق.

– بكلمات أوضح: الغضَـب التركي من الصّـفقة الإيرانية – الأمريكية سيخدِم مصالح الولايات المتحدة، لأنه سيؤدّي في خاتمة المطاف إلى استِـئصال النّـفوذ الإيراني في العراق.

خطة خبيثة؟

أجل، لا بل أكثر: إنها شِـرِّيرة أيضاً، ليس لأنها تريد تحقيق أهداف أيّ تصعيد عسكري أمريكي – إسرائيلي في منطقة الخليج بوسائل أخرى وحسب، بل لأنها تسعى كذلك إلى نبْـش الحروب التاريخية بين الصفَـويين والعُـثمانيين، التي أسفَـرت في نهاية المطاف عن سقوط كِـلا هاتيْـن الإمبراطوريتيْـن الإسلاميتيْـن في حُـضن الهيمنة الغربية. الهدف هنا ليس السلام، بل استخدام هذا السلام لتفجير الحرب.

لكن، هل يُـمكن حقّـاً لمثل هذه الخطّـة أن ترى النور؟ الأمر برمّـته يعتمِـد على شخصية الرئيس أوباما. فهو يحتاج هنا لأن يكون في قوّة الرئيس روزفيلت وفي مستوى تصميم الرئيس نيكسون، اللّـذان أبدَيا استعداداً لرُكوب ظهْـر النّـمر، حين قرّرا إبرام “الصّـفقات الانتِـهازية” مع العدُوّين الشيوعييْـن، السوفييتي والصيني. فهل هو يمتلك هذه القوة وذاك التصميم؟ فلننتظر قليلاُ لنرى.

لكن، وخلال فترة الانتظار هذه، يجِـب أن نتذكّـر أن الخِـيارات الأمريكية في إيران، تَـضِـيق يوماً بعد يوم، وهي تكاد تقتصِـر الآن، إما على قبول إيران كقوّة إقليمية ونووية مُـهيمنة أو شنِّ الحرب الشاملة عليها. ولأن كِـلا هذين الخياريْـن يبدوان مريريْـن، يبقى خيار “سترافور”، الذي لا يمكن تصوّره، وارداً وممكناً، وهذا بالطبع إذا ما قبله الإيرانيون أو على الأقل أطمأنّـوا إليه.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

موسكو (رويترز) – قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف يوم السبت 27 مارس، انه لا يزال يؤيد الدبلوماسية لحل النزاع بشأن برنامج إيران النووي، لكنه أضاف ان العقوبات يجب أن لا تُـستبعد. وتابع في كلمة للمشاركين بالقمة العربية في ليبيا “نحن مقتنعون ان طريق العقوبات ليس الطريق الأمثل”. واضاف طبقا للنص الذي وفرته الخدمة الصحفية للرئيس “وفي الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد مثل هذا السيناريو”.

وخففت روسيا موقفها إزاء فرض إجراءات عقابية على ايران في الشهور الأخيرة، بعد ان كانت تحجم هي والصين عن إقرار عقوبات أوسع على طهران لنفيها السعي الى حيازة أسلحة نووية.

وخلال زيارته لفرنسا في وقت سابق من الشهر الجاري، قال ميدفيديف إن روسيا ستؤيد عقوبات “ذكية” ضد إيران، اذا فشلت الدبلوماسية، لانه من غير الممكن الانتظار للأبد التعاون من جانب طهران.

وقال ميدفيديف يوم السبت، إن أي عقوبات تُـفرض، يجب ان “تحسب بشكل جيد وأن لا تستهدف سكان إيران المدنيين”.

ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للانباء عن وزير الخارجية سيرغي لافروف قوله لقناة تلفزيون روسية، ان العقوبات ستستهدف “تشجيع التعاون مع الوكالات الإيرانية المسؤولة عن البرنامج النووي”.

ونقلت انترفاكس عن لافروف قوله في مقابلة مع محطة تي في – سنتر، “ما نسمعه حتى الان، لا يشير الى عقوبات ذكية على الاطلاق”.

وقال لافروف ايضا، إن افتقار ايران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مصدر قلق بالنسبة لروسيا. وأضاف لافروف “بهذا المعنى نريد المزيد من ايران”. وقال مجددا، ان روسيا لن تؤيد توجيه ضربة عسكرية ضد طهران.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية