مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا لا زالت تواجه “تحدي إيجاد محاور شرعي وحقيقي من المسلمين”

جون فرنسوا مايير، الخبير في علم الإجتماع والدراسات الدينية، ومدير مؤسسة مرصد الأديان بفريبورغ swissinfo.ch

مرت قبل أيام الذكرى الأولى لاستفتاء حظر المآذن في سويسرا، الذي أثار جدلا كبيرا داخل الكنفدرالية وخارجها، وبقدر ما مثّل رمزا ونجاحا للأحزاب اليمينية والشعبوية في أوروبا، أحدث صدمة لدى دعاة الإنفتاح وأنصار حوار الأديان والثقافات.

وللوقوف على حصيلة إقرار ذلك الحظر على أوضاع الأقلية المسلمة، وعلى حاضر ومستقبل علاقتها ببقية مكوّنات المجتمع الديني والسياسي في سويسرا، أجرت swissinfo.ch هذا الحوار مع جون فرانسوا مايير، مدير مؤسسة مرصد الأديان في سويسرا، وأستاذ الدراسات الدينية بجامعة فريبورغ، وخبير الدراسات الإستراتيجية في المجاليْن الديني والإجتماعي، والمستشار العلمي للصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي.

swissinfo.ch: نظمت سويسرا سنة 1893 مبادرة لمنع ذبح الحيوانات حسب تعاليم الديانة اليهودية، وفي عام 2009، نجحت مبادرة شعبية أخرى في حظر بناء المزيد من المآذن في سويسرا، هل توجد أي علاقة بين هاتيْن المبادرتين؟

جون فرانسوا مايير: عند الحديث عن مسألة منع الذبح على الطريقة اليهودية والإسلامية في سويسرا مقارنة بحظر المآذن، لابد من الأخذ في الاعتبار عنصريْن مهمّين: أوّلا الحساسية المفرطة لدى السويسريين لكل ما يتعلق بحقوق الحيوان، وثانيا أن ذلك الأمر تعلق في المقام الأوّل بالأقلية اليهودية، لأن وجود المسلمين، وحتى 20 سنة مضت، كان محدودا جدا مقارنة بما هو عليه الوضع حاليا.

مع ذلك تثبت هاتان المبادرتان خصوصية وتفرّد النظام السياسي السويسري. هذا النظام الذي يسمح للمواطنين بإبداء رأيهم والتقرير في موضوعات حساسة جدا على المستويين الوطني والدولي، ورغم أن الحالات التي فازت فيها المبادرات الشعبية في تاريخ سويسرا بثقة الشعب محدودة جدا، فإن هذا النظام قاد إلى سن قوانين دستورية شاذّة وغريبة خاصة في القضايا ذات العلاقة بالأقليات لأن قرار بناء المآذن هو في الواقع من صلاحية الإدارات المعنية بالبناء والإنشاء، ولا مكان له في الدستور.

ما هو التأثير الذي تركه حظر المآذن على الحوار بين الاديان؟ وعلى المشهد الديني في سويسرا بصفة عامة؟

ج. ف. مايير: خلال الحملة التي سبقت التصويت على المآذن، عبّرت جميع المنظمات والهيئات الدينية في سويسرا عن رفضها لتلك المبادرة، ولهذا لم يشعر المسلمون أن شركائهم في حوار الأديان قد لعبوا دورا خاصا في الحد من حريتهم في تشييد المآذن. هذا بإستثناء بعض الدوائر الضيقة من الكاثوليكيين المحافظين، أو بعض الدوائر الإنجليكانية المتشددة. لكن هذه المبادرة أثبتت أيضا ضعف ومحدودية تأثير الكنائس على القرار السياسي، إذ من الواضح جدا أن نسبة كبيرة من أتباع تلك الكنائس لم يلتزموا خلال الإقتراع بتوصيات وتوجيهات الكنائس الممثلة لهم.

كان تأسيس مجلس الأديان في سويسرا سنة 2006 مبعث آمال كبيرة. بعد مرور أربع سنوات، كيف تبدو لك حصيلة عمل هذه المؤسسة؟

ج. ف. مايير: أعتقد ابتداء أن نشأة ذلك المجلس كان من أجل إيجاد فضاء عام وموحّد للتواصل وتبادل الرأي بين ممثلين عن الاديان المختلفة، ويبدو لي من السابق لأوانه الحديث الآن عن حصيلة عمل هذه المؤسسة، لأن عمل هذه الأخيرة لم يصل تأثيره بعد إلى القاعدة العريضة من الناس. إن أهمية هذا المجلس تبدو قبل كل شيء في وجوده، وفي إستمراريته. وعندما يتعلق الأمر بحضور الأقلية المسلمة في هذا المجلس، يُطرح السؤال دوما حول مشكلة تمثيلية الأشخاص في المجلس للقاعدة الإسلامية العريضة.

كذلك يجب التذكير أن نشاة هذه المؤسسة ارتبطت منذ البداية بفكرة إضافة مادة للدستور الفدرالي تتعلّق بتنظيم عملية الإعتراف بالأديان المستقرة في البلاد، لكن جميع الأطراف المعنية بهذه القضية تعترف الآن أن هذا الأمر قد تجاوزه الزمن وأنه لا يتوافق مع طبيعة توزيع السلطات في البلاد. لتوضيح ذلك: المسالة الدينية في سويسرا تدخل ضمن صلاحية الكانتونات، والدستور الفدرالي لا يتضمّن سوى مادتيْن بهذا الشأن الأولى تتعلق بضمان حرية الاعتقاد، والثانية تنص على السّلم الديني. فأي تغيير في هذا المستوى يُخل بالتوازنات الدقيقة داخل البلاد، والتي نتجت عن تطوّرات تاريخية حسّاسة، شهدت حروبا بين الكنائس والمذاهب الدينية.

إذن كيف نفهم إقدام الحكومة الفدرالية في السنة الأخيرة على تسريع وتكثيف الحوار مع ممثلين عن الأقلية المسلمة، وعن ماذا يمكن أن يُسفر هذا الحوار؟

ج. ف. مايير: عندما اتحدث إلى الأشخاص الذين يتابعون هذا الحوار، أجد ان الكثير منهم لا يعلمون بالضبط إلى ما ستنتهي إليه هذه العملية. من المهم أن يوجد هذا الحوار، رغم أنني أشك في أن يسفر عن شيء ملموس. من المهم النظر إلى هذه الجهود الحكومية في سياق أشمل وأوسع، وفي هذه الحالة، سوف نجد ان هذا الحوار كان لابد ان يوجد، وأن يستمر. وسويسرا بالإضافة إلى الحوار الداخلي، تبذل جهودا على المستوى الدولي، لأن الحوار مع المسلمين، وحول الإسلام، هو اليوم في صلب الحديث عن حوار الحضارات وتعايشها.

لو عدنا إلى سويسرا، أرى انه من غير المجدي إنشاء مجلس للديانة الإسلامية على شاكلة ما حصل في فرنسا، لأن ذلك التمشي لا ينسجم مع تقاليد سويسرا ونظامها السياسي، لانه يقتضي تدخّلا قويا من الحكومة الفدرالية في المجال الديني الذي هو اصلا ليس من صلاحياتها. في ضوء ذلك، ليس أمام برن مجال كبير للفعل، لكن من الواضح أن جهات أخرى عديدة مرتبطة بشكل ما بالمؤسسات الفدرالية تحاول في هذه الفترة دفع المسلمين إلى الإتفاق على صيغة من الصيغ لتوحيد جهودهم، ومن أجل إيجاد محاور شرعي وحقيقي يستطيع ضمان التعايش في سلام مع الآخرين، وهذا الأمر بات يشغل حتى الدوائر التي دعت في العام الماضي إلى حظر المآذن.

سويسرا معروفة عبر تاريخها الطويل بقدرتها الكبيرة على إدماج الأقليات والثقافات والأديان الوافدة. لماذا يجد هذا النموذج اليوم صعوبة في إدماج الأقلية المسلمة؟

ج.ف.مايير: لا يجب السقوط ضحية الأكليشيهات، نعم لسويسرا قدرة على اندماج الأقليات، لكن أي أقليات؟ هنا لابد من استحضار الإرث التاريخي السويسري، والتوترات التي سادته كلما أثير الجدل حول طبيعة النموذج الاجتماعي الذي يجب الأخذ به، والصراع بين الكاثوليك المحافظين، والبروتستانت الأكثر تحررا في القرن التاسع عشر. وقبل بضعة عقود فقط، لم يكن يوجد في سويسرا أي إفريقي، باستثناء بعض الطلبة الذين جاؤوا لدراسة اللاهوت المسيحي في جامعة فريبورغ مثلا، ولم تكن توجد أي مساجد أو أماكن عبادة خاصة بالمسلمين، لأن عددهم كان محدودا جدا.

ما حصل في الماضي إذن هو أن سويسرا ردت الفعل بطرق مختلفة عندما واجهتها موجات قوية من المهاجرين، ففي بداية السبعينات فقط، كان المستهدف من ردود الفعل المهاجرون الإيطاليون، ونظمت استفتاءات صوّت فيها حوالي 50% من الناخبين السويسريين لتقليص عدد الإيطاليين في البلاد. إذن لابد من إعطاء الوقت الكافي للمجتمع (أيّ مجتمع استقبل موجة قوية من المهاجرين في فترة قصيرة)، لكي يتأقلم مع ذلك الوضع، هذا مع الاعتراف بأن وضع الأقليات المسلمة اكثر تعقيدا لأن الأمر لا يتعلّق بظاهرة الهجرة فقط، بل تحضر في هذه العملية الصور النمطية المتمثلة في العقل الجمعي الغربي عن الدين الإسلامي، ناهيك عمّا يجري حاليا على الساحة الدولية، وتتناقله يوميا وسائل الإعلام.

في العادة، يؤدي استهداف أي مجموعة محددة إلى دفعها للاصطفاف وتوحيد جهودها، ما هو برأيك التأثير الذي تركه حظر المآذن على الأقلية المسلمة في سويسرا؟

ج.ف.مايير: عشية الإستفتاء، عبّر المسلمون بأشكال مختلفة عن صدمتهم وشعورهم بكونهم ضحية استهداف مقصود من بعض الأطراف، وبعضهم اكتفى بموقف المدافع عن النفس، في حين حاول البعض الآخر، أخذ المبادرة والانخراط في بعض المشروعات الأكثر إيجابية وتأثيرا في الواقع. لكن الحملة التي رافقت مبادرة حظر المآذن لم ينصب فيها النقد على المسلمين في حد ذاتهم، ولا على مؤسساتهم ومراكزهم الثقافية، بل على الإسلام ورموزه، ودوره على الساحة الدولية، وموقفه من المرأة. أعتقد أن الوضع كان سيكون مختلفا لو تركّز الاستهداف على الأقلية المسلمة في حد ذاتها.

1957: ولد جون فرنسوا مايير في كانتون فريبورغ بسويسرا.

1984: حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ ودراسة الحضارات من جامعة ليون بفرنسا.

1985- 1986: عمل في القسم الفرنسي بإذاعة سويسرا العالمية في برن.

1987 – 1990: تولى الإشراف على مشروع بحثي كبير في الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي، بعنوان: “التعددية الثقافية، والهوية الوطنية”.

1999 – 2007: أستاذ محاضر بجامعة فريبورغ.

منذ 2006: مستشار علمي لدى الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي حول موضوع “الدين والسياسة في سويسرا”.

2007: أسس مؤسسة مرصد الاديان، وهو يديره حاليا، كما يعمل رئيس تحرير للدورية الإخبارية “Religioscope”

ألّف مايير العشرات من الكتب والمئات من المقالات في ست لغات مختلفة، وتركزت أغلب أعماله في مجال رصد التحوّلات الدينية في العالم المعاصر، ومن آخر ما صدر له كتاب “الدين والإنترنت”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية