مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

500 عام على انضمام أبنزل إلى الكنفدرالية السويسرية

المارة في شورارع سويسرا يتعرفون على الفور على هؤلاء الرجال الثلاثة من أبنزل الذين يرفضون البوح بسر صناعة جُبنة منطقتهم المشهورة، في إطار حملة إعلانية واسعة الإنتشار Keystone

"لن نبوح بسرّنا": هذا هو الشعار الذي يرفعه ثلاثة رجال كبار السن يرتدون الزي التقليدي لمنطقتهم، وهم يتباهون بمزايا جُبنة أبنزل في سلسلة من الملصقات الإعلانية الشعبية. المشهد يعكس شكلا ومضمونا بعض القيم المرتبطة بكانتونهم: التقاليد، وحب الوطن، والعناد.

يوم 17 ديسمبر 2013، ستكون قد مرت بالضبط خمسة قرون على انضمام كانتون أبنزل إلى الكنفدرالية السويسرية. وقد تواصلت الإحتفالات بهذه الذكرى طيلة العام، وبلغت أوجها بتنظيم جملة من التظاهرات التي استمرت يوما كاملا بحضور الرئيس السويسري لهذا العام، أولي ماورر.

وقال ماورر في كلمة ألقاها أمام الحضور بتلك المناسبة: “إن افتخاركم بوطنكم وتقاليدكم يجعل منكم مثالا رائعا للتنوع في بلادنا”.

ولكن بينما يشيد السويسريون بتنوعهم هذا، يظل هذا الكانتون الصغير الواقع شمال شرقي البلاد – والذي هو في الواقع مكون من نصف كانتون أبنزل رودس الداخلية ونصف كانتون أبنزل رودس الخارجية، مُختلفا أكثر بقليل عن البقية في عيون غير المُنتمين لأبنزل.

أبنزل هو الكانتون الوحيد الذي يحيط به كانتون آخر بالكامل (وهو سانت غالن).

هو الكانتون الوحيد الذي لا تُدار فيه القطارات من قبل هيئة السكك الحديدية الفدرالية، بحيث تتولى تشغيل القطارات شركة أبنزل للسكك الحديدية، ومعظم السكك ضيقة.

أبنزل رودس الداخلية (AI) هو أحد الكانتونين السويسريين فقط – الآخر هو غلاروس- الذي احتفظ بالجمعية الشعبية في الهواء الطلق (لاندسغيمايندي) التي تُعقد مرة في العام لتصويت الناخبين على مسائل تهم الكانتون.

يُعرف أبناء أبنزل بقامتهم القصيرة، إذ تبلغ في المعدل 1.761 مترا، أي أقل بـ 2,8 سنتم مقارنة مع رجال بازل التي تتواجد بها أطول القامات، وفقا لمعهد دراسة التركيب البنوي في جامعة زيورخ.

بصفته كانتونا بروتستانتيا، احتفظ أبنزل رودس الخارجية بالتقييم اليولياني القديم إلى عام 1789 – ورفض التقويم الميلادي الأكثر دقة لأنه اعتُمد من قبل البابا في عام 1582.

أبنزل فخور بتقاليده وفولكلوره الفريدين من نوعهما، كأنواع تأليف الموسيقى المختلفة، والأزياء اللافتة للنظر سواء للرجال أو النساء. كما يشتهر أهل أبنزل بالطرافة وروح الدعابة.

صورٌ نمطية

في مقابلة مع swissinfo.ch، صرح دانييل فيسلير، رئيس حكومة نصف كانتون أبنزل رودس الداخلية: “هنالك الكثير من الكليشيهات حول أبنزل، من قبيل أننا مُنطوون جدا، ولكنني أعتقد أن هذه قصة قديمة حقّا. إن التاريخ والتقاليد لهما أهمية كبيرة بالنسبة لنا، ولكننا نشعر بالإرتياح أيضا في العالم الحديث. إن حياتنا تشبه السير على حبل مشدود، وأعتقد أننا نتدبّر أمرنا بشكل جيد جدا”.

غير أن نتائج استطلاع للرأي نشرته في بداية عام 2013 شركة الإستشارات في مجال التسويق والإعلانات ” Campaignfit” كشفت أن أبنزل – وخاصة رودس الداخلية – يقترن في ذهن الكثير من السويسريين بكانتون مُتعصب ورجعي.

وربما لم يتخلص بعد نصفا الكانتون من الحرج الذي أحدثته مقاومتهما لمنح النساء حق التصويت على المستوى الكانتوني إلا بعد فترة طويلة من حصولهن عليه على المستوى الفدرالي. وقد صمد أبنزل رودس الداخلية إلى عام 1991، عندما أجبره حكم أصدرته المحكمة الفدرالية على تغيير موقفه، بينما كان أبنزل رودس الخارجية قد قبل بالأمر المحتوم عام 1990.

ولكن كم من الغرباء يعلمون أن أبنزل رودس الخارجية تمكن بعد أربع سنوات فقط من ذلك التاريخ أن يعادل برن بصفته الكانتون الذين تتواجد فيه أعلى نسبة من النساء في الحكومة؟ ومن يتذكّر أن أبنزل رودس الداخلية قدّم للحكومة الفدرالية عام 1999 ثالث امرأة تشغل حقيبة وزارية في تاريخ البلاد، ألا وهي روت ميتسلر؟

المزيد

اليوم، تترأس حكومة رودس الداخلية امرأة اسمها ماريان كولير-بوهل. وتقول مُتحدثة إلى swissinfo.ch: “ربما كان الأمر يشبه صحوة الربيع، عندما تمكنا أخيرا من المشاركة في الحياة السياسية والترشح لشغل مناصب في الهيئات الكانتونية. ولكن مع الأسف، ألاحظ أن النساء اليوم لم تعد مهتمة بالسياسة، وهذا ما يزعجني أكثر”.

وتُعزي كولير-بوهل التأخير الطويل في منح النساء الحقوق السياسية إلى قوة التقاليد، ولاسيما ما يُسمى بـ “لاندسغيمايندي” (ويُقصد بها الجمعية الشعبية) وهي من أعرق أدوات الديمقراطية المباشرة بحيث يتجمع كافة الرجال في الهواء الطلق مرة في العام للتصويت على مسائل تخص الكانتون.

وتستطرد قائلة: “لقد كان الناس يخشون من فقدان هذا التقليد في حال مشاركة النساء”. وقد ألغى أبنزل رودس الخارجية اللاندسغيمايندي في عام 1997، ولكن ظلت الممارسة قائمة في أبنزل رودس الداخلية، ولكن بمشاركة كلا الجنسين.

المؤرخ جوزيف كونغ، أصيل كانتون غراوبوندن، والذي عايش أيضا في أبنزل رودس الداخلية لمدة أربعين عاما، قدم تفسيرا مختلفا بعض الشيء لرفض الرجال في ثلاث مناسبات مذكرة سعت إلى منح النساء حق التصويت في نصفي الكانتون. وهو يعتقد أنه “في مرحلة من التغيير الإجتماعي السريع، كانوا يتمسكون بشدة بإحدى آخر بقايا “معقل الذكور” السابق”.

يوم 17 ديسمبر 2013، يحتفل أبنزل بالذكرى 500 على انضمامه إلى الكنفدرالية السويسرية.

كان آخر الكانتونات الثلاثة عشر الأعضاء في الكنفدرالية التي ظلت على حالها ما بين 1513 والغزو الفرنسي عام 1789.

انقسم الكانتون إلى نصف كانتون أبنزل رودس الداخلية (AI) ونصف كانتون أبنزل رودس الخارجية (AR) في عام 1597 لأسباب دينية. AI تكون من المناطق التي اختارت البقاء كاثوليكية رومانية، بينما تشكل AR من المناطق التي اختارت الكنيسة الإصلاحية. وأشرف على عملية التقسيم التي تمت بصورة سلمية، أعضاء آخرون من الكنفدرالية السويسرية.

  

AI وAR هما اثنين من ستة نصف كانتونات أخرى في سويسرا: وهي أوبفالدن ونيدفالدن، بازل المدينة وبازل القرية. يُمثل كل نصف كانتون بنائب واحد في مجلس الشيوخ الفدرالي، مقابل اثنين للكانتونات العادية المتبقية.

عاصمة AI هي أبنزل، وعاصة AR هي هيريساو.

AI هو أصغر كانتون سويسري من حيث عدد السكان الذي لا يتجاوز 15500 نسمة. أما AR فهو أكبر بحيث تبلغ ساكنته 53660 نسمة، وفقا لمعطيات ديسمبر 2012. AI هو ثاني أصغر منطقة بعد بازل المدينة، وAR رابع أصغر منطقة. توجد في AI مناطق محاطة بالكامل بأراضي AR.

عقليات مختلفة

في الواقع، تصرف كل من نصفي الكانتون بالمثل فيما يتعلق بالنساء، ولكن الخلافات بينهما تعود إلى بضعة قرون، وإلى عام 1597 بالتحديد.

جاء تقسيم الكانتون إلى جزئين لأسباب دينية: أبنزل رودس الداخلية يتكون من مناطق ظلت كاثوليكية رومانية؛ أما المقاطعات التي اعتمدت الإصلاح البروتستانتي فشكلت أبنزل رودس الخارجية. وعلى النقيض من مناطق عديدة أخرى في أوروبا، تمت عملية الإنقسام بصورة سلمية وديمقراطية، إذ أن كل رعية قرر الديانة التي يريد اتباعها، ومُنحت لمن اختلفوا في الرأي إمكانية الإنتقال من مقاطعتهم.

أمين المحفوظات الكانتونية في أبنزل رودس الخارجية، بيتر فيتشي، قال في تصريحات لـ swissinfo.ch أنه على الرغم من أوجه التشابه الظاهري بين المنطقتين، فإن هنالك “اختلافات كبيرة” بين العقليات، ترتبط بالخلفية الدينية أكثر من البيئة الطبيعية.

ويشاطر كونغ هذا التحليل قائلا: “إن روح الإصلاح حفزت تطوير الصناعة والتجارة في أبنزل رودس الخارجية، بحيث أصبح بالتأكيد أكثر عالمية، وإن كانت لا تزال فيه بعض التيارات المُحافظة”.

ويعود قطاع الغزل والنسيج في أبنزل رودس الخارجية إلى القرن 16. وكان يُصدّر منتجاته في البداية إلى أوروبا، ثم إلى جميع أنحاء العالم لاحقا، ابتداء من منتصف القرن 19.

من جانبه، ظل أبنزل رودس الداخلية، منطقة زراعية إلى حد كبير، وكانت المناطق التي يصدر إليها منتجات الألبان قريبة نسبيا، إذ كانت تنحصر في المنطقة المحيطة ببحيرة كونستانس.

ولكن لهذه الإختلافات بعض الإنعكاسات الملموسة، مثلما يشرح فيتشي: “قبل مائتي عام، كان هنالك العديد من أبناء أبنزل رودس الخارجية الذين سافروا إلى الخارج، إما كتُجار أو في إطار وظائفهم. ونتيجة لذلك، كان أول نصفي الكانتون الذين أقام نظاما مدرسيا جيدا، وهذا منطقي: فعندما يكون لديك مستوى تعليمي أفضل، ومعرفة باللغات الأجنبية، يصبح من الأسهل التحرك واكتشاف الأسواق الخارجية”.

في الأثناء، يظل القاسم المشترك الأكيد بين المنطقتين هو تمسكهما بالتقاليد. ولكن حتى هذه الأخيرة أخذت في بعض الأحيان بُعدا عصريا وعالميا بمناسبة الإحتفال باليوبيل هذا العام، مثلما يتضح من خلال هذا المشروع الثقافي السويسري الصيني.

التوحّد أم التمسك بالإنفصال؟

مهما كانت الفوارق، فإن العديد من المتحدثين ضمن فعاليات الإحتفالات رحبوا بتعاون نصفي الكانتون لتخليد الذكرى السنوية بطريقة لم يسبق لها مثيل. ولكن روت كورمانبوف، عضو برلمان كانتون أبنزل رودس الداخلية قالت في تصريحاتها لـ swissinfo.ch: “إن نصفي الكانتون شهدا تقاربا متزايدا على مدى السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية”. وأضافت ضمن السياق نفسه: “لقد أصبحنا أكثر انفتاحا وأدركنا أن العمل معا شيء جيد، وأنه ينبغي علينا التعاون لأن حجمنا صغير جدا”.

فهل من الممكن لم شمل المنطقتين في أبنزل واحد مُجددا؟ تقول المادة الأخيرة من وثيقة الإنفصال التي وُضعت في عام 1597: “سوف يستمر هذا التقسيم طالما رغب فيه الجانبان. وهما يتمتعان بحرية التوحد من جديد في أي وقت”.

هانسبيتر كنوبفل، نائب رئيس مجلس مقاطعة “روتي” بأبنزل رودس الداخلية، هو بنفسه تجسيد للوحدة الكانتونية: فهو نشأ وترعرع في أبنزل رودس الخارجية – في وقت كان فيها نصف الكانتون الآخر “بعيدا جدا ولم تكن لنا أية علاقة به” – ثم انتقل إلى أبنزل رودس الداخلية عندما تزوج.

وفي رده على سؤال حول الوحدة السياسية، أعرب عن شكوكه قائلا: “لا أعتقد أننا بحاجة للإندماج. ربما نحتاج إلى قدر من التعاون والتعاضد، وهذا ما نقوم به بالفعل. الميزة الوحيدة للإندماج قد تتمثل في تحويلنا إلى كانتون أقوى في تعاملنا مع سويسرا ككل، ولكن ما عدا ذلك، نحن لسنا بحاجة إليه. فنحن نعيش معا على أحسن ما يُرام كجيران”.

أبنزل رودس الداخلية

 

مازال القطاع الزراعي يحظى بأهمية كبرى بحيث يوظف زهاء 16% من السكان.

أما نسبة الوظائف في القطاع الصناعي فهي أدنى بقليل عن الثلث.

 

وتوجد أزيد من نصف الوظائف في صناعات الخدمات.

 

أبنزل رودس الخارجية

نسبة فرص الشغل في القطاع الزراعي تقل عن 8%.

أكثر من ثلث القوى العاملة تشتغل في مجالات الصناعة، والطاقة، والبناء.

يشغل قطاع الخدمات أزيد من 58% من اليد العامة.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية