مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإستفتاء حول تقرير المصير في كردستان العراق في مهبّ الصراع

مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق لدى وصوله لتفقد أوضاع قوات البشمركة التي كانت تستعد نهاية سنة 2014 للهجوم على مواقع كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" في قمة جبل سنجار، شمال العراق. Keystone

يتشابك المشهد الكردي المتوتر مع الوضع العراقي المتقلب في لعبة تقترب من حافة الإنفجار حينا وتطحن الغضب والنقمة أحيانا كثيرة، من دون أن يحسم أحد الطرفين الصراع إما بالإنفصال عن الدولة الإتحادية أو بإعادة الإقليم مجددا إلى بيت الطاعة.

من هنا يبدو الإصرار على إجراء استفتاء تقرير المصير في كردستانرابط خارجي خطوة متقدمة من أكراد العراق لمحاولة تكريس الإنفصال، بعدما تجمّعت في عاصمتهم إربيل جميع مقومات الإستقلال عدا اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم ورفع علمهم أمام مقر المنظمة الأممية.

وطالما أن الأكراد يُشكّلون أقلية مهمة في البلدان الأربعة التي يعيشون فيها وهي تركيا والعراق وإيران وسوريا، فإن أي خطوة تمنحهم فرصة المشاركة في نحت مصيرهم بأنفسهم هي شكل متقدم من الممارسة الديمقراطية. ولذا فإنهم انضموا بأعداد كثيفة، على مدى أكثر من نصف قرن، إلى التنظيمات السياسية وحتى العسكرية التي جعلت من تقرير مصير الكُرد هدفا لها.

زعماء وأحزاب

بالعودة إلى شيء من التاريخ، ظهرت تلك النزعة الإستقلالية مع الحزب الديمقراطي الكردستانيرابط خارجي الذي أسسه المُلا مصطفى البرزاني والد مسعود الرئيس الحالي لإقليم كردستان العراق، قبل أن ينشق عنه جلال طالباني، ويُؤسس الإتحاد الديمقراطي الكردستانيرابط خارجي.

كما ظهرت النزعة الإنفصالية نفسها في تركيا مع حزب العمال الكردستاني الذي أسسه عبد الله أوجلان المسجون حاليا في جزيرة إيمرلي التركية، وكذلك مع حركة الأكراد الإيرانية التي أطلقها عبد الرحمن قاسملو قبل أن تغتاله المخابرات الإيرانية في مطعم بألمانيا. أما أكراد سوريا فتقاتلوا مع نظام الأسد الأب والابن على أمل تحصيل حقوقهم القومية، فيما مال بعضهم إلى الشراكة مع النظام البعثي، مع أن العمود الفقري لرؤية البعث الفكرية يقوم على الإعتقاد في تفوق القومية العربية على القوميات الأخرى.

غير أن هذا المشهد المتشابه في التضييق على الكُرد أينما كانوا لم يكن مُتطابقا تماما، فعلى عكس تركيا التي كانت تحظر على أكرادها أن يتخاطبوا مع بعضهم البعض بلغتهم، أو حتى أن يُعرّفوا أنفسهم بوصفهم أكرادا، وتُصر على تعريفهم بصفتهم “أتراك الجبل”، كان أكراد العراق يُصدرون الصحف والمجلات والكتب بلغتهم القومية، التي كانت تُعلم في المدارس في المناطق الكردية.

بهذا المعنى يُعتبر تحصيل بعض الحقوق الثقافية خطوة نحو إفساح المجال أمام هذا المُكوّن المهم من الشعب في كل من تركيا وسوريا وإيران والعراق من المشاركة السياسية. أما إقامة حكم ذاتي وإجراء انتخابات لاختيار المسؤولين في الإدارة المحلية بما فيها برلمان الاقليم، فهما مظهران أكثر تقدما للمشاركة السياسية التي لم ينعم بها الكرد في الماضي.

في هذا السياق، يمكن إدراج مبادرة إجراء استفتاء لتقرير المصير في كردستان العراق إذا ما نظرنا إليها من زاوية بريئة، أي كخطوة لتطوير النواة الصلبة للحكم الذاتي (مجسدا في حكومة إقليم كردستانرابط خارجي) الذي أنشئ في الإقليم في أعقاب الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في ربيع 2003. 

تلاحم في وجه “داعش”

في تصريح لـ swissinfo.ch، اعتبر الباحث المصري الدكتور حسن أبو طالب أن التهديد الإستراتيجي الذي يُمثله تنظيم “داعش” للأكراد يُشكل أحد عناصر التلاحم بينهم، وعزا ذلك إلى أن سيطرة التنظيم على المدن والبلدات في غرب العراق وشماله، وكذلك محاولته التقدم نحو إربيل عاصمة اقليم كردستان في الوقت نفسه، أدتا إلى “نشوء حالة من التضامن القومي الكردي، الذي لم يكن متوفرا بهذا الزخم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية”.

أما سيروان قجو، الباحث المتخصص في الشؤون الكردية فقال لـ swissinfo.ch: “إن الحديث الدائم عن الاستقلال في إقليم كردستان العراق مُعقد أكثر مما يبدو، “فلما قرر برلمان الاقليم في الصيف الماضي (2015) إجراء استفتاء للإنفصال عن العراق، اعتقد الكثيرون أن إنشاء دولة كردية بات مسألة وقت ليس إلا. لكن القيادة الكردية العراقية ارتأت أن استئناف المفاوضات مع بغداد كان أكثر أهمية من المضي في التهديد بورقة الإستقلال”. وأضاف “قد تكون مشاركة القوات العراقية مع قوات البيشمركة الكردية في قتال تنظيم الدولة الاسلامية إحدى الإشارات المهمة التي أقنعت الأكراد العراقيين بأن البقاء ضمن عراق موحد في الوقت الراهن، سيساعدهم على الوقوف في وجه داعش”.

ومضى قجو شارحا أن “إزالة الخلافات العالقة بين إربيل وبغداد بوساطة أمريكية سيُمكّن الكُرد من تحسين وضعهم الإقتصادي دون الإرتهان لتركيا في مشاريعهم المستقبلية، بما فيها مشروع الإستقلال في حالة عدم التجانس الوطني مع بغداد”. وزاد أن “القيادة الكردية ليست موحدة في خطابها مع بغداد أو مع دول الجوار، فالحزبان الرئيسيان في الإقليم (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) مختلفان تماما على شكل العلاقة مع الحكومة المركزية، فالاتحاد بزعامة طالباني يُعارض بشدة فكرة إنشاء دولة كردية في الوضع الراهن، مُبررا ذلك بأن الظروف الاقليمية لا تسمح بقيام كيان كردي مستقل”. وأشار قجو إلى أن حزب طالباني يُعتبر حليفا وثيقا لإيران بينما يتسم حزب برزاني بعلاقاته المتينة مع تركيا.

برزاني الجد والأب و… الحفيد

هذا الخلاف ليس جديدا في تاريخ العلاقات المتوترة بين الحزبين الغريمين، اللذين وصلا إلى حد الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، فقيادة الاقليم ظلت في قبضة الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه برزاني منذ قيامه إلى اليوم، فيما تم ترحيل” منافسه اللدود جلال طالباني إلى بغداد لتُسند له رئاسة جمهورية العراق ذات الطابع الشرفي، قبل أن يُزيحه منها المرض. وعلى رغم أن برزاني أكمل ولايتيه القانونيتين منذ قرابة العام، فإنه مازال متشبثا بكرسي السلطة، بينما يتولى ابنُه رئاسة الوزراء، ما أشعل صراعات مع مختلف القوى السياسية في الإقليم، التي تريد أن تأخذ حصتها من إدارة دواليب الدولة، وخاصة منها تلك التي تعيب عليه علاقاته القوية مع تركيا وتحالفه العسكري معها لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. 

هذه الأزمة السياسية، المعطوفة على أخرى دستورية، تضافرت أخيرا مع أزمة ثالثة اقتصادية لم يعرف الإقليم مثيلا لها من قبل. فعجز الحكومة المحلية عن صرف الرواتب منذ خمسة أشهر أطلق موجة غضب واسعة تُهدد بتقويض الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي الذي ظل الإقليم ينعم به، وسط الحروب المستعرة في جواره المباشر. وطالما أن الصخرة التي يقوم عليها اقتصاد الاقليم هي حقول النفط، خاصة في مدينة كركوك المتنازع عليها مع السلطة الاتحادية، فإن هبوط الأسعار بشكل غير مسبوق منذ أكثر من عشر سنوات يُزعزع أسس الحكم الذاتي ويطرح أسئلة كبرى عن وجود مقومات الاستقلال الذي تطمح إليه غالبية الأكراد على ما يبدو.

ربما لهذا السبب أكدت صحيفة “ذي أنديبندنترابط خارجي” البريطانية الصادرة يوم 10 فبراير 2016 أن تنظيم داعش ليس التهديد الوحيد للأكراد، بل هناك مشكلات أخرى مثل انهيار أسعار النفط، الذي دفن حلم إقليم كردستان العراق بالتحول إلى دولة نفطية أسوة بالكويت أو دبي، وبشكل يُمكّنه من الإستقلال عن بغداد. فبعض الأكراد شككوا في إمكانية رؤية كردستان دولة نفطية مستقلة، وقالوا إنهم يرفضون إنشاء نظام ريعي يحصل منه المواطنون على حصة من عائدات النفط مقابل لاشيء. وأشارت الصحيفة إلى أن “النظامين في بغداد وإربيل لا يختلفان عن بعضهما البعض فكلاهما نظام قمعي وفاسد يعتمد على حكومة معطلة تحتكر السلطة عبر التحكم في عائدات النفط”. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية