مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا يجب ربـط كافة المشاكل التي تعيشها سويسرا بالمهاجرين”

السيد فرانسيس ماتي، أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الأجانب يوم 23 مايو 2011 بمناسبة صدور تقريرها لعام 2010 Keystone

أصبح تأثير المهاجرين على بيئة سويسرا ونوعية الحياة فيها موضع جدل سياسي في البلاد، لكن اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة تعتقد أن التركيز على الهجرة كمصدر وحيد للعديــد من المشاكل التي تعيشها سويسرا أمر خاطئ تماما.

وفي لقاء صحفي نظم يوم الإثنين 23 مايو في برن، دعا رئيس اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة، فرانسيس ماتي، إلى معالجة مختلف التحديات التي تواجهها سويسرا في الوقت الراهن “ضمن المجالات السياسية المرتبطة بها”. وأضاف في تصريحات لـ swissinfo.ch: “ما نقوله بصوت عال وواضح هو أن مشاكل النقل والبيئة وغيرها لا يجب أن يتم ربطها حصريا بـالمُهاجرين”.

تصريحات رئيس اللجنة التي عقدت مؤتمرها السنوي لعرض نتائج تقريرها لعام 2010، تزامنت مع إعلان حزب الشعب (يمين شعبوي) في نفس اليوم عن اعتزامــه إطلاق مبادرة شعبية لاعتماد سقف ونظام حصص لعدد الأجانب الذين تمنح لهم رخص الإقــامة.

من جانبها، أطلقت جمعية البيئة والسكان السويسرية “إيكوبوب” مبادرة شعبية بعنوان “أوقفوا الإكتظاظ السكاني من أجل ضمان الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية”. وتـريد الجمعية بألاّ يتجاوز المعدل السنوي لنمو السكان في سويسرا نسبة 0,2% – علما بأنه يستقر حاليا في 1,3%. وتقول “إيكوبوب” إن المبادرة لا تستهدف الأجانب بل تقف ضد الإكتظاظ السكاني فوق الكرة الأرضية بشكل عام. وعلى موقعها الإلكتروني، يقرأ المتصفح: “ما يثير اهتمامنا هو الكثافة السكانية، بغض النظر عن المكان الذي يأتي منه النـاس”.

  

 وكان عضوان في حزب الخضر السويسري قد أصدرا في نهاية عام 2009 وثيقة تفكير مثيرة للجدل تحذر من خطر الإكتظاظ السكاني على البيئة، رغم أنها لم تتضمن أية إشارة صريحة إلى الأجانب. آنذاك، قال باستيان جيرو، أحد مُحرري الوثيقة، في تصريح لصحيفة “لوماتان” (الواسعة الإنتشار التي تصدر بالفرنسية في لوزان) إنه يعتقد بأن المشكلة قد تُحــل أيضا إذا ما ارتفعت الهجرة انطلاقا من سويسرا.

“ساكنة تنمو فقط بفضل الهجرة”

وفي توضيحاته لـ swissinfo.ch، قال رئيس اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة: “تنسب بعض العناصر السياسية في هذا البلد الصعوبات إلى السكان الأجانب، ولكن دورنا كلجنة لا يتمثل في محاولة تقديم الحجج المضادة، بل في تقديم الوقائع كما هي حقا، إن أمكن. والوقائع كما هي في الحقيقة تظهر أننا نعيش في بلاد تتطلع إلى اقتصاد عالي الجودة، وأن لدينا ساكنة سويسرية لم تسجل نموا منذ سنوات عديدة، وهي تنمو فقط بفضل الهــجرة”.

وأشار تقرير اللجنة لعام 2010 إلى أن الحاجة إلى الموظفين المتخصصين الأجانب لا تقتصر على الشركات الكبرى، بحيث أن حوالي 80% من الشركات الصغرى والمتوسطة تواجه حاليا صعوبات على مستوى توظيف المهارات التي تحتاج إليها. ولئن كانت اللجنة تقر بأن النمو يجلب المشاكل، فإنها تشدد في الآن نفسه على ضرورة معالجتها في سياق سياسات التخطيط والبنية التحتية والنقل والسكن.

وقد نوه التقرير أيضا إلى أن سويسرا تستفيد من المدفوعات التي يقدمها العمال الأجانب في إطار نظام الضمان الاجتماعي، مشيرا إلى أن صندوق “التأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة” (AVS) كان سيعاني من العجز منذ عام 1992 لولا المساهمات المالية للمهاجرين، طبقا للحساب الذي قامت به وزارة الشؤون الداخلية.

وأضاف التقرير بأن “الهجرة تبطئ أيضا شيخوخة السكان”، لكنه يقر في ذات الوقت بأن إسهامات المهاجرين لن تكون كافية على المدى الطويل، داعيا إلى ابتكار طرق جديدة لضمان تمويل نظام التأمين الاجتماعي في سويسرا.

 
ولفت رئيس اللجنة في حديثه لـ swissinfo.ch الإنتباه إلى أن سويسرا تحتاج للعمال غير المهرة لشغل الوظائف التي لا يستطيع أو لا يريد أبناء البلاد القيام بها. ولئن كان الأشخاص الأقل تأهيلا هم الذين يواجهون أكبر الصعوبات ليتقبلهم المجتمع، فإنهم يساهمون في رفــاهية سويسرا في مجالات مثل المستشفيات، وصناعة الفنــادق والزراعة.

ويضيف فرانسيس ماتي ضمن نفس السياق: “إذا كنتم ستقولون ببساطة عليهم أن يذهبوا، أو ينبغي خفض عددهم، فأنتم تحتاجون إلى معرفة من سيحل محلهم”، قبل أن يستدرك متسائلا: “كيف تريد أن تكون سويسرا في السنوات العشر أو العشرين القادمة؟ هذه أسئلة حقيقية يجب طرحها”.

قصة نــجاح

رغم كل شيء، يظل رئيس اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة على قناعة بأن سويسرا هي نموذج للنجاح، بالمقارنة مع جيرانها فيما يتعلق بســياسة اندماج الأجانب.

ويقول في هذا الصدد لـ swissinfo.ch: “بالطبع، لا يزال هناك بعض الناس الذين لا يتأقلمون بالطريقة التي تناسبنا، ولكن الأغلبية الساحقة من المهاجرين تقبل قــيم هذا البلد، وتمارس عملا، ويذهب أبناؤها إلى المدارس، ونعتقد بأن اندماجهم ناجح جدا”.

وبينما تركز الاهتمام، إلى حد كبير حتى الآن، على عملية اندماج المهاجرين الذين يعيشون في المدن، اتضح خلال السنوات القليلة الماضية أن العديد منهم – على غرار الكثيرين من أبناء سويسرا – قد ابتعدوا عن المناطق الحضرية ليستقروا في الضواحي الخارجية للمدن، والتي لا تزال إلى حد ما شبيهة بالمناطق الريفية.

وكانت اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة قد أطلقت في عام 2008 برنامجها “شبه الحضري” لتعزيز اندماج الأجانب في تلك المناطق أيضا. ووفرت الدعم والمساعدات لخمس مناطق تقدمت بمقترحات من أجل تشجيع التعايش الإيجابي بين المجموعات السكانية.
 
وقالت مديرة اللجنة سيموني برودوليي في تصريحاتها لـ swissinfo.ch إن المشروع لا يزال في مراحله الأولوية، ولكنه نجح رغم ذلك في خلق وعي متنامي في المناطق المعنية بأن معالجة المشاكل بنجاح تتطلب إشراك كافة السكان المحليين. 

وأضافت برودوليي أن المشروع حقق نجاحا آخر بحيث وفر لـ “فاعلين مُختلفيـن” لهم “خلفيات متباينة” فرصة العمل معا – في مجالات التخطيط الحضري والعمل الاجتماعي ومجالات أخرى – وإيجاد النقاط المشتركة التي يمكن التعاون بشأنها.

ويجري حاليا توسيع نطاق المشروع من خلال دعوة مناطق أخرى إلى الإجتهاد في تقديم اقتراحات من أجل الحصول على دعم اللجنة.

أطلقت اللجنة الفدرالية المكلفة بقضايا الهجرة في عام 2008 مشروعها الخاص بالمناطق شبه الحضرية.

شملت المرحلة الأولى من المشروع خمس مناطق:

– راينتال (كانتون سانت غالن)

– فرايامت (كانتون أرغاو)

– كانتون غلاروس

– لابروا (كانتونا فريبورغ وفو)

– لو شابلي (كانتونا فو وفالي)

أما أهداف المشروع فهي التالية:

– المساهمة في التنمية الـمحلية

– المساعدة على تحسين التعايش بين الفئات السكنية

– تحقيق التقارب بين فاعلين مختلفين لهم خلفيات مختلفة

– تشجيع السكان المحليين على المشاركة في معالجة مشاكل منطقتهم

– رفع الوعي بالعمل في مجال الاندماج

– ابتكار طرق جديدة لتنفيذ برامج الاندماج

– تشجيع انتهاج سياسات محلية مستدامة في مجال الاندماج

– وبالنسبة للمرحلة الثانية من المشروع، تمت دعوة 15 منطقة إضافية إلى التقدم بطلب للحصول على دعم اللجنة من أجل تعزيز اندماج الأجانب.

أظهرت دراسة ديموغرافية أصدرتها يوم 24 مايو 2011 منظمة “Travail.Suisse” المدافعة عن حقوق العمال في سويسرا بأن البلاد ستفتقر في عام 2013 لما يقل عن 400000 عامل.

ويظهر هذا العدد الهائــل بأن النقص الحاد في اليد العاملة سيؤثر على المجالات الأساسية التي تحدد نوعية الحياة بالنسبة لكافة السكان: الافتقار للموظفين في المستشفيات ودور العجزة، رفع الطاقة الاستيعابية للفصول الدراسية إلى حد كبير في المدارس العمومية بسبب الافتقار للطاقم التعليمي، إلغاء بعض القطارات بسبب النقص في عدد سائقي القطارات، الحد من الخدمة الأمنية بسبب الافتقار للشرطة…، إلخ.

ولتفادي النقص الحاد في اليد العاملة دون اللجوء بشكل مفرط إلى الهجرة، يتعين على سوق العمل مواجهة التحديات الديموغرافية، حسب الدراسة. وهذا يعني تعزيز مواقع العاملات والعمال والاعتراف بقيمة اليد العاملة المتواجدة. وحسب الدراسة التي قام بها مكتب دراسات سياسة العمل والسياسة الاجتماعية BASS، يمثل العمال المسنون والعاملات بدوام جزئيخزانا ممكنا يوفر 200000 عامل.

ويعتقد أصحاب الدراسة بأنه يتعين القيام باستثمارات في مجالي الصحة والتكوين لفائدة العمال والتوفيق بين النشاط المهني والحياة الأسرية. وهذا يعني على أرض الواقع: منح المزيد من العطل وتوفير ظروف عمل تناسب العمال المسنين من أجل ضمان وضع صحي أفضل لهم، وتوفير المزيد من مواطن العمل بدوام جزئي، والمزيد من الهياكل لرعاية الأطفال في كافة أنحاء البلاد من أجل توفيق أفضل بين الحياة العائلية والنشاط المهني، وفرض التكوين المستمر بهدف رفع مستوى تكوين كافة العاملين.

(المصدر: الموقع الإلكتروني لمنظمة “Travail Suisse” المدافعة عن حقوق العمال).

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية