مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أبحاث سويسرية تستهدف القضاء التام على مرض الـجُـذام

فيما أعلنت الهند رسميا أنها منطقة خالية من الجُـذام، إلا أنه لا يزال هناك أكثر من 1000 مستعمَـرة للجذام مُـنتشِـرة في أنحاء البلاد Keystone

أظهَـرت دراسة حديثة أن الجُـذام، الذي كان من أمراض العُـصور القديمة والذي انتقَـل إلى العالم عن طريق حركة الأسفار والتجارة من شرق إفريقيا، لم يطرَأ عليه تغيير كبير، رغم انقضاء هذا التاريخ الطويل.

ويأمل فريق البحث السويسري، الذي يضمّ مجموعة من العلماء الدوليين، أن تُـسهم الأبحاث والدراسات حول تاريخ مرَض الجُـذام، منذ الحقبة التاريخية لمصر القديمة وحتى يومنا هذا، في القضاء على هذا المرض العُـضال، الذي لا يزال يتهدّد سكان الدول الفقيرة.

فقد قام فريق العلماء بفحْـص الحِـمض النووي DNA لبقايا بشرية من بِـقاعٍ مُـختلفة من العالم، منها البرازيل ومدغشقر والصين وأوروبا ومصر، حيث عُـثِـر على مومياء، يعود عهدها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، واستطاعوا تحديد أربع سُـلالات من المتفطِّـرات البكتيرية “mycobacterium” (الأوروبية والهندية والشرق والغرب إفريقية)، لا تختلف كثيرا فيما بينها، وكلها تتسبّـب في مرض الجُـذام.

ومن الملاحظات التي سجّـلها ستيوارت كول، الأستاذ في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان والذي قاد الدراسة، أنه لم يَـر في حياته مِـثل جرثومة الجُـذام، التي وصفها بأنها “الكائِـن الحيّ الأكثر استقرارا”.

وعلّـل ذلك بما شاهده خلال التجارب المخبرية، حيث قال لـ swissinfo.ch: “إنه، بغضِّ النظر عن أصل العيِّـنة من المتفطرات الجذامية، فقد بدا بينها مستوى عالٍ من التّـشابه. وجرثومة الجذام، تستحفظ بشكل جيِّـد على (الجينوم) الخاص بها”، وأضاف: “وهذه أخبار سارّة جدا، فيما يخُـصّ الحديث عن العِـلاج”.

وأشار إلى أنهم لم يجِـدوا إلا نحو مائة فارق بين تركيبات الأحماض النووية DNA لمُـختلف سُـلالات البكتيريا الجذامية، بينما قد توجد آلاف الطّـفرات أو التحوّلات التي يقوم بها فيروس نقْـص المناعة المكتسبة HIV أو فيروس الإنفلونزا.

وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة نيتشر جينيتكس “Nature Genetics” في عددها الأخير، أنه كلما كثُـرت التحوّلات التي يقوم بها الكائِـن الحي، كلما كانت مبعثا للقلق، حيث أنها تعني قُـدرة هذا الكائن الحي المسبِّـب للمرض، على مقاومة العلاج بالمضادّات الحيوية، كما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة لمرض السُـل، وعلى النقيض من ذلك، كلما مال الفيروس أو البكتيريا نحو الإستقرار، كلما أمكنت معالجته بصورة أسرَع وأكثر نجاعة.

تقدّم هائل

ذكرت منظمة الصحة العالمية في عام 1996 بأنها تأمل في القضاء التامّ على مرض الجُـذام في غضون عشر سنوات. وبالرغم من التناقص في أعداد المرضى، إلا أن المرض لا يزال يمثِّـل هاجِـسا صحيا مُـقلقا، حيث يوجد أكثر من 700 ألف شخص مصاب على مستوى العالم.

ويؤكد كول قائلا: “لقد تمّ إحراز تقدّم هائل، حيث تمّ شفاء أكثر من 12 مليون مريض”، ثم استدرك: “بَـيْـد أنه لا يزال هناك الكثير من المرضى ومن مسبِّـبات المرض، ممّـا يستدعى ضرورة استِـئصال المرض والتخلّـص منه” نهائيا.

ووِفقا لمصادِر منظمة الصحة العالمية، فقد تمّ في عام 2008 تشخيص نحو 250 ألف حالة جديدة في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، يأتي هذا بالرغم من توفّـر علاج المرض مجّـانا منذ أكثر من 20 عاما.

وبالمناسبة، يُـرشد الأستاذ كول إلى أن الجُـذام مرض سهْـل العلاج نِـسبيا، لاسيما إذا تم تشخيصه مبكّـرا وإذا تناول المريض العِـلاج بشكل صحيح ولكامل المدّة المحددة.

علاج مُـعقَّـد

طوّرت منظمة الصحة العالمية عَـقارا فعّـالا ضد مرض الجُـذام، وهو عقار معقّـد التركيب يضمّ ثلاثة أنواع من المضادّات الحيوية، يتناولها المريض لمدة تتراوح بين سنة أو سنتين، تبَـعا لنوع المرض.

وبمجرّد أن يأخذ المريض العِـلاج لبضعة أسابيع، فإنه يُـصبح غير ناقل للعدوى، بالرغم من بقاء التشوّهات ظاهِـرة على جسده، خاصة الأطراف.

وبرأي كول: “إنها طريقة عِـلاج معقّـدة، وأتمنى أن يتمّ التوصل إلى عَـقار يعمَـل بصورة أسرع، حتى نرفع المشقّـة عن المريض وحتى لا يحتاج إلى العِـناية والمتابعة مدّة طويلة”.

ويضيف أنه ممّـا يُـؤسَـف له، أن مرض الجُـذام من الأمراض المُـهملة، وليست هناك أبحاث كثيرة بخصوص المرض، نظرا لشحّـة الموارد ومحدودية التمويل، والتركيز الأكبر مُـنصبّ على مكافحة السُـل.

ما زلنا بعيدين

ويُـصر كول على أنه: “من المهِـم أن تكون هناك أبحاث نشِـطة بشأن مرض الجُـذام، لاسيما وأننا لا نزال غير متأكِّـدين من إمكانية القضاء عليه”. وهذا أيضا رأي فرانشيسكو ريو، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، الذي لفت إلى أن “المعركة لم تنتهِ بعدُ، وأننا ما زِلنا بعيدين عن تحقيق ما نصْـبو إليه”.

وقد صرح لـ swissinfo.ch مذكِّـرا بأن: “المَـيْـل الأخير دوما، هو الأصعب في المشوار، وقد شاهدنا هذا من خلال بعض الأمراض الأخرى، مثل دودة غينيا أو شلَـل الأطفال”، وقال: “قد تتعثّـر جهود حملة القضاء على المرض، عندما تعزّز الجهود وترتفع التكاليف”. وأردف: “نحتاج إلى مُـواصلة الضّـغط على الدول، وإلا قد يعود الجُـذام”.

سايمن برادلي – swissinfo.ch

هو واحد من أقدم الأمراض التي عرفها العالم. وتعود أقدَم إشارة تاريخية لوُجود المرض إلى عام 600 قبل الميلاد في الهند، حيث تمت الإشارة إليها بمصطلح سنسكريتي “كوشتها”، ومعناه الحرفي “يأكل منبوذا”.

الجُـذام هو مرض مُـعدي ومُـزمن، يستهدف الجِـهاز العصبي، وخاصة أعصاب اليديْـن والقدميْـن والوجه.

يرجع سبب المرض إلى نوْع من أنواع البكتيريا، يُـطلق عليها “البكتيريا الفِـطرية الجُـذامية“. تتكاثر ببُـطء شديد وتبلغ فترة حضانة المرض حوالي خمسة أعوام، وقد يأخذ المرض وقتا طويلا قبل أن يظهَـر، وربّـما لا يبدأ في الظهور إلا بعد 20 عاما.

ليس الجُـذام بالمرض شديد العدوى، وهو ينتقِـل من خلال الاتِّـصال المُـتكرّر والوثيق بمرضى لم يخضَـعوا إلى العلاج، ويكون انتِـقاله بواسطة رذاذ من الأنف أو الفم.

يوجد حاليا على مستوى العالم أكثر من 700 ألف مريض بالجُـذام، يتوزّعون على 118 بلدا. ووِفقا لمنظمة الصحة العالمية، يوجد 249.007 حالة جديدة تمّ الكشْـف عنها خلال عام 2008، ويشير هذا العدد إلى انخفاض سنوي بنسبة 20٪ في الحالات الجديدة المكتشفة عالميا منذ عام 2001.

تمكّـنت مُـعظم الدول، التي كانت في السابق ذات نِـسبة إصابات عالية، من القضاء على المرض (وفقا للمعيار المحدّد من قِـبل منظمة الصحة العالمية، وهي حالة واحدة لكل 10000 فرد من السكان).

لا زالت توجد جُـيوب ذات نِـسبة عالية من الوباء في بعض أجزاء من أنغولا والبرازيل وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والهند ومدغشقر وموزامبيق ونيبال وتنزانيا.

مريض الجُـذام قابِـل للشِّـفاء التامّ، ومعالجة المرض في وقتٍ مبكّـر، تحُـول دون الإصابة بالعجْـز، ويمكن التشخيص المبكّـر للمرض بواسطة حركات بسيطة يقوم بها المريض، فتظهر من خلالها علامات سريرية يعرفها الطبيب.

تُقدم منظمة الصحة العالمية منذ عام 1995 عِـلاجا مجانيا لجميع المرضى في العالم، وهو عِـبارة عن عَـقار مركّـب، كان يُزوَّد في البداية من قِـبل صندوق العقاقير التابع لـ “NipponFoundation”، ثم أصبحت منذ عام 2000، كل من “شركة نوفارتس” و”مؤسسة نوفارتس للتنمية المستدامة” تتبرّع به.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية