مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا والشرق الأوسط: دبلوماسية حيوية ونشطة.. لكنها مثيرة للجدل

امرأة تتوسط رجلين
الوزير الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه (على الشمال) ووزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي بيلين خلال حفل التوقيع على "مبادرة جنيف لحل النزاع العربي الإسرائيلي" يوم الثلاثاء 1 ديسمبر 2003 بمدينة جنيف. Keystone

تتبع سويسرا في منطقة الشرق الأوسط سياسة طموحة تختلف عن سياسة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، تقوم على مبدئيْ الوساطة والحوار مع جميع الأطراف بما فيها إيران وحماس وحزب الله. لكنها سياسة "مثيرة للجدل وتفتقد إلى الإنسجام في بعض الأحيان" حسب بعض المراقبين.

ولإلقاء المزيد من الضوء على السياسة الشرق أوسطية لسويسرا، أجرت سويس انفو حوارا مطولا مع دانيال موكليرابط خارجي، الخبير السويسري المختص في القضايا الإستراتيجية والسياسات الأمنية، وذلك بمناسبة نشره للعديد من الدراسات في هذا المجال، لعل من أهمها الدراستان اللتان تحملان عنوان: “سياسة سويسرا الشرق الأوسطية المثيرة للجدل”، وعنوان “الحياد السويسري بين الخطاب والواقع”.

هو باحث متمرسرابط خارجي يتبع مركز الدراسات الأمنية بجامعة زيورخ، ويركز اهتمامه على دراسة العلاقات الخارجية والسياسات الأمنية بأوروبا وسويسرا منذ 1945، وله عناية خاصة بالدبلوماسية السويسرية وتطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط.

يقوم بإصدار وكتابة الدراسات والتحليلات التي ينشرها مركز دراسات السياسات الأمنية بزيورخ، وفيها يقوم بمتابعةالتطورات الدولية والقضايا الإستراتيجية.

درس هذا الخبير في القضايا الإستراتيجية، التاريخ، والعلاقات الدولية والأدب الإنجليزي. وحصل على الباكلوريوس من جامعة كانتربيري، وعلى الماجستير من جامعة برن والدكتوراه من جامعة زيورخ.

ومن أبرز القضايا التي تحظى باهتمامه حاليا: قضية الشراكة الأوروبية الأمريكية المتوترة في الشرق الأوسط من حرب السويس إلى الحرب على العراق، وتهدف هذه الدراسة إلى محاولة فهم الحرب الأمريكية على العراق في سياق ورؤية أشمل.

وأما المشروع الثاني، فعنوانه: “الإتحاد الأوروبي والشرق الأوسط”، والهدف الأساسي من هذه الدراسة تقييم المقاربة الشاملة التي ينتهجها الإتحاد الأوروبي في علاقته مع الحوض الجنوبي والشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وكذلك تحليل دور الإتحاد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

سويس انفو: ما هي الأهداف النهائية للدبلوماسية السويسرية في الشرق الأوسط؟

دانيال موكلي: هذه الأهداف كثيرة ومتعددة، وتفتقد في بعض الأحيان إلى الانسجام في ما بين بعضها البعض. ومن هذه الأهداف: تعزيز السلام والاستقرار، وقد قادت سويسرا العديد من الوساطات في هذا الإطار. ثانيا، تأمين التزوّد الطاقة وتنوّع مصادرها، ومن ذلك مثلا عقد الغاز مع إيران الذي أبرم قبل بضعة أشهر. وثالثا، الحفاظ على المصالح الوطنية بصفة عامة.

وللوصول إلى تلك الأهداف، تستثمر سويسرا الحيّز الذي تتيحه لها سياسة الحياد التي تتبعها، وكونها ليست عضوا في الإتحاد الأوروبي، يصبح بإمكانها اتخاذ مبادرات يتعذّر على غيرها اتخاذها.

سويس انفو: يعتقد البعض أن السياسة الخارجية السويسرية في الشرق الأوسط، خاصة منذ تولي السيدة ميشلين كالمي-ري للوزارة لا تلتزم بدقة مبدأ الحياد، هل هذا صحيح؟

دانيال موكلي: مفهوم الحياد مفهوم معقد يحمل الشيء ونقيضه، ومن الصعب التوصل إلى معنى دقيق له اليوم. وظهر هذا المبدأ في زمن الحروب بين الدول، وما يحصل اليوم في الشرق الأوسط هي في الغالب نزاعات داخل الدولة الواحدة، ومن الصعب تعريف الحياد في وضع مثل هذا.

الجدل القائم حاليا في سويسرا حول هذا الموضوع هو جدل مفتعل ويرتبط بالوضع السياسي الداخلي في سويسرا، لكن من المؤكد أن انتقاد دولة طرفا في نزاع وعدم انتقاد الطرف الثاني يمكن أن يحمل على أنه انحياز وعدم توازن في المواقف، وهذا هو فعلا ما يعارض الحياد السويسري.

سويس انفو: هذا الجدل المتواصل حول مفهوم الحياد، ما الذي يخفي وراءه؟

دانيال موكلي: هذاالجدل يخفي اختلاف في الرؤى حول العالم وموقع سويسرا فيه، وهو يتجاوز مبدأ الحياد في مفهومه ودلالته، لأن الجميع متفق على ذلك. إنه جدل يتعلق في الأساس بمكانة سويسرا في العلاقات الدولية. فأنصار الدبلوماسية النشطة يريدون أن تكون سويسرا كبقية الدول، مبادرة دبلوماسيا، وتدافع عن مصالحها. وأما أنصار الحياد الكامل، وهو المفهوم التقليدي لهذا المبدأ، فهم يدعون إلى عدم تدخل سويسرا في الشؤون الدولية، وأن تهتم بقضاياها الداخلية، وإلى انعدام الحاجة إلى تطوير سياسة خارجية بمعنى الكلمة. وفي النهاية، هما رؤيتان مغايرتان لموقع سويسرا ومسؤولياتها في العالم.

سويس انفو: هل هناك حاليا إجماع داخل الحكومة الفدرالية حول السياسة الخارجية السويسرية في منطقة الشرق الاوسط؟

دانيال موكلي: لا أعتقد أن هذا الإجماع موجود، وهذه من دون شك، إحدى نقاط الضعف الأساسية في السياسة الخارجية السويسرية في منطقة الشرق الأوسط. وعندما نأخذ دولة مثل النرويج، تقوم بدور يشبه الدور السويسري، أعني دور الوساطة والمساعي الحميدة، نجد أن مبادراتها تكون مدعومة بإجماع وطني. أما في حالة سويسرا، السياسة الخارجية مجال محكوم إلى حد بعيد بمنطق الاستقطاب السياسي الداخلي. ويسود هذا المنطق حتى على مستوى الحكومة المركزية. وأعتقد أن السياسة الخارجية السويسرية في الشرق الأوسط مبررة إلى حد كبير، وهي تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن من الصعب إنجاح سياسة خارجية طموحة، إذا لم تجد الدعم القوي من البرلمان.

سويس انفو: على الرغم من الجهود الجبّارة التي تبذلها الدبلوماسية السويسرية في المنطقة، النتائج المتوصل إليها ضعيفة أو منعدمة، هل بالإمكان القول أنها فشلت؟

دانيال موكلي: النزاع في الشرق الأوسط من أكثر النزاعات تعقيدا في العالم، وعناصره عميقة الجذور ومتداخلة. ومن الصعب جدا التوصل إلى حل لهذا النزاع. وإن لم تتوصل سويسرا إلى حد الآن لتحقيق اختراق دبلوماسي كبير، فإنها مع ذلك رعت العديد من المبادرات مثل “مبادرة جنيف لحل الصراع العربي الإسرائيلي”، وهو اتفاق نموذجي مع ما هو مطروح إلى حد الآن، وحققت تقدما في وقت ما في المحادثات السرية بين سوريا وإسرائيل التي تمت بوساطة منها. وبالتالي، لا أقول أن هذه السياسة قد فشلت لأن حل النزاعات بشكل مستدام أمر صعب جدا، ويتطلب شيئا من الوقت.

سويس انفو: هل بإمكان بلد صغير مثل سويسرا أن ينتهج سياسة خارجية مستقلة في عالم تحكمه العولمة والقطبية الواحدة؟

دانيال موكلي: هذا الأمر أصبح صعبا جدا خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. من قبل، كانت سويسرا، التي ليس لها تاريخ استعماري وليست دولة عظمى ذات أطماع توسعية، تتمتع بقدرة على التأثير في أوضاع الشرق الأوسط، وقامت من حين لآخر بدور الوسيط هنا أو هناك. لكن منذ سنة 2001، واندلاع الحرب على الإرهاب، أصبح من الصعب أكثر على بلد صغير مثل سويسرا اعتماد سياسة خارجية بمعزل عن بقية الأطراف الدولية، خاصة الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اللذين قاما بوضع سياسة خارجية موحدة، وأصبحت الولايات المتحدة خاصة تعارض بشدة أي خروج عن إطار تلك السياسات.

سويس انفو: اختارت أغلبية الدول الغربية فرض القطيعة والعزلة على الحركات الإسلامية مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، في الوقت الذي اختارت سويسرا نوعا من الحوار معها، هل تجدون الخيار السويسري مجديا؟

دانيال موكلي: أعتقد أن هذا الخيار هو الأسلم، وذلك ببساطة لأن حماس مثلا إذا لم نتخاطب معها، ولم نتحاور معها، فإنها لن تعدل عن مواقفها التي تمثل عائقا حقيقيا لعملية السلام، والدبلوماسية السويسرية مقتنعة بأن الحل الوحيد الممكن لنزاع الشرق الأوسط هو الحل التفاوضي والحل السلمي.

عزل حماس أو عدم التعامل معها، لن يضعفها، وسيزيد في تشدد مواقفها، ويتفاقم الوضع أكثر. وفي الواقع، أصبحت بعض الدول أخيرا تميل إلى الرؤية السويسرية كفرنسا، بل وحتى إسرائيل نفسها التي تتحاور مع حماس، وإن بشكل غير مباشر. وهذا يعطي من دون شك مصداقية اكثر للإستراتيجية السويسرية في التعامل مع قضايا المنطقة.

سويس انفو: وماذا عن الوضع في لبنان؟ والإنفتاح على حزب الله؟

دانيال موكلي: الإنفتاح على حزب الله أقل إثارة للجدل. والإتحاد الأوروبي مثلا لم يدرج حزب الله على قائمة الإرهاب. وهناك أيضا خلاف أوروبي – أمريكي حول كيفية التعامل مع الوضع اللبناني، وتحديدا مع حزب الله. وفي وضع كهذا، من السهل على سويسرا الدفاع عن سياستها الخاصة في لبنان، لأنها لن تكون في تعارض مع إجماع غربي. وعندما استدعت سويسرا الفرقاء اللبنانيين للحوار حول أوضاع بلادهم، لم تستثن أي طرف. وهذا الحوار الذي بدأ منذ فترة لن يفقد أهميته حتى بعد الإتفاق الذي رعته دولة قطر والجامعة العربية لأن ذلك الإتفاق لن يحل كل المشكلات العالقة في الوضع اللبناني.

سويس انفو: إذا أردنا أن نلخص العناصر الإيجابية في هذه السياسة السويسرية في الشرق الأوسط ، ماذا يمكنك القول؟

دانيال موكلي: من النقاط الإيجابية الإنخراط في الجهود التي تبذل من أجل ضمان السلام والإستقرار في تلك المنطقة الحيوية، والإنفتاح على جميع الأطراف بما في ذلك حماس وحزب الله وإيران. وكذلك، جهود الوساطة والمساعي الحميدة على أكثر من صعيد، في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وبين سوريا وإسرائيل، بالإضافة للمساعي من أجل جسر الهوة بين الولايات المتحدة وإيران.

لكن هذه السياسة تشكو من عدة سلبيات منها: غياب الإنسجام في بعض الأحيان، وعدم وضوح الأولويات بشكل دقيق، وغياب التنسيق بين آليات العمل المعتمدة. ولذلك المطلوب في المستقبل هو تحديد الأولويات لأن القضايا في هذه المنطقة مترابطة، ولابد من تناولها بشكل شامل ومتكامل.

سويس انفو: إذا أخذنا بعين الإعتبار التوازنات الدولية القائمة، هل تعتقدون أن بمقدور سويسرا لعب دور هام في جسر الهوة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي؟

دانيال موكلي: اكتفت سويسرا في السنوات الماضية بلعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة ضمن منطقة الشرق الأوسط، ولكن في السنوات الأخيرة، حاولت مد جسور للتواصل بين الغرب والعالم الإسلامي. وأعتقد أن فرص النجاح في هذا المستوى محدودة، وإن كانت ليست منعدمة.

فسويسرا في النهاية جزء من العالم الغربي، وليست طرفا محايدا في العلاقة بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة، والشرق الأوسط وبقية العالم الإسلامي من جهة أخرى. بإمكان سويسرا في النهاية أن تحاول، لكن عليها ألا تذهب بعيدا في ذلك، لأن تجردها لدور الوسيط يغضب العالم الغربي، وربما شريحة من مواطنيها أيضا.

هو مؤسسة أكاديمية متخصصة في البحوث والدراسات وفي التعليم وتقديم خدمات في مجال السياسات الأمنية داخل سويسرا وخارجها.

يرأس المركز الدكتور أندرياس فاغنر. ومنذ 1997، أرسى مركز الدراسات الأمنية وقسم العلوم السياسية بجامعة زيورخ عملا مشتركا تكلل بتأسيس مركز جديد أصبح يسمى مركز الدراسات الدولية والمقارنة.

يقوم المركز بثلاث مهام رئيسية هي: إجراء البحوث والدراسات، وتقديم الدروس والمحاضرات، والإصدار والنشر.

ومن آخر إصداراته: السياسات الأمنية في مجال المعلوماتية، والجهود الأمريكية لتأمين عصر المعلوماتية، والسلطة والأمن في عصر المعلوماتية، وانبعاث الدولة.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية