مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تحاول الحفاظ على التوازن بين الغرب وروسيا

وزير الخارجية ورئيس الكنفدرالية ديديي بوركهالتر (على اليمين) يُصافح نظيره الروسي سيرغي لافروف يوم 3 مارس 2014 في جنيف. Keystone

في الوقت الذي تتضح فيه في الأفق، معالم ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا، تحاول سويسرا الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع روسيا لمحاولة وضع منظمة الأمن والتعاون في أوربا في مهمة الوسيط بين موسكو والعواصم الغربية. وهي مهمة تشبه الى حد كبير كمن يحاول الحفاظ على توازنه مع السير فوق خيط رفيع.

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن التوفيق بين جودة العلاقات الدبلوماسية القائمة بين روسيا وسويسرا، وبين رئاسة سويسرا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة الأوكرانية عمقا بتنظيم الاستفتاء في شبه جزيرة القرم بخصوص إمكانية الانضمام الى الفدرالية الروسية؟

هذه المعادلة التي تتداخل فيها العديد من العناصر المجهولة، هي اليوم مطروحة على طاولة ديديي بوركهالتر، بصفته الرئيس السويسري من جهة، وبكونه رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من جهة أخرى.

وقد كانت التدخلات الأخيرة لوزارة الخارجية السويسرية بخصوص تنظيم الاستفتاء في شبه جزيرة القرم، بمثابة توضيح لهذا الدور المتوازن الذي تجد الدبلوماسية السويسرية نفسها مضطرة لانتهاجه.

فقد تم توجيه السؤال لوزارة الخارجية بخصوص مدى شرعية الاستفتاء، والتي ردت بتوجيه الانظار الى الرد الذي أصدره السيد ديديي بوركهالتر في بداية الأسبوع  بوصفه رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عندما قال: “إن الاستفتاء الخاص بشبه جزيرة القرم المقرر في 16 مارس ، بوضعه الحالي غير مطابق للدستور الأوكراني، ومن ثم يجب النظر له على أنه غير شرعي”.

وليس هذا موقفا سويسريا، بحيث أن السيد ديديي بوركهالتر بوصفه  رئيسا لمنظمة الأمن والتعاون في اوروبا، ليس مُطالبا بالدفاع عن مصالح سويسرا ، بل خدمة مصالح المنظمة التي يراسها قدر المستطاع.

وبخصوص التساؤل عما إذا كانت الحكومة السويسرية ـ على غرار باقي الدول الغربية ـ تنوي اتخاذ عقوبات ضد روسيا  بسبب ضمها الزاحف لشبه جزيرة القرم، أجابت وزارة الخارجية السويسرية بنوع من الحذر بقولها: ” إن سويسرا تتابع عن كثب الوضع في أوكرانيا و في شبه جزيرة القرم. وأن صلاحية اتخاذ عقوبات وتطبيقها هو من اختصاص المجلس الفدرالي .”

لم تؤثر الأزمة الأوكرانية لحد الآن على المحادثات الجارية بخصوص اتفاق التبادل الحر بين اعضاء الرابطة الأوروبية للتبادل الحر  التي سويسرا عضو فيها، والاتحاد الجمركي بين روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان. ومن المتوقع أن يعقد الاجتماع القادم في سويسرا.

ويمثل الاتحاد الجمركي لروسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان  القاعدة الرئيسية للاتحاد الأورو آسيوي ، وهو المشروع الجيو سياسي الكبير لفلاديمير بوتين والذي تهدده محاولات أوكرانيا الرامية للتقارب من الاتحاد الأوروبي.

swissinfo.ch

زيارة كثر حولها الجدل

تمت حتى في سويسرا إثارة جدل حول اعتزام ديديي بوركهالتر زيارة موسكو في  فصل الربيع  من أجل المشاركة في احتفالات مرور 200 عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سويسرا وروسيا. وينوي الرئيس السويسري، من بين المواضيع التي يتم التحادث بشأنها، إثارة موضوع الأزمة الأوكرانية وازمة شبه جزيرة القرم، مثلما أوضحت الخارجية.

وفي هذه التصريحات رغبة في إسكات الأصوات المنتقدة لهذه الزيارة. إذ ترى الممثلة البرلمانية الاشتراكية جاكلين فير أن هذه الزيارة يجب الا تتم بالمرة. إذ صرحت لأسبوعية نوي زوريخر تسايتونغ  آم زونتاغ قائلة ” ليس من واجبنا الاحتفال بأواصر صداقة مع قادة لديهم نوايا عدوانية”.

وستقوم لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب السويسري بمناقشة الموضوع خلال جلستها القادمة  في نهاية شهر مارس. وكان رئيس هذه اللجنة الاشتراكي كارلو سوماروغا قد صرح لصحيفة لاتريبون دي جنيف  قائلا” يجب أن نحتفظ لنفسنا بحق إلغاء هذه الزيارة وفقا لتطورات الأوضاع. إذ من المستبعد أن تقوم سويسرا بزيارة دولة ، في حال ارتكاب روسيا لتجاوزات في شبه جزيرة القرم، وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في حق الأقليات”.

أما الصحفي إيريك هوسلي، الذي يُعد من أكبر المتابعين للأوضاع والمتعاطف مع روسيا فلا يُشاطر النظرة المنتقدة للمثلين البرلمانيين بقوله:”ما الذي يجب مراعاته بالدرجة الأولى في العلاقات الخارجية؟ هل الاعتبارات الداخلية أم النظرة الشاملة الخارجية؟ لقد أظهر ديديي بوركهالتر بأنه يأخذ مهمته مأخذ الجد على راس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وهو التزام قد يصدم البعض . ولكن إذا لم تقم منظمة الأمن والتعاون بمحاولة لعب دورها لصالح السلم والاستقرار في أوروبا من سيقوم بذلك محلها؟

المزيد

المزيد

“ردّ الفعل السويسري كان سريعا.. ولكن!”

تم نشر هذا المحتوى على قد تصل قيمة الأموال المهربة من خزينة الدولة من قبل الرئيس الأوكراني المطاح به فيكتور لانوكوفيتش والمقربين منه إلى حدود 70 مليار دولار، أما السؤال المطروح اليوم من قبل النظام الجديد في كييف فهو ما إذا كان قسم من هذه الأموال موجودا بالفعل في المصارف السويسرية. تقول غريتا فينر، مديرة معهد  بازل للحوكمة، وهي مؤسسة مستقلة  تناضل من أجل…

طالع المزيد“ردّ الفعل السويسري كان سريعا.. ولكن!”

أسباب تفاهم ودي

الأمر المؤكد منه، هو أن رصيد الود الذي تحظى به سويسرا لدى نظام الرئيس بوتين، قد يتعرض الى امتحان كبير لو انزلقت الأزمة الأوكرانية الى مزيد من التدهور. وهذا الرصيد من الود قد عرف في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا مثلما تظهر ذلك عملية منح رئيسة الدبلوماسية السويسرية السابقة ميشلين كالمي- ري وسام الصداقة من يد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 3 مارس في مدينة جنيف.

إذ قالت السيدة ميشلين كالمي ري التي كانت وزيرة في الحكومة الفدرالية ما بين عامي 2003 و 2011، في شرحها لسويس إنفو:”إن ذلك كان للدور الذي لعبته في الوساطة بين ارمينيا وتركيا، والوساطة التي قمت بها بين روسيا وجورجيا، واللتان كانتا بمثابة عائق لانضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية”.

وكما ذكرت بذلك الوزير السابقة، فإن نشاط الوساطة وجد تسهيلا في القرار الاستراتيجي الذي اتخذه المجلس الفدرالي في 18 مايو 2005 والقاضي بفتح العلاقات الثنائية لسويسرا على  العالم، وإبرام اتفاقيات تفاهم بالخصوص  مع أهم الشركاء مع سويسرا من خارج المنطقة الأوروبية ، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية ، او القوى الصاعدة مثل روسيان وافريقيا الجنوبية او الصين.

ويشرح إيريك هوسلي بأن اختيار سويسرا إقامة علاقات متميزة مع روسيا، سمح لها بجني ثمار احسن مما حققته الدول الغربية  الأخرى بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تولي اية أهمية  لمصالح روسيا منذ انهيار الإمبراطورية السوفياتية. وهو ما سمح بظهور زعيم قومي مثل فلاديمير بوتين.

الالتزام بحياد صارم

من اجل الحفاظ على هذا التفاهم الجيد بين سويسرا و روسيا، وتجاوز أزمة احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، يتوجب على سويسرا أن تلتزم بحياد صارم. وهذا ما تعتقده شخصية روسية معروفة جدا في الأوساط الروسية في جنيف، أي الكاتب جورج نيفا.

إذ يقول هذا الخبير في الأوضاع الروسية:” عندما تقوم الدول بإصدار بيانات إدانة، هل يتوجب على سويسرا أن تنظم لذلك أو أن تختار التحفظ من أجل الحفاظ على دور الوسيط. ليس من واجب سويسرا أن تتبع موقف الاتحاد الأوروبي مثلما تفعل ذلك في غالب الأحيان، نظرا لكونها ليست عضوا في الاتحاد”.

لكن مع ذلك يبقى ان روسيا هي اليوم تحت سلطة نظام يزداد تسلطا مع الوقت، يقمع معارضيه، ويغتال الصحفيين من ذوي الفضول الزائد، ويتحكم في وسائل الإعلام، مثلما تذكر بذلك تيريز اوبريشت، رئيسة الفرع السويسري لمنظمة صحفيين بدون حدود، والمراسلة السابقة في موسكو.

ينوي المعارض الروسي ورجل الأعمال المناهض لبوتين، الاستقرار في مدينة رابرسفيل – جونا ( بدويلة سانت غالن) الواقعة على بحيرة زيورخ، وهذا بعد أن  تم الافراج عنه من قبل فلاديمير بوتين ووصوله الى سويسرا في بداية شهر يناير.

فهذا المعارض الذي تم الافراج عنه في شهر ديسمبر بعد قضاء 10 سنوات في السجن، تقدم بطلب إقامة لدويلة سانت غالن، حيث تقيم عائلته.

 فميخائبل خودورسكي،الذي كان أكبر الأغنياء في روسيا سابقا والمنافس للرئيس فلاديمير بوتين، كان قد صدر في حقه حكم في عام 2005 بالإدانة بالتحايل الضريبي وتم سجنه حتى نهاية العام 2013.

وهناك روسي مشهور آخر ، وهو رجل الأعمال فيكتور فيكسلبيرغ، الذي يعتبر من أغنى الناس في روسيا، قد اختار هو الآخر الاقامة في منطقة زيورخ منذ عدة سنوات.

وكما يقول الخبير في الشئون الروسية الصحفي إيريك هوسلي ، قد يتحول ميخائيل خودورسكي الى عنصر مزعج بالنسبة لبرن ولموسكو في نفس الوقت لو استأنف نشاطاته كمعارض لبوتين

سويس إنفو مع وكالة الصحافة الفرنسية .

سياسة استبداد

السؤال المطروح هو كيف يمكن التوفيق بين بين هذا الواقع المعاش وبين الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا تحت حكمة بوتين؟   في رده ينصح  الأديب جورج نيفا بالتزام نوع من الحذر بقوله ” إن حكومة بوتين لا زالت تحظى بشعبية كبرى بسبب تحسين ظروف المعيشة. وهو يعرف كيف يضرب على الوتر الحساس للوطنية وهذا حتى ولو خرج القسم الاخر من روسيا للتظاهر ضده. وبدل البحث عن إعطاء تقييم عن النظام ككل، من الأفضل بالنسبة لسويسرا، ان تقتصر على التطرق للانتهاكات الفعلية المرتكبة في مجال حقوق الإنسان”. وهذا ما يقوم به المسئولون السويسريون، او يقولون أنهم يقومون به أثناء محادثاتهم مع نظرائهم الروس او أثناء تدخلهم أمام مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

وهذا موقف لا زالت السيدة ميشلين كالمي ري مقتنعة به حتى ولو أنها غادرت المنصب الوزاري . عن سؤال ” ألم تشعر  بنوع من الإحراج عند تسلُّمها الميدالية من حكومة استبدادية ، هي التي دافعت بحزم كبير عن قضية حقوق الإنسان، لما كانت وزيرة للخارجية؟” اجابت السيدة كالمي ري” لم أخف في يوم من الأيام افكاري بخصوص قضايا حقوق الانسان، وكان ذلك حتى مع المتحدثين الى من الروس، وهذا هو الجواب الوحيد الذي يمكنني تقديمه لكم”.

(ترجمه من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية