مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تمول مشروعا لتأهيل المهاجرين السريين في المغرب

مجموعة من المهاجرين السريين في طريقهم إلى وجدة شمال المغرب (تاريخ الصورة: 12 أكتوبر 2005) Keystone Archive

تساهم سويسرا في تمويل مشروع إنساني في المغرب يهدف إلى إعادة التأهيل المهني للمهاجرين السريين القادمين من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الراغبين في العودة في بلدانهم.

هذه التجربة الجديدة تستفيد من الخبرة التي اكتسبتها سويسرا على مدى العشرية في التعامل مع اللاجئين البوسنيين ومن منطقة البلقان عموما الذين عاد الكثير منهم إلى بيوتهم بعد انتهاء الحرب مسلحين بخبرة مهنية فتحت لهم آفاق مستقبل أفضل.

كشف البرنامج المعلن عنه في برن قبل الزيارة التي قامت بها السيدة كريستين كريستين إغريسزغي – أوبريست، رئيسة مجلس النواب السويسري إلى المغرب من 10 إلى 13 يوليو 2007، عن مشروع إنساني يتعلّـق بالمهاجرين السريين الأفارقة، يستغرب عدم الاهتمام المغربي الرسمي والإعلامي به، مع أنه خطوة نوعية في تدبير ظاهرة شكّـلت همّـا مشتركا للمغرب وجيرانه في الشمال الأوروبي.

ويتعلق المشروع بإعادة تأهيل المهاجرين السريين، القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الذين استقروا في المغرب، على أمل أن يلتحقوا برفاق لهم وصلوا إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط، حيث اعتقدوها الجنة الموعودة، لكن طول الانتظار وشظف العيش بالمغرب دفعهم للعدول عن أحلامهم والتوجه للعودة إلى بلادهم، لكنهم يحتاجون إلى مساعدة تُـعِـينهم على العودة إلى بلدهم وعيش حياة كريمة فيها.

مركز لتأهيل المهاجرين السريين

زارت، كريستين إغريسزغي – أوبريست، رئيسة مجلس النواب السويسري المغرب خلال الأسبوع الماضي، مرفوقة بوفد برلماني من بلادها، وأجرت لقاءات مع عدد كبير من المسؤولين المغاربة.

وفيما أولت الأوساط الرسمية والإعلامية المغربية جانب العلاقات الثنائية في مباحثاتها في الرباط اهتماما كبيرا، إلا أنها لم تُـول اهتماما مماثلا لمشروع مركز تأهيل المهاجرين الأفارقة، الذي كان مُدرجا على جدول زيارة السيدة إغررسزغي، وكأنه لم تكن لدى المسؤولين المغاربة رغبة في تطوير هذا المشروع، الذي تُـصر الأوساط الدبلوماسية السويسرية على بعده الإنساني.

المشروع، حسب هذه الأوساط تشرف عليه منظمة الهجرة العالمية وتقوم الحكومة السويسرية بالمساهمة في تمويله. ويؤكد مصدر دبلوماسي في السفارة السويسرية بالرباط أن “دورنا يقتصر على التمويل”، مضيفا في محادثة له مع سويس انفو، “لكننا حريصون على نجاحه”.

الخطوة الأولى للمشروع تتمثل أولا في إقامة مركز يستفيد منه حوالي 150 مهاجرا سريا في مساعدتهم على تأمين كل الوثائق المطلوبة للسفر والعودة إلى بلادهم، بالتعاون مع السلطات المغربية المعنية وسفارات بلدانهم والإمكانيات، التي يحتاجونها من تذكرة طائرة ومصاريف سفر. أما الخطوة الثانية، فتشمل إعادة التأهيل المهني للمهاجرين ومساعدتهم على إيجاد عمل في بلدانهم بعد عودتهم إليها.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع يعني المهاجرين السريين الأفارقة، المتواجدين في المغرب، وليس أولئك الذين أعيدوا من دول أوروبية إلى المغرب بعد محاولات فاشلة للتسلل إليها.

بعد إنساني

لا يمكن لمن يتجول في شوارع العاصمة المغربية الرباط أو مدن أخرى في المملكة، خاصة الشمالية المطلة على البحر المتوسط، أن لا يدرك استفحال ظاهرة الهجرة السرية الإفريقية في البلاد، بعد تشديد الإجراءات الأمنية المغربية والإسبانية من أجل مكافحة وسائل عبور وتسلل المهاجرين السريين من المغرب إلى البر الإسباني.

وإلى حد الآن لم ينجح المؤتمر الإفريقي الأوروبي حول الهجرة، الذي عقد بالرباط في منتصف يوليو 2006، من تخفيف حدة هذه الظاهرة أو وضع حد لها. فإذا كان المغرب التزم بتشديد إجراءاته، فإن الدول الأوروبية لم تَـف بالتزاماتها تُـجاه المغرب، كبلد عبور، وتُـجاه الدول الإفريقية، كدوّل مصدرة للمهاجرين السريين.

فمؤتمر الرباط حول الهجرة، والذي ربط بين الحد من ظاهرة الهجرة السرية والتنمية المستدامة في دول القارة الإفريقية جنوب الصحراء، أقر مساهمة فاعلة وحقيقية للدول الأوروبية في هذه التنمية ومساعدة دول العبور في تدبير شؤون المهاجرين المتواجدين فوق أراضيها.

وفي حديثه مع سويس إنفو، كان الدبلوماسي السويسري حريصا على تأكيد الرؤية السويسرية لمشروع المركز وجانبه الإنساني، من خلال ارتكازه على الرغبة الطوعية للمهاجر السري وعدم ممارسة أية ضغوط عليه، تُـجبره على العودة الإكراهية وأن تكون لدى المهاجر أيضا الرغبة والقدرة على تعلّـم مهنة ما.

وتقدم سويسرا مبلغ 100 ألف يورو، كمساهمة منها في هذا المشروع، الذي يمتد لعام كامل، مع إمكانية الترفيع في المبلغ، إذا ما استمر المشروع وتواصل وأعطى نتائج إيجابية، وظهرت إمكانية فتح أكثر من مشروع في أكثر من بلد، تعتبر من دول العبور للمهاجرين السريين الأفارقة نحو أوروبا، والمعني هنا هي ليبيا وتونس بالإضافة إلى المغرب، وهي إمكانية متوفرة، لكنها تحتاج إلى تشجيع وإلى نجاح تجربة مركز التأهيل بالرباط..

تعاون سويسري – مغربي

ويبقى السؤال المطروح عن الهدف السويسري من المساهمة بمشروع مثل هذا، خصوصا وأن الكنفدرالية لا يتهدّدها زحف المهاجرين السريين، بحكم عدم وجود حدود مباشرة لها مع الدول المصدّرة للهجرة السرية الإفريقية أو دول العبور، واقتصار وصول المهاجرين إلى أراضيها عبر حدودها مع دولة أوروبية أخرى، وهي حالات قليلة جدا قياسا مع ما تواجهه فرنسا وإسبانيا وإيطاليا من أفواج المهاجرين.

ردا على هذا التساؤل، قال الدبلوماسي السويسري لسويس انفو، “إن منطلق الحكومة السويسرية، بالإضافة إلى معالجة جانب من مأساة إنسانية، هو تقديم المساعدة للمغرب في إطار التعاون السويسري المغربي، وأيضا مساعدة الدول الإفريقية المصدّرة للهجرة”.

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن سويسرا أطلقت منذ أكثر من 10 أعوام برنامجا لتشجيع عشرات الآلاف من اللاجئين الذين قدموا إليها إثر اندلاع الحر في يوغسلافيا سابقا على العودة الطوعية إلى بلدانهم تميز بأسلوب جديد يحرص على تمكين العائدين من مبالغ مالية وتأهيل مهني يساعدهم على الإنطلاق مجددا وبناء مستقبل أفضل لهم في أوطانهم.

محمود معروف – الرباط

عقد بالرباط ما بين 10 و12 يوليو 2006 الاجتماع الوزاري للمؤتمر الأورو – إفريقي حول الهجرة والتنمية، الأول من نوعه، الذي يجمع بين بلدان المصدرة للهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال. شارك في المؤتمر ممثلو 27 بلدا إفريقيا و30 بلدا أوروبيا، بالإضافة إلى عدد من البلدان بصفة ملاحظ (من بينها سويسرا) ومنظمات إقليمية ودولية، وتضمن برنامج عمله جلستي عمل، الأولى، حول التعاون في مجال التنمية، والثانية، حول التعاون في مجال تدبير تدفق المهاجرين.

وانكب المشاركون في المؤتمر، على دراسة السُّـبل الكفيلة بتدبير ظاهرة الهجرة السرية، التي لم تعد مجرد مسألة ظرفية، بل أضحت، كما يقول الخبراء، مكوّنا هيكليا، لا زالت الآليات المستخدمة لحد الساعة، غير قادرة علي تدبيره بشكل يحد من آثاره وانعكاساته على الدول المعنية بالقارتين، الأوروبية والإفريقية.

وبعد أن أظهرت بعض المبادرات المشتركة بين الجانبين، الأوروبي والإفريقي، في هذا المجال عجزها عن تدبير التدفق المتنامي لأعداد المهاجرين الطامحين لتحقيق مستقبل أفضل، فإن الدول الإفريقية المصدرة أو دول العبور، تأمل بوضع إستراتيجية أوروبية إفريقية مندمجة بعيدة المدى، تستوعب الجوانب الاجتماعية للظاهرة، ومن ضمنها تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين الدول، والمتعلقة بتخصيص حِـصة من المهاجرين بصورة قانونية، تستقبلها الدول المتوسطية المتقدمة، كإحدى الوسائل الناجعة لتنظيم الهجرة والحد من تنامي الهجرة السرية.

وقال مشاركون في المؤتمر، إن التصدي للأسباب المؤدية للهجرة، والتي تشمل أساسا ظروف الفقر واستفحال الفوارق بين الشمال والجنوب وارتفاع مؤشرات البطالة في البلدان الإفريقية، يستدعي اعتماد سياسة تنموية تعمل على تشجيع فُـرص العمل واحترام الكرامة الإنسانية.

وأنيط بالمؤتمر الأورو – إفريقي للهجرة والتنمية، مهمة العمل على رسم معالم واضحة لإستراتيجية شمولية وبعيدة المدى، تحث على القيام بإصلاحات في البلدان الإفريقية، بتعاون مع الدول المتقدمة، وأساسا عبر وضع مشاريع تشجِّـع المواطنين على الاستقرار في بلدانهم مع ضمان ظروف عيش كريم لهم.

وتبنى المؤتمر خطّـة عمل حول الهجرة، أقرت في الاجتماعات التحضيرية، التي عقدت في العاصمة السنغالية دكار بداية شهر يونيو 2006. وتركز هذه الخطة، على الشراكة بين الدول المصدرة للهجرة ودول العبور والاستقبال، من أجل مراقبة جيدة لتدفق أعداد المهاجرين، وتنص على عدة تدابير تربط بين مكافحة الهجرة غير الشرعية وضرورة تنمية إفريقيا. وتؤكّـد الخطة على تحسين التعاون الاقتصادي والتجاري، ودعم التنمية السوسيو اقتصادية والوقاية من النزاعات بالبلدان الأصلية للمهاجرين، من أجل استهداف الأسباب الحقيقية للهجرة السرية والنهوض بالاندماج الإقليمي، بغية تشجيع النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.

ومن أجل تشجيع التنمية المشتركة، تنص الخطة على إحداث آليات للتمويل الجماعي في بلدان إفريقيا الغربية والوسطي، مع مشاركة المهاجرين ببلدان الاستقبال وإحداث آليات مالية لفائدة المهاجرين في وضعية قانونية بأوروبا، ترمي إلى تمويل المشاريع الاستثمارية، التي يقومون بها في بلدانهم الأصلية أو تمكينهم من ضمانات.

وفيما يتعلق بالهجرة السرية، فقد اتفقت الدول على التعاون على مستوي اللوجستيك والتمويل في عمليات العودة الطوعية للمهاجرين، الذين لم يتمكنوا من التسلل خارج حدود بلدان العبور، وإحداث نظام فعال لإعادة القبول بين مجموع الدول المعنية، وتفعيل برنامج لدعم وإعادة إدماج المهاجرين في وضعية غير قانونية والعائدين إلى بلدانهم الأصلية، وإحداث صندوق تضامني لمواجهة الأزمة لتمويل الحالات الاستعجالية، التي يمكن أن تواجهها دول العبور.

كما توصي خطة العمل بتعزيز التعاون في الميدان القضائي وبين مصالح الشرطة ضد الاتِّـجار بالبشر وشبكات الهجرة السرية وفي مجال المراقبة البحرية والأرضية والجوية، من أجل رصد وملاحقة المافيات، التي تتحكم في هذه التجارة خارج الحدود الوطنية بشكل فعال.

ومن أجل الترجمة العملية لهذه الخطة، تلتزم الدول الإفريقية والأوروبية بإحداث لجنة للمتابعة وآليات للتعاون العملي بين الدول الأصلية للهجرة ودول العبور والاستقبال، كما التزمت بدعم إحداث مرصد أوروبي إفريقي للهجرة، يمكن من الإحاطة الجيدة بظاهرة الهجرة والتحكم في تدفق أعداد المهاجرين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية