مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جنيف 2.0”: دفع جديد للمبادرة السويسرية رغم جمود العملية السلمية

ياسر عبد ربه الفلسطيني والإسرائيلي يوسي بيلين يقدمان بعض الهدايا الرمزية إلى السيدة ميشلين كالمي - ري، على هامش تظاهرة إحياء "مبادرة جنيف للسلام" في الشرق الأوسط التي نظمت في جامعة جنيف يوم 22 نوفمبر 2011. swissinfo.ch

أسفر لقاء ضم شخصيات إسرائيلية وفلسطينية مقتنعة بأن "مبادرة جنيف" تشكل أرضية لحل الصراع المزمن في الشرق الأوسط عن اقتناع بضرورة مواصلة الجهود المبذولة للترويج للمبادرة رغم الجمود الذي يهيمن على المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ويُراهن الجميع بمن فيهم رئيسة الكنفدرالية السويسرية على أن يتمخض الربيع العربي عن ولادة ربيع فلسطيني وآخر إسرائيلي تتولى فيه منظمات المجتمع المدني الأخذ بزمام المبادرة عوضا عن السياسيين.

بدعوة من سويسرا، انتظم في جنيف يوم الثلاثاء 22 نوفمبر 2011 لقاء جمع بين 15 شخصية فلسطينية و15 شخصية إسرائيلية لها مواقف متعاطفة مع مبادرة جنيف التي أسهمت برن في إعدادها وتمويلها في عام 2003 كأرضية محتملة لتسوية نهائية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.

ومع إقرار جميع المشاركين على أن العملية السلمية تمر بمرحلة تتسم بالجمود منذ عام 2008، إلا أنهم أرادوا التذكير في هذه المناسبة بوجود “نص مرجعيّ” لتسوية ممكنة، تم التوصل إليه بدعم سويسري، وبرغبة في إحلال السلام تم التعبير عنها من قبل ممثلين عن الطرفين المعنيّين بالصّراع: الإسرائيلي بقيادة يوسي بيلين، وزير العدل السابق والرئيس السابق لحزب ميريتس اليساري والفلسطيني بقيادة ياسر عبد ربه، أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس “تحالف السلام الفلسطيني”.

  

كلمة رئيسة الكونفدرالية السويسرية بهذه المناسبة، تضمنت تكريما لشريكي المبادرة ياسر عبد ربه ويوسي بيلين اللذين “تحليا بالشجاعة الخارقة للعادة التي تفرق بين السياسي ورجل الدولة”. أما الرجلين فلم يترددا في التذكير بالدعم الذي حصلت عليه المبادرة من جانب سويسرا ومن طرف طاقم وزارة الخارجية وعلى رأسها السيدة كالمي ري التي تستعد لمغادرة منصبها الحكومي في موفى السنة الجارية.

في الوقت نفسه، تم اقتراح أن تتقلد السيدة ميشلين كالمي -ري الرئاسة الشرفية للجنة تهتم بالترويج لمبادرة جنيف لدى العواصم والمحافل الدولية باعتبارها أرضية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي هذا السياق، اعتبرت السيدة ميشلين كالمي ري في الخطاب الذي توجهت به للمشاركين أنها “قد نضجت الآن وأصبحت من المراجع التي يكثر الإستشهاد بها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. وأضافت وزيرة الخارجية أنه “ليس هناك نموذج حل يتطرق بدقة وحرص لكل تفاصيل عملية السلام غير مبادرة جنيف”.

عراقيل وتوقيت غير مناسب

بالعودة إلى مبادرة جنيف التي تم التوقيع عليها في 1 ديسمبر 2003، أظهرت عمليات سبر للآراء قام بها أصحاب المبادرة  في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بأنها تحظى بالقبول من طرف 64% من الإسرائيليين و 53 % من الفلسطينيين كأرضية للحل. ولكن المشكلة، كما جاء في تدخلات المشاركين، تكمن في أن القيادة الاسرائيلية رفضتها، وأن العواصم العالمية المعنية (حتى وإن قبلتها)، لم تدعمها بالشكل المطلوب.  

وفي هذا الصدد، قال يوسي بيلين ” إذا كانت إدارة إيهود أولمرت قد اتخذت بعضا من بنود معاهدة جنيف كأرضية للتفاوض ما بين 2007 و 2008، فإن علينا اليوم بعد وصول بنيامين نتنياهو أن نتساءل ما العمل  في ظل وجود رئيس وزراء لم يحلم ولن يحلم بتطبيق مبادرة مثل مبادرة جنيف، ورئيس وزراء تم انتخابه ديموقراطيا لكي يكون متشددا”. وأضاف بيلين أنه حدثت على الجانب الفلسطيني “تطورات مأساوية أدت الى عزل قطاع غزة ووضعت الرئيس الفلسطيني الذي هو رجل سلام في وضعية لا تسمح له بالتحدث باسم كل الفلسطينيين”.   

   

وبخصوص دعم المجموعة الدولية، انتقد يوسي بيلين ما تقوم به اللجنة الرباعية معتبرا أن ذلك ليس سوى “مضيعة للوقت”. قبل أن ينتهي الى أن “مبادرة جنيف سمحت على الأقل بالبرهنة على أن الطرفين يمكن أن يتحاورا وأنها تمثل نظرة واقعية يمكن أن تجنب كارثة”.

من جانبه، استعرض ياسر عبد ربه ما اسماها “العراقيل الكبرى” التي تعترض السلام عموما، مشددا على ظاهرة “بناء مستوطنات بوتيرة لم يسبق لها مثيل” مما يعمل على “عرقلة إمكانية تحقيق حل الدولتين”.

في انتظار “ربيع إسرائيلي”

إذا كان لقاء جنيف عبارة عن تذكير بوجود “مبادرة جنيف” وبوجوه ارتبطت من قبل بالمبادرة مثل يوسي بيلين او ياسر عبد ربه، فإن الجديد تمثل في مشاركة الفيلسوف الفرنسيبيرنار هنري ليفي (الذي أثارت مشاركته في ربيع ليبيا الكثير من الجدل) والحضور المتميز لايتساك فاكنين، نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، والعضو في حزب شاس الديني  الذي خاطب السياسيين في بلده  بقوله “لا يمكن أن نستغني عن المسيرة السلمية مهما كان لون الحكومة الإسرائيلية، وإن أية مماطلة ما هي إلا هدر للوقت”.

وفي رسالة موجهة إلى الوسطاء الأوروبيين وغيرهم، قال نائب رئيس الكنيسيت: “عليكم أن تواصلوا القيام بدور الجسر وأن لا تخيب آمالكم لأنني على قناعة راسخة بأنه في نهاية المطاف سنقتطف ثمار هذه الجهود الجبارة لفرض سلام لصالح الشعبين”.

بيرنار هنر ليفي، لم يتردد في التطرق إلى تجربته في أحداث ليبيا، مثيرا اعتراض جانب من الجمهور، ومُسهبا في تمجيد الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في ثورات الربيع العربي بالتأكيد على أن “منظمات المجتمع المدني هي السلطة اليوم، وهي صاحبة المبادرة وهذا ما تعلمناه من الإنتفاضات الحاصلة في العالم العربي”.

وبالفعل خصص الإجتماع المنعقد في جنيف (إلى جانب السياسيين والبرلمانيين)، حيزا لممثلين عن الشبيبة الفلسطينية والإسرائيلية. فقد تحدثت الشابة الفلسطينية تامي الرافدي عن معاناة الشعب الفلسطيني من ممارسات الإحتلال الإسرائيلي ومن المماطلة في المفاوضات وقالت “وصلنا اليوم إلى نقطة اللاعودة لذلك نطالب باستقلال واعتراف كامل”.

من جهتها، أشارت الإسرائيلية فيكي ايزدينسكي، المنحدرة من هجرة أوكرانية حديثة العهد إلى أن “الكثير من المهاجرين الذين يقيمون في المستوطنات لا يعلمون بحقيقة تاريخ الأراضي التي يقيمون فوقها إلا إذا تم التطرق لذلك من قبل إعلام باللغة الروسية وهو ما سمح لعائلتها بالتعرف على الحقيقة واعتزام التخلي عن مواصلة العيش في المستوطنات”. وترى الشابة الإسرائيلية أن مبادرة جنيف “يمكن أن تسهم في هذا المجال”.

جنيف 2.0.. استمرارية وأمل

الرئيسة السويسرية التي شددت في بداية خطابها على أن مبادرة جنيف 2.0 “ليست مبادرة جديدة بل استمرار للمبادرة الأولى”، نوهت بما استمعت إليه من الشخصيات الإسرائيلية والفلسطينية المشاركة بحضور أكثر من 600 شخص في جامعه جنيف، واعتبرت أنه يشجع على المضي قدما في توعية المجتمع المدني وقالت: “إن الثورات العربية ومن قبلها ثورات أخرى علمتنا أن العمل داخل المجتمعات هو الوحيد القادر على خلق الحراك الضروري القادر على تحقيق السلام”.

وأضافت الرئيسة الحالية للكنفدرالية أن “الثورات التي يعرفها العالم العربي تعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط. فقد أصبح كل شيء ممكنا لأن ما نعيشه في تونس ومصر وليبيا لم يكن متوقعا قبل عام. وفي عام 2003 استطاع يوسي بيلي وياسر عبد ربه أن يفكرا في ما لم يكن متوقعا. وعلينا اليوم أن نفكر فيما لا يمكن توقعه” أيضا.

واختتمت كالمي – ري بالتأكيد على أن “مبادرة جنيف 2.0 هي بداية تفكير بين مواطنين اسرائيليين وفلسطينيين وأوروبيين وعرب من أجل تحديث برنامج قد يصبح صالحا للإستخدام من قبل الجيل الذي سيعيش مرحلة السلام”.

في معرض تكريم رئيسة الكنفدرالية، قدم لها ياسر عبد ربه آلة عود من صنع فلسطيني “يمثل شعار فلسطينيا وهو سلف ما يعرف اليوم بالقيتارة”، مضيفا بأنه “شعار للسلام أيضا لأن اللغة التي يعرفها الجميع بدون استثناء هي الموسيقى”.

يوسي بيلين قدم للرئيسة السويسرية ساعة معلقا على ذلك بقوله” لقد اخترنا ساعة لأن الرؤساء لا يستطيعون الإحتفاظ بالهدايا التي يتلقونها أثناء توليهم المنصب. ولكن بإهداء رئيسة سويسرا (بلد الساعات) ساعة فقد لا تتعلق بها ولا تندم على تركها في القصر الرئاسي”.

بحكم تزامن إحياء مبادرة جنيف مع قرب مغادرة كالمي ري لمنصبها كرئيسة للكونفدرالية وكوزيرة خارجية، تعددت الإشادة أثناء التدخلات بالدور الذي لعبته الوزيرة في إطلاق ورعاية مبادرة جنيف وفي غيرها من الأحداث الدولية.

هذه المسألة أوحت لياسر عبد ربه بمداخلة قال فيها: “منذ بداية الحفل وأنا اضحك داخل نفسي لأنني أقارن كيف أن رئيسة سويسرية انهت مهمة خدمة شعبها وهي اليوم يُحتفل بمغادرتها لهذا المنصب، وكيف انتهى رؤساء عرب لم يخدموا شعوبهم، وحكموا البلاد لعشرات السنين، ولم يرغبوا في التخلي عن السلطة…”

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية