مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشغل والتشغيل محركان أساسيان للهجرة في القرن الحادي والعشرين

تدعو منظمة الهجرة الدولية إلى التفكير في بلورة حلول للهجرة المقننة كبديل عن الهجرة غير الشرعية وما ينجم عنها من مآس وكوارث Keystone Archive

أكد التقرير السنوي لمنظمة الهجرة الدولية أن دوافع الهجرة الداخلية والخارجية في القرن الحادي والعشرين ستكون بالدرجة الأولى للبحث عن عمل. وتبعا لذلك فإن التركيز على كيفية إدارة موجات الهجرة من طرف البلدان المصدرة لليد العاملة والبلدان المستقبلة لها سيحتل صدارة الإهتمام من أجل التحكم في ما لا يقل عن 200 مليون مهاجر مرتقب.

واختار تقرير المنظمة لعام 2008 التطرق إلى موضوع الهجرة من باب “التحكم في تنقل اليد العاملة في ظروف اقتصاد عالمي متحول”. ونظرا لأن عدد المهاجرين فاق اليوم 200 مليون شخص، أي بزيادة مرتين ونصف عما كان عليه الحال في عام 1965، ولأن جميع دول العالم تقريبا أصبحت مصدرة ومستقبلة في آن واحد لليد العاملة المهاجرة، توصل معدو التقرير إلى أن “تنقل اليد العاملة المهاجرة أصبح بمثابة نمط عيش تفرضه الفوارق بين الأقاليم، سواء فيما يتعلق بنسبة النمو السكاني أو في الدخل أو في فرص العمل”.

شمال مُسنّ.. ويد عاملة شابة في الجنوب

يشير التقرير للتضارب القائم في العالم اليوم والمتمثل في تحرير تنقل البضائع ورؤوس الأموال في الوقت الذي ما زالت فيه القيود مفروضة على تنقل الأشخاص بين أغلب المناطق في العالم.

ويقول جيرفي أبافي، أحد معدي التقرير “لقد اتخذت المجموعة الدولية خلال القرن الماضي قرارات هامة من أجل تسهيل نمو الاقتصاد العالمي، وذلك بتحرير تنقل رؤوس الأموال والبضائع والخدمات، وهذا الخيار كان من تأثيراته التي لا مفر منها، انطلاق موجة هجرة بشرية لم يعرفها العالم من قبل”، لكن التقرير يعتبر أن من أكبر التحديات التي تواجه كل الدول في مجال الهجرة “كيفية التوفيق بين العرض والطلب لليد العاملة على المستوى العالمي”.

ومن أوجه التضارب التي يوردها التقرير، كون الدول الصناعية “تتنافس من أجل استقطاب اليد العاملة المهاجرة ذات التكوين الجيد”، وهنا يمكن الإشارة الى اعتماد دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا، لنظام “البطاقة الزرقاء” من أجل استقطاب اليد العاملة المهاجرة، ذات التكوين العالي من بلدان نامية، في منافسة مع نظام “البطاقة الخضراء” التي تعتمدها الولايات المتحدة لاجتذاب المهاجرين إليها منذ عقود.

لكن التقرير يشير الى أن هذه الدول الصناعية تفتقر في نفس الوقت ليد عاملة متوسطة أو قليلة التكوين، والتي تعتبر ضرورية، حتى ولو أنها لا تحظى باستقبال جيد في أغلب الأحيان، إذ أن من العوامل التي ستفرض احتياجا أكثر لهذا الصنف من اليد العاملة ذات التكوين المتوسط أو الضعيف، عدول أبناء البلدان الصناعية عن ممارسة بعض المهن والأعمال التي لا تحتاج لمهارات عالية مثل الفلاحة والبناء والفندقة أو الرعاية الصحية في المنازل.

في الوقت نفسه، ستشهد الدول الصناعية تراجعا كبيرا في معدلات النمو الديموغرافي، ما سيؤدي إلى تزايد نسبة المسنين، بل إن بعض المجتمعات الغربية ستتغيرر فيها التركيبة السكانية بما يؤدي إلى تضخم فئة المسنين الذين تزيد أعمارهم عن الستين عاما لتفوق بمرتين فئة الأطفال.

وطبقا للإحصائيات التي أوردها التقرير في هذا الإطار، يُتوقع أن يُؤثر تراجع نسبة النمو الديموغرافي في حجم اليد العاملة في البلدان المتقدمة من هنا حتى عام 2050 بحوالي 23% إذا لم يتم تعويض ذلك بالعمالة المهاجرة.

وفي نفس الوقت، سوف تشهد القارة الإفريقية تزايد حجم اليد العاملة بثلاث مرات لتقفز من 408 مليون في 2005 الى 1،12 مليار شخص في عام 2050. وفي المقابل، تشير بعض الدراسات إلى أنه من المحتمل أن تشكل اليد العاملة الصينية والهندية حوالي 40% من إجمالي اليد العاملة في العالم أجمع في عام 2030.

خطر هجرة اليد العاملة الماهرة

في سياق متصل، تجد البلدان المصدرة للهجرة نفسها هي الأخرى في مأزق بسبب المخاطر الناجمة عن تأثير الهجرة الكبيرة لليد العاملة الماهرة والجيدة التكوين على اقتصادها وعلى تركيبتها الاجتماعية، إذ يشير تقرير منظمة الهجرة العالمية إلى أن عددا من الدول النامية المصدرة لليد العاملة المهاجرة، أصبحت تمنح الأولوية حاليا لتوفير مواطن عمل في البلد نفسه.

ونظرا لأن ذلك ليس في متناول الجميع، أصبحت الكثير من الدول النامية تلتجئ إلى البحث بنفسها عن فرص عمل لفائدة أبنائها في السوق العالمية، وذلك بنية أن يكون لتلك الهجرة مردود يؤثر في نمو الاقتصاد الوطني. ويقول ريزارد كوليوينسكي، أحد معدي التقرير “نلاحظ بأن دولا متفاوتة في نسبة النمو أصبحت تلجأ أكثر إلى اعتماد برامج هجرة مؤقتة ليد عاملة ضعيفة أو متوسطة التكوين، لمحاولة الإيفاء بمتطلبات سوق العمالة الدولية من جهة، ولمحاولة تفادي الإحساس المعادي لتوافد أعداد من العمال المهاجرين من جهة أخرى”.

لكن كوليوينسكي يرى أن “هذه الإستراتيجية سوف لن يكتب لها النجاح، إلا إذا رافقتها رغبة في إعطاء الأولوية لكرامة الإنسان، أيا كان تكوينه، ولحماية الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين المشاركين في هذه البرامج”.

الهجرة المقننة هي الحل!

وبناءا على هذه المعطيات، يرى معدو تقرير أوضاع الهجرة في العالم لعام 2008 أنه “من أولويات كل الدول ومن أولويات الاقتصاد العالمي أن يتم تطوير آليات تخطيط وتوقع تسمح بالتوفيق بين العرض والطلب في مجال اليد العاملة بشروط مضمونة وقانونية وإنسانية”.

ومن مزايا هذه النوعية من برامج الهجرة، أنها تضمن الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين ولعائلاتهم من جهة، وتساعد على التقليل من ظاهرة العمالة المهاجرة غير الشرعية من جهة أخرى. وقد حث التقرير الدول الصناعية على اعتماد برامج الهجرة المقننة والمرنة والقائمة على اسس قانونية، للإيفاء بحاجياتها في ميدان اليد العاملة.

وكانت منظمة الهجرة العالمية شرعت منذ فترة في تطبيق برامج تجريبية لهذه الهجرة المقننة تتفق فيها الدولة المصدرة لليد العاملة والدولة المستقبلة لها على عدد ونوعية وتكوين العمال المرشحين للهجرة، لكن هذه الصيغة بقيت إلى حد الآن على مستوى المشاريع التجريبية الثنائية، مثلما هو حاصل بين إسبانيا والمغرب وبين إيطاليا وكل من تونس ومصر.

ولعل الاستثناء الوحيد المعروف لحد الآن، هو ما يجري تطبيقه ضمن “مسار كولمبو” بين الدول الآسيوية المصدرة لليد العاملة ودول الخليج المستقبلة لها، وهو المسار الذي أصبح يطلق عليه اسم “مسار دبي” بعد تولي دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا مسؤولية الإشراف عليه.

من جهة أخرى، يدور نقاش حول هذا التوجه داخل “مجموعة 5 زائد 5” التي تهتم بمناقشة القضايا الأمنية في حوض البحر الأبيض المتوسط (تضم كلا من فرنسا وايطاليا وإسبانيا والبرتغال ومالطا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا)، حيث أعربت بعض الدول الأعضاء فيها عن ضرورة انتهاج برامج هجرة مقننة كجزء من الإجراءات الرامية إلى تعزيز الأمن على ضفتي المتوسط.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

يبلغ عدد المهاجرين في العالم 200 مليون شخص.

احتمال تراجع اليد العاملة في البلدان الصناعية بحوالي 23% حتى عام 2050 وتفاقم فئة المسنين الذين تزيد أعمارهم عن الستين عاما بمرتين مقارنة مع فئة الأطفال

احتمال تكاثر اليد العاملة في القارة الإفريقية بثلاثة أضعاف لتمر من 408 مليون في 2005إلى 1،12 مليار في 2050.

احتمال ان تشكل اليد العاملة الصينية والهندية في غضون عام 2030 حوالي 40% من إجمالي اليد العاملة في العالم أجمع.

في عام 2004 شكلت فرنسا أكبر وجهة لليد العاملة المغربية بحوالي 1،1 مليون، وقد بلغ عدد الجالية المغربية في إسبانيا 424 ألف وفي هولندا 300 الف وفي إيطاليا 299 ألف وفي بلجيكا 293 الف وفي المانيا 102 ألف.

أما الجالية الجزائرية في الخارج، فقد عرفت منذ عام 1995 نموا بنسبة 18% في فرنسا وزيادة بنسبة 547% في إسبانيا و126% في إيطاليا.

وبلغت نسبة المهاجرين من شمال إفريقيا، أي من المغرب والجزائر وتونس، الى الولايات المتحدة ما بين عامي 2003 و2004 حوالي 128 ألف والى كندا حوالي 125 ألف.

في المشرق العربي، يحتل الأردن المرتبة الأولى باستقباله أكثر من 2،2 مليون مهاجر (80% منهم من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين).

وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى كمُصدّر لعائدات العمال المهاجرين العاملين بها، بحيث بلغ إجمالي هذه العائدات في عام 2005 حوالي 14 مليار دولار أمريكي.

وفي ترتيب الدول المستقبلة لعائدات المهاجرين، نجد مصر بـ 5،9 مليار دولار، ثم لبنان بـ 5،8 مليار دولار.

تحتل منطقة الخليج المرتبة الثالثة في العالم في مجال استقطاب العمالة المهاجرة بعد أمريكا الشمالية وأوروبا، إذ بلغت فيها نسبة العمالة الأجنبية في عام 2005 أكثر من 12 مليون شخص، أي حوالي 36% من مجموع سكانها، حيث استقطبت السعودية 6،3 مليون والإمارات 3،2 مليون والكويت 1،6 مليون وسلطنة عُمان 628 ألف وقطر 637 ألف والبحرين 295 ألف.

تحتل قطر المرتبة الأولى من حيث عدد العمال المهاجرين مقارنة مع عدد السكان الأصليين، وذلك بنسبة 78،3% متبوعة بالإمارات 71،4% ثم الكويت 62،1%.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية