مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جامعاتُ سويسرا عالية المستوى ومواطنوها أكثر انفتاحًا”

الباحث المصري عمر شكري رفقة فريق عمل المؤسسة التي أنشأها في القاهرة
د. عمر شكري (الثالث من اليمين) مع فريق عمل مركز "نواة" الذي قام بتأسيسه ويُديره حاليا. swissinfo.ch

أرجع الباحث المصري الدكتور عمر شكري صقر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "نواة" للأبحاث العلمية، تفضيله للسفر إلى سويسرا لاستكمال دراسته بها إلى ارتفاع مستوى الجامعات في الكنفدرالية، وإلى التعاون الوثيق القائم بين الصناعة والجامعات، وإلى وجود اثنين من كبريات شركات الأدوية في العالم بها، وهما "نوفارتس" و"روش"، إضافة إلى أن ما هو معروف من أن عدد شركات الأدوية في سويسرا كبير بالنسبة لمساحتها.

وفي حوار خاص أجرته معه swissinfo.ch في القاهرة، قال صقر الحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة جنيف في نوفمبر 2015، في مجال التكنولوجيا الصيدلية إن “المواطن السويسري أكثر انفتاحًا على الآخرين مقارنة بغيره من مواطني أوروبا، وتحديدًا ألمانيا، التي عشت بها ثلاث سنوات، كما أنه أكثر تقبلاً للأجانب، وخاصة من ذوي الدرجات العلمية، وأكثر احترامًا للآخر، بغض النظر عن دينه وجنسيته وبلده”؛ مشيرًا إلى أن السويسري “بطبعه مكافح، بحب العمل، ويهتم بتجويده وإتقانه، فضلاً عن احترامه للوقت”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار.

swissinfo: لماذا اخترتَ سويسرا دون غيرها من دول أوروبا وأمريكا للسفر للدراسة بها والحصول على درجة الدكتوراة منها؟

د. عمر شكري: بعد تخرجي في كلية الصيدلة، بجامعة عين شمس، عام 2005، وتعييني مُعيدًا بكلية الصيدلة بالجامعة الألمانية بالقاهرة، حصلت على الماجستير في علم “تكنولوجيا الصيدلة”، ثم سافرت إلى أوروبا للحصول على درجة الدكتوراة، بعدما قبلت في جامعة جنيف في عام 2010، حيث أقمت في برلين حتى عام 2013، كنت خلالها أزور جنيف مرة كل شهر، وعندما أفلست الشركة الألمانية الراعية للمشروع البحثي، انتقلت للإقامة الكاملة في سويسرا، والدراسة بكلية الصيدلة التابعة لجامعة جنيف.

وقد اخترت سويسرا، للدراسة بها، لأنها واحدة من أهم دول العالم في مجال تكنولوجيا الصيدلة، فضلاً عن أن بها اثنان من كبريات شركات الدواء في العالم، وهما “نوفارتس” و”روش”، ولأن الصناعة في سويسرا تمتاز عن غيرها في دول العالم، بأنها أكثر ارتباطًا وتنسيقًا مع التعليم الجامعي.

إضافة إلى أن أصحاب المصانع في سويسرا، عمومًا، ومصانع الأدوية على وجه الخصوص، يتواصلون مع الجامعات، ويعرضون عليها المشاكل والتحديات التي يقابلوها في الصناعة، والجامعات بدورها تحول هذه المشاكل إلى مشاريع بحثية، بحثًا عن حلول مبتكرة، وغير تقليدية، “من خارج الصندوق”، كما تمتاز سويسرا بأنها دولة صغيرة، وهو ما يسهل عملية تواصل المصانع مع الجامعات، إضافة إلى أن ظروف التعليم في سويسرا أفضل كثيرًا منها في ألمانيا. 

خدمات عملية وأنشطة بحثية  

توفر شركة “نواه” للباحثين المصريين فرصة العمل على أحدث الأجهزة العلمية غير الموجودة بالجامعات المصرية أو غير المُتاحة بشكل كاف لعمومم الطلاب، مما يمكن الباحث من إجراء أبحاث أفضل، وأكثر عمقًا، في أقل وقت.

يؤمل القائمون على المشروع أن يؤدي هذا النشاط في المدى المنظور إلى تغيير جذري في بيئة البحث العلمي المصري، بما سيرفع من قدرة الباحثين على إنتاج أبحاث لها قيمة تجارية حقيقية، تخدم الصناعة الوطنية، وتساهم مساهمة مباشرة في دعم اقتصاد البلاد.

تقوم الشركة باستيراد الأجهزة العلمية الحديثة، وتشغيلها في مقرها بالقاهرة، ومن ثم تقديم 4 خدمات رئيسية تشمل خدمة التحليل للغير وخدمة إيجار ساعات تشغيل على الأجهزة والدورات العلمية والمشاريع البحثية.

بدأت الشركة نشاطها في يناير 2015، ومنذ ذلك الحين قامت بتحليل أكثر من 4000 عينة بحثي لباحثين من أكثر من 20 جامعة مصرية وسعودية وتونسية وليبية.

عموما، تستهدف “نواه” مساعدة الباحثين والعلماء على إجراء أبحاث أفضل، وهي تعمل من خلال ثلاث وحدات:

1. وحدة التحليلات المتقدمة: وهي منصة علمية جاهزة، لتحليل العيّنات الخاصة.

2. وحدة التدريب والدورات: وهي تُعنى بالتدريب العملي بدءًا من المقررات الجامعية الأساسية على الأدوات التي لا تتوفر للطلاب الجامعيين، ووصولا إلى الدورات المتقدمة التي يقدمها خبراء مصريون وأجانب.

3. وحدة المشاريع البحثية الداخلية: تتعامل مع الجامعات والمؤسسات الصناعية داخل وخارج مصر، كما تتعهد وتُشارك في مشاريع بحثية رفيعة المستوى بما يجلب لمصر قيمة العلم والتكنولوجيا.

swissinfo: ما تعليقك على مستوى الدراسة والبحث العلمي في سويسرا؟

د. عمر شكري: لا شك أن مستوى الدراسة في الجامعات السويسرية، مشهود له بالكفاءة، ففي التقرير الذي أصدرته مؤسسة “تايمز”، المتخصصة في شؤون الجامعات ومؤسسات التعليم العالي حول العالم، لعام 2016 – 2017، عن ترتيب مؤسسات التعليم العالي حول العالم، جاءت سويسرا في قائمة أفضل عشرين جامعة في العالم،رابط خارجي في المرتبة الرابعة عشرة بجامعة واحدة، وهي المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، بعد الولايات المتحدة، التي تصدرت القائمة، وبريطانيا التي جاءت في المرتبة الثانية.

 swissinfo: ماذا استفدت من الدراسة في سويسرا علميًا وإداريًا؟

د. عمر شكري: لا شك أنني تلقيت في سويسرا تعليمًا عالي المستوى، في جامعة جنيف، واللافت هناك أن الوسط السويسري مهتم بمسألة ريادة الأعمال، وإدارة الأعمال، حيث حصلت على كورسات متقدمة، ودورات متخصصة، وحضرت ندوات علمية، وكلها أمور تصب في مجاليّ ريادة الأعمال (إنشاء المؤسسات)، وإدارة الأعمال (إدارة المؤسسات الموجودة بالفعل)، كما أن الإقتصاد السويسري يرى أن المستقبل للشركات صغيرة الحجم، ولهذا فإن سويسرا ترصد موازنة ضخمة لتأسيس شركات جديدة، وتعليم فن ريادة الأعمال. 

كما حصلت في سويسرا، على 3 جوائز؛ الأولى على مستوى جنيف، Innogap Fund))، وهي جائزة لتمويل الإبتكارات، التي يُمكن تحويلها لمنتجات فعلية في السوق، وتُمنح على اساس تنافسي، على مستوى جامعة جنيف، والثانية (CTI – Best Business Concept Award)، وهي جائزة تُمنح لمن يتقدم بفكرة شركة مبتكرة، وخطة أعمال مدروسة، تنظمها الهيئة الفدرالية لريادة الاعمال (CTI)، أما الجائزة الثالثة فهي: Best Poster Award (2nd Place) Swiss Pharma Day 2013

وخلال الثلاث سنوات التي عشتها في جنيف، ودرست خلالها في جامعة جنيف؛ طورت قدراتي العلمية والبحثية، وطورت إمكاناتي الإدارية في مجال ريادة الأعمال، وإجمالاً؛ فقد تعلمت هناك، العلم والإدارة معًا، ولما عدت إلى مصر، كنت أعرف أن هناك مشكلة تتلخص في نقص الموازنة المُخَصَصة من الحكومة للبحث العلمي، مع قناعتي بأن الباحث المصري خامة ممتازة، وعقلية جيدة، لكنه يفتقد إلى الأجهزة الحديثة، والأدوات المتطورة، المطلوبة في المعامل.

 swissinfo: من خلال مُعايشتك للحياة في سويسرا على مدى ستة أعوام، ما هي انطباعاتك عن المواطن والمجتمع السويسري؟

الدكتور عمر شكري: كشفت لي الفترة التي عايشت فيها جيران وزملاء سويسريين، سواء في السكن أو الجامعة أو في مدارس الأولاد، أن المواطن السويسري أكثر انفتاحًا على الآخرين مقارنة بغيره من مواطني أوروبا، وتحديدًا ألمانيا التي عشت فيها قرابة ثلاث سنوات، كما أن المواطن السويسري أكثر تقبلاً للأجانب، وخاصة من ذوي الدرجات العلمية، وأكثر احترامًا للآخر، بغض النظر عن دينه وجنسيته وبلده، إضافة إلى أنه بطبعه مكافح، ويمتاز بحب العمل، ويهتم بتجويد العمل وإتقانه، فضلاً عن احترامه للوقت.

وهناك أمر آخر، وهو أن أولادي درسوا في مدارس ابتدائية في جنيف، وطوال سنوات الدراسة لم نلمس أنا وأسرتي، أي أجواء عنصرية في تعاملنا مع المواطنين السويسريين، كما أن المدرسين في مدارس أولادي بسويسرا لا يتصفون بالعنصرية في تعاملهم مع التلاميذ المسلمين أو العرب، أو أولياء أمورهم، كما لم أقابل أي مشكلة عنصرية في التعامل مع جيران المنزل، أو زملاء العمل في سويسرا.

بالإضافة إلى أن جيران المساجد، من السويسريين، لا يشتكون، بل ويحترمون مشاعر وعقائد المسلمين، كما توفر السلطات حافلات للمسلمين، لتوصليهم إلى ساحات الصلاة في يوم العيد، وفي جامعة جنيف كانت الإدارة تسمح للباحثين والطلاب والأساتذة، بالصلاة يوم الجمعة، ثم العودة لاستكمال العمل. 

عمر شكري
د. عمر شكري (في الوسط) أثناء تسلمه جائزة المرتبة الثانية بمناسبة اليوم السويسري للصناعات الصيدلانية لعام 2013. swissinfo.ch

swissinfo: هل استطعت أن تستفيد مما درسته في سويسرا، وتطبق جانبًا من تجاربك العلمية أو في إدارة الأعمال، في مصر بعدما عدت لأرض الوطن؟

الدكتور عمر شكري: الحقيقة أنني لم أنتظر حتى العودة من سويسرا. ففي يناير 2015، وقبيل حصولي على درجة الدكتوراة من جامعة جنيف، أطلقتُ شركة “نواة”، وهو أول مركز بحثي متعدد التخصصات، يتبع للقطاع الخاص في مصر، ويغطي الجانب البحثي والتدريبي في العلوم الطبية والطبيعية، وهي شركة مساهمة مصرية، مسجلة بوزارة الإستثمار، وعندما عدت نهائيا من سويسرا بعد الحصول على درجة الدكتوراة، توليت منصب الرئيس التنفيذي للشركة.

في الواقع، تقوم شركة “نواة” باستيراد أجهزة علمية بالغة الحداثة من الخارج إلى مصر، لتسهيل مهام الباحثين، ثم يتيح المركز الفرصة للباحثين بمساعدتهم في الحصول على نتائج تحليل عيّنات بحوثهم ودراساتهم، إما عن طريق إرسال العينات للمركز، ليقوم الباحثون فيه بمهمة التحليل وتجهيز النتائج، أو من خلال استئجار الباحث لأحد أجهزة المركز، لمدة معينة، مقابل مبلغ مادي.

كما يهتم المركز بعمل دورات تدريبية للباحثين في العلوم الطبية والطبيعية، وإقامة ندوات متخصصة للطلاب في الكليات العلمية والطبية بالجامعات المصرية، كما يشترك المركز في مشاريع بحثية كاملة، مع جامعات مصرية أو غير مصرية، لتطوير منتجاتها البحثية.

swissinfo: في تقديرك، كم يُقدّر عدد الباحثين والعلماء المصريين الذين يَدرُسون أو يُدَرِسون في سويسرا؟ وفي أي مجالات يفضلون الدراسة؟ ولماذا؟

الدكتور عمر شكري: بشكل عام، يظل التمثيل المصري في سويسرا محدودا، ومن ثم فإن الباحثين المصريين هناك أقلية، غير أن هناك أعدادا أكثر من العرب، من دول شمال إفريقيا (تونس، المغرب، والجزائر)، حيث يقترب عدد الباحثين والدارسين العرب في سويسرا من ثلاثة آلاف باحث ودارس في مختلف التخصصات.

وبصفة عامة، يُفضل الباحثون العرب في سويسرا متابعة الدراسة في المجالات العلمية، وتحديدًا في فرعي العلوم الطبية والطبيعية، وذلك لقوة ومكانة الجامعات هناك، بالإضافة إلى الإمكانيات المالية والبحثية التي تتيحها الجامعات هناك للدارسين والباحثين، فضلاً عن أن الباحثين المصريين والعرب في الجامعات السويسرية، يمثلون قصص نجاح متحركة، كما أن المناخ العام المهيأ، يزيد من قدرة الأجانب المقيمين بها على الإندماج في المجتمع السويسري، عن غيرها من الدول المجاورة لها وخاصة ألمانيا وفرنسا. 

swissinfo: بعد الحصول على الدكتوراة من جامعة جنيف، ألم تُعرض عليك فرصة جيدة للعمل أو التدريس في سويسرا؟

الدكتور عمر شكري: قبل العودة إلى مصر بفترة قليلة، تم قبولي للعمل في شركة “نوفارتس”، وهي إحدى كبريات شركات الأدوية في العالم، لكنني فضلت العودة إلى مصر رغبةً في تحقيق حلمي القديم، ألا وهو قيادة مركز “نواة” للأبحاث العلمية الذي أسسته وقدته عن بُعد من سويسرا منذ يناير 2015.

معلومات أساسية 

بدأت “نواه” نشاطها في يناير 2015، كأول مركز بحثي متخصص في مجالات العلوم الطبية والطبيعية، يملكه القطاع الخاص المصري، من أجل لتمكين العلماء المصريين، العاملين في مجالات العلوم الطبيعية والطبية، من خلال تزويدهم بأحدث المعدات العلمية، والدراية الفنية ذات الصلة.

نمت الشركة من فريق عمل مُكون من 5 أفراد، إلى 12 فردًا.

بدأت الشركة العمل باستثمارات حجمها 2,5 مليون جنيه مصري، من 34 مستثمر، وحققت في السنة الثانية معدل نمو بلغ 420%.

يُنتَظَر أن تتلقى “نواه” قبل نهاية عام 2017 استثمارات إضافية، قيمتها 400 ألف دولار من مستثمرين جدد.

تخطط “نواه” للتوسع رأسيا في مصر، ثم أفقياً في الدول المجاورة، مثل: الأردن والسودان وتونس والجزائر والمغرب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية