مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قرية مثالية تضم أكثر مواطني سويسرا تَكاسُـلا في التصويت

منزل ريفي كبير في مزرعة تقع شمال قرية "تروب" swissinfo.ch

"تروب" Trub هي قرية سويسرية مِـثالية بكل مل تحمله الكلمة من معنى. فهي لا تتمتّـع بطبيعة خلابة وجبنة جيدة وأناس يكِـدّون فَحَسْب، بل إنَّها تشتهر فوق ذلك، بأغنِـيتها المعروفة على الصعيد الوطني. ومع كل هذه المِـيزات، فقد أظهرت إحصائية تعُـود إلى عام 2008، بأن سكان هذه القرية، هم أكثر مُـواطني سويسرا تكاسُلا فيما يتعلّـق بعمليات التصويت.

تقع قرية “تروب” في البلدية المُسمّـاة بنفس الاسم في الجُـزء العلوي لوادي نهر “إيمّه” والمعروف بـ “إيمّينتال”، غرب العاصمة السويسرية برن، وهي عبارة عن تِـلال تغطِّـيها الغابات بنسبة لا تقل عن 50%. ومن يجول بِبَصره في أرجاء هذه القرية، سيُـدرك على الفور بأن سويسرا غير مُهَدّدة بِخطر الانهيار من هنا بالتأكيد.

وتعكس قرية “تروب” لسكان وادي “إيمّينتال” نموذجاً للقُرى الواقعة في هذا الوادي، حيث يوجد فيها ما يُمكِن تسميته “مثلّـث الوحدة الدُنيَوية” المُـمَثـلة بالكنيسة والحانة – الفندق ومعمل تصنيع مُـنتجات الألبان.

وفي هذا السابق، كانت الكنيسة تُستَـخدم للإعلان عن فضائل الحُكّـام، بالإضافة إلى قراراتِهم التي تتِـم مناقشتها واتخاذها عادة في الحانة من قِبَل المواطنين الأكثر نفوذاً، ومن ثَـمَّ تُنشَر هذه القرارات على لوحة الإعلانات في مصنع الألبان، الذي يشكِّـل المكان التقليدي لاجتماع الشباب.

وتنتشر المزارع، التي يربو عددها إلى 140، بصورة مُشَتتة حول هذا الجزء الذي يُـمثل نواة القرية. وتتألف هذه المزارع بصورة رئيسية من بيت للسكن (مصمّـم لتلبية مطالب مختلفة، بالإضافة إلى إيواء ما لا يقل عن جيلين)، مع حظيرة للحيوانات ومخزن للأدوات الزراعية. وحسب تصميم هذا المنزل، توجد هناك الإسطبلات وحظائر للتخزين والتخزين المؤقت.
واليوم، تملك القرية إدارة حديثة ويتم إتخاذ القرارات وقراءتها في إجتماع مجلس البلدية في مبنى المدرسة، كما يمكن الإطلاع على هذه القرارات على شبكة الإنترنت أيضاً.

“تروب” اليوم

ويقول إرنست كوهلر، أمين البلدية لـ swissinfo.ch: “نحن نعيش نوعية حياة عالية الجودة في هذه المنطقة”. ولا يقصد كوهلر هنا التقاء الطّـرق السريعة أو المطارات أو دار الأوبرا والمسارح والحانات، وإنّما يقصد الهواء النقي والهدوء والمناظر الطبيعية الخلابة، التي لم تعبث بها الأيادي، والسياحة الهادئة ومسارات المشي على الأقدام لمسافات كبيرة حول جبل “نابف” Napf ذي العُروقِ الذهبية. ويواصل قائِلاً: “لدينا مياه ممتازة ونحن نُعتَبَر قَـلعة للمياه”.

وتضيف كريستين ريبر – إيللر، رئيسة البلدية: “وشيء آخر، الشباب هنا ما زالوا يعرفون كيفية التصرف بِلِياقة”. وتُعتَبَر هذه ميزة موقعية أيضاً، حيث يُعتبر الشخص القادم من “تروب” نزيهاً ويُمكن الإعتماد عليه، لذلك فهو شخصية محبّـبة في كل مكان، سواء أكان موظّـفاً أو رب عمل.

هيكلية ضعيفة

وبكلامهم هذا، قام كلٌ من رئيسة البلدية وكاتِبها بتوجيه دفة الحديث بِلطف إلى جميع الأشياء التي تشغل قرية تروب. وقال كوهلر: “نحن هنا في طريقٍ مسدود في المناطق الداخلية من “إيمينتال” (وادي نهر إيمّيه)”، ويَعني ذلك رسميا، بلدية ذات هيكلة ضعيفة. وأضاف: “لدينا ما يكفي من المال للقيام بالمهام المَنُـوطة إلينا، بفضل المُـوازنة المالية”.

وبعبارة أوضح، يعني ذلك أن البلديات الغَنية في كانتون برن، هي التي تقوم بتمويل قرية “تروب”. ويعلق كوهلر: “إنهم يُشعِروننا بذلك مِـراراً وتِـكرارا”، لذا فإنه من المهِـمّ منع هِـجرة الشباب وجذب القادمين الجدُد، كما يعني ذلك الحِـفاظ على الزراعة وإقناع المصانع بالاستقرار في “تروب” وتشجيع السياحة.

وقد نجح كلّ ذلك إلى حدٍّ ما، ولكن كانت هناك نكسات أيضا، حيث يقول كوهلر: “منذ فترة قصيرة، تم إغلاق مكتب البريد في القرية”.

سويسرا الحقيقية تقع في “تروب”

ولكن، لِنَعُد الآن إلى موضوع أدنى نِـسبة من الناخبين في سويسرا، حيث تقول رئيسة البلدية ريبير – إيللير “لقد أثارنا هذا الموضوع”، وأضافت “لم نرضَ بأن يَمُر هذا الأمر ونحن صامتون، وأردنا ان نتخلّص من هذه السّـمعة. وفِي غُضونِ ذلك، أثمرت دعواتنا ونحن نقف الآن في الوسط”.

السبب يخبرنا الكثير عن “تروب”. فبفضل الأغنية الشعبية التي تحمل اسم “فتى تروب” Trueberbueb والتي غنّـاها كل جُندي سويسري وردّدها حسب مستوى الكحول التي تناولها، تحوّلت “تروب” إلى مفهومٍ مُـرادفٍ لسويسرا الحقيقية والمحصّـنة والمستقلة.

وقد أثار عدم حضور مواطني “تروب” بالذات إلى عمليات التّـصويت، وسائل الإعلام ودعاهم للبحث عن السبب الكامن وراء ذلك.

السويسريون في الخارج مسؤولون أيضاً

ومع أنَّ قرية “تروب” تقع في كانتون العاصمة البروتستانتية برن، لكنها في نفس الوقت على مَـقرُبة من الكانتون الكاثوليكي الجار لوتسرن. ولم يكن الجميع راضيا (أو متقبلا) للعقيدة البروتستانتية الجديدة، وهكذا قامت في “تروب”، وكنوع من الوراثة للدِّير البنِـدِكتي الناشط في السابق، حركة اعترفت بالإنجيلية القديمة – الدينسيان وسُميت “المعمدان” أو “تجديدية العماد” أو “الأنابابتِست” باللغة الأنجليزية.

وقد تمت ملاحقة أتباع هذه الحركة بدون هوادة من قِبَل السلطات في برن في القرنيْـن السابع والثامن عشر، مما دعاهم لِلفرار إلى كانتون الجورا وإلى هولندا وبالاتينات (إقليم في جنوب غرب ألمانيا) أو عبر المحيط باتجاه العالم الجديد.

ولهذا السبب، يملك العديد من المواطنين السويسريين المُـقيمين في الخارج، جذورا في “تروب”، من بينهم 149 شخصا مسجّـلين كناخبين في هذه القرية. وحيث أنهم نادرا ما يُدْلون بأصواتهم في المناسبات الإنتخابية العديدة في سويسرا، فإنهم بذلك يسحَـبون نِـسبة المشاركة في التصويت إلى الأسفل.

الريف مقابل المناطق الحضرية

وقد تكون طريقة التصويت في قرية “تروب” تعبيراً عن مُـشكلة عميقة الجذور في سويسرا، ألا وهي الإغتراب الذي بدأ يزحَـف بين المناطق الحضرية والريفية السويسرية، ذلك أنَّ العديد من الاستفتاءات تخُصّ المناطق الحَضَرية في سويسرا، بسبب إقامة أكثرية المواطنين هناك.

ويقول أمين البلدية إرنست كوهلر معلقاً: “في الكثير من الأحيان، لا تكون هذه (أي مواضيع التصويت)، مسائل تشغل مواطني قرية تروب”، وهكذا، فإنهم قليلاً ما يذهبون إلى صناديق الاقتراع.

ويضيف كوهلر” :لا ينبغي أن يكون هذا عُـذراً” ويستمر قائلاً: “لقد قُـمنا بتحسين أنفسنا، لكن لو تعلق التصويت في يومٍ ما بشأن إنضمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي، فسوف يتدَفّـق سكّـان قرية “تروب” إلى مراكز الاقتراع”.

أورس ماورر – تروب – swissinfo.ch

تقع بلدية تروب الريفية على تَلة يعمل فيها غالبية السكان في الزراعة. وتبلغ مساحة هذه البلدية 62 كيلومتراً مربعاً. ومن مجموع 396 بلدية في كانتون برن، تحتل “تروب” المرتبة 17.

السكان:

2009: 1.470
1990: 1.613
1910: 2.500

ويعني رحيل عدد كبير من “تروب” أن هناك ما لا يقل عن 50،000 شخص يملكون حقوق المواطنة من هذه البلدية.

إلى جانب الزراعة، هناك العديد من المشاريع التجارية الصغيرة في “تروب”، لاسيما في تصنيع الأخشاب -وبعض الشركات من قطاع الخدمات، كما يوجد هناك مصرف أيضاً.
وهناك منطقة واسعة، ذات مسارات محددة للمشي بطول 75 كيلومتراً لخدمة السياحة الهادئة.

ويُعتبر جبل “نابف” Napf، الذي يصل ارتفاعه إلى 1408 مترا فوق مستوى سطح البحر، أعلى نقطة في هذه البلدي، وهو يصلح للتنزّه ومن على قمته، يمكن النظر من الغابة السوداء (ألمانيا)، إلى جبال الألب السويسرية. ولا يمكن الوصول إلى هذا الجبل، إلا سيْـرا على الأقدام، وهو يقع ضِـمن محمية طبيعية.

وربما يكون المخزون الذّهبي فوق هذا الجبل، هو الأقدم في سويسرا. وتنتمي هذه الودائع بنِـسبة 97.3٪ إلى الأنقى في العالم، غير أنَّ هذه الودائع صغيرة ولا يقوم بغسل الذهب هناك، إلا فِئة قليلة من الهواة.

ويفتخر أحد الأشخاص والذي يُدعى السيد “ماغ”، والذي يعمل كمُضيف في الأرغاو الأعلى Oberaargau (الجزء الشمالي الشرقي لكانتون برن)، بإمتلاكه ضِرساَ كاملاً من الذهب الخالص، الذي يعود إلى جبل “نابف”.

أغنية “فتى تروب” Trueberbueb: والتي أصبحت أغنية شعبية، أُلِّـفَت في عام 1875 من قِـبل قَِـسِّ بلدية “تروبشاخَن”Trubschachen، (بلدية في منطقة سيغناو في كانتون برن) والمُسَمى غوتفريد ستراسر. وكتب لحن الأغنية مؤلِّـف أغاني اليودل السويسرية الشعبية ج. رودولف كرينغر (1854 – 1925).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية