مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“صفقات صغيرة” تنتظر “المحادثات السرية” الأمريكية – الإيرانية

من اليمين إلى اليسار: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأمريكي باراك أوباما Keystone

كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في بيروت لـ swissinfo.ch، أن واشنطن طلبت من طهران، عبْر وسطاء عُمانِيين وسويسريين وروس، أن تجري مُعظم المحادثات المقبلة، بينهما في إطار من "السرية التامة".

وعلى رغم أن المصادر قالت إنها لم تعرف ردّ فعل الإيرانيين على هذا الإقتراح، إلا أنها قالت إن هذه الخطوة ضرورية لتسهيل التوصّل إلى “رؤوس أقلام اتفاق” بين الطرفين حول خريطة طريق المفاوضات وتحديد الهدف الذي يُراد الوصول إليه، من دون السّماح للعوامل الداخلية في إيران والولايات المتحدة، بالتأثير على مُجريات الأمور بينهما.

نفس المصادر أعربت عن ثقتها بأن المفاوضات المقبلة، سواء منها السرية أو تلك التي ستجري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بين الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف مع مجموعة الدول الخمسة زائد واحد، لها حظوظ معقولة للنجاح  في بعض المجالات للأسباب التالية:

– الضائقة الاقتصادية الكُبرى التي تمرّ بها إيران هذه الأيام بسبب العقوبات الدولية والغربية، حيث انخفضت قيمة الريال بأكثر من 60% خلال الأشهر الستة الماضية وارتفعت معدّلات البطالة والتضخّم، إلى مستويات شاهقة، وهذا في الأساس، برأي المصادر ـ ما دفع مُرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي إلى لجْم الحرس الثوري الإيراني عن التدخّل في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة (كما فعل عام 2009) وإلى الإفصاح علناً للمرة الأولى (في 16 سبتمبر الحالي) عن استعداده لإبداء “المرونة الشجاعة” في المفاوضات النووية مع إيران.

– ويقابل هذا التغيير في الموقف الإيراني، تغيير مُوازٍ في الموقف الأمريكي، حيث أثبتت إدارة أوباما طيلة السنوات الخمس الأخيرة، أن أولوياتها القصوى، تكمُن في إصلاح البيت الداخلي الأمريكي وفي الإستدارة شرقاً نحو شرق آسيا، وهذا ما جعلها تتّخذ مواقف انسحابية من كل قضايا الشرق الأوسط تقريبا، من مصر والعراق وتونس إلى سوريا مؤخرا. كما أن هذا ما جعل القيادة الإيرانية تشعُر بشيء من الطُّمأنينة، بأن واشنطن ربما لم تعُد تسعى إلى تغيير النظام الإيراني.

– وأخيراً، يُشير تعدّد الأطراف الدولية المستعدّة للعمل كوسيط بين طهران وواشنطن، من عُمان (التي نقل سلطانها مؤخّراً رسالة خطية من الرئيس أوباما إلى الرئيس روحاني وعاد ومعه جواباً إيجابياً عليها) – وسويسرا التي ترعى المصالح الأمريكية في إيران منذ عام 1980، وتستعدّ للَعِب دورٍ كبير لاحقاً كساعي بريد بين البلدين – والعراق، وصولاً إلى روسيا، إلى أن المجتمع الدولي يشعُر بالفعل أن العلاقات مع إيران يُمكِن أن تدخُل بالفعل مرحلةً جديدةً، مفتوحة نسبياً، على احتمالات التسوية.

بعد أن أعلن البيت الأبيض يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013 أنه لن يحصل أي لقاء بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الإيراني على هامش اجتماعات الدورة الـ 68 للأمم المتحدة، كان الملفان “النووي الإيراني” و”الكيميائي السوري” المحور الرئيسي لكلمتي الرئيس الأمريكي ونظيره الفرنسي فرنسوا هولاند.

سورياً، دعا الرئيس الأمريكي موسكو وطهران أمس إلى التخلي عن فكرة بقاء بشار الأسد في السلطة، وطالب أوباما بصدور قرار “حازم” عن مجلس الامن حول إزالة الأسلحة الكيميائية السورية، مؤكّداً أن نظام الأسد سيواجه “عواقب” في حال لم يلتزم تعهداته.

وقال أوباما إن الولايات المتحدة جاهزة لاستخدام كل خياراتها بما فيها القوة العسكرية لضمان مصالحها الحيوية في المنطقة وحماية حلفائها وأيضا للمحافظة على تدفق الطاقة من المنطقة إلى العالم، داعيا روسيا وإيران إلى التخلي عن فكرة بقاء الأسد في السلطة.

في الملف الإيراني، وافق الرئيس الامريكي باراك اوباما أمس على السعي لحل الازمة النووية الايرانية عبر الطرق الدبلوماسية، آخذا في الاعتبار التغيير في لهجة نظيره الايراني حسن روحاني، ومطالبا في الوقت نفسه بـ “افعال شفافة يمكن التحقق منها”.

وقال اوباما من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن روحاني الذي انتخب رئيسا لإيران قبل فترة قصيرة تلقّى “تفويضا لسلوك طريق أكثر اعتدالا” من سلوك سلفه محمود احمدي نجاد، الذي عرف بموافقه المتشددة جدا. وحذر اوباما أمس مرة جديدة من ان بلاده مُصمّمة على منع طهران من الحصول على السلاح النووي.

وتابع الرئيس الامريكي “بما ان الرئيس روحاني التزم التوصل الى اتفاق، طلبت من (وزير الخارجية) جون كيري ادارة هذه الآلية مع الحكومة الايرانية بتعاون وثيق مع الاتحاد الاوروبي وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين”. وتابع “قد يبدو من الصعب جدا تجاوز العقبات، الا انني مقتنع بانه لابد من تجربة الطريق الدبلوماسية”. واقر اوباما ايضا بوجود “جذور عميقة” من الحذر بين واشنطن وطهران، اذ ان العلاقات مقطوعة بين البلدين منذ عام 1979.

وتابع الرئيس الامريكي “لا اعتقد انه سيكون بالإمكان تجاوز هذه المسألة الصعبة بين ليلة وضحاها. فالشكوك عميقة جدا. إلا انني متأكد اننا في حال تمكّنا من حلّ مسألة البرنامج النووي الايراني، فإن ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام علاقة مختلفة، قائمة على المصالح والإحترام المتبادل”. إلا أن اوباما أضاف أن الولايات المتحدة إذا كانت تفضل خيار الطريق الدبلوماسية “فإننا نبقى مصمّمين على منع تطوير سلاح نووي” إيراني.

عموماً حذر الرئيس اوباما من أن الولايات المتحدة تبقى مستعدّة للجوء الى القوة في حال تهددت مصالحها في الشرق الأوسط ورفض أي تخل أمريكي في منطقة الشرق الاوسط، معتبرا أن هذا الأمر سيؤدي الى “فراغ، لا يستطيع أي بلد آخر أن يملأه”.

(المصدر: وكالات بتاريخ 24 سبتمبر 2013)

البند الأول: سوريا؟

وترى المصادر وثيقة الإطِّلاع، أن نقطة الانطلاق في المفاوضات الإيرانية – الأمريكية، ستبدأ من الاتفاق الروسي – الأمريكي على الملف الكيميائي السوري، حيث ستكون فُرص الإتفاق كبيرة بين الطرفيْن وربما أيضاً حول التسوية السياسية في سوريا. لماذا؟ تُجيب المصادر: لأن شعور الإيرانيين إزاء الأسلحة الكيميائية، يُشبه شعور اليابانيين إزاء الأسلحة النووية. فهُم خسروا أكثر من 100 ألف ضحية أو إصابة بها على يد صدّام حسين.

كما أن اقتصادهم أرهق بشدّة من جرّاء دعم نظام الرئيس بشار الأسد على كلّ الصعد، المالية والأمنية، حيث أكّدت “فايننشال تايمز” أن طهران تتكلّف زهاء 10 مليارات دولار سنوياً بإبقاء نظام الأسد على قيْد الحياة، وهذا ما قد يجعل الإتفاق مع واشنطن مُمكناً حول كل من الأسلحة الكيميائية السورية ونظام ما بعد الأسد.

وتتوقّع المصادر نفسها أن تطرح واشنطن أيضاً على الإيرانيين فصلاً جديداً من التعاون بين الطرفين ضد الإرهاب والأطراف السُنّية المتطرّفة، كما حدث بينهما حين تعاوَنا في حربيْ أفغانستان والعراق ضد خصوم مُشتركين.

بيد أن المصادر تعتقِد أن عُقدة المنشار في المفاوضات، ستكون الثمن الذي يريده المفاوضون الإيرانيون، مقابل استعدادهم لعدم تجاوُز نسبة 20% من عملية تخصيب اليورانيوم، إذ أنهم يسعوْن إلى إجراءات جِدية من الغرب، ليس فقط إلى خفْض العقوبات الإقتصادية عنهم، بل حتى أيضاً إلى مساعدة الاقتصاد الإيراني على تجاوز عتَبة الإنهيار، التي يقف أمامها الآن، وهذا أمر لن يكون من السّهل على الولايات المتحدة القبول به، إلا من خلال “صفقة كُبرى” يتم خلالها التأكّد من أمريْن اثنين:

الأول، أن إيران ستغلق فِعلياً ملف التسلُّح النووي وستشرِّع كل أبوابها أمام التفتيش الدولي على منشآتها النووية. والثاني، أن الولايات المتحدة تريد أن تَطْمئِن إلى أن التحوّلات في المواقف الإيرانية، من التصعيد والمجابهة إبّان عهد الرئيس أحمدي نجاد، إلى الليونة والتسويات في عهد روحاني، سيشمل أيضاً إسرائيل.

وهنا تتوقع المصادر أن يمُر الرئيس روحاني مرور الكِرام أمام مسألة إسرائيل في خطابه المُرتقب أمام الجمعية العامة، وأن يكتفي بما كان يردِّده الرئيس السابق خاتمي، من أن إيران تلتزم بما يُقرِّره الشعب الفلسطيني. ومعروف أن روحاني سيصطحِب معه إلى الأمم المتحدة، النائب اليهودي الوحيد في البرلمان الإيراني.

 نجاح أم فشل؟

ما فُرص نجاح أو فشل هذه المفاوضات؟ المعطيات الأولية، كما أشرنا، إيجابية. فالرئيس روحاني تعهَّـد في مقال نشرته “واشنطن بوست” (20 سبتمبر الجاري)، بأن يُجْرِي مع الغرب مُقاربة جديدة، أطلق عليها اسم “الانخِراط البنّاء”. والرئيس أوباما “يتشوّق” لأي تسوية مع إيران تساعِده على تجنّب الكابوس الذي يُؤرق نومه منذ أن دخل البيت الأبيض قبل خمس سنوات: الوقوع في فخّ حرب جديدة في الشرق الأوسط.

بيد أن روحاني وأوباما ليسا اللاّعبيْن الوحيديْن في هذه الرّقصة الكُبرى الجديدة في الشرق الأوسط، إذ هناك في داخل كِلا البلديْن قِوى أساسية يجب أن تُوافق أولاً على أيّ اتفاق: صقور الكونغرس الأمريكي المُوالين بقوّة للّوبي اليهودي، وصقور الحرس الثوري الإيراني، المتمثلين بـ “فيْلق القدس” القوي والنافذ.

وإلى هذه القوى، هناك إسرائيل التي قد يدفعها أي اتفاق لا ترى فيه أهدافها وقد تحققت، وفي ومقدّمتها منع إيران من امتلاك المعرفة النووية العسكرية وإنتاج اليورانيوم المُخصّب، إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران لإجهاض الاتفاق. وهناك السعودية ودول الخليج، التي تشعُر بقلق شديد من احتمال ولادة كوندومينيوم (حُكم مشترك) إيراني – أمريكي على حسابها. كما هناك تركيا، التي تسعى هي الأخرى لأن تكون زعيمة الغالبية السُنيّة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وبالتالي، تريد أن تكون حاضرة بقوّة في أي إعادة تنظيم جديدة لنظام الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، تبدو “الصّفقة الكُبرى” الإيرانية – الأمريكية، التي لطالما تحدّث الكثيرون عنها، مشروعاً صعباً أو على الأقل بعيد المدى، ويحتاج إلى إجماع أو شِبه إجماع بين القِوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة، مُضافاً إليه الآن النفوذان، الروسي والصيني، اللذان تناميا بفِعل العجْز والتعثّـر الأمريكي الأخير في الأزمة السورية.

بيْد أن هذا لا يمنع وصول إيران وأمريكا إلى “صفقات صغيرة” عديدة، يبدو أن الطرفين مستعدّان لإبرامها: من الحرب الأهلية السورية ومستقبل دور حزب الله اللبناني في سوريا ولبنان، إلى الحرب المُشتركة ضد الإرهاب والتطرّف… إلخ، وهذا ما ألمح إليه روحاني حين قال، إنه يتعيّن على إيران والغرب تغيير وِجهة مسار مُفاوضاتهما: من مقاربة، ما لا تريده الأطراف المعنية إلى ما تريده.

أما الصفقة الكبرى نفسها، فيجب أن تنتظر وضع الملف النووي الإيراني الشائك ومعه العقوبات الاقتصادية الغربية على إيران على سكّة الحل الحقيقي، كجزء من نظام إقليمي أمني – استراتيجي جديد  في كل الشرق الأوسط، تتحدد فيها أدوار القِوى الإقليمية والدولية، وليس كمجرّد صفقة إيرانية – أمريكية ثنائية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية