مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعزيز الحقوق الدينية للسجناء المسلمين في سويسرا يمرّ عبر الإعتراف القانوني

محمد علي بتبوت يؤمّ بعض السجناء المسلمين في سجن Bellechasse بكانتون فريبورغ خلال صلاة الجمعة التي أقيمت يوم 17 ديسمبر 2010. FNS/Mélanie Rouiller

أقرت دراسة أنجزها الصندوق الوطني للبحث العلمي حول "المجموعات الدينية، والدولة والمجتمع" (PNR 58)، بأن التعدد الديني المستجد في السجون السويسرية ليس مصدرا للتوتّر أو مهددا للتعايش.

في الوقت نفسه، أكدت الدراسة أن السجناء المسلمين يعانون من الأفكار المسبقة، وأنهم ضحايا للصور النمطية التي يحملها عدد من المسؤولين في تلك المؤسسات عن الإسلام وثقافته.

وإذا كانت القوانين السويسرية من حيث المبدأ ضامنة للحريات الدينية، فإن الممارسة اليومية بحسب رأي مرشديْن دينييْن مسلمين تحدثت إليهما swissinfo.ch تبرز عمق المعاناة، والتضييقات التي عادة ما تواجه السجناء المسلمين.

ورغم إقرار جميع المعنيين بأهمية خدمة المرافقة الروحية سواء بالنسبة لمصالح السجون أو بالنسبة للمساجين، فإن اقتصار اعتراف الجهات المسؤولة على الكنائس المسيحية، والديانة اليهودية، دون الإسلام أمر يتناقض مع حقيقة ما أصبحت تعيشه هذه المؤسسات من تعدد ديني، وتنوع عرقي، وتباين لغوي وثقافي.

ويستغرب فرج العقربي، أحد المرشدين المسلمين العاملين في السجون بكانتون فو عدم الإعتراف بقيمة الجهد الذي يبذله المرشدون المسلمون والحال أن “ما نقوم به فيه منفعة ومصلحة للسجون بنسبة 80%، وللسجناء بنسبة 20%” على حد قوله.

أما محمد علي بتبوت، وهو أحد المسلمين المتطوّعين للعمل في هذا المجال بكانتون فريبورغ، فيرى أن ما يقوم به هو “جهد توعوي، وسعي للتواصل مع هذه الفئة من الجالية المسلمة لمساعدتها على تصحيح مسارها، ودرءً لتوظيف الجهات المعادية لأخطائها”.

واستشعارا من الباحثين المشرفين على دراسة الصندوق الوطني للبحث العلمي لأهمية هذا الدور وحيويته، أوصى هؤلاء بضرورة منح خدمة الإرشاد الديني القيمة التي تستحقها، وإلى ضرورة تكييف المؤسسات السجنية مع التحوّلات التي تشهدها، وتعريف المسؤولين عليها بالدين الإسلامي والثقافات العربية والإفريقية تأهيلا لهم للتعاطي مع هذه الحقائق المستجدة.

ويضيف كلود بوفاي، الخبير في علم الإجتماع الديني، والأستاذ بالمدرسة العليا للخدمات الإجتماعية والصحية بلوزان في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد أظهرت دراستنا الدور الحيوي والمهم للمرافقة الروحية في الحياة داخل السجن، خاصة لكونها تسمح للسجناء ببناء روابط إجتماعية “عادية” مع محيطهم الضيق، وتشعرهم بهويتهم الثقافية، وتسمح من جهة أخرى للمجتمع بصفة عامة بممارسة مراقبته على المؤسسات العقابية وما يجري خلف جدرنها المغلقة”.

اهمال وعدم مبالاة لاحتياجات المسلمين

يأخذ هذا الإهمال تجليات عدة، من أبرزها عدم وجود أي قانون ينظم الحقوق الدينية للسجناء المسلمين، وذلك برغم الحضور الكبير لهؤلاء (29% في سجن Orbe بكانتون فو، و30% في سجن “بوشفيس” بكانتون زيورخ، و57% بسجن Champ- Dollon بكانتون جنيف).

هذا الفراغ القانوني جعل “كل مؤسسة سجنية حرّة في اتخاذ القرار الذي يناسبها في التعامل مع هذه المسألة، مما حوّل أي مظهر من مظاهر الإنفتاح بهذا الصدد إلى مِنّة تتباهى بها بعض المؤسسات”، كما يقول السيد بتبوت. وهو ما أدى أيضا إلى اختلاف قرارات المؤسسات بهذا الشأن، إذ في الوقت الذي تبدو فيه المؤسسات السجنية الكبرى أكثر تسامحا، تبدي المؤسسات الصغرى والمتوسطة  تشددا وممانعة أكبر.

كذلك فتح هذا الوضع الباب لوجود تمييز وعدم مساواة في التعامل مع المنتمين إلى مختلف الفئات الدينية. فإذا كان المرشد الديني المسيحي يتمتع بوظيفة قارة، ويمتلك بطاقة اعتماد رسمية تسمح له بالدخول إلى السجن متى أراد طيلة أيام الأسبوع، ويدخل إلى العنابر من دون تفتيش، ومن دون أن تحتجز ساعته أو حزامه، ومن دون أن يُستجوب، يخضع الإمام المسلم – كما يقول السيد فرج العقربي – إلى “ضوابط ونظام دقيق، حيث لا يسمح له بالقدوم إلى السجن سوى مرّة واحدة خلال الأسبوع أو الأسبوعيْن، وتنزع منه ساعته، أو هاتفه النقال، ولا يحق له الإتصال بأولياء السجين في الخارج، ولا يُسمح له بالمكوث أكثر من 45 دقيقة خلال الزيارة”.

في مقابل ذلك، فإن استمرار هذا العمل على مدى السنوات الطويلة الماضية، يدل حسب رأي محمد علي بتبوت على أن “الأمور تتجه نحو التحسّن، إذ أصبح بالإمكان التواصل مباشرة مع السجناء داخل بعض السجون، ومن دون أي حواجز أو عراقيل”.

وفي حين يتوفر رجال الدين المسيحيين على مكاتب قارة في المؤسسات السجنية التي يعملون بها، ويتلقون أجورا من كنائسهم مقابل الخدمات التي يؤدونها، يتكفّل الإمام المسلم بنفسه بتحمّل جميع التكاليف التي يتطلبها عمله ذلك، من تنقل ومشتريات وهدايا خاصة في المواسم والأعياد. ويؤكّد السيد العقربي هذه الحقيقة فيقول: “لا يجد هذا الجهد أي دعم لا من الدولة، ولا من إدارة السجون، ولا حتى من الجمعيات المسلمة التي تعاني أصلا من قلة الموارد”.

ولعل هذا ما يدفع الخبير الإجتماعي كلود بوفاي إلى الإقرار بأن “هناك إمكانية لإدخال تحسينات وإصلاحات على هذا الوضع، وإن تباينت طبيعة هذه الإحتياجات من مؤسسة إلى اخرى، ومن كانتون إلى آخر. لكن ما لا خلاف فيه هو أن هناك ضرورة ملحة لتشجيع هذه الإصلاحات من خلال تكوين شبكة للإشراف عليها تبدأ عملها بالإستماع إلى جميع الأطراف”.

الجهل بالإسلام وثقافاته

ومما لا شك فيه، فإن ما يفاقم مصاعب السجناء المسلمين في المؤسسات العقابية السويسرية جملة الأفكار المسبقة التي تطغى على الخطاب المتداول فيها حول عقائد الإسلام وثقافته، والصورة السائدة حول الإسلام في السجون السويسرية وهي تتلخص حسب كلود بوفاي في أن “الإسلام ديانة تشجع العنف، وفكرة دغمائية تقوم على التلاعب بالأفراد، وتمنح الأولوية للمعايير الدينية على حساب القيم الإنسانية المشتركة”.

ويضيف بوفاي شارحا النظرة السائدة حول أتباع هذه الديانة قائلا: “كلمة “المسلم” في تصوّر هؤلاء تشتمل على المعايير الدينية، والإنتماءات العرقية، والوطنية، والثقافية. ومن الأفكار السائدة في هذا المستوى هو أن المسلمين ليسوا منسجمين في سلوكهم، وأنهم سريعو التأثّر بما يقوله قادتهم…”

هذه التصوّرات متداولة لدى كل من الموظفين والسجناء غير المسلمين، وهي مستمدة عموما مما تروّجه وسائل الإعلام، ومما يتلقونه في الحياة العامة. وتتجلى هذه الصورة أكثر خاصة من خلال نظرتهم إلى الصوم في رمضان، أو صلاة الجماعة أيام الجمعة، أو ردود فعلهم عندما يعلن أحد السجناء تمسكه بتعاليم الإسلام بشأن الأطعمة أو الملبس أو ما شابع ذلك،…

وسعيا لتغيير هذه الأفكار والتصوّرات ومن أجل تعزيز التواصل بين الإمام المسلم وإدارة السجن، يقول محمد علي بتبوت: “منذ ثلاث سنوات، إقترحتُ على إدارة سجن Belchasse بكانتون فريبورغ تنظيم دورة تكوينية مستمرة حول الإسلام للمشتغلين مع السجناء، وكان الهدف مهنيا بحتا، إذ لابد لهؤلاء أن يعرفوا الخلفيات الثقافية للأشخاص الذين هم مسؤولون عنهم، وكيفية التعامل معهم في رمضان مثلا، أو خلال اوقات العبادة، وفي المناسبات والأعياد، وكل ذلك لتجنب أسباب الشقاق والخلاف”. لكن الأمر لم يرق في النهاية لإدارة السجن، وقد يكون السبب في ذلك الغموض وعدم الوضوح الذي أحاط بأهداف وغايات تلك المبادرة.

أما ما يثير مخاوف فرج العقربي، فهو أن يقود الجهل بالثقافة العربية والإفريقية أصحاب القرار في السجون السويسرية إلى إساءة فهم، وبالتالي عدم تقدير مطالب السجناء المسلمين تقديرا مناسبا، بدعوى أنهم “يأتون من مكان بعيد، ويحاولون فرض أسلوبهم، ونمطهم في الحياة على مؤسسات عريقة لها تاريخ وباع طويل”.

ونتيجة لذلك، فليس للسجين المسلم في سويسرا على حد قول فرج العقربي “الحق في المطالبة باللحم الحلال، إلا إذا تكفّل هو بدفع ثمنه، وليس له الحق في المطالبة بمشاركة نظرائه المسلمين إفطارات رمضان، أو المطالبة بدروس ومحاضرات دينية بهذه المناسبة”. ويخلص هذا الإمام إلى أن “حرية التديّن لدى السجين المسلم محدودة جدا، وتظل رهنا بقرار وإرادة مدير المؤسسة العقابية”.

لفتت التحولات الدينية التي شهدها المجتمع السويسري خلال العقدين الأخيرين الأنظار إلى المسألة الدينية والتأثير الكبير الذي يمكن أن تتركه على الساحتين السياسية والاجتماعية في البلاد.

ومنذ سنوات باتت قضايا مثل بناء المآذن والمعابد البوذية والدروس الدينية في المدارس الرسمية تثير جدلا واسعا في الأوساط السويسرية حتى أصبح السؤال المركزي الذي يشغل الهيئات الحكومية والأحزاب السياسية: كيف يمكن تحقيق إندماج هذه الأقليات الدينية الوافدة إلى البلاد حديثا؟ وكيف يمكن ضمان التعايش السلمي بين مختلف الأديان، وبين المتدينين وغير المتدينين؟ وما طبيعة الموقف الذي يجب أن تلتزم به الدولة في مجتمع تعددي؟

للإجابة على هذه الأسئلة، أقرت الحكومة الفدرالية في شهر ديسمبر 2005 برنامج البحوث الوطنية “PNR 58” تحت عنوان “الأديان في سويسرا” وخصصت له ميزانية قدرها 10 ملايين فرنك.

وقد تم تخصيص ثلاث سنوات لإنجاز هذه البحوث التي رصدت لها ثلاثة أهداف تشمل: رصد وقياس التغيرات التي طرأت على ظاهرة الدين على المستويين الفردي والجماعي، وتوفير معطيات واضحة يتم في ضوءها صياغة ساسات مدروسة في المجالين الديني والتكويني، وأخيرا اقتراح سبل لتشجيع قيم التعايش بين أتباع الأديان المختلفة أو بين المتدينين وغيرهم.

في نهاية المطاف، اشتمل هذا المشروع على 28 دراسة علمية يقوم على إنجازها جامعيون وخبراء من اختصاصات متعددة تشتمل على علماء إجتماع الأديان وعلماء إجتماع التاريخ وعلم اللاهوت والإسلاميات والعلوم السياسية،…. وقد بدأت النتائج الأولية لهذه البحوث في الظهور.

ضمن هذا البرنامج إهتم فريق من الباحثين بدراسة “التعدد الديني في السجون السويسرية“، والجهود المبذولة لضمان احترام الحريات الدينية للسجناء فيها. وبينت الدراسة أن القواعد المعمول بها في المؤسسات العقابية تختلف من مؤسسة إلى أخرى، وأن كل واحدة منها تجتهد بطريقتها، وتختلف في درجة انفتاحها وتيسيرها لعمل المرافقة الروحية بالنسبة لأتباع الأديان المختلفة، وإن كانت الأديان المعترف بها في سويسرا (الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية) تحظى بمساعدة وتسهيلات أكثر من بقية الأديان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية